بشأن مكافحة خطاب الكراهية
المعتمدة في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2015
ستراسبورغ، في 21 مارس/ أذار2016
اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب (ECRI)
مجلس أوروبا – 2016
إن اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب:
إذ تجدد التأكيد على الأهمية الأساسية لحرية التعبير والرأي، والتسامح واحترام المساواة في الكرامة لجميع البشر من أجل مجتمع ديمقراطي وتعددي؛
وإذ تذكِّر، مع ذلك،بأن حرية التعبير والرأي ليست حقًا مطلقًا وأنه لا يجب أن تمارس بطريقة لا تتفق مع حقوق الآخرين؛
وإذ تذكِّر بالإضافة إلى ذلك بأن تاريخ أوروبا يمنحها واجب الذاكرة واليقظة والمقاومة تجاه تنامي ظواهر العنصرية، والتمييز العنصري، والتمييز القائم على النوع الاجتماعي، والتحيز الجنسي، ورهاب المثلية الجنسية، وكراهية مغايري الهوية الجنسانية، ورهاب الأجانب، ومعاداة السامية، ورهاب الإسلام، ومعاداة الغجر والتعصب، وكذلك في حالات جرائم الإبادة الجماعية، أو الجرائم ضد الإنسانية، أو جرائم الحرب والإنكار، أو التهوين والتبرير العلني لهذه الجرائم أو إضفاء طابع الشرعية عليها؛
وإذ تذكِّر أن واجب الذاكرة واليقظة والمقاومة جزء لا يتجزأ من حماية وتعزيز حقوق الإنسان الكونية وغير القابلة للتجزئة، والتي هي حقوق كل إنسان؛
وإذ تسجل الطرق المختلفة التي يتم من خلالها تعريف مفهوم خطاب الكراهية وفهمه على المستويين الوطني والدولي والأشكال المختلفة التي يمكن أن يتخذها هذا الخطاب؛
وإذ تعتبر أنه، لأغراض توصية السياسة العامة هذه، يقصد بخطاب الكراهية الترويج أو التشجيع، بأي شكل من الأشكال،على تحقير أي شخص أو مجموعة من الأشخاص أو الدعوة إلى كراهيتهم أو التشهير بهم بالإضافة إلى التحرش، أو السب، أو الصور النمطية السلبية، أو وصمة العار أو التهديد تجاه شخص أو مجموعة من الأشخاص، وتبرير جميع أنواع التعبير السابقة على أساس “العرق”، اللون، الانتماء العائلي ، الأصل القومي أو الإثني، السن، الإعاقة، اللغة، الدين أو المعتقدات، الجنس، النوع الاجتماعي، الهوية الجنسانية، التوجه الجنسي،وسمات شخصية أخرى أو مرتبطة بالوضع؛
وإذ تعترف بأن الأفعال المذكورة أعلاه يمكن أن تتخذ شكل إنكار جرائم الإبادة الجماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب التي تؤكدها العدالة، أو التهوين الجسيم منها أو تبريرها أو إضفاء طابع الشرعية عليها علنا، بالإضافة إلى تمجيد الأشخاص الذين تمت إدانتهم لارتكاب مثل هذه الجرائم؛
وإذ تدرك أيضًا أن أشكال التعبير المسيئة أو الصادمة أو المقلقة لا يمكن، لهذا السبب وحده، أن تُعامل على أنها خطاب يحض على الكراهية وأن التدابير المتخذة لمكافحة استخدام هذا الخطاب ينبغي أن تُسخَّر لحماية الأشخاص ومجموعات الأشخاص، وليس لحماية معتقدات أو إيديولوجيات أو ديانات معينة؛
وإذ تعترف بأن استخدام خطاب الكراهية يعكس أو يروج الافتراض غير المبرر بأن صاحب ذلك الخطاب يهيمن بأي شكل من الأشكال على الشخص المستهدف أو مجموعة الأشخاص المستهدفين؛
وإذ تقر بأن خطاب الكراهية قد يهدف إلى حث الآخرين على ارتكاب أعمال العنف، أو التخويف، أو العدوانية أو التمييز ضد الأشخاص المستهدفين، أو أفعال يمكن التوقع بشكل معقول أنها ستؤدي إلى هذا التأثير، وأن هذا النوع من الخطاب خطير بشكل خاص؛
وإذ تدرك الأخطار الجسيمة لخطاب الكراهية على تماسك مجتمع ديمقراطي، وحماية حقوق الإنسان وسيادة القانون، وإذ تراعي ضرورة ضمان عدم تحويل القيود المفروضة على خطاب الكراهية لإسكات الأقليات وقمع الانتقادات الموجهة ضد السياسات الرسمية أو المعارضة السياسية أو المعتقدات الدينية؛
ووعيًا منها بالمشكلة الخاصة التي يطرحها خطاب الكراهية وخطورته عندما يستهدف النساء بسبب جنسهن و/أو نوعهن الاجتماعي و/أو هويتهن الجنسانية ويكون مرتبطا بإحدى السمات الأخرى أو أكثر من سمة؛
وإذ تعترف بأن استخدام خطاب الكراهية يبدو متناميًا، لا سيما بفضل الاتصالات الإلكترونية التي تضخم تأثيره، وأن نطاقه الحقيقي لا يزال، مع ذلك، من الصعب تحديده بدقة في غياب الإبلاغ المنهجي للأفعال وجمع البيانات في هذا الصدد، وأنه يجب محاربة هذا التوجه من خلال تقديم الدعم المناسب للأشخاص المستهدفين أو المتضررين؛
وإذ تدرك أنه يمكن استغلال الجهل وضعف التثقيف باستخدام وسائل الإعلام، فضلًا عن العزلة والتمييز والتلقين والتهميش بهدف تشجيع استخدام خطاب الكراهية دون الإلمام الكامل بطبيعته الحقيقية وعواقبه؛
وإذ تؤكد على أن التثقيف ضروري للتصدي للمفاهيم والمعلومات الخاطئة الكامنة وراء خطاب الكراهية وأنه يجب أن يستهدف الشباب بشكل خاص؛
وإذ تقر بأن إحدى الطرق المهمة لمواجهة خطاب الكراهية تتمثل في التصدي له وإدانته مباشرة بخطابات مضادة تشير بوضوح إلى طابعه المدمر وغير المقبول؛
وإذ تدرك أن القادة السياسيين والدينيين والمجتمعيين وغيرهم من الشخصيات العامة تقع عليهم مسؤولية ذات أهمية خاصة في هذا الصدد، لأن وضعهم يسمح لهم بالتأثير على جمهور واسع؛
ووعيًا منها بالدور الخاص الذي يمكن أن تلعبه جميع أشكال وسائل الإعلام، سواء كانت على الإنترنت أو خارجه، في نشر خطاب الكراهية ومكافحته على حد سواء؛
وإدراكًا منها للتأثيرات الضارة لخطاب الكراهية على الأشخاص المستهدفين وخطر الإقصاء والتطرف الناجم عن ذلك، بالإضافة إلى عواقبه الوخيمة على التماسك الاجتماعي في حال الامتناع عن مكافحته؛
وإذ تقر بأن التنظيم الذاتي والتبني الطوعي لمدونات قواعد السلوك غالبًا ما يكونان وسيلة فعالة لمنع وإدانة استخدام خطاب الكراهية وأنه ينبغي تشجيعهما؛
وإذ تشدد على أنه من الضروري أن يتمكن الأشخاص المستهدفون بخطاب الكراهية من الاعتراض بتقديم خطاب مضاد وإدانة خطاب الكراهية والتماس جبر الضرر أمام المحاكم والسلطات المختصة؛
وإذ تعترف أن الحظر الجنائي لا يكفي في حد ذاته للقضاء بشكل تام على استخدام خطاب الكراهية وأنه لا يكون دائمًا مناسبًا؛ واقتناعًا منها، مع ذلك، بضرورة تجريم هذا الاستخدام في ظروف معينة في القانون الجنائي؛
ومع مراعاة العتبة القائمة على المعايير الستة لخطة عمل الرباط بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداء أو العنف، واقتناعا منها بأن هذا الحظر الجنائي ضروري عندما يكون المقصود من خطاب الكراهية التحريض على ارتكاب أعمال العنف أو الترهيب أو العداء أو التمييز ضد الأشخاص المستهدفين، أو عندما يمكن التوقع بشكل معقول أنه سيؤدي إلى حدوث هذا التأثير؛
وإذ تؤكد على أهمية عدم دعم المنظمات التي تشجع استخدام خطاب الكراهية وعلى ضرورة حظر تلك المنظمات التي تفعل ذلك من أجل التحريض على ارتكاب أعمال العنف أو التخويف أو التمييز ضد الأشخاص المعنيين، أو التي يمكن أن يتوقع منها بشكل معقول أنها ستؤدي إلى هذا التأثير؛
وإذ تشدد على ضرورة التعجيل بفتح تحقيقات فعالة عقب الشكاوى المتعلقة بخطاب الكراهية والحاجة إلى تفادي التفسيرات التقييدية المفرطة للأحكام المتعلقة باستخدام هذا الخطاب؛
وإذ تذكِّر بأن الالتزام، المنصوص عليه في القانون الدولي، بتجريم أشكال معينة من خطاب الكراهية، على الرغم من أنه ينطبق على الجميع، قد أنشئ لحماية أفراد الفئات الضعيفة، وإذ تلاحظ بقلق أن هاته الفئات تعرضت في بعض الأحيان إلى المتابعة بشكل غير متناسب أو أن الجرائم التي تم إنشاؤها استخدمت ضدهم بشكل غير صحيح؛
وإذ تشير إلى أن عمل اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب يركز على خطاب الكراهية على أساس “العرق”، أو اللون، أو اللغة، أو الدين، أو الجنسية، أو الأصل القومي أو الإثني، أو الهوية الجنسانية، أو التوجه الجنسي، ولكن مع الاعتراف بأن خطاب الكراهية يمكن أن يستند أيضًا إلى جميع الاعتبارات الأخرى التي سبق ذكرها، وأن التوصيات الواردة في هذا النص ينبغي أن تطبق عليها مع مراعاة ما يقتضيه اختلاف الحال،
توصي حكومات الدول الأعضاء بما يلي:
- 1. التصديق، إذا لم تكن قد فعلت ذلك بعد، على البروتوكول الإضافي الملحق بالاتفاقية بشأن الجريمة الإلكترونية، والمتعلق بتجريم أعمال العنصرية وكراهية الأجانب المرتكبة بواسطة أنظمة الكمبيوتر، والاتفاقية الإطارية لحماية الأقليات القومية والبروتوكول رقم 12 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان؛
- 2. سحب جميع التحفظات على المادة 4 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والمادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاعتراف باختصاص اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري في تلقي ودراسة البلاغات الواردة من أشخاص أو مجموعات من الأشخاص بموجب المادة 14 من الاتفاقية؛
- 3. السعي إلى تحديد الظروف التي تؤدي إلى اللجوء إلى ممارسة خطاب الكراهية ومختلف الأشكال التي تتخذها هذه الممارسة وقياس نطاقها والأضرار التي تسببها، بهدف تثبيط ومنع استخدامه وكذلك الحد من هذه الأضرار وجبرها، عبر اتخاذ الإجراءات التالية:
أ. تطوير أدوات موثوقة لهذا الغرض؛
ب. الحرص على تكليف هيئات عامة باستخدام هذه الأدوات وأن تفعل ذلك بشكل صحيح؛
ت. السهر على ألا يقتصر جمع البيانات حول خطاب الكراهية على القضايا التي تخص العدالة الجنائية؛
ث. ضمان التصنيف الصحيح للبيانات التي تم جمعها؛
ج. دعم رصد خطاب الكراهية من قبل المجتمع المدني والهيئات المعنية بالنهوض بالمساواة والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وتعزيز التعاون بينها وبين السلطات العامة للقيام بهذه المهمة على أكمل وجه؛
ح. دعم البحث الذي يهدف إلى تحليل الأسباب التي تؤدي إلى استخدام خطاب الكراهية وتحليل أشكاله؛
خ. نشر معلومات بانتظام لدى السلطات العامة المختصة والجمهور بشأن وتيرة خطاب الكراهية وكذلك أشكاله والأسباب العميقة التي تؤدي إلى استخدامه؛ و
د. الاستناد إلى نتائج الرصد والبحث لتطوير استراتيجيات من أجل مكافحة خطاب الكراهية؛
4. اعتماد مقاربة ديناميكية ليس فقط لتوعية الجمهور الواسع بضرورة احترام التعددية وبمخاطر خطاب الكراهية، ولكن أيضًا لتوضيح الطبيعة الكاذبة لأسس هو طابعه غير المقبول، من أجل تثبيط ومنع استخدامه عبر اتخاذ الإجراءات التالية:
أ. تحسين الوعي والفهم بشأن ضرورة التنوع والحوار في إطار الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون؛
ب. تعزيز وتوضيح الاحترام والتفاهم المتبادلين داخل المجتمع؛
ت. تيسير وإبراز الحوار بين الثقافات؛ و
ث. مكافحة المعلومات التضليلية والصور النمطية السلبية والوصم؛
ج. تطوير برامج تعليمية وتثقيفية محددة لفائدة الأطفال، والشباب، والموظفين العموميين وعامة الجمهور، وتعزيز مهارات المدرسين والمعلمين الذين يطبقونها؛
ح. دعم المنظمات غير الحكومية، والهيئات المعنية بالنهوض بالمساواة والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان التي تعمل على مكافحة خطاب الكراهية؛
خ. تشجيع رد الفعل السريع من قبل الشخصيات العامة، وخاصة من القادة السياسيين والدينيين والمجتمعين في مواجهة خطاب الكراهية، حتى لا يكتفوا بإدانته، ولكن لكي يسعوا إلى ترسيخ القيم التي يهددها خطاب الكراهية؛
د. تشجيع المروجين لخطاب الكراهية على التوقف عن استخدامه وعلى الإبلاغ عن استخدامه ومساعدتهم على مغادرة الجماعات التي تستخدمه؛
ذ. تنسيق كل هذه الجهود، كلما كان ذلك ضروريًا، مع الجهود التي تبذلها دول ومنظمات دولية أخرى.
5. تقديم دعم فردي وجماعي للأشخاص المستهدفين بخطاب الكراهية عبر تنفيذ الإجراءات التالية:
أ. السعي إلى مساعدتهم للتغلب على صدمتهم وشعورهم بالعار، من خلال تقديم المشورة لهم وإرشادهم؛
ب. التأكد من معرفتهم بحقهم في جبر الضرر بواسطة إجراءات إدارية ومدنية وجنائية وبأن الخوف، والجهل، والمعيقات الجسدية أو العاطفية، أو ضعف الإمكانيات لا يمنعهم من ممارسة ذلك الحق؛
ت. تشجيع وتيسير الإبلاغ عن حالات استخدام خطاب الكراهية من قبل الأشخاص المستهدفين والشهود؛
ث. معاقبة المعاملة الضارة أو المضايقة لأي شخص يشتكي من استخدام خطاب الكراهية أو يبلغ عنه،
ج. والتعبير عن التضامن مع الأشخاص المستهدفين بخطاب الكراهية وتقديم الدعم لهم على المدى الطويل.
6. تعزيز التنظيم الذاتي للمؤسسات العامة والخاصة (بما في ذلك الهيئات المنتخبة، والأحزاب السياسية، والمؤسسات التعليمية، والمنظمات الثقافية والرياضية) كوسيلة لمكافحة استخدام خطاب الكراهية، عبر اتخاذ الإجراءات التالية:
أ. التشجيع على اعتماد مدونات سلوك مناسبة تنص على التعليق وعقوبات أخرى في حال انتهاك أحكامها، وكذلك على طرق فعالة للإبلاغ؛
ب. تشجيع الأحزاب السياسية على التوقيع على ميثاق الأحزاب السياسية الأوروبية من أجل مجتمع غير عنصري؛
ت. تعزيز رصد المعلومات الخاطئة والصور النمطية السلبية والوصم؛
ث. تشجيع الإدانة الواضحة لحالات انتهاك هذه المدونات؛
ج. تعزيز التدريب/ التكوين المناسب على معنى خطاب الكراهية وآثاره السلبية، وكذلك على الطرق التي يمكن من خلالها الطعن في استخدامه، و
ح. تعزيز وتسهيل إنشاء آليات الانتصاف.
