آخر التطورات البحثية في هذا المجال
مقرر تعليمي للصحفيين ومدرسي الصحافة
كتاب متخصص من اصدارات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، تم اعداده بعناية فائقة ليسهم فعليًا في بناء قدرات الصحفيين العاملين في تغطية أحداث النزاعات المسلحة، والذين جنّدوا أنفسهم لنقل الوقائع اليومية للحروب والصراعات بمختلف أشكالها ومستوياتها ودوافعها.
الكتاب من تأليف روس هوارد، أستاذ الصحافة بكلية لانغرا بفانكوفر – كندا، وهو أيضًا خبير دولي في التدريب على التغطية الإخبارية المراعية لحساسية النزاعات، وقد تطرق الكتاب إلى موضوعات عديدة في هذا الجانب شملت جوانب الدقة والحيادية والموضوعية وتأطير الأخبار وإثارة الأسئلة المفتوحة والتعامل مع خطاب الكراهية والتغطية أثناء النزاع، كما لم يغفل الكتاب وسائل وأدوات السلامة للصحفيين العاملين في مناطق النزاع.
ويمثل هذا الكتاب منهاجًا دراسيًا نموذجيًا لبرنامج تدريبي يتوخى تدعيم مهارات الصحفيين المهنيين فيما يخص التغطية الإخبارية للنزاعات العنيفة، وقد تم تصميمه خصيصًا ليقدم إلى مجموعات صغيرة من المراسلين والمحررين والمنتجين من ذوي الخبرات المتواضعة نسبيًا، وذوي الخبرات المتوسطة، في بيئات معينة، مثل الدول التي أنهكتها النزاعات والديمقراطيات الناشئة.
ويشدد الكتاب على الأهمية القصوى للمعايير الأساسية للممارسة الصحفية، كما يعزز من قدرة الصحفيين على تقصي وتحليل ديناميات النزاعات العنيفة في بلدانهم.
—
جدول المحتويات
توطئة
مقدمة
الاعتراف بدور الإعلام في النزاعات
مخطط تمهيدي للمنهاج الدراسي
تفصيل المنهاج
ملاحظات موجهة للمدربين
دراسات حالات
مصادر عملية مفيدة في إعداد منهج دراسي للتغطية الإخبارية المراعية لحساسية النزاعات
—
جدوى هذه الدراسة
لقد طرأت تغيرات ملحوظة على النزاعات العنيفة التي يتعين على وسائل الإعلام تغطيتها في معظم أنحاء العالم، فلم نعد نرى حروبًا تقليدية كتلك التي طالما دارت رحاها في الماضي بين الأمم، ولكننا بتنا في مواجهة صراعات عنيفة ضمن حدود مشتركة أو غير واضحة غالبًا ما تكون بين طوائف وقبائل وجماعات أخرى ذات مصالح، وغالباً ما تتسم النزاعات العنيفة بكونها استغلالًا مرعبًا وغير قانوني لجموع المدنيين والموارد المادية تمارسه جماعات من الجنود القليلي التدريب أو جماعات من القوات شبه العسكرية أو تشكيلات من القوات المستقلة التي ترتكب الجرائم بغية إطالة أمد العنف، وهكذا تؤول الأمور إلى ضعف سلطة الدولة وتدهور حكم القانون أو انهيارهما في آنٍ معًا، وما يفتأ العنف المحدود يتكرر بصورة غير معتادة هنا وهناك، ومن ثم يغدو الإعلام الإخباري بتقنياته الجديدة ومداه الأوسع عُرضة للتضليل الإعلامي وسوء الاستغلال أو ضغوط جماعات المصالح الراغبة في استثمار أجواء النزاعات العنيفة والتربح من ورائها.
ولا أدلَ على العلاقة الوطيدة بين الإعلام الإخباري والنزاعات العنيفة من التناقض بين اتجاهين حاليين، ومن يُمن الطالع أننا نشهد تناقصًا ملحوظًا في عدد النزاعات العنيفة على مستوى العالم كله في الوقت الراهن، لكن من ناحية أخرى ثمة تزايد ملحوظ في أعداد الصحفيين الذين يلقون حتفهم في غمار هذه النزاعات بتلك المناطق الملتهبة وفي غيرها، فقد بات الصحفيون أهدافًا مشروعة لتجار ومروجي الحروب نظرًا لقدرة وسائل الإعلام على التأثير في مجريات النزاعات.