7. استخدام السلطات التنظيمية تجاه وسائل الإعلام (بما في ذلك مزودي خدمات الإنترنت، والوسطاء عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي) لتعزيز التدابير الرامية إلى مكافحة استخدام خطاب الكراهية وللتأكيد على طابعها غير المقبول، مع ضمان عدم مساس هذه التدابير بحرية التعبير والرأي، عبر اتخاذ الإجراءات التالية:
أ. الحرص على الاستخدام الفعال للسلطات القائمة المكيَّفة لهذه الغاية، دون إهمال آليات التنظيم الذاتي؛
ب. التشجيع على اعتماد واستخدام مدونات قواعد السلوك و/أو شروط الاستخدام فيما يتعلق بخطاب الكراهية، بالإضافة إلى قنوات فعالة للإبلاغ؛
ت. التشجيع على رصد استخدام ونشر خطاب الكراهية وعلى إدانته؛
ث. التشجيع على اللجوء، عند الضرورة، إلى وضع قيود للمحتوى، وإلى استخدام برمجيات غربلة الكلمات وغيرها من التقنيات المماثلة؛
ج. تشجيع التدريب/ التكوين المناسب للمحررين والصحفيين وغيرهم من العاملين في قطاع الإعلام على طبيعة خطاب الكراهية وعلى الطرق الكفيلة بتثبيط استخدامه؛
ح. تعزيز وتسهيل إنشاء آليات الانتصاف،
خ. وتشجيع الإعلاميين المحترفين على النهوض بصحافة أخلاقية.
8. توضيح نطاق وقابلية تطبيق المسؤولية في القانون المدني والإداري في حال اللجوء إلى خطاب الكراهية بهدف التحريض على ارتكاب أعمال العنف أو التخويف أو العداء أو التمييز ضد الأشخاص المستهدفين، أو أفعال يُتوقع بشكل معقول أن يكون لها هذا التأثير، مع احترام الحق في حرية التعبير والرأي، عبر اتخاذ الإجراءات التالية:
أ. تحديد المسؤوليات الخاصة بمروجي خطاب الكراهية، وبمزودي خدمات الإنترنت، والمنتديات على الإنترنت ومضيفي المواقع الإلكترونية، والوسطاء عبر الإنترنت، ومنصات التواصل الاجتماعي، ومديري المدونات، وغيرهم من المتدخلين الذين يضطلعون بأدوار مماثلة؛
ب. الحرص على توفير إمكانية للأمر، شريطة الحصول على إذن من محكمة أو موافقتها،بحذف خطاب الكراهية في المعلومات المتاحة على الإنترنت وبحظر المواقع التي تستخدمها؛
ت. السهر على توفير إمكانية لتوجيه أمر، شريطة الحصول على إذن محكمة أو موافقتها، إلى الناشر ينفي وسائل الإعلام (بما في ذلك مزودي خدمات الإنترنت، والوسطاء عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي) بنشر إشعار للاعتراف بأن الرسالة التي قاموا بنشرها تشكل خطابًا يحض على الكراهية؛
ث. الحرص على توفير إمكانية لحظر نشر خطاب الكراهية، شريطة الحصول على إذن من محكمة أو موافقتها، وللأمر بالكشف عن هوية الأشخاص الذين يستخدمونه؛
ج. ضمان حق المستهدفين بخطاب الكراهية والهيئات المعنية بالنهوض بالمساواة والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية المهتمة، في اللجوء إلى القضاء لحذف خطاب الكراهية، والمطالبة بنشر إشعار للاعتراف بصدور هذا الخطاب أو لحظر نشره وإصدار أمر بالكشف عن هوية من يستخدمونه؛ و
ح. ضمان التدريب/التكوين المناسب للقضاة والمحامين والموظفين الذين يواجهون حالات تنطوي على خطاب الكراهية، بغية تسهيل تبادل الممارسات الفضلى فيما بينهم.
9. إلغاء أي دعم مالي وغير مالي تقدمه هيئات عمومية للأحزاب السياسية والمنظمات التي تستخدم خطاب الكراهية أو لا تعاقب الأعضاء لديها الذين يمارسونه، مع احترام الحق في حرية تكوين الجمعيات؛ والتنصيص على إمكانية حظر أو حل هذه المنظمات، سواء كانت تتلقى أو لا تتلقى أي دعم من هيئات عمومية عندما يكون الغرض من استخدامها لخطاب الكراهية هو التحريض على ارتكاب أعمال العنف، التخويف،العداء أو التمييز ضد الأشخاص المستهدفين، أو يمكن التوقع بشكل معقول أن يكون له هذا التأثير؛
10. اتخاذ التدابير المناسبة والفعالة في القانون الجنائي لمناهضة استخدام خطاب الكراهية، في إطار عام، عندما يكون القصد منه التحريض على ارتكاب أعمال العنف أو التخويف أو العداء أو التمييز ضد الأشخاص المستهدفين، أو عندما يُتوقع بشكل معقول أن يؤدي إلى هذا التأثير، شريطة ألا يكون هناك أي تدبير فعال آخر أقل تقييدًا وأن يتم احترام الحق في حرية التعبير والرأي، عبر اتخاذ الإجراءات التالية:
أ. ضمان تعريف الجرائم بشكل واضح ومراعٍ على النحو الواجب لضرورة التنصيص على عقوبة جنائية؛
ب. الحرص على تحديد إطار هذه الجرائم بحيث يكون من الممكن أن يتأقلم مع التطورات التكنولوجية؛
ت. السهر على إجراء المتابعات بشأن هذه الجرائم بطريقة غير تمييزية وعدم استخدامها لقمع الانتقادات التي تستهدف سياسات رسمية، أو المعارضة السياسية أو معتقدات دينية؛
ث. ضمان المشاركة الفعلية للأشخاص المستهدفين بخطاب الكراهية في الإجراءات المعنية؛
ج. فرض عقوبات تأخذ في الاعتبار كلا من العواقب الوخيمة لخطاب الكراهية والحاجة إلى استجابة متناسبة؛
ح. رصد فعالية التحقيقات التي يتم فتحها بعد تقديم الشكاوى، والمتابعات القضائية ضد الجناة، بهدف تعزيز هذه التحقيقات والمتابعات؛
خ. ضمان التعاون/ التنسيق الفعلي بين الشرطة وسلطات النيابة العامة؛
د. تسهيل تبادل الممارسات الفضلى بين الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، والمدعين العامين والقضاة الذين يتعاملون مع قضايا خطاب الكراهية وتزويدهم بتدريب/ تكوين مناسب؛ و
ذ. التعاون مع دول أخرى من أجل التصدي لنشر خطاب الكراهية العابر للحدود، سواء كان النشر على دعامة مادية أو إلكترونية.
بيان الأسباب
قائمة المحتويات
أ. المقدمة
ب. اللتعاريف
المصطلحات
تعريف خطاب الكراهية
ت. السياق
الإحصائيات
خلاصات الرصد القطري للجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب
دروس مستخلصة من الماضي
معاهدات الأمم المتحدة
الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان
معاهدات أوروبية أخرى
معايير أوروبية ودولية أخرى
معايير اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب
بعض الشواغل في مجال التطبيق
الخلاصة
ث. التصديقات، والتحفظات وسبل الانتصاف
التوصية رقم 1
التوصية رقم 2
ج. أسباب خطاب الكراهية ونطاقه
التوصية 3
ح. التوعية والخطاب المضاد
التوصية رقم 4
خ. دعم الأشخاص المستهدفين بخطاب الكراهية
التوصية رقم 5
د. التنظيم الذاتي
التوصية رقم 6
1. وسائل الإعلام والانترنيت
التوصية رقم 7
ذ. المسؤولية الإدارية والمدنية
التوصية رقم 8
ر. عقوبات إدارية وعقوبات أخرى ضد منظمات
التوصية رقم 9
ز. المسؤولية والعقوبات الجنائية
التوصية رقم 10
الملحق
أ. المقدمة
- تتناول توصية السياسة العامة (المشار إليها فيما يلي بالتوصية) ظاهرة خطاب الكراهية وعواقبه الضارة على الأشخاص، ومجموعات معينة من الأشخاص والمجتمع ككل. وهذه العواقب، التي لوحظت بشكل خاص في سياق الرصد القطري للجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب، معترف بها أيضًا بشكل عام. وتحدد التوصية تصور اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب لخطاب الكراهية وتعرض التدابير التي يمكن ويجب اتخاذها لمكافحة هذه الظاهرة. من خلال القيام بذلك، تعمل هذه التوصية على تطوير وتعزيز جوانب معينة من توصيات السياسة العامة رقم 5 و6 و9 و10 و13 الصادرة عن اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب، لكنها تركز بشكل خاص على توصية السياسة العامة رقم 7.
2. تبدأ التوصية بإعادة التأكيد على الأهمية الأساسية لحرية التعبير والتسامح واحترام المساواة في الكرامة لجميع البشر، وهي المبادئ المكرسة في العديد من الصكوك الدولية التي تعترف بها الدول الأعضاء في مجلس أوروبا. وتدرك اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب بشكل خاص أنه لا ينبغي أبدًا لأي تدبير يهدف إلى مكافحة خطاب الكراهية أن يتجاوز الحدود التي يمكن أن تخضع لها بشكل مشروع حرية التعبير، باعتبارها حقًا غير مطلق. كما تعي اللجنة أنه يمكن في بعض الحالات، معاقبة خطاب الكراهية بشكل فعال دون تقييد حرية التعبير. لهذا السبب، تعتمد التوصية مقاربة تدريجية للتدابير الواجب اتخاذها. وعلى وجه الخصوص، فإن الرؤية التي تستند إلى أن اللجوء إلى العقوبات الجنائية لا يجب أن يكون الوسيلة الرئيسية للعمل في مواجهة خطاب الكراهية، لا تبرز فقط أهمية احترام الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات، بل تعترف أيضًا أنه من المرجح أن يكون التصدي للظروف التي تعزز خطاب الكراهية واتخاذ إجراءات ديناميكية لمكافحته مفيدًا أكثر من أجل القضاء على هذه الظاهرة تمامًا.
3. ورد في الديباجة تعريف لخطاب الكراهية لأغراض التوصية. وتتناول التوصية في منطوقها، أولًا، الحاجة إلى التصديق على معاهدات معينة، إن لم يكن قد تم التصديق عليها بالفعل، وسحب عدد من التحفظات التي أبديت فيما يتعلق بمعاهدتين أخريين. ويتعلق الأمر، في كلتا الحالتين، بتعزيز الالتزام بالتدابير الملائمة من أجل مكافحة خطاب الكراهية والحرص على ألا يحول أي نص قانوني دون إمكانية اتخاذ مثل هذه التدابير. ثم، تؤكد التوصية على ضرورة اعتماد تدابير متنوعة لزيادة الوعي بالظروف التي تشجع على خطاب الكراهية وبالأشكال المختلفة التي يمكن أن يتخذها، حيث أنه من المسلَّم به أن هذه التوعية ضرورية من أجل فعالية تدابير مكافحة هذه الظاهرة.
4. إن التدابير الخاصة لمكافحة استخدام خطاب الكراهية التي تعتبرها اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب ضرورية، تشمل مبادرات ترمي إلى: توعية الجمهور الواسع؛ ومكافحة أي استخدام لخطاب الكراهية؛ وتقديم المساعدة إلى الأشخاص المستهدفين بهذا الخطاب؛ وتعزيز التنظيم الذاتي واعتماد تدابير تنظيمية؛ وفرض المسؤولية الإدارية والمدنية؛ وإلغاء أي مساعدة تقدم لمنظمات معينة وحظر منظمات أخرى، وفي الأخير، فرض عقوبات جنائية في حالات محددة ومحدودة للغاية.
5. هذه التوصية موجهة إلى حكومات الدول الأعضاء في مجلس أوروبا. ومع ذلك، من الواضح أن تنفيذها الملموس سيتطلب مشاركة والتزام مجموعة من الفاعلين من القطاعين الخاص وغير الحكومي، بالإضافة إلى الأطراف المعنية في القطاع العام. لذلك، سيكون من الضروري الحرص على اتخاذ التدابير اللازمة لضمان المشاركة النشطة لهذه الجهات الفاعلة في عملية التنفيذ.
6. على الرغم من أن التوصية تتعلق بشكل خاص باستخدام خطاب الكراهية لأسباب تندرج في مجال تدخل اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب، فإنه من المتوخى أن تكون أحكامها قابلة للتطبيق على جميع أشكال خطاب الكراهية، بما في ذلك تلك القائمة على أسس غير “العرق”، أو لون البشرة، أو اللغة، أو الدين، أو الجنسية، أو الأصل القومي أو الإثني، أو الهوية الجنسانية أو التوجه الجنسي.
ب. تعاريف
المصطلحات
7. لأغراض هذه التوصية، يقصد بالمصطلحات التالية:
أ. »الدعوة« في ارتباطها بالازدراء أو الكراهية أو التشهير، هي الدعم الصريح والمتعمد والنشط لمثل هذه السلوكيات والمواقف تجاه مجموعة معينة من الأشخاص؛
ب. »العزلة« انطواء الشخص على نفسه وابتعاده عن المجتمع الذي يعيش فيه أو إنكاره لقيم ذلك المجتمع؛
ت. »معاداة الغجر« العنصرية تجاه الروما/الغجر؛
ث. »معاداة السامية« أي تحيز أو كراهية أو تمييز تجاه اليهود كمجموعة إثنية أو دينية؛
ج. »إضفاء طابع الشرعية« فعل تبرير سلوك معين أو غفرانه أو التغاضي عنه؛
ح. »جرائم ضد الإنسانية« أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عندما يُرتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد أي سكان مدنيين وعلى علم بهذا الهجوم؛
خ. »الازدراء« أي هجوم ضد قدرات أو شخصية أو سمعة شخص أو أكثر من شخص لانتمائه(م) إلى مجموعة معينة من الأشخاص؛
د. »التمييز« أي اختلاف في المعاملة قائم على سبب مثل “العرق”، أو اللون، أو اللغة، أو الدين، أو الجنسية، أو الأصل القومي أو الإثني، وكذلك النسب، أو المعتقدات، أو الجنس، أو النوع الاجتماعي، أو الهوية الجنسانية، أو التوجه الجنسي، أو سمات أو أوضاع شخصية أخرى، ويفتقر إلى مبرر موضوعي ومعقول؛
ذ. »النوع الاجتماعي« الأدوار والسلوكيات والأنشطة والسمات المنشأة اجتماعيا والتي يعتبرها مجتمع معين مناسبة للنساء والرجال؛
ر. »الهوية الجنسانية«، التجربة الحميمة والشخصية للنوع الاجتماعي التي يخوضها الشخص في صميمه، سواء كان ذلك يتوافق مع جنسه المحدد عند الولادة أم لا، بما في ذلك الوعي الشخصي بالجسد (الذي قد يتضمن، إذا تمت الموافقة عليه بحرية، تغيير المظهر أو الوظائف الجسدية عبر وسائل طبية أو جراحية أو غيرها) بالإضافة إلى تعبيرات أخرى للنوع الاجتماعي، بما في ذلك عبر اللباس، والخطاب وطرق التصرف؛
ز. »الإبادة الجماعية« أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة 6 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يٌرتكب بنِية التدمير، الكُلي أو الجزئي، لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية؛
س. »التمجيد« تعظيم شخص أو مدحه على أفعاله؛
ش. »الكراهية« شعور غامر ولاعقلاني بالاحتقار والعداء والمقت تجاه المجموعة المستهدفة؛
ص. »إنكار الهولوكوست« (إنكار حدوث المحرقة) : فعل إنكار أو التشكيك، كليًا أو جزئيًا، في الحقائق التاريخية للإبادة الجماعية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية أو الإقرار بالشكوك فيها؛
ض. »رهاب المثلية الجنسية« أي تحيز أو كراهية أو خوف من المثلية الجنسية، فيما يتعلق بالأشخاص الذين تم تحديدهم أو اعتبارهم كثنائيي الميل الجنسي، أو مثليين، أو مثليات أو متحولين جنسيًا؛
ط. »العداء« أي تعبير عن الكراهية يتجاوز مجرد حالة ذهنية؛
ظ. »التحريض« أي تصريح بشأن مجموعات من الأشخاص ينشئ خطرًا وشيكًا بتعريض أشخاص ينتمون إلى هذه المجموعات للتمييز أو العداء أو العنف؛
ع. »الإسلاموفوبيا «(رهاب الإسلام) أي تحيز أو كراهية أو خوف يتعلق بالإسلام أو المسلمين؛
غ. »التهميش« فعل عزل مجموعة من الأشخاص أو عدم إعطائها أي أهمية، أو منحهم مثل هذا الشعور، وبالتالي الحد من مشاركتهم في المجتمع؛
ف. »التثقيف الإعلامي« المعرفة والمهارات والسلوكيات اللازمة لاستخدام جميع أشكال وسائل الإعلام، ولا سيما فهم دورها ووظائفها في المجتمعات الديمقراطية، والقدرة على التقييم النقدي للمحتوى الإعلامي واستخدام وسائل الإعلام للتعبير والمشاركة في الديمقراطية؛
ق. »الصور النمطية السلبية« تطبيق تصور معمم لخصائص مفترضة على عضو أو أعضاء في مجموعة من الأشخاص، ولا سيما عند النظر إلى المجموعة بأكملها بشكل سلبي، كيفما كانت السمات الفردية لأعضائها؛
ك. »التطرف« العملية التي يتبنى من خلال شخص قِيما سياسية أو دينية أو اجتماعية متطرفة لا تتوافق مع قيم المجتمع الديمقراطي؛
ل. »العنصرية« الاعتقاد بأن سببًا مثل “العرق” أو لون البشرة أو اللغة أو الدين أو الجنسية أو الأصل القومي أو الإثني يبرر ازدراء شخص أو مجموعة من الأشخاص أو فكرة تفوُّق شخص أو مجموعة من الأشخاص؛
م. »الروما«، لا يقتصر هذا المصطلح على غجر الروما فقط، بل يشمل أيضًا السنتي وكاليس والأشكاليين و”المصريين” وغجر المنوش والمجموعات السكانية ذات الصلة في أوروبا، بالإضافة إلى الرُحل؛
ن. »الجنس« الحالة البيولوجية للشخص؛
ه. » الميل/التوجه الجنسي« قدرة كل فرد على الشعور بانجذاب عاطفي ووجداني وجنسي عميق تجاه أفراد من الجنس الآخر، أو من نفس الجنس أو أكثر من جنس واحد، وإقامة علاقات حميمة وجنسية مع هؤلاء الأفراد؛
و. »الوضع« الوضعية القانونية أو الواقعية لشخص لا يشمل فقط الحالة الأسرية والوضعية المهنية ووضع المهاجر، ولكن أيضًا عوامل مثل الولادة خارج إطار الزواج، والإعاقة، والوضعية المالية، والوضع الصحي، وأن يكون الشخص رهن الاحتجاز، والعضوية في نقابة أو هيئة أخرى، ومكان الإقامة؛
ي. »الوصم« التصنيف السلبي لمجموعة من الأشخاص؛
أأ. »كراهية مغايري الهوية الجنسانية« أي تحيز أو كراهية أو خوف من مغايرة الهوية الجنسانية، فيما يتعلق بالأشخاص المتحولين جنسيًا أو مغايري الهوية الجنسانية، على أساس التعبير عن هويتهم الجنسانية الحميمة؛
بب. »الابتذال« جعل الشيء يبدو عاديًا، ثانويًا أو دون أهمية؛
تت. »التشهير« أي انتقاد مسيء لشخص أو عدد من الأشخاص فيما يتعلق بانتمائه(م) إلى مجموعة معينة من الأشخاص؛
ثث. »العنف« استخدام القوة الجسدية أو السلطة ضد شخص آخر أو ضد مجموعة من الأشخاص أو مجتمع مما يؤدي أو من المحتمل أن يؤدي إلى الإصابة بجروح، أو الوفاة، أو إلحاق أضرار نفسية، أو يتسبب في مشاكل تنموية أو نقائص؛
جج. »المجموعات الهشة/الضعيفة« المجموعات المستهدفة بشكل خاص بخطاب الكراهية، والتي تختلف وفقًا للسياق الوطني، لكن من المحتمل أن تشمل طالبي اللجوء واللاجئين، وغيرهم من المهاجرين والنازحين، ومجتمعات السود واليهود، والمسلمين، والروما/ الغجر، وغيرهم من الأقليات الدينية والتاريخية والإثنية واللغوية ومجتمع المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية؛ ويشمل هذا المصطلح على وجه الخصوص الأطفال والشباب الذين ينتمون إلى هذه المجموعات؛
حح. »جرائم الحرب« أي من الأفعال المدرجة في المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، و
خخ. »كره الأجانب« أي تحيز أو كراهية أو خوف يتعلق بأشخاص من دول أو ثقافات أخرى.
تعريف خطاب الكراهية
8. كما هو مبين أعلاه، يرد في الديباجة مفهوم خطاب الكراهية المعتمد لأغراض هذه التوصية. ويعكس هذا المفهوم تنوع سياقات استخدام خطاب الكراهية وأهدافه والعواقب المترتبة عليه، وهذا التنوع الذي تستجيب له مجموعة كاملة من الاستجابات الملائمة. وهذا يعني أنه يمكن للدول الأعضاء تصميم هذه الاستجابات من خلال الجمع بين تدابير قائمة وأخرى جديدة.
9. لأغراض التوصية، يشير خطاب الكراهية إلى استخدام شكل واحد أو أكثر من أشكال التعبير المحددة – أي الدعوة أو الترويج أو التحريض على الازدراء أو الكراهية أو التشهير ضد شخص أو مجموعة من الأشخاص، بالإضافة إلى المضايقة أو السب أو الصور النمطية السلبية أو الوصم أو التهديدات ضد ذلك الشخص (هؤلاء الأشخاص) وأي تبرير لهذه الأشكال التعبيرية المختلفة –على أساس قائمة غير شمولية من السمات أو الأوضاع الشخصية تشمل “العرق”، أو لون البشرة، أو اللغة، أو الدين أو المعتقدات، أو الجنسية، أو الأصل القومي أو الإثني، بالإضافة إلى النسب، والسن، والإعاقة، والجنس، والنوع الاجتماعي، والهوية الجنسانية والتوجه الجنسي.
10. يختلف مفهوم خطاب الكراهية الوارد في التوصية عن المفهوم الوارد في العديد من الوثائق الأخرى من حيث أنه ينطبق على:
- الدعوة والتحريض، بأي شكل من الأشكال، على التحقير أو الكراهية أو التشهير، وتشجيع مثل هذه المظاهر، بالإضافة إلى المضايقة والتحرش، أو السب، أو الصور النمطية السلبية، أو وصمة العار أو التهديدات؛
- الاستخدامات التي لا تهدف فقط إلى التحريض على ارتكاب أعمال العنف أو التخويف أو العداء أو التمييز بل وكذلك تلك التي يمكن أن يُتوقع بشكل معقول أن يكون لها هذا التأثير، و
- الأسباب الأخرى غير “العرق”، أو لون البشرة، أو اللغة، أو الدين أو المعتقدات، أو الجنسية، أو الأصل القومي أو الإثني بالإضافة إلى النسب.
11. يُفهم مصطلح “تعبير” في التوصية على أنه يشمل الخطابات والمنشورات في أي شكل من الأشكال، بما في ذلك عبر وسائل الإعلام الإلكترونية، بالإضافة إلى نشرها وحفظها. ويمكن أن يتخذ خطاب الكراهية شكل عبارات مكتوبة أو منطوقة أو أشكال أخرى مثل الصور أو الإشارات أو الرموز أو الرسومات أو الموسيقى أو عروض مسرحية أو مقاطع فيديو. كما يغطي تبني سلوك معين (إيماءات على سبيل المثال) لإيصال فكرة أو رسالة أو رأي.
12. بالإضافة إلى ذلك، قد تشمل أشكال التعبير التي تدخل في نطاق تطبيق التوصية الإنكار أو التطبيع أو التبرير والتمجيد العلني لجرائم الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب التي أكدتها العدالة وامتداح مرتكبي هذه الجرائم. وتهدف ضرورة تأكيد وجود هذه الجرائم من قبل العدالة إلى تفادي استخدام اتهامات غامضة بشأن سلوك معين كأساس لتأكيد أن بعض الكلام يعادل خطاب الكراهية. علاوة على ذلك، فإن مدح مرتكبي هذه الجرائم يشكل خطابا يحض على الكراهية عندما يتعلق الأمر بهذه الأفعال المحددة وليس عندما يعبر عن تقدير إيجابي لأي نشاط آخر يقوم به هؤلاء الأشخاص لا تكون له أي علاقة بتلك الأفعال.
13. وبالموازاة، تستبعد التوصية بصريح العبارة من تعريف خطاب الكراهية أي شكل من أشكال التعبير – مثل الهجاء/ السخرية أو التقارير الإعلامية والتحليلات القائمة على حقائق موضوعية – الذي، حتى إن كان قد يؤدي إلى إهانة أو إيذاء أو إحزان الآخرين، يجب أن يحظى بالحماية وفقا لاستنتاجات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بموجب المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. ومع ذلك، يجدر التذكير أن المحكمة الأوروبية اعترفت أيضًا أن شتم مجموعات معينة من السكان أو الاستهزاء أو التشهير بهم يشكل تحريضًا على الكراهية عندما يتم استخدام أشكال التعبير هذه بطريقة غير مسؤولة (على سبيل المثال، من خلال إساءة المعاملة دون مبرر، أو عبر الدعوة إلى التمييز، أو استخدام مصطلحات مؤذية أو مهينة، أو فرض هذه الأشكال التعبيرية على الجمهور بشكل لا يمكن تفاديه)؛ وفي مثل هذه الحالات، تقع أشكال التعبير هذه أيضًا ضمن نطاق التعريف الوارد في التوصية.
14. بالإضافة إلى ذلك، تقر التوصية بأن خطاب الكراهية في بعض الحالات يتميز بالغرض المتوخى منه، أو الذي يمكن التوقع بشكل معقول أن يؤدي إليه، والمتمثل في تحريض الآخرين على ارتكاب أفعال العنف أو التخويف أو العداء أو التمييز ضد أشخاص مستهدفين. ويفترض العنصر التحفيزي، وهذا ما يتضح بشكل جلي من التعريف أعلاه، سواء وجود نية واضحة لارتكاب أعمال العنف أو التخويف أو العداء أو التمييز، أو وجود خطر وشيك بحدوث مثل هذه الأفعال نتيجة لاستخدام الخطاب المعني.
15. يمكن إثبات نية التحريض على ارتكاب مثل هذه الأفعال بمجرد أن يدعو صاحب خطاب الكراهية أشخاصا آخرين بشكل لا لبس فيه إلى القيام بذلك؛ وقد تكون النية مفترضة أيضًا بالنظر إلى فظاعة المصطلحات المستخدمة وظروف أخرى ذات صلة، مثل السلوك السابق لصاحب الخطاب. ومع ذلك، لا يكون دائما من السهل إثبات وجود هذه النية، لا سيما عندما تتعلق التعليقات رسميًا بحقائق مفترضة أو عندما يتم استخدام لغة مشفرة.
16. وفي المقابل، يتطلب تقييم خطر الأفعال التي يُنظر فيها مراعاة الظروف الخاصة التي يُعبَّر فيها بكلام يحض على الكراهية. ويجب، على وجه الخصوص، مراعاة ما يلي: أ) السياق الذي يحدث فيه الكراهية (وتحديدًا معرفة ما إذا كانت هناك بالفعل توترات حادة داخل المجتمع حيث يتم التعبير عن خطاب الكراهية أم لا)؛ ب) قدرة صاحب الخطاب على التأثير على الآخرين (بحكم وضعه كزعيم سياسي، أو قائد ديني أو محلي مثلًا)؛ ج) محتوى الخطاب وفظاظة المصطلحات المستخدمة (إذا كانت المصطلحات استفزازية ومباشرة، أو إذا تم اللجوء إلى معلومات تضليلية أو صور نمطية سلبية والوصم أو كان الخطاب قادرًا على التحريض بأي طريقة أخرى على ارتكاب أعمال العنف أو التخويف أو العداء أو التمييز)؛ د) سياق الخطاب في حد ذاته (هل يتعلق الأمر بحالة معزولة أو بعبارات يعاد تأكيدها عدة مرات، وهل يمكن اعتبارها كمقابل لكلام آخر أدلى به نفس الشخص أو آخرون، لا سيما في سياق نقاش)؛ هـ) وسيلة الاتصال المستخدمة (إذا كانت تسمح للجمهور بالتعقيب الفوري، مثلًا خلال حدث “مباشر”)، و) طبيعة الجمهور (إذا كان لديه الوسائل والميل أو الاستعداد للمشاركة في أعمال العنف أو التخويف أو العداء أو التمييز).
17. تعكس الظروف المتنوعة ذات الصلة بالنسبة لهذا التقييم العديد من الجوانب في نص خطة عمل الرباط التي تدعو إلى تجريم هذا النوع من التعبير، بينما تتجاوز نطاق التوصية المتعلقة بالقانون الجنائي، في الفقرة 18 من توصية السياسة العامة رقم 7، التي تقر بأننية التحريض على ارتكاب أعمال العنف أو التخويف أو العداء أو التمييز ليست شرطًا أساسيًا في هذا الشكل الخطير بشكل خاص من أشكال خطاب الكراهية. وعلى العكس من ذلك، يعتبر التحريض ممكنا أيضًا عندما يمكن التوقع بشكل معقول أن التعليقات المعنية ستؤدي إلى ارتكاب مثل هذه الأفعال. وإذا كان هذا التأثير بالفعل متوقعًا بشكل معقول، فإن استخدام خطاب الكراهية يعد فعلًا غير مسؤول.
18. تتسق هذه المقاربة مع قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي تؤكد توافق المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان مع فرض عقوبات جنائية بسبب تعليقات يدلي شخص كان عليه أن يعي أن طبيعتها من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم وضع متفجر بالفعل.
19. ومع ذلك، فإن فرض قيود من غير العقوبات الجنائية، عندما يكون من المُتوقع بشكل معقول أن يؤدي استخدام خاص لخطاب الكراهية إلى حث الآخرين على ارتكاب أعمال العنف أو الترهيب أو العداء أو التمييز ضد الأشخاص المستهدفين، قد يشكل في هذه الحالة استجابة أكثر تناسبًا للحاجة الاجتماعية الملحة الناشئة عن هذا الاستخدام.
20. لا يقتصر تعريف خطاب الكراهية على التعبير العلني عن هذا الكلام. ومع ذلك، فإن تصنيف خطاب الكراهية في هذا السياق له صلة خاصة بأشكال معينة من التعبير، مثل الإنكار أو التطبيع أو التبرير والتمجيد لجرائم الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب. وقد يكتسي أهمية أيضًا لتحديد ما إذا كان من الممكن التوقع بشكل معقول أن يؤدي الاستخدام الخاص لخطاب الكراهية إلى حث الآخرين على ارتكاب أعمال العنف أو التخويف أو العداء أو التمييز ضد الأشخاص المستهدفين. علاوة على ذلك، تعد الطبيعة العلنية معيارًا أساسيًا في التوصيات التي تهدف إلى فرض عقوبات جنائية على استخدامات معينة لخطاب الكراهية لأنها تحد من نطاق القيود المفروضة على الحق في حرية التعبير. ويجب أن يعتبر بمثابة كلام يعبر عنه علنا كل كلام يُدلى به في مكان يمكن للجمهور الواسع الوصول إليه أو عبر وسيلة اتصال إلكترونية متاحة لعامة الجمهور.
21. وخلاصة القول، يتعلق خطاب الكراهية بأشكال مختلفة من التعبير الموجهة ضد شخص أو مجموعة من الأشخاص بسبب خصائصه(م) أو وضعيته(م) الشخصية، ولا تشمل التدابير التي ينبغي اتخاذها للتصدي لهذا النوع من الخطاب فرض عقوبات جنائية بالضرورة. وفي المقابل، عندما يتخذ خطاب الكراهية شكل سلوك يشكل في حد ذاته جريمة جنائية – مثل سلوك الإساءة أو التحرش/ المضايقة أو السب، يمكن تصنيفه أيضًا كجريمة الكراهية.
ت. السياق
22. اعتُمدت التوصية في وقت ازداد فيه قلق الدول الأعضاء ومجلس أوروبا والمنظمات الأخرى بشأن استخدام خطاب الكراهية في المجتمعات الأوروبية المتعددة وكذلك بشأن الدور الذي يلعبه هذا الخطاب في إلحاق الضرر باحترام الذات لدى أعضاء المجموعات الضعيفة/ الهشة، وتدمير التماسك والتحريض على ارتكاب أعمال العنف أو التخويف أو العداء أو التمييز. كما ساهمت في تأجيج هذا الهاجس الحوادث العديدة المرتبطة بهجوم أو اعتداء عنيف حقيقي ضد أشخاص، ومؤسسات وأماكن تذكارية وممتلكات، بدافع العداء القائم على سبب واحد أو أكثر من الأسباب المذكورة أعلاه. لذلك، يجب الرد بسرعة لمواجهة خطاب الكراهية، مع الاستفادة من مجموعة واسعة من التدابير المقترحة في التوصية، من أجل منع تطور المواقف السلبية، خاصة تجاه مجموعات الأقليات، والتي تضعف احترام الذات لدى هذه المجموعات وتقوض اندماجها في المجتمع.
الإحصائيات
23. لا يزال النطاق الحقيقي لاستخدام خطاب الكراهية غير مؤكد، حتى إذا بدا أن هذا النوع من الخطاب أصبح أكثر شيوعًا كما لوحظ في التوصية. ويعزى عدم اليقين إلى عدم وجود بيانات شاملة وقابلة للمقارنة بشأن الشكاوى المتعلقة بخطاب الكراهية، وهذا الوضع ناجم إما عن عدم تسجيل هذه الشكاوى أو عن استخدام الدول الأعضاء لمعايير مختلفة لإثبات هذا الفعل. علاوة على ذلك، من الواضح أن المستهدفين بخطاب الكراهية لا يبلغون دائما عن مثل هذه الأفعال لأنهم غالبًا ما لا يثقون في نظام العدالة أو يتخوفون من أي تدابير انتقامية. فضلًا عن ذلك، لا يبدو أنه تم التحقيق في جميع الشكاوى الواردة في هذا المجال، بالإضافة إلى غياب المراقبة المنهجية لمختلف الفضاءات التي يمكن أن يدلى فيها بهذا النوع من الخطاب. ومع ذلك، لا جدال في أن تعميم أشكال التواصل الإلكترونية يزيد من بروز استخدام خطاب الكراهية، بل ويعزز أيضًا من انتشاره السريع. ويُعد استخدام خطاب الكراهية خاصية مميزة للعديد من السياقات الوطنية، كما لاحظت اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب في إطار دورتيها الرابعة والخامسة للرصد.
خلاصات الرصد القطري للجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب
24. وهكذا، خلال هاتين الدورتين للرصد القطري، لاحظت اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب حالات لنشر صريح لمحتوى عنصري واضح في بعض وسائل الإعلام، وللثناء على النازية وإنكار الهولوكوست/ المحرقة، ولاستخدام مصطلحات مهينة وصور نمطية تتعلق بأقليات معينة وإبداء تعليقات ازدرائية حول أفراد هذه الأقليات في الشارع والمدرسة والمتاجر، بالإضافة إلى تسجيل دعوات حقيقية إلى العنف ضد هؤلاء الأشخاص وبعض الحملات المناهضة لاستخدام لغات الأقليات. وعلى الرغم من أن حالات لأحزاب سياسية أو جماعات ومنظمات أخرى تروج وتنشر أفكار عنصرية ومعادية للأجانب ومناصرة للنازية الجديدة قد لوحظت بشكل أكيد، فإن استخدام خطاب الكراهية لا يقتصر على الجماعات المتطرفة بل يخص أيضًا بقية السكان. وهكذا ووفقًا للملاحظات، فإن استخدام عبارات وقحة من قبل العديد من النواب وممثلي الدولة من شأنه أن يساهم في خطاب عام صادم ومتعصب بشكل متزايد. وقد زاد بعض كبار المسؤولين السياسيين من تفاقم هذا الخطاب باستخدام كلام يحض على الكراهية في تصريحاتهم دون أن يمنعهم أي أحد من ذلك. ومن ناحية أخرى، تمت معاينة محاولات لشخصيات عامة لتبرير وجود التحيز والتعصب تجاه مجموعات معينة، مما يؤدي إلى إدامة وتزايد العداء ضدهم.
25. ومع ذلك،لا تكون جميع مظاهر خطاب الكراهية صريحة بهذا الشكل؛ وبالفعل، تستخدم بعض المنشورات لغة “مشفرة” لنشر أحكام مسبقة ونشر الكراهية. وهكذا، يشار إلى الخمول والعيش على المساعدات عندما يتعلق الأمر بأعضاء في أقلية معينة، بينما يوصف أعضاء في مجموعة من مناصري النازية الجديدة بأنهم “مواطنون صالحون” عندما يتظاهر ونضد هذه الأقلية. بالإضافة إلى ذلك، لوحظ أن التقارير الإعلامية التي تميل إلى الإثارة أو التحيز بشأن أحداث معينة يمكن أن تعزز استخدام معلومات مضللة وأن تثير الخوف، مما يخلق أحكاما مسبقة تجاه أعضاء الأقليات الذين قد يكون من المحتمل أنهم شاركوا في تلك الأحداث.
26. لوحظ أيضًا أن استخدام خطاب الكراهية يشكل سمة خاصة لأشكال معينة من التواصل الإلكتروني، حيث جعلت بعض المنتديات، والشبكات الاجتماعية وصفحات الويب من خطاب الكراهية هدفها الرئيسي، بينما تخوض مواقع إلكترونية أخرى في هذا النوع من الخطابات حتى عندما تستضيفها حكومات محلية.
27. تم تسجيل العديد من الأمثلة على التقاعس تجاه خطاب الكراهية، أحيانًا بسبب النطاق المحدود للقانون الوطني، ولكن أيضًا بسبب التفسير الضيق لهذا القانون، والإحجام عن التصرف في غياب شكوى صريحة وعدم إجراء تحقيق معمق ووجود قرار سريع بعدم مقاضاة الفاعلين المزعومين.
وعندما تكون هناك متابعة قضائية بالفعل، فإن العقوبات المفروضة غالباً ما لا يكون لها تأثير رادع كافٍ لمنع إمكانية العود أو التقليد. بالإضافة إلى ذلك، لم تثبت آليات التنظيم الذاتي دائمًا فعاليتها.
28. علاوة على ذلك، يترتب على استخدام خطاب الكراهية وغياب التفاعل مع هذه الظاهرة تداعيات سلبية ليس فقط على الأشخاص المستهدفين بهذا الخطاب، ولكن أيضًا على المجتمع ككل.
29. كما كشف ذلك الرصد القطري للجنة الأوروبية لحقوق الإنسان، فإن استخدام خطاب الكراهية لا يسبب للضحايا معاناة وضررًا معنويًا ويمس بكرامتهم وشعورهم بالانتماء فحسب، بل إنه يساهم أيضًا في تعريضهم لمختلف أشكال التمييز وأعمال المضايقة والتحرش، ومختلف أشكال التهديد والعنف بسبب الكراهية والعداء والاستياء تجاههم، هذه المشاعر التي قد يولدها هذا النوع من الخطاب أو يعززها. ويمكن لهذه المواقف والسلوكيات أن تثير الشعور بالخوف وانعدام الأمن والتخويف. وفي نهاية المطاف، يمكن أن يؤدي استخدام خطاب الكراهية بالأشخاص المستهدفين إلى الانعزال عن المجتمع الذي يعيشون فيه، أو حتى إلى التنصل من قيمه. وساور اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب القلق بشكل خاص بشأن تداعيات خطاب الكراهية على التلاميذ، الذين قد يتعرضون لخطر مغادرة صفوف المدرسة في بشكل مبكر، مما سيصعب عليهم فيما بعد الاندماج في سوق العمل ومن ثم سيعزز قطيعتهم مع المجتمع.
30. بالإضافة إلى ذلك، يضر استخدام خطاب الكراهية ببقية المجتمع، لأنه لا ينطوي على عواقب سلبية على طبيعة الخطاب العام فقط، بل والأهم من ذلك فهو يعزز مناخ العداء والتعصب، وكذلك الاستعداد لقبول أو تبرير التمييز والعنف.فهذه الظاهرة بطبيعتها مثيرة للانقسام، وتضر بالاحترام المتبادل وتهدد التعايش السلمي. وفي الأخير، فإن التعددية، باعتبارها شرطا أساسيا في مجتمع ديمقراطي، تصبح معرضة للخطر نتيجة لذلك.
31. لاحظت اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب أثناء الرصد القطري أن المهاجرين واليهود والمسلمين والغجر يتأثرون بشكل خاص بخطاب الكراهية، لكنهم ليسوا المستهدفين الوحيدين. بالإضافة إلى ذلك، سجلت اللجنة حالات كان فيها خطاب الكراهية موجها ضد أشخاص بسبب جنسهم أو هويتهم الجنسانية أو توجههم الجنسي. علاوة على ذلك، تتعرض النساء لشكل أخطر من أشكال خطاب الكراهية بمعنى أن هذا الخطاب قد يوجَّه ضدهن ليس فقط بسبب “عرقهن” أو دينهن أو غيرها من السمات أو الأوضاع الشخصية، بل وكذلك بسبب جنسهن و/أو هويتهن الجنسانية.
دروس مستخلصة من الماضي
32. استخدام خطاب الكراهية ليس مشكلة حديثة العهد. فقد ساهم في جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي طبعت التاريخ الأوروبي الحديث. وتحذر أحداث الماضي بجدية من المخاطر التي يمكن أن تنشأ عندما يترك المجال مفتوحًا للتزمت والتعصب والكراهية والتحيز. فإذا كانت هذه الأحداث موضوع احتفالات مختلفة لإحياء الذكرى، على غرار اليوم الدولي المكرس لذكرى ضحايا محرقة اليهود الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 60/7 المؤرخ في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، فإنها تعد أيضًا مصدر الاستخلاص الدروس في الوقت الحاضر؛ لذلك، تهدف هذه الاحتفالات إلى تجاوز إحياء الذكرى من أجل الاستفادة من هذه الدروس. علاوة على ذلك، أسوة بالقرار رقم 60/7، تقر التوصية بأن الخطر لا يكمن في هذا الشكل أو ذاك من أشكال التعصب ولكن في جميع الأشكال التي تشكك في حقيقة أن لكل واحد منا، دون أي تمييز، الحق في التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
معاهدات الأمم المتحدة
33. بينما يدعو واجب الذكرى هذا إلى اعتماد تدابير لمكافحة خطاب الكراهية، ترد متطلبات أكثر دقة في المادة 20 (2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (»تحظر بالقانون أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف«) ، وكذلك في المادة 4 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (» إن الدول الأطراف […] تتعهد […]: أ) اعتبار كل نشر للأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، وكل تحريض علي التمييز العنصري وكل عمل من أعمال العنف أو تحريض علي هذه الأعمال يرتكب ضد أي عرق أو أي جماعة من لون أو أصل إثني آخر، وكذلك كل مساعدة للنشاطات العنصرية، بما في ذلك تمويلها، جريمة يعاقب عليها القانون،؛ ب) إعلان عدم شرعية المنظمات، وكذلك النشاطات الدعائية المنظمة وسائر النشاطات الدعائية، التي تقوم بالترويج للتمييز العنصري والتحريض عليه، وحظر هذه المنظمات والنشاطات واعتبار الاشتراك في أيها جريمة يعاقب عليها القانون؛ ج) عدم السماح للسلطات العامة أو المؤسسات العامة، القومية أو المحلية، بالترويج للتمييز العنصري أو التحريض عليه«).
34. وفي الملاحظات الختامية للدول الأطراف بشأن التقارير الدورية المقدمة من قبل بعضها بموجب المعاهدات المعنية، نددت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ولجنة القضاء على التمييز العنصري بغيا بإعمال هذه المتطلبات أو بتنفيذها غير الفعال.
35. ومع ذلك، إذا كان إلزاميا حظر أشكال التعبير المحددة المشار إليها في المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بموجب قانون، فقد أكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أن هذا الحظر يجب أن يظل متوافقًا مع القيود المفروضة على حرية التعبير التي تجيزها المادة 19 (3) (التعليق العام رقم 34 “المادة 19: حرية الرأي وحرية التعبير”، مركز الحقوق المدنية والسياسية CCPR/C/GC/34، 12 سبتمبر/أيلول 2011، الفقرات 50-52).
36. وبالموازاة، فإن لجنة القضاء على التمييز العنصري، إذ ترى أنه “وكشرط أدنى، ودون المساس بأية تدابير أخرى، يعتبر سن تشريعات شاملة ضد التمييز العنصري (بما في ذلك القانون المدني والإداري وكذا الجنائي) أمرًا لا غنى عنه لمكافحة خطاب التحريض على الكراهية العنصرية مكافحة فعالة “، أكدت أنه “ينبغي النظر إلى العلاقة بين حظر خطاب التحريض على الكراهية العنصرية وازدهار حرية التعبير على أنها علاقة تكامل، لا علاقة تَنَافي ذات محصلة صفرية يستلزم إعطاء الأولوية لأحد الطرفين الانتقاص من الطرف الآخر. وينبغي أن تتجلى الحقوق في المساواة وعدم التعرض للتمييز وحرية التعبير، تجليًا كاملًا، في القوانين والسياسات والممارسات بوصفها حقوقًا للإنسان يدعم بعضها بعضًا” (التوصية العامة رقم 35، “مكافحة خطاب التحريض على الكراهية العنصرية، CERD/C/GC/35، 26 سبتمبر/ أيلول 2013، الفقرتان 9 و45). وهذا يعكس الرأي الذي أعربت عنه اللجنة سابقًا بأن ” حظر نشر جميع الأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية إنما ينسجم مع الحق في حرية الرأي والتعبير” وأن ممارسة “المواطن لهذا الحق تتضمن واجبات ومسؤوليات خاصة، محددة في الفقرة 2 من المادة 29 من الإعلان العالمي المذكور، يحظى بينها الالتزام بعدم نشر الأفكار العنصرية بأهمية خاصة” (التوصية العامة الخامسة عشرة بشأن المادة 4 من الاتفاقية، الفقرة 4).
37. أعلنت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، في اجتهاداتها، أن الإدانة الصادرة للطعن في الاستنتاجات والحكم الصادر عن المحكمة العسكرية الدولية في نورنبيرغ متفقة مع مبدأ حرية التعبير، مع مراعاة أن التصريحات المعنية، الموضوعة في سياقها الكامل، كانت ذات طبيعة من شأنها أن تثير أو تؤجج مشاعر معادية للسامية. كما اعتبرت اللجنة أن طرد مدرِّس من العمل، بسبب تصريحات تشوه دين ومعتقدات اليهود وتدعو المسيحيين إلى إبداء احتقارهم تجاه الأشخاص الذين يعتنقون الديانة اليهودية ومن أصل يهودي، يمكن اعتباره بمثابة تقييد ضروري لحرية التعبير بغرض حماية الحق في الاستفادة من نظام تربوي في منأى عن التحيز والتحامل والتعصب، من بين أمور أخرى. وفي المقابل، قضت اللجنة بعدم قبول استئناف ضد الغياب المفترض لتدابير فعالة للرد على خطاب الكراهية ضد المسلمين، حيث لم يثبت الشخص المعني أن الخطاب المذكور كان له أثار ملموسة عليه أو أن الآثار الملموسة لهذا الخطاب كانت وشيكة. وبالتالي، لا يمكن اعتباره ضحية انتهاك بموجب المادة 20 (2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
38. خلصت لجنة القضاء على التمييز العنصري إلى أن عدم ضمان استفادة تصريحات تم الإدلاء بها في إطار خطاب عام ينشر أفكار التفوق العنصري أو الكراهية ويحرض على الأقل التمييز العنصري، من الحماية التي يمنحها شرط الاستثناء فيما يتعلق بحرية التعبير،يشكل انتهاكا للمادة 4 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. وخلصت اللجنة أيضًا إلى وجود انتهاك للمادة 4 في قضية لم تتمثل فيها الدولة للالتزام بفتح تحقيق لتحديد ما إذا كان بعض الكلام المدلى به أثناء برنامج إذاعي – والتي يمكن فهمها على أنها تعميم سلبي يؤثر على مجموعة كاملة من الأشخاص بناء فقط على أصلهم العرقي أو القومي، دون أي علاقة بوجهات نظرهم أو آرائهم أو بأفعال محددة تتعلق بمسألة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث – يمثل عملًا من أعمال التمييز العنصري. علاوة على ذلك، في قضية تتعلق بتصريحات تصف الخصائص السلبية المعممة للجالية التركية في ألمانيا وتدعو إلى رفض ولوج هذه الفئة من الساكنة إلى الحماية الاجتماعية، وإلى حظر الهجرة بشكل عام، فإن اللجنة، معتبرة أن هذا الكلام يحمل أفكار التفوق العرقي ويتضمن عناصر للتحريض على التمييز العنصري، ارتأت أن عدم إجراء تحقيق فعال في هذا الشأن شكَّل انتهاكا للمادة 4.
الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان
39. تضمن الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان حرية التعبير بموجب المادة 10 وتحظر جميع أشكال التمييز – في ارتباطها بحقوق وحريات أخرى تحميها المادة 14، وبشكل أعم وفقًا للمادة الأولى من البروتوكول رقم 12 – لكنها لا تحتوي على أي حكم محدد بشأن استخدام خطاب الكراهية. ومع ذلك، كان على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (والمفوضية الأوروبية السابقة لحقوق الإنسان) النظر في هذا الاستخدام عند البت في الطعون المقدمة ذات الصلة بفرض عقوبات جنائية وقيود أخرى على بعض التصريحات. وعند القيام بذلك، خلصت المحكمة أحيانا أن التعليقات المعنية لم تكن مشمولة بتاتًا بالحماية التي يوفرها الحق في حرية التعبير بموجب المادة 10 (بناءً على الحظر المشار إليه في المادة 17 فيما يتعلق بالأعمال والأنشطة الهادفة إلى هدم الحقوق أو الحريات المعترف بها في الاتفاقية الأوروبية)، وأحيانا أخرى، سعت إلى تحديد ما إذا كانت التدابير المعنية تشكل تقييد الممارسة هذه الحرية يمكن اعتبار أنه يتوخى تحقيق هدف مشروع، مثل حماية حقوق الآخرين، وأنه ضروري في مجتمع ديمقراطي.
40. جرى تطبيق المقاربة الأولى في قضايا مرتبطة بهجمات عنيفة استهدفت مجموعة عرقية أو دينية معينة، وبتصريحات معادية للسامية، وبنشر تصريحات تمييزية ذات طابع عنصريوبإنكار المحرقة. واتبعت المقاربة الثانية في قضية مرتبطة بتعليقات افترض أنها تثير أو تبرر العنف أو الكراهية أو التعصب، حيث أخذت المحكمة الأوروبية بعين الاعتبار بشكل خاص عوامل معينة مثل السياق السياسي أو الاجتماعي المتوتر، أو الدعوة المباشرة أو غير المباشرة للعنف أو لتبرير العنف أو الكراهية أو التعصب (لا سيما في حال تصريح عام ضد جماعات عرقية أو دينية أو غيرها، سواء كمجموعات أو عند تقديمها بصورة سلبية)، والطريقة التي صدرت بها هذه التصريحات وقدرتها – المباشرة أو غير المباشرة – على التسبب في عواقب ضارة. في كل هذه القضايا، حرصت المحكمة على مراعاة التفاعل بين العوامل المختلفة بدلا من كل عامل من هذه العوامل على حدة. إن الطابع غير المتناسب للتدابير المتخذة في أعقاب التصريحات المعنية وتوافر أو غياب سبل انتصاف مدنية أو غيرها يُحتمل اللجوء إليها في هذا الشأن، يشكلان اعتباران أساسيان آخران استندت إليهما المحكمة لإصدار قراراتها.
41. علاوة على ذلك، أقرت المحكمة الأوروبية بأن الدول الأعضاء يقع عليها التزام إيجابي بحماية الأشخاص المستهدفين بخطاب الكراهية من أي عنف أو انتهاك آخر لحقوقهم من قبل أشخاص يحرضون على الكراهية من خلال هذا النوع من الخطاب. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون سلوك تمييزي بمثابة انتهاك لحظر أي معاملة لا إنسانية أو مهينة المشار إليه في المادة 3،ويمكن اعتبار التقاعس (لا سيما عدم تطبيق الأحكام الجنائية) في مواجهة المساس بالحقوق والحريات المحمية بموجب الاتفاقية الأوروبية بمثابة هذا السلوك. والأكثر من ذلك، أقرت المحكمة الأوروبية أيضًا أن عدم توفير سبل لجبر الضرر في حال استخدام ألفاظ جارحة،خاصة في شكل صور نمطية سلبية، تجاه مجموعة معينة من الأشخاص، يشكل انتهاكا للالتزام الإيجابي بالحرص على ضمان الاحترام الفعلي للحياة الخاصة لعضو في هذه المجموعة، حيث اعتبرت التعليقات المعنية بمثابة مساس بهويته.
معاهدات أوروبية أخرى
42. خصصت لاستخدام خطاب الكراهية ثلاث معاهدات أخرى لمجلس أوروبا.
43. وهكذا، فإن البروتوكول الإضافي المحلق بالاتفاقية بشأن الجريمة الإلكترونية، المتعلق بتجريم الأفعال ذات طبيعة عنصرية ومعادية للأجانب المرتكبة بواسطة أنظمة الكمبيوتر، يطالب الدول الأعضاء باعتماد تدابير تشريعية وغيرها من التدابير الضرورية لتجريم نشر مواد عنصرية ومعادية للأجانب بواسطة نظام الكمبيوتر؛ واستخدام أنظمة الكمبيوتر للتهديد والسب بدافع عنصري ومعادي للأجانب ولإنكار أفعال تشكل إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو التقليل من شأنها بشكل فادح أو إقرارها أو تبريرها.
44. تنص الاتفاقية الأوروبية للتلفزيون العابر للحدود من جانبها على أنه لا يجب لخدمات البرامج أن تحرض على الكراهية العنصرية. بالإضافة إلى ذلك، تشير اتفاقية مجلس أوروبا بشأن منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي إلى أشكال من العنف الممارس ضد المرأة التي يمكن أن تكون أيضًا من مظاهر خطاب الكراهية المتحيز ضد النساء عبر الإنترنت/ خارج الإنترنت، أي التحرش الجنسي (المادة 40) والتحرش (المادة 34)، وتطالب الدول باتخاذ التدابير التشريعية اللازمة أو غيرها من التدابير الضرورية.
معايير أوروبية ودولية أخرى
45. بالإضافة إلى هذه الالتزامات التعاهدية الخاصة التي تتطلب أو تجيز اعتماد تدابير ترمي إلى مكافحة خطاب الكراهية ذي طبيعة خاصة أو في سياقات معينة، هناك معايير أوروبية ودولية أخرى ذات صلة في هذا المجال. ويتعلق الأمر بتوصيات لجنة وزراء مجلس أوروبا، وتوصيات وقرارات الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، وتقرير صادر عن اللجنة الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون (لجنة البندقية)، وتدبيرين للاتحاد الأوروبي، وإعلان وبرنامج عمل ديربان (سبتمبر/ أيلول 2001) والوثيقة الختامية لمؤتمر ديربان الاستعراضي (أبريل/ نيسان 2009)، وخطة عمل الرباط بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف (5 أكتوبر/ تشرين الأول 2012)، وتقارير الجمعية العامة للأمم الأمم المتحدة والمقررين الخاصين لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بشأن الأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، وبشأن قضايا الأقليات، وأيضًا حول تعزيز وحماية حرية الرأي والتعبير، علاوة على تقارير لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
46. تُعنى العديد من توصيات لجنة وزراء مجلس أوروبا وتوصيات وقرارات الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بأشكال معينة من خطاب الكراهية، مثل النزعة القومية العدوانية، والتطرف، والنازية الجديدة، والاعتداد بالعرق والكراهية العنصرية. وتركز توصيات أخرى على خطاب الكراهية الذي يستهدف مجموعات محددة من الأشخاص، على غرار الخطابات المتعلقة بمعاداة الغجر، ومعاداة السامية، وكره الأجانب، ورهاب الإسلام، ورهاب المثلية/ المتحولين جنسيًا، ووضع المهاجرين والانتماء الديني. بينما تتناول توصيات أخر بهذه الظاهرة في سياقات محددة، لا سيما في الفضاء الإلكتروني، ووسائل الإعلام على الإنترنت، والخطاب السياسي وألعاب الفيديو.
47. توصية لجنة الوزراء رقم 20 (97) الموجهة للدول الأعضاء بشأن “خطاب الكراهية” تعرّف هذا الخطاب على أنه »يشمل جميع أشكال التعبير التي تنشر أو تحرض أو تعزز أو تبرر الكراهية العنصرية، كره الأجانب، معاداة السامية أو غيرها من أشكال الكراهية القائمة على التعصب، بما في ذلك التعصب المعبر عنه في شكل النزعة القومية العدوانية والاعتداد بالعرق، والتمييز والعداء تجاه الأقليات، والمهاجرين والأشخاص المنحدرين من مهاجرين«. وتوصي الدول الأعضاء باتباع عدد من المبادئ لمكافحة خطاب الكراهية في قوانينها وممارساتها الوطنية. وبالمثل، تدعو توصيات وقرارات أخرى إلى اعتماد تدابير إدارية ومدنية وجنائية مختلفة لمكافحة خطاب الكراهية، مع احترام الحق في حرية التعبير. بالإضافة إلى ذلك، تسعى هذه التوصيات والقرارات إلى تعزيز ثقافة التسامح، مع التأكيد في هذا الصدد على دور مختلف وسائل الإعلام.
48. يولي تقرير لجنة البندقية اهتمامًا خاصًا للتحريض على الكراهية الدينية. فبعد دراسة التشريعات الأوروبية المتعلقة بالتجديف (الإساءة إلى الدين) والقذف ذي الطابع الديني والتحريض على الكراهية الدينية، خلص التقرير إلى أن التحريض على الكراهية، بما في ذلك الكراهية الدينية، يجب أن يعاقب عليه بعقوبات جنائية، وأنه سيكون من المفيد إقامة شرط صريح مرتبط بالنية أو الإهمال. ويخلص التقرير أيضًا إلى أنه ليس من الضروري ولا المرغوب فيه إنشاء جريمة القذف الديني (بمعنى الإساءة إلى المشاعر الدينية) على هذا النحو، في غياب العنصر الأساسي للتحريض على الكراهية. وفي الأخير، اعتبر التقرير أنه ينبغي إلغاء جريمة التجديف ولا ينبغي إعادة فرضها.
49. يتمثل تدبيرا الاتحاد الأوروبي المتعلقان بخطاب الكراهية في القرار الإطاريالصادر عن مجلس الاتحاد الأوروبي رقم 2008/913/ JAI( “JAI” مجلس العدل والشؤون الداخلية) والمؤرخ 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 بشأن مكافحة بعض أشكال ومظاهر العنصرية وكره الأجانب عن طريق القانون الجنائي (“القرار الإطاري”)، وفي الأمر التوجيهي رقم 2010/13/ الاتحاد الأوروبي (2010/13/UE) الصادر عن البرلمان الأوروبي والمجلس بتاريخ 10 مارس/ آذار 2010 بشأن تنسيق بعض الأحكام التشريعية
والتنظيمية والإدارية للدول الأعضاء ذات الصلة بتقديم خدمات الإعلام السمعي البصري (“الأمر التوجيهي بشأن خدمات وسائل الإعلام السمعية البصرية”).
50. وفقًا للقرار الإطاري، “تشكل العنصرية وكراهية الأجانب انتهاكات مباشرة لمبادئ الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وكذلك دولة الحق والقانون، وهي المبادئ المؤسِّسة للاتحاد الأوروبي والمشتركة بين الدول الأعضاء”. ومع الاعتراف بأن مكافحة العنصرية وكره الأجانب تتطلب أنواعًا مختلفة من التدابير التي يجب أن تندرج في إطار شامل وأنه لا يمكن حصر مكافحتهما في المادة الجنائية، فإن التدابير التي يقتضيها القرار الإطاري تقتصر على مكافحة الأشكال الخطيرة بشكل خاص من أشكال العنصرية وكره الأجانب من خلال القانون الجنائي. وبالتالي، يقتضي القرار الإطاري، عندما يتعلق الأمر بأفعال متعمدة، أن تتم معاقبة التحريض العلني على العنف أو الكراهية ضد مجموعة من الأشخاص أو أحد أفراد هذه المجموعة المحددة على أساس العرق، أو اللون أو الدين أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني. وبالمثل، ينبغي أن يعاقب القانون على تمجيد جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب أو إنكارها أو التهوين الجسيم من شأنها، بشكل متعمد وعلني، ضد مثل هذه المجموعة من الأشخاص أو أعضائها عندما يمارس هذا السلوك بطريقة من المرجح أن تحرض على العنف أو الكراهية تجاه هذه المجموعة من الأشخاص أو أحد أفرادها. وبالموازاة، يشير القرار الإطاري بوضوح أنه لا يُلزم الدول الأعضاء باتخاذ تدابير تتعارض مع المبادئ الأساسية المتعلقة بحرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير.
51. من جهته، يطالب الأمر التوجيهي بشأن خدمات وسائل الإعلام السمعية البصرية الدول الأعضاء بالحرص على أن هذه الخدمات التي يقدمها المزودون لا تحتوي على أي تحريض على الكراهية قائم على العرق أو الجنس أو الدين أو الجنسية. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الدول الأعضاء أن تحرص على أن الاتصالات التجارية السمعية البصرية التي يقدمها مزودو الخدمات الإعلامية لا تنتهك كرامة الإنسان، ولا تنطوي على تمييز قائم على أساس الجنس، الأصل العرقي أو الإثني، الجنسية، الدين أو المعتقد، الإعاقة، السن أو التوجه الجنسي، وأنها لا تحرض على تمييز من هذا القبيل.
52. اعتمد المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، الذي عقدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، إعلان وبرنامج عمل ديربان في عام 2001. وتؤكد هذه النصوص أن العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب تشكل إنكارًا لمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتلاحظ أن التقصير في مكافحة هذه الظواهر، لا سيما من قبل السلطات العامة والسياسيين على جميع المستويات، يشجع على إدامتها. وبالتالي، تحث هذه النصوص على اعتماد مجموعة كاملة من التدابير التشريعية والقضائية والتنظيمية والإدارية وكذلك تدابير التنظيم الذاتي بهدف منع العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب وحماية البشر من هذه الظواهر، والترويج للاحترام والتسامح. وتحث الدول، على وجه الخصوص، على “تنفيذ العقوبات القانونية، وفقًا لقانون حقوق الإنسان الدولي ذي الصلة، فيما يتعلق بالتحريض على الكراهية العنصرية عن طريق التكنولوجيات الجديدة للمعلومات والاتصالات، بما في ذلك الإنترنت”، وعلى تشجيع التنديد ببث الرسائل العنصرية والمعادية الأجانب عبر كافة وسائل الاتصالات والنهي الفعال عن ذلك.
53. عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤتمر ديربان الاستعراضي بغية تقييم التقدم المحرز نحو تحقيق الأهداف التي حددها المؤتمر العالمي. وتعرب وثيقة المؤتمر النهائية عن القلق إزاء تنامي التحريض على الكراهية الموجهة ضد جماعات عرقية ودينية وأشخاص ينتمون إلى أقليات عرقية أو دينية، في وسائل الإعلام المكتوبة أو السمعية البصرية أو الإلكترونية، أو بأي وسيلة أخرى، من قبل مجموعة متنوعة من المصادر مما أثر بشدة على هذه المجتمعات وهؤلاء الأشخاص. وأعلن الموقعون على الوثيقة عزمهم على اتخاذ “طبقًا للمادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، جميع التدابير التشريعية والسياسية والقضائية اللازمة لحظر كامل وفعلي لأي دعوة إلى الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف”. بالإضافة إلى ذلك، يدعو الموقعون على الوثيقة الدول إلى اتخاذ تدابير لمكافحة استمرار مواقف معادية للأجانب والصور النمطية السلبية المتعلقة بهم، لا سيما من قبل السياسيين والأعوان المكلفين بإنفاذ القانون، وموظفي مصالح الهجرة ووسائل الإعلام. علاوة على ذلك، فإنهم يحثون الدول على معاقبة الأنشطة العنيفة والعنصرية والمعادية للأجانب التي تقوم بها جماعات والتي تستند إلى أيديولوجيات النازية الجديدة أو إيديولوجيات الفاشية الجديدة أو غيرها من الأيديولوجيات القومية العنيفة؛ وعلى إعلان عدم قانونية وحظر جميع المنظمات التي تستلهم من أفكار أو نظريات قائمة على تفوق عرق أو مجموعة من الناس من لون أو أصل إثني معين، أو التي تدعي تبرير أو تشجيع أي شكل من أشكال الكراهية والتمييز القومية والعنصرية والدينية؛ وعلى اعتماد تدابير إيجابية فورية ترمي إلى القضاء على أي تحريض على هذا التمييز أو أي أعمال التمييز.