بيد أنه لم يطرأ تغير ملحوظ على تناول وسائل الإعلام للتغطيات الإخبارية للنزاعات حيثما كانت، وتمثل النزاعات في التعليم والتدريب المتعلقين بالصحافة مجالًا يشوبه الكثير من الغموض، فلطالما ضربت المدرسة الصحفية التقليدية صفحًا عن تضمين عملية تنمية المهارات الطريقة المثلى لتغطية النزاعات العنيفة وتجاهلت بالمطلق كون النزاعات العنيفة عملية من العمليات الاجتماعية، ولئن كانت الموضوعات الأخرى تتطلب تزود الصحفيين بالمعرفة والدراية والخبرة، كتغطية أخبار الأعمال والاقتصاد والصحة العامة والموسيقى والرياضة وما سوى ذلك من موضوعات، فإن آليات النزاعات العنيفة – بما في ذلك بواعثها وتطوراتها وسبل حلّها – تعد من الأمور التي لا يدركها معظم الصحفيين، علاوة على تغطيتها بطرق تفتقر إلى الحنكة اللازمة. ففي عالمنا المعاصر الذي لا تنفك تتغير فيه بيئات النزاع، يتزايد عدد الصحفيين الذين يجدون أنفسهم غير مؤهلين بالقدر اللازم لتناول قضية النزاعات العنيفة التي تقتضي منهم قدرًا كبيرًا من الاهتمام والتي تقوض أركان مجتمعاتهم. وفي كثير من الأحيان يجري توجيه أصابع الاتهام إلى وسائل الإعلام الإخبارية باعتبارها جزءًا من المشكلة في النزاعات.
وإن الصحفيين العاملين في البلدان المنهكة بالنزاعات، أكثر إدراكًا من أقرانهم العاملين في صحافة البلدان الديمقراطية الراسخة بأن أداءهم الصحفي كصحفيين ومواطنين قد يبدو غير كافٍ وسطحيًا بل قد يكون أداءً ضارًا. وفي هذا تقول خبيرة التنمية الإعلامية ماري-سولاي فرير معبرة عما يقوله بعض الصحفيين الأفارقة عن أنفسهم: “نحن نغطي أخبار النزاعات بتبسيط مخل ونقوم بذلك بحيوية ودون انقطاع لكننا لا نغطيها على نحوٍ مهني متقن. فنحن نقفز إلى النتائج دون التطرق إلى الأسباب كما أننا نضرب صفحًا عن الحلّول”.
ومن ثم فإن الصحفيين في حاجة ماسة إلى بعض المناهج الجديدة في التغطية الإخبارية للنزاعات العنيفة، خاصة أولئك الذين يعملون في البلدان المنهكة بتلك النزاعات. ومن بين القائمين على عملية التدريب الصحفي، ممن طلبنا مشورتهم بخصوص هذه الدراسة، قال العديد إنه كلما سنحت فرصة التمعن فإن الصحفيين قيد التدريب غالبًا ما يطلبون منا تزويدهم بتقنيات جديدة تمكنهم من تغطية أخبار النزاعات في مجتمعاتهم المحلية.
وطالما قيل إن الدور التقليدي للإعلام الإخباري هو أن يلبي اهتمامات الجمهور وأن يكون على الدوام أداة موثوقًا بها لنقل المعلومات، وأن يشكل منتدى للتعبير الحر عن الرأي، وأن يكون رقيبًا أمينًا على عمل الحكومات. وقد وقر في ضمير الكثير من الصحفيين أن لعملهم الصحفي دورًا لا بأس به في جعل العالم مكانًا أفضل للعيش والحياة. لكن في البيئات التي لا يكون فيها لهذه الأدوار تأثير بالغ في دورات العنف التي ما إن تنتهي حتى تبدأ من جديد، ثمة إحباط وخيبة أمل يستشريان في أوساط الصحفيين ومن يدعمونهم.
ونتيجة لذلك فإن بعض ذوي النوايا الحسنة من الصحفيين والأكاديميين والباحثين في مجال السلام اقترحوا ممارسة جديدة في التغطية الإخبارية تتوخى العمل من أجل السلام وتجتذب المراسلين إلى خندق المناصرين لهذه الممارسات المبتكرة. لكن هذا التجاوب يعرّض للخطر الأدوار التقليدية والمبادئ الأولية التي تمنح الصحافة المشروعية في نظر معظم المواطنين. إن استقلالية الإعلام الإخباري وموضوعيته هما العنصران اللذان يضفيان على عمل الصحفيين المصداقية والنفوذ من خلال توفير المعلومات للناس الذين يتعين عليهم أن يصنعوا التغيير بأنفسهم في اتجاه التوصل إلى حلول سلمية للنزاعات القائمة بينهم.