54. شدد المقرر الخاص المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب على الدور المركزي للتدابير التشريعية في أي استراتيجية تهدف إلى مكافحة ومنع العنصرية والكراهية الإثنية وكره الأجانب على الإنترنت وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي شجع الدول التي لم تفعل ذلك بعد على النظر في اعتماد تشريعات من هذا القبيل. وبالموازاة، أكد المقرر الخاص الدور الهام للقطاع الخاص والتربية والتعليم في مكافحة العنصرية والتحريض على الكراهية العنصرية. بالإضافة إلى ذلك، شدد على ضرورة التصدي للأحزاب السياسية والحركات والجماعات المتطرفة وتعزيز التدابير الرامية إلى منع حوادث العنصرية وكراهية الأجانب في التظاهرات الرياضية.
55. بالإضافة إلى ذلك، نشرت المقررة الخاصة المعنية بقضايا الأقليات تقريرا يتمحور حول خطاب الكراهية والتحريض على الكراهية ضد الأقليات في وسائل الإعلام. ويقر هذا التقرير بأنه يجب فهم الأسباب العميقة للكراهية بشكل أفضل، مع التأكيد على أهمية تعبئة مجتمعات الأغلبية لكي تدعو، بمعية الأقليات المهمشة والمحرومة، إلى احترام حقوق الإنسان والمساواة والكرامة للجميع. وتحث المقررة الخاصة الدول على اعتماد تشريعات وطنية تحظر أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداء أو العنف، مع الاحترام الكامل للحق في حرية الكلام والتعبير. بالإضافة إلى ذلك، تدعو المقررة الخاصة جميع الدول إلى اعتماد خطة عمل الرباطعند تنفيذ أو تنقيح إطارها القانوني المحلي لمكافحة خطاب الكراهية. ويشير التقرير إلى ضرورة أن تسعى الأحزاب السياسية الديمقراطية إلى إيجاد أدوات واستراتيجيات للتوعية تسمح لها بالتصدي بفعالية لرسائل الكراهية التي تنشرها القوى والأحزاب المتطرفة.
56. تسلط المقررة الخاصة الضوء على أهمية تطبيق وسائل الإعلام لأعلى معايير الصحافة الأخلاقية، والامتناع عن تقزيم أشخاص وجماعات من الأشخاص في صور نمطية، ونشر الوقائع بكل موضوعية
ونزاهة وحيادية. ويشجع التقرير على إنشاء هيئات تنظيمية/ رقابية مستقلة على المستوى الوطني، بما في ذلك الهيئات الممثلة للأقليات، تكون مخولة للاضطلاع بمهام اليقظة ومراقبة خطاب الكراهية في وسائل الإعلام، ولتلقي معلومات من الجمهور حول هذا الخطاب، وتلقي ودعم الشكاوى وتقديم توصيات. وبحسب التقرير، ينبغي لمزودي خدمة الإنترنت، فيما يتعلق بخطاب الكراهية والتحريض على الكراهية، أن يحددوا شروط الاستخدام التفصيلية وقواعد وإجراءات الإخطار والسحب طبقا للقوانين الوطنية والمعايير الدولية، وضمان التطبيق الشفاف لهذه الأنظمة. فضلًا عن ذلك، يؤكد التقرير أهمية التعليم والتدريب/ التكوين، ويوصي تحديدا بإدماج المكونات الرئيسية للتربية الإعلامية في المناهج والبرامج الدراسية في جميع المراحل، مع التركيز بشكل خاص على البيئة الافتراضية، وهو جانب يعتبر ضروريًا لتزويد الشباب والكبار بالأدوات والموارد اللازمة لاكتساب قدرة التفكير النقدي التي تمكنهم من قياس دقة وموضوعية وتأثير المعلومات التي يتم الحصول عليها من وسائل الإعلام.
57. خطاب الكراهية هو أيضًا موضوع تقرير خاص أعده المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير. ويعترف هذا التقرير بأنه إذا كان من الممكن بل من الضروري تقييد الحق في حرية التعبير في حالات قصوى مثل التحريض على الإبادة الجماعية أو الكراهية،طبقًا للقواعد والمبادئ الدولية، فإن هذا الحق يشكل أيضًا وسيلة للإبلاغ عن الأضرار التي يسببها التحيز، ولمكافحة الصور النمطية السلبية، وتقديم آراء ووجهات نظر مختلفة وتهيئة بيئة يعمها الاحترام والتفاهم بين شعوب ومجتمعات العالم بأسره. ونتيجة لذلك، يؤكد المقرر الخاص أن القوانين الرامية إلى مكافحة التحريض على الكراهية يجب تفسيرها وتطبيقها بحذر من قبل السلطات القضائية حتى لا تقيد حرية التعبير بشكل تعسفي. وفي الوقت نفسه، يمكن استكمال هذه القوانين بمجموعة واسعة من التدابير الموجهة إلى إحداث تغيير حقيقي في طرق التفكير، والتصورات والخطاب. ويوصي المقرر الخاص، من أجل منع الاستخدام التعسفي للقوانين المتعلقة بالتحريض على الكراهية، بأن تعتبر حالات التحريض على الكراهية شديدة الخطورة فقط كجرائم جنائية – مع مراعاة العناصر التالية: الخطورة، النية، المحتوى، النطاق، احتمال إلحاق الضرر، الوشك والسياق.
58. في تقرير عن التمييز والعنف ضد الأشخاص بسبب توجههم الجنسي أو هويتهم الجنسانية، توصي مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان باتخاذ عدة تدابير من قبل الدول لمكافحة هذا النوع من الانتهاكات، لا سيما حظر التحريض على الكراهية والعنف بدافع التوجه الجنسي أو الهوية الجنسانية وضمان مساءلة أولئك الذين يروجون خطاب الكراهية بشأن هذا الموضوع.
59. يمثل اعتماد خطة عمل الرباط تتويجًا لمسار أطلقته مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بغية إجراء تقييم شامل لتنفيذ التشريعات والاجتهادات القضائية والسياسات ذات الصلة بالدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداء أو العنف على المستويين الوطني والإقليمي، مع تشجيع الاحترام الكامل لحرية التعبير، كما يحميها القانون الدولي لحقوق الإنسان. وتوصي هذه الخطة بالتمييز بوضوح بين(أ) أشكال التعبير التي تشكل جريمة جنائية، (ب) تلك التي لا يعاقب عليها القانون الجنائي ولكن قد تبرر الدعوى المدنية أو العقوبات الإدارية و(ج) تلك التي لا تدعو إلى فرض أي من هذه العقوبات ولكنها تثير مع ذلك بعض المخاوف من حيث التسامح والكياسة أو التهذيب واحترام حقوق الآخرين. وفي هذا الصدد، تلفت الخطة الانتباه إلى ستة معايير تسمح بتقييم ما إذا كان التعبير قد اقترب من عتبة الجريمة الجنائية. وهذه المعايير هي: السياق، وصاحب الفعل، والنية، والمحتوى والشكل، والنطاق والاحتمالية (بما في ذلك الوشك). علاوة على ذلك، توصي الخطة باتخاذ تدابير لمكافحة الصور النمطية السلبية والتمييز، ولتعزيز التفاهم بين الثقافات، والتحقيق في الشكاوى المتعلقة بأفعال التحريض على الكراهية، وضمان جمع البيانات بشكل منهجي.
معايير اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب
60. توصي توصيات السياسة العامة السابقة للجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب بشأن خطاب الكراهية بما يلي:
- تشجيع التفكير داخل مهن قطاع الإعلام وقطاع الإعلانات، في صورة الإسلام والمجتمعات الإسلامية التي تعكسها هذه المجتمعات وفي المسؤولية التي تقع على عاتق مهنيي هذه القطاعات بعدم نقل صور نمطية ومعلومات مبنية على تحيزات؛
- اتخاذ تدابير لمكافحة نشر المواد العنصرية والمعادية للأجانب وللسامية عبر الإنترنت؛
- اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمكافحة جميع مظاهر معاداة السامية، لا سيما من خلال ضمان أن القانون الجنائ يعند مكافحة العنصرية يأخذ معاداة الساميةبعين الاعتبار؛
- اتخاذ تدابير لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري في الوسط المدرسي؛
- اتخاذ تدابير لمكافحة معاداة الغجر والتمييز ضد الروما؛ و
- تجريم بعض أشكال خطاب الكراهية.
61. توصي توصية السياسة العامة رقم 7 بتجريم السلوكيات التالية:
- التحريض العلني على العنف أو الكراهية أو التمييز، والقذف أو التشهير العلني، والتهديدات، الموجهة ضد شخص أو مجموعة من الأشخاص بسبب “عرقهم” أو لونهم أو لغتهم أو دينهم أو جنسيتهم أو أصلهم القومي أو الإثني؛
- التعبير العلني، بهدف عنصري، عن أيديولوجية تروج لتفوق مجموعة من الأشخاص بسبب عرقهم أو لونهم أو لغتهم أو دينهم أو جنسيتهم أو أصلهم القومي أو الإثني، أو تشوه أو تستخف بمجموعة من الأشخاص على هذه الأسس؛ و
- إنكار جرائم الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب أو التهوين الجسيم منها أو تبريرها أو تمجيدها بشكل علني، بهدف عنصري.
بعض الشواغل في مجال التطبيق
62. يوجد، بالتالي، أساس متين في القانون الدولي والإقليمي لحقوق الإنسان لفرض قيود على استخدام خطاب الكراهية. ومع ذلك، تخشى الهيئات المسؤولة عن مراقبة تنفيذ التزامات الدول في هذا الشأن من سعي قيود من هذا القبيل إلى إسكات الأقليات وإلى قمع الانتقادات أو المعارضة السياسية أو المعتقدات الدينية دون مبرر.
63. وهكذا، في سياق فحص تقارير الدول الأطراف في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، أوصت لجنة القضاء على التمييز العنصري بتعديل التعاريف الواردة في التشريعات الرامية إلى مكافحة “التطرف” بغية ضمان تنصيصها بشكل واضح ودقيق وتضمنها فقط لأعمال العنف والتحريض على مثل هذه الأعمال والمشاركة في منظمات تحث على التمييز العنصري وتشجعه، طبقًا للمادة 4 من الاتفاقية المذكورة. وبالمثل، أعربت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن قلقها من احتمال تفسير وتطبيق هذه القوانين بطريقة جد واسعة، الأمر الذي من شأنه أن يستهدف أو يلحق الضرر بالمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يسعون إلى القضاء على التمييز العنصري أو ألا يوفر الحماية للأشخاص والجمعيات ضد أي تطبيق تعسفي. بالإضافة إلى ذلك، فإن اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب ومؤسسات أخرى مثل المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير أو اللجنة الاستشارية للاتفاقية الإطارية لحماية الأقليات القومية قد أعربت عن قلقها بشأن تحويل القيود المفروضة على خطاب الكراهية لإسكات انتقادات المعارضة السياسية، بما فيها الانتقادات المشروعة.
64. ثمة هاجس آخر، مرتبط بالمخاوف السابقة، يتعلق باحتمال استخدام الحظر المفروض على خطاب الكراهية استخداما غير متناسب أو غير مبرر ضد أولئك الذين يفترض أن يحميهم، وبالتالي، من الأهمية بمكان تجنب أي استخدام تعسفي في هذا المجال. صحيح أن هذا الهاجس قد يستند إلى أساس شخصي – لأن بعض الإجراءات فقط تخضع لتقارير شمولية وأن البيانات الشاملة غير متاحة– وليس على أدلة. ومع ذلك، فإذا كان من المهم الحرص على استناد أي تدبير لمكافحة خطاب الكراهية إلى أسس جيدة وألا يترتب أبدًا ذلك التدبير عن اختيار انتقائي أو اعتباطي، فإن التوصية تنص بوضوح على أن أي حظر لخطاب الكراهية في القانون الجنائي يجب أن يطبَّق بشكل عام وألا يستهدف فقط أنواعًا معينة من الجناة.
الخلاصة
65. توصي التوصية بالنظر في اتخاذ التدابير المطلوبة بموجب القانون الدولي أو المرخص بها بموجب نفس الصكوك بغية ضمان مبدأ عالمية حقوق الإنسان.
ث. التصديقات، والتحفظات وسبل الانتصاف
التوصية رقم 1
التصديق على المعاهدات
66. إن المعاهدات الثلاث التي تدعو التوصية رقم 1، على غرار توصيتي السياسة العامة رقم 13 و14، الدول الأعضاء التي لم تصدق عليها بعد إلى التصديق عليها، تتطلب الالتزام باعتماد مختلف التدابير الأساسية لتحقيق أهداف التوصية.
67. تتعلق التدابير المطلوبة بموجب البروتوكول الإضافي الملحق بالاتفاقية المتعلقة بالجريمة الإلكترونية بتجريم الأفعال ذات طابع عنصري ومعادي للأجانب المرتكبة بواسطة أنظمة معلوماتية. وقد تم عرضها أعلاه وهي مهمة لأنها تركز بشكل خاص على خطاب الكراهية. ومع ذلك، فإن التدابير المطلوبة بموجب الصكين الآخرين –الاتفاقية الإطارية لحماية الأقليات القومية (“الاتفاقية الإطارية”) والبروتوكول رقم 12 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (“البروتوكول رقم 12”)– تكتسي نفس القدر من الأهمية.
68. وبالتالي، لا تقتضي الاتفاقية الإطارية فقط ضمان الحق في المساواة أمام القانون وحماية القانون على قدم المساواة لكل شخص ينتمي إلى أقلية قومية، بل تتطلب أيضًا (أ) تعزيز روح التسامح والحوار بين الثقافات، و(ب) تشجيع الاحترام والتفاهم المتبادلين والتعاون، و(ج) حماية الأشخاص الذين قد يقعون ضحايا لتهديدات أو أعمال التمييز أو العداء أو العنف بسبب هويتهم العرقية، الثقافية، اللغوية أو الدينية. ومن جانبه، يعزز البروتوكول رقم 12 حظر التمييز المنصوص عليه في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان من خلال التنصيص على ضرورة ضمان التمتع بجميع الحقوق المنصوص عليها في القانون – وليس فقط الحقوق والحريات التي يكفلها هذا القانون بصريح العبارة.
69. ومع ذلك، فإن التوصية رقم 1 لا تدرج الاتفاقية الأوروبية بشأن التلفزيون العابر للحدود ضمن قائمة المعاهدات التي يتعين التصديق عليها، لأن هذه الاتفاقية تحتاج إلى تحديث عن طريق بروتوكول بغية مراعاة مختلف التطورات التي طرأت في المجال الإعلامي منذ اعتمادها. لذلك، سيكون من العبث التصديق على هذه المعاهدة كما هي.
التوصية رقم2
رفع التحفظات
70. إن النقطة الأولى من هذه التوصية، والمتمثلة في ضرورة سحب أي تحفظ على المادة 4 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري وعلى المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والسياسات المصاغة باسم الحق في حرية التجمع وتكوين الجمعيات والتعبير، تستند إلى التخوف من أن يعيق الحفاظ على هذه التحفظات اعتماد تدابير فعالة ترمي إلى حظر المنظمات التي تحرض على العنصرية وعلى التمييز العنصري، والدعاية للحرب، والدعوة إلى الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية، أو تشجع أفعالا من هذا القبيل.
الوصول إلى سبل الانتصاف
71. أما النقطة الثانية من التوصية رقم 2، أي الاعتراف باختصاص لجنة القضاء على التمييز العنصري في تلقي ودراسة البلاغات المقدمة من أشخاص أو مجموعات الأشخاص التي تؤكد أنهم ضحايا لانتهاكات حقوق محمية بموجب الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، فتسعى إلى أن تكون ضمانة ضد أي عجز على مكافحة خطاب الكراهية على الصعيد الوطني، حيث يسمح هذا الاعتراف لهؤلاء الأشخاص أو مجموعات الأشخاص باللجوء إلى الهيئات الدولية.
ج. أسباب خطاب الكراهية ونطاقه
التوصية رقم3
72. تهدف هذه التوصية تحديدًا إلى اعتماد تدابير مناسبة لتحديد الظروف المختلفة التي يمكن أن تؤدي إلى ممارسة خطاب الكراهية والأشكال المختلفة التي تتخذها هذه الممارسة، وكذلك إلى قياس نطاق هذه الممارسة وتداعياتها. وتعتبر معالجة الفهم المحدود حاليًا لهذه الظاهرة وانعدام اليقين بشأن نطاقها وعواقبها أمرًا ضروريًا. وبخلاف ذلك، لا يمكن اتخاذ أي تدبير فعال لردع ومنع استخدام خطاب الكراهية وللتقليل من الأضرار التي يمكن أن يسببها والعمل على جبرها. ولتحسين مستوى الفهم وتبديد عدم اليقين، سيكون من الضروري مع ذلك تطوير واستخدام مجموعة متنوعة من الأدوات.
73. من الممكن أن تكون بعض الظروف مواتية بشكل خاص لاستخدام خطاب الكراهية والأشكال المعينة التي يتخذها. وهكذا، فإن وجود عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية متنوعة، بالإضافة إلى توارث الصور النمطية السلبية والأحكام المسبقة من جيل إلى آخر دون تفكير،يؤدي على الأرجح إلى تهيئة بيئة مواتية لتفشي هذا الخطاب. ومع ذلك، لا يبدو أن تظافر هذه الظروف – سواء تم اعتبارها بشكل منعزل أو جماعي – يعزز بشكل منهجي ممارسة خطاب الكراهية.
العمل البحثي
74. من المهم تنفيذ مشاريع بحثية مناسبة من أجل فهم أفضل للظروف التي تساهم في هذه الظاهرة وكذلك للطريقة الخاصة لتفاعلها. وينبغي أن تركز هذه البحوث بشكل خاص على الظروف الراهنة والعوامل التي تؤدي إلى مستويات مختلفة من ردود الفعل تجاه حالات فردية. وينبغي أن يتمثل هذا العمل البحثي في مسوحات ودراسات استقصائية وأخرى ميدانية، وأن يكون، قدر الإمكان، بحثًا مقارنًا.
75. لا يلزم بالضرورة أن تقوم السلطات العامة نفسها بإجراء البحوث حول الظروف المؤدية إلى استخدام خطاب الكراهية وأشكاله المختلفة. ومع ذلك، من المهم أن توفر هذه السلطات الدعم اللازم وأن تحرص بالأساس على الإنجاز الفعلي لهذه الأعمال البحثية. علاوة على ذلك، يبدو أن الأبحاث المقارنة تكون أكثر فعالية عندما تُنجَز بشكل مشترك بين عدة مؤسسات بحثية في العديد من الدول الأعضاء الشريكة. لذلك، ينبغي تشجيع هذا التعاون وتيسيره بشكل خاص.
التقصير في جمع البيانات
76. على الرغم من ملاحظة حالات محددة للجوء إلى خطاب الكراهية في إطار الرصد الذي تقوم به اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب وفي دراسات أخرى، مع وجود انطباع أو استنتاج في بعض الأحيان بأن هذه الظاهرة تتنامى، فإن النطاق الواقعي لهذا الاستخدام لا يزال غير واضح، نظرا لمختلف العوامل المسجلة أثناء الرصد، لا سيما التعاريف المتباينة لخطاب الكراهية (التي تغطي فقط بعض الخصائص أو الأوضاع الشخصية التي من المحتمل أن تحفز هذه الظاهرة)، واعتماد السلطات المعنية لمقاربات مختلفة في مجال التصنيف، وحصر جمع البيانات فقط على الحالات التي قد يشكل فيها استخدام خطاب الكراهية جريمة جنائية، وعدم تسجيل السلطات العامة المختصة للحالات المحددة حيث تم استخدام خطاب الكراهية أو عدم إبلاغها بها، وأحيانًا الغياب التام لأي جمع للبيانات في هذا المجال أو عدم نشر البيانات التي تم جمعها، سواء بشكل كلي أو جزئي.
77. في بعض الحالات، يعكس عدم جمع البيانات التخوف، في حال إجراء هذا الجمع، من انتهاك الالتزامات المتعلقة بحماية البيانات. علاوة على ذلك، لا تؤخذ جميع البيانات التي تم جمعها في الاعتبار على النحو الواجب، خاصة عندما تفرزها عملية رصد منجزة من قبل المجتمع المدني. فضلًا عن ذلك، لا يتم دائما تحليلها بطريقة تسمح باستخلاص استنتاجات حول التدابير الضرورية للتصدي لممارسة خطاب الكراهية التي تكشفها تلك البيانات. وفي الأخير، من الضروري التأكد من أن البيانات التي تم جمعها لا تُستخدم فقط لدراسة نطاق استخدام خطاب الكراهية ولكن أيضًا للنظر في تداعيات هذه الظاهرة على الأشخاص المستهدفين أو المجموعات المستهدفة.
المتطلبات المتعلقة بجمع البيانات
78. لذلك، يجب جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالاستخدام الفعلي لخطاب الكراهية بطريقة أكثر اتساقا ومنهجية وشمولية.
79. وهذا يعني في المقام الأول، أنه ينبغي جمعها بالإشارة دائمًا إلى تعريف خطاب الكراهية بالمعنى المقصود لأغراض التوصية.
80. وثانيًا، لا ينبغي استخدام الضمانات ذات الصلة بحماية البيانات كذريعة لتقييد أو منع جمع البيانات المتعلقة باستخدام خطاب الكراهية. من المؤكد أن هذه الضمانات لا تحظر جمع أو معالجة البيانات المتعلقة بأشخاص يمكن تحديدهم عندما يتوخى الهدف المنشود تحقيق غاية مشروعة، وتكون البيانات مناسبة وذات صلة وغير مفرطة من أجل تحقيق هذه الغاية، وتكون دقيقة ومُحدَثة ولا يتم الاحتفاظ بها لفترة أطول من اللازم. بالإضافة إلى ذلك، لا تنطبق الضمانات ذات الصلة بحماية البيانات على البيانات مجهولة الهوية بحيث تجعل من المستحيل تحديد هوية الأشخاص المعنيين باستخدام خطاب الكراهية، وينبغي أن يكون الحال كذلك بالنسبة لجميع الدراسات التحليلية الإحصائية لهذه الظاهرة.
81. ثالثًا، لا ينبغي أن تقتصر البيانات التي يتم جمعها فقط على الحالات التي تكون فيها التعليقات المعنية، وفقا للادعاءات أو استنتاجات السلطات المختصة، تشكل جريمة، لأن هذا يستبعد حتما غالبية الحالات التي يستخدم فيها خطاب الكراهية والتي يجب فيها مكافحته.
82. رابعًا، ينبغي أن تخضع السلطات العامة المختصة لإلزامية صريحة برفع تقارير، في شكل إحصائيات، عن جميع الشكاوى المتعلقة بحالات مزعومة لخطاب الكراهية مخالفة للقانون الإداري أو المدني أو الجنائي، وكذلك عن نتائج جميع الإجراءات المتخذة في أعقاب هذه الشكاوى المقدمة.
83. خامسًا، لا ينبغي أن يقتصر جمع البيانات على تسجيل الشكاوى التي تبلغ عن حالات خطاب الكراهية؛ بل ينبغي السعي أيضًا إلى محاولة فهم تجربة الأشخاص الذين يتأثرون بهذه التعليقات وقد يترددون في الإبلاغ عن الوقائع. ويكون الرصد – سواء تم إجراؤه في الوقت الفعلي أو بأثر رجعي من خلال تحليل الأرشيفات أو في شكل تحليل للخطابات والمحتويات – مثاليًا عندما تقوم به منظمات المجتمع المدني والهيئات المكلفة بقضايا المساواة/ المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، بما أنه مرخص لها بالقيام بذلك وفقا لمحور أنشطتها وأولوياتها، في حال لم تنجز عملية الرصد بعد.
84. ومع ذلك، ينبغي الحرص على تقديم الدعم الواجب لعملية الرصد هاته، التي قد تتطلب موارد لتمويل المحللين أو، عند الاقتضاء، لتمويل الأجهزة والبرمجيات اللازمة لإجراء التحليلات التلقائية. وينبغي للهيئات المكلفة بقضايا المساواة/ المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وغيرها من الهيئات المختصة أن تكون قادرة أيضًا على إجراء (تفويض إجراء) مسوحات حول الأشخاص أو الجماعات المحتمل استهدافهم بخطاب الكراهية من أجل تحديد وتيرة الظاهرة، خاصة عندما لا يكون من السهل مراقبتها أو الإبلاغ عنها. وتعتبر الدراسة الاستقصائية الأوروبية بشأن الإجرام والأمن أو المسح الذي أنجزته وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية حول المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانيةمثالين جيدين على ذلك. ويمكن أيضًا استخدام هذه المسوحات لتحديد تداعيات خطاب الكراهية على أفراد المجموعات المستهدفة، لا سيما الشعور بالخوف والعزلة والعار الذي قد يراودهم، أو الميل إلى الانغلاق على الذات أو التردد في تقديم الشكاوى أو التثبيط عن تقديمها.
85. سادسًا، من المهم تجميع البيانات التي يتم جمعها وفقًا لهذه المنهجيات المختلفة وتحليلها على النحو الواجب باستخدام تقنيات معالجة البيانات الحديثة من أجل تكوين فكرة عن النطاق الإجمالي للظاهرة التي يتعين مكافحتها. وبمجرد أن يتم جمع البيانات من مصدرين على الأقل، ودمجها أو “تجميعها” في شكل إحصائي مجهول الهوية من أجل توضيح معدل حدوث بعض أشكال استخدام خطاب الكراهية (التي تشكل انتهاكا للقانون الإداري، المدني أو الجنائي، على سبيل المثال)، يجب على وجه الخصوص أن يكون من الممكن دائمًا تقسيمها إلى وحدات أصغر من المعلومات بغية التمكن من تحديد المشاكل الخاصة بمجموعات معينة (الإعاقة، الجنس، الدين أو المعتقدات، وما إلى ذلك) وتحديد عوامل معينة (على سبيل المثال، نوع الجناة، أو المكان الذي ألقي فيه هذا الخطاب)، مما يضمن الكشف بشكل فعال عن تشكل اتجاهات معينة أو هشاشة خاصة لدى بعض الفئات المستهدفة من خطاب الكراهية. وبالتالي، يمكن مراعاة هذه الاعتبارات عند اعتماد تدابير رامية إلى مكافحة استخدام خطاب الكراهية المعني.
86. سابعًا، ينبغي نشر البيانات التي تم جمعها وتحليلها على نطاق واسع. وبالتالي،لا ينبغي إرسالها فقط إلى جميع الهيئات والأشخاص المكلفين رسميًا بمكافحة خطاب الكراهية ولكن أيضًا إلى القادة السياسيين والدينيين، وقادة المجتمعات المحلية، وغيرهم من الشخصيات العامة التي تكون في موقع جيد لإدانة اللجوء إلى خطاب الكراهية بشكل صريح باعتباره عملا غير مقبول داخل مجتمع ديمقراطي. علاوة على ذلك، من المهم أن يتم تقديم هذه البيانات وتحليلها في شكل يمكن الوصول إليه حتى تتمكن وسائل الإعلام من تداولها، مما سيسمح للرأي العام بفهم الظاهرة والأضرار التي تسببها.
87. وفي الأخير، ينبغي لسلطة عامة محددة أن تكون مكلفة بصريح العبارة بالسهر على الامتثال الفعلي لمتطلبات جمع البيانات وتحليلها بشكل أكثر اتساقًا وانتظامًا وشمولًا من قبل مختلف الهيئات والمؤسسات المعنية.
ح. التوعية والخطاب المضاد
التوصية رقم 4
88. تهدف هذه التوصية إلى ردع ومنع خطاب الكراهية من خلال إثبات خطورته واعتماد خطاب مضاد، أي بإعادة تأكيد القيم التي يهددها استخدامه والتشكيك في الفرضيات التي يستند إليها. وتعترف التوصية بأن تحقيق ذلك يتطلب دعم مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، لا سيما الشخصيات العامة،
والمسؤولين العموميين، والمربيين والمعلمين، والمنظمات غير الحكومية والهيئات المعنية بقضايا المساواة والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن التركيز على ضرورة حشد الرأي العام بقوة في هذا المسعى يُظهر أن احترام وضمان الكرامة المتأصلة لجميع أفراد الأسرة البشرية وحقوقهم المتساوية وغير القابلة للتصرف هما مسؤولية تقع على عاتق الجميع داخل مجتمع ديمقراطي.
89. وبالموازاة، تدعو التوصية رقم 4 إلى التركيز بشكل خاص على بعض الأشخاص في إطار مبادرات ترمي من جهة إلى تأكيد الطابع غير المقبول لاستخدام خطاب الكراهية، ومن جهة أخرى إلى ترسيخ القيم التي تهددها هذه الممارسة. ويجب ألا تستهدف هذه المبادرات فقط الأفراد أو الجماعات المحتمل تعرضهم بشكل خاص لتأثير المعلومات التضليلية، والصور النمطية السلبية والوصم، بل يجب أن تستهدف أيضًا أولئك الذين رضخوا بالفعل لهذا التأثير أو يحاولون ممارسته. وقد أظهرت التجربة أنه من الممكن أن تهتز الديمقراطية والتعددية وأن تتم تنحيتهما عندما تكون هناك استجابة للدعوات إلى حرمان البعض من الحق في المساواة والكرامة ويتم التصرف بناء على ذلك.
90. وبالتالي، يُفهم أن الحفاظ على التعددية والديمقراطية يتطلب تنازلات من قبل الأشخاص ومجموعات الأشخاص الذين يجوز تقييد بعض حرياتهم من أجل تعزيز استقرار المجتمع برمته.
التوعية
91. ومع ذلك، لا يمكن حماية هذه المثل العليا أو تثمينها فقط من خلال القيود المفروضة على حرية التعبير والتصرف. ومن الضروري أيضًا الاعتراف بأهمية احترام التنوع داخل المجتمع والالتزام المشترك بحماية هذا التنوع. وفي الوقت نفسه، ينبغي اتخاذ تدابير لإزالة العوائق بين مختلف فئات المجتمع التي يمكن أن تعوق تطور الاحترام والتفاهم المتبادلين وأن تُستغل لإثارة الخلافات والعداء. وهناك العديد من الطرق لتحقيق هذه الأهداف.
92. أولا، من المهم الحفاظ على معرفة الماضي، على سبيل المثال من خلال إحياء ذكرى المحرقة وانتهاكات أخرى للديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان ارتُكبت في أوروبا وأماكن أخرى في سياق تاريخنا المشترك؛ ومن خلال اختيار تواريخ خاصة أو تواريخ للذكرى السنوية أو عن طريق إقامة نصب تذكارية،
ومواصلة البرامج الحالية للتوعية ولفهم الحقائق وجدوى التفكير في الأمر في الوقت الحاضر. وسيكون من المفيد، على وجه الخصوص، جلب الانتباه إلى أوجه التشابه بين أهداف وأنشطة المنظمات التي تتشبث اليوم بالتحريض على الكراهية والتعصب وأهداف وأنشطة المنظمات التي سلكت نفس الاتجاه من ذي قبل وما ترتب عن ذلك من عواقب وخيمة.
93. ثانيا، يجب بذل الجهود لضمان تعزيز وعي عامة الناس بآثار معايير حقوق الإنسان وبالسبب الذي جعل الامتثال لهذه المعايير أمرا أساسيا في مجتمع ديمقراطي. وينبغي تحديدا إدراج هذه المسائل – مع التركيز بشكل خاص على طبيعة وعواقب الممارسات التمييزية –في التعليم العام المقدم للجميع. لذلك، ينبغي أن يتلقى المدرسون والأساتذة التدريب المناسب والمواد البيداغوجية اللازمة من أجل تقديم هذا التدريس. ومن المهم، في السياق التعليمي، أن يطبق هذا التدريس أيضًا على العلاقات بين التلاميذ. وفي هذا الصدد، أوصت اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب، في إطار رصدها القطري، باعتماد تدابير تهدف إلى تعزيز التسامح والاحترام المتبادلين في الوسط المدرسي، بغض النظر عن التوجه الجنسي أو الهوية الجنسانية للتلاميذ. ومع ذلك، لوحظ أن المؤسسات المكلفة بتطوير البرامج الدراسية المعنية لم تضطلع دائما بتنفيذ هذه المسؤولية، وفي بعض الحالات، لم يتم تقديم الحصص بسبب عدم اعتماد أحكام التنفيذ. لذلك، ينبغي الحرص على تقديم الدعم الواجب لإعداد وتقديم هذا النوع من الحصص ورصد الإجراءات المتخذة فيما يتعلق بهاذين الجانبين على النحو الواجب. بالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي أن يكون الإعلام والتوعية بحقوق الإنسان حكرًا على برامج التعليم النظامي، بل يجب أن تكون موضوعًا متكررًا للنقاش في وسائل الإعلام والبرامج الإعلامية الموجهة للجمهور الواسع بشكل عام.
94. ثالثا، ينبغي إطلاق مبادرات ترمي إلى تشجيع احترام التنوع من خلال تعزيز زيادة الوعي بـ”الآخر” أو “الآخرين” داخل المجتمع، أو دعم المبادرات القائمة في هذا المجال. وقد تأخذ هذه المبادرات شكل مهرجانات للفنون والسينما،وحفلات موسيقية، وفعاليات في مجال فن الطبخ، وعروض مسرحية ولعب أدوار، ومعارض، ومؤتمرات، وندوات، ومشاريع خاصة بإشراك المؤسسات التربوية، وبرامج إذاعية وتلفزيونية ومنشورات. وبالموازاة، قد يكون من المفيد مشاركة الأشخاص المنحدرين من أصول مهاجرة – بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، شخصيات مشهورة من عالم الثقافة والاقتصاد والرياضة – في برامج تسلط الضوء على اندماجهم بنجاح داخل المجتمع مع الحفاظ على هويتهم. إلا أنه من غير المرجح أن تؤتي هذه الأنشطة ثمارها إنلم تكن جميع السلطات العامة قدوة للآخرين من حيث الاحترام والتفاهم المتبادل عند ممارسة وظائفها.
إزالة العقبات التي تعيق الفهم والتفاهم
95. رابعًا، ينبغي تيسير الحوار بين الثقافات –أي تبادل الآراء المنفتح والمبني على الاحترام بين أشخاص ومجموعات من ثقافات مختلفة– لفهم وجهات نظر بعضهم البعض بشكل أفضل. ويمكن أن يستند هذا الحوار إلى المبادئ التوجيهية الواردة في الكتاب الأبيض لمجلس أوروبا حول الحوار بين الثقافات “من أجل العيش معًا متساويين في الكرامة”. ويمكن تشجيع هذا الحوار على وجه الخصوص من خلال تنظيم فعاليات ثقافية ومشاريع بحثية مشتركة، وتقديم دروس في اللغات، وإنشاء برامج المنح الدراسية وتبادل الطلاب، وعقد ورشات عمل حول بعض الإشكاليات. وعندما يتعلق الأمر بمجتمعات ذات علاقات يسودها تقليديًا النزاع، قد يكون من الضروري الجمع بين المساعدة على الحوار وتدابير رامية إلى تعزيز الوقاية والوساطة والمصالحة. ومرة أخرى، من المهم أن تضطلع جميع السلطات العامة بدور نشط في هذه الحال حتى تكون قدوة يحتذى بها.
96. خامسا، يمكن تقوية الروابط بين المجتمعات من خلال “التشجيع على خلق شبكات تعاونية لبناء التفاهم المتبادل، وتعزيز الحوار وتحفيز العمل البناء بغية تحقيق أهداف مشتركة، والبحث عن نتائج ملموسة من قبيل مشاريع تقديم الخدمات في مجالات التربية والتعليم، والصحة، والوقاية من النزاعات، والتشغيل، والإدماج والتثقيف عبر وسائل الإعلام”. وقد يكون من المفيد أيضًا إنشاء “آلية مناسبة لتحديد مناطق التوتر المحتملة بين أفراد الطوائف […] المختلفة والمساعدة في منع نشوب النزاعات وفي الوساطة“.
97. سادسا، ينبغي بذل جهود خاصة لمكافحة المعلومات التضليلية والصور النمطية السلبية والوصم، وهي كلها ظواهر يمكن أن تشكل أساس الخطاب الكراهية. وبالتالي، لا ينبغي للشرطة والقضاء الكشف عن الأصل الإثني للجناة المزعومين إلا عندما يكون ذلك ضروريًا للغاية ويتوخى تحقيق هدف مشروع، لأن هذا الكشف يمكن أن يعزز الأحكام المسبقة دون مبرر، بينما قد يتم إهمال التبرئة اللاحقة من لهؤلاء الجناة المحتملين أو حتى التغاضي عنها. ومع ذلك، لا يكفي تصحيح “الحقائق” وتكذيب الخصائص المزعومة المنسوبة خطًا إلى شخص معين أو مجموعة معينة من الأشخاص، لأن هذا النوع من التصحيح قد لا يكون له نفس الصدى أو الاهتمام الذي حظيت به التعليقات الأصلية. لذلك، يجب السعي إلى نشر خطابات أخرى على أوسع نطاق ممكن وفي شكل يسهل فهمه، حول الأشخاص أو المجموعات المستهدفة من المعلومات التضليلية، والصور النمطية السلبية والوصم، بغية تقديمهم في صورة إيجابية بناء على حجج متينة ومن أجل كسر بشكل لا يمكن دحضه للصورة السلبية التي تُعطى عنهم، وذلك عبر اتخاذ تدابير لتعزيز مشاركة وتقبل الأشخاص المنحدرين من أقليات في الفرق الرياضية، على سبيل المثال. بالإضافة إلى ذلك، يجب حظر اللجوء إلى التنميط –أي تطبيق صور نمطية قائمة على الانتماء إلى مجموعة معينة من الأشخاص– بشكل صارم كأساس لاتخاذ تدابير في إطار مكافحة الإرهاب، وتطبيق القانون، وسياسات الهجرة، وعمليات مراقبة الجمارك ومراقبة الحدود. وعلى الرغم من أن هذه الجهود لا يمكنها دائمًا تغيير وجهة نظر جميع الأشخاص الذين يمارسون التضليل الإعلامي،ويطبقون الصور النمطية السلبية ويوصمون مجموعات معينة، فيمكنها أن تساهم في منع أشخاص آخرين من التأثر بهذه الممارسات.
أهمية الخطاب المضاد
98. وفي الأخير، ينبغي استكمال هذه الجهود بالإدانة الصريحة والفورية ودون مواربة للحالات الملموسة لخطاب الكراهية. إن الإدانة الواضحة والصريحة لاستخدام خطاب الكراهية ضرورية ليس فقط لأن هذه الظاهرة غير مقبولة بتاتًا في مجتمع ديمقراطي، ولكن أيضًا لأن هذه الإدانة تساهم في ترسيخ القيم التي يستند إليها هذا المجتمع. لذلك، لا ينبغي أن يكتفي الخطاب المضاد بالتأكيد أن استخدام خطاب الكراهية ممارسة مذمومة، ولكن ينبغي له أن يفسر لماذا تعَد هذه الممارسة غير ديمقراطية أيضًا. ومن المهم ألا يبقى أحد مكتوف الأيادي أو أن يسمح بخطاب الكراهية كيفما كان شكله دون التدخل لشجبه. ويتعلق هذا الجانب بشكل خاص بوسائل الإعلام الإلكترونية التي توفر مجموعة متنوعة من الطرق للرد على المحتويات التي يتم نشرها. لذلك، ينبغي تشجيع مستخدمي هذه المواقع، بغض النظر عن شكلها، على الإبلاغ عن أي حالات مرتبطة بخطاب الكراهية يصادفونها وعلى استنكار التعليقات المقدمة بوضوح وشدة. ومع ذلك، إذا كان على الجميع شجب ممارسة خطاب الكراهية، فإن الشخصيات العامة يمكنها أن تقدم إسهامًا خاصًا في هذا الصدد، لأن التقدير الذي تحظى به يجعل لصوتها تأثيرًا هامًا على الآخرين. لذلك، من الضروري أن تندد جميع الشخصيات العامة، لا سيما القادة السياسيين والدينيين وقادة المجتمعات المحلية، وكذلك الشخصيات البارزة في عالم الفنون والأعمال والرياضة، بأي خطاب للكراهية يواجهونه، وإلا فإن صمتهم قد يساهم في إضفاء الشرعية على استخدام خطابات من هذا القبيل.وفي إطار دورات الرصد، لوحظ أن الهيئات المكلفة بقضايا المساواة ومؤسسات الوسيط والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان كثيرًا ما تدين بشدة اللجوء إلى خطاب الكراهية، وهو أمر يستحق الثناء بلا شك. لكن،يجب أن يكون هذا الموقف عامًا، لا سيما بين الشخصيات العامة، وألا يظل محصورا في بضعة أصوات معزولة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتجسد الخطاب المضاد في الانسحاب من الأنشطة والمنظمات التي يشارك فيها أشخاص نشطاء يمارسون خطاب الكراهية.
99. إذا كان لمعظم التدابير المقترحة أعلاه نطاق عام، فإن التوصية رقم 4 تؤكد أن تلك التدابير ضرورية بشكل خاص فيما يتعلق بالأطفال والشباب والموظفين العموميين. وبالفعل تعتبر الفئتان الأوليان، بحكم السن، شديدة التأثير بخطاب الكراهية، ولكن يمكن تثقيفهما وتحريرهما بسرعة أكبر من التحيزات التي تديم استخدام هذا الخطاب. وتعَد هذه الإجراءات ضرورية أيضًا بالنسبة للموظفين العموميين لأن وضعهم يسمح لهم بممارسة تأثير إيجابي على الآخرين، لكنه يعزز على العكس خطورة خطاب الكراهية الذي يمكن أن يمارسوه مع انقياد واضح للدولة.
100. تتوخى التوصية رقم 4 أيضًا تدابير لتشجيع المحرضين على خطاب الكراهية على التنديد بهذه الممارسة ومساعدتهم على الانفصال عن الجماعات التي تستخدم هذا الخطاب. صحيح أن هذه المهمة ليست هينة، خاصة وأن التحيزات الراسخة يمكن أن تعطي طابعا شبه “عادي” لممارسة خطاب الكراهية. ومع ذلك، ليس من المستحيل تغيير السلوكيات وقد تم تسجيل مشاريع متنوعة في هذا الاتجاه في إطار دورات الرصد. لذلك سيكون من المناسب تكرار ودعم هذه المشاريع، من خلال الاستلهام أيضًا من الخبرة المكتسبة في إطار البرامج الرامية إلى تثقيف مرتكبي العنف المنزلي لتبني سلوك غير عنيف في العلاقات بين الأشخاص، طبقا لـلمادة 16(1) من اتفاقية مجلس أوروبا بشأن منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي.
101. إن التدابير المتوخاة في التوصية رقم4 ليست موجهة للأفراد فحسب، بل أيضًا لمجموعة واسعة من الجهات الفاعلة. ومع ذلك، تعترف التوصية رقم 4 بأن المنظمات غير الحكومية والهيئات المكلفة بقضايا المساواة والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان يمكنها أن تقدم –وغالبًا ما تقوم بذلك– مساهمة خاصة في هذا الصدد، بشكل انفرادي أو بالتعاون فيما بينها. وإذا كان على الهيئات المكلفة بقضايا المساواة والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في بعض الحالات أن تكون مخولة على النحو الواجب بمكافحة خطاب الكراهية، فإنه يجب منحها جميعا الموارد اللازمة للاضطلاع بهذه المهمة.
102. علاوة على ذلك، تركز التوصية رقم 4 بشكل خاص على العمل التثقيفي بغية توعية الرأي العام بمخاطر خطاب الكراهية وتعزيز التشبث بالتعددية والديمقراطية. ويتطلب هذا العمل تعزيز الإمكانات المتاحة للمدرسين والمربيين حتى يكونوا قادرين على تقديم البرامج اللازمة. وتحقيقا لهذه الغاية، ينبغي دعم مبادرات التدريب/ التكوين على النحو الواجب، فضلًا عن إنتاج المواد التي ستستخدم في سياق هذه البرامج التثقيفية.
103. من المحتمل أن يكون لهذه التدابير، التي يمكن اتخاذها بمعزل عن غيرها، وزن أكبر بكثير إذا ما اندرجت في سياق تعزيز التعاون والتنسيق بين مختلف الشركاء المعنيين. ويمكن أن يتعلق الأمر، على غرار ما تمت ملاحظته في إطار دورات الرصد، باعتماد استراتيجيات وخطط عمل وطنية لمكافحة التطرف والعنصرية وكره الأجانب ومعاداة السامية وما يتصل بذلك من تعصب أو لمكافحة رهاب المثلية وكراهية مغايري الهوية الجنسانية. وينبغي أن تكون هذه الاستراتيجيات والخطط مصحوبة بمهام ملموسة بالنسبة للوزارات والبلديات والشرطة، وأن يتم تصميمها وتقييمها على أساس سنوي. وبالمثل، ينبغي اعتماد خطط عمل تهدف إلى إدماج مجتمعات الأقليات وإشراكها في جميع مراحل تصميم ورصد وتقييم هذه الخطط. وعلى أي حال، من الضروري أن تندرج كل هذه المبادرات في إطار عملية دائمة وليس عملية ظرفية وأن تهدف إلى مكافحة جميع أشكال خطاب الكراهية.
خ. دعم الأشخاص المستهدفين بخطاب الكراهية
التوصية رقم 5
104. تتناول هذه التوصية ضرورة تقديم الدعم،بأشكال مختلفة، للأشخاص المستهدفين من خطاب الكراهية، اعترافًا بحقيقة أن استخدام خطاب الكراهية لا يترتب عنه آثار عاطفية ونفسية سلبية فحسب، بل وأن هؤلاء الأشخاص قد لا يعرفون أن لهم الحق في رفع دعوى ضد تعليقات من هذا القبيل أو قد يتم تثبيطهم عن القيام بذلك بسبب العواقب المذكورة أعلاه أو بسبب أشكال مختلفة من الضغط لدفعهم إلى عدم ممارسة حقوقهم.
105. يمكن أن يولد استخدام خطاب الكراهية شعورا بالخوف وانعدام الأمن لدى الأشخاص المستهدفين بل وقد يجعلهم يشعرون أيضًا –دون أي مبرر على الإطلاق– بالذنب أو العار أو الإهانة، مما يؤدي إلى فقدان الثقة في النفس واحترام الذات. علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي هذه المشاعر إلى ظهور أعراض جسدية مثل قلة النوم والصداع، بالإضافة إلى مشاكل أكثر خطورة على مستوى الصحة العقلية والجسدية. ونتيجة لذلك، يمكن أن تكون لها تداعيات على جميع جوانب الحياة –في العمل، والمدرسة، والمنزل– لكن تأثيرها على العلاقات الأسرية والرغبة في المشاركة داخل المجتمع يعتبر قويًا بشكل خاص.
تقديم المشورة والإرشادات
106. لذلك، ينبغي الحرص على تقديم الدعم المناسب للأشخاص الذين يعانون أو المعرضين للمعاناة من أي من عواقب خطاب الكراهية. ويجب، على وجه الخصوص، تقديم هذا الدعم في أقرب وقت ممكن بعد التعرض لخطاب الكراهية ولاحقا، من خلال مختلف التدابير الرسمية لمكافحة هذه الظاهرة، لا سيما تطبيق المتابعة الجنائية. وينبغي أن يكون المستشارون الاجتماعيون والنفسيون المدربون على النحو الواجب