وبدلًا من الاضطلاع بأدوار جديدة فإن على الصحافة، في المناطق التي تمزقها النزاعات، أن تُرسِّخ أدوارها الأصلية. ولا يحتاج الأمر غير بعضٍ من الاتقان في التغطية الإخبارية كما سبق لزملاء ماري-سولاي فرير القول. إذ يمكن للصحفيين تغطية أخبار النزاعات بمزيد من الثقة ودون المخاطرة بمبادئهم إن هم استوعبوا بعضاً من جوانب النزاع مثل سبب تحول النزاع إلى العنف، وأهم الأسباب الكامنة وراء هذا العنف، والدوافع التي تحرك تجار الحرب وصناع السلام والمواطنين العاديين، وكيفية تغلب المجتمعات على نزاعاتها دون اللجوء إلى العنف، ومعرفة من يتحدث عن هذه القضايا وما هو رأيه فيها، وكيفية تغطية أخبار النزاعات دون تأجيجها. إن أحد العوامل التي تتيح اعتبار الصحفي ناقلًا موثوقًا به للمعلومات لا يكمن في مناصرته لما يجب أن يكون بل في كشفه لما يمكن أن يحدث، بما في ذلك إمكانيات التوصل إلى السلام.
طيلة عقدٍ من الزمان أو أكثر، دأب بعض خبراء التدريب الصحفي والمدرسين والباحثين الإعلاميين على وضع منهجيات ومضامين تدريبية تلبي احتياجات الارتقاء بالإتقان لدى الصحفيين الذين يغطون أخبار النزاعات، خاصة في الدول المنهكة بالنزاعات. ومن هنا فقد ظهر ذلك النذر اليسير من المناهج الدراسية والوحدات التدريبية والنشرات والكتب التي تتناول تغطية أخبار النزاعات، علاوة على ما ساد عالم أبحاث بناء السلام من الإقرار بأن جودة التغطية الصحفية جزءٌ لا يتجزأ من عملية حلّ النزاعات.
ونستهل هذه الدراسة بالانكباب على هذا الإقرار بدور الصحافة في بناء السلام. ويلي ذلك استعراض محاولات تعريف دور الصحافة والممارسات الملائمة لحلّ النزاعات. ومن ثم تقدم الدراسة منهاجًا دراسيًا أو مخططًا تعليميًا تمهيديًا لإنجاز برنامج تدريبي قابل للتطويع، قدر المستطاع، بحيث يلبي الاحتياجات المعبر عنها والملحوظة لدى الصحفيين القائمين بالتغطية الإخبارية للنزاعات العنيفة، ولا سيما داخل مجتمعاتهم وبلدانهم وأقاليمهم.
كما تتضمن هذه الدراسة ملاحظات ميدانية أو ملاحظات وتوصيات موجهة إلى جميع المدربين أو موجهي الدروس الذين يقدمون المقرر الدراسي الخاص بالتغطية الإخبارية المراعية لحساسية النزاعات في
المناطق المنهكة بالنزاعات.
كما تشتمل الدراسة على استعراض حالات تمثل مبادرتين حديثتي العهد تتناولان التدريب على التغطية الإخبارية المراعية لحساسية النزاعات في دولتين أنهكهما النزاع العنيف، ألا وهما كينيا والصومال.
كما تتضمن الدراسة قائمة مصادر تضم عددًا من الوثائق الجوهرية التي تُمكن موجهي الدروس من الرجوع إليها توخيًا لمزيد من الإلمام بالمفاهيم النظرية والتطبيقات العملية إلى جانب أمثلة لمعايير التدريب ومصادر أخرى تُعين على تطوير المبادرات التدريبية المتعلقة بالتغطية الإخبارية المراعية لحساسية النزاعات.
لقد قصدنا من وراء المفاهيم والتطبيقات الواردة في المنهاج الدراسي أن نضع بين يدي الدارسين مفاتيح فهم أوليِّ للنزاعات وكيفية حلّها والدور المنوط بالإعلام الإخباري في هذا الشأن. وما هذا المنهاج الدراسي سوى توعية تمهيدية ومقدمة للمجال الرئيسي المختص بتحليل النزاعات وحلّها، الذي تطور على مدار نصف قرن ونيف. والقصد من ذلك كله هو أن تصبح التغطية الإخبارية للنزاعات أقوى تبصرًا وأشد تفهماً ومن ثم أبلغ تأثيرًا، إذ إن اتسامها بالتفهّم يجعلها قادرة على العرض الأوضح لإمكانيات حلّ النزاعات بدلًا من العمل على إدامتها.
(*) منشورات يونسكو
(*) يُنشر بموجب سماح “الانتفاع الحر المتاح بموجب ترخيص بالمثل 3.0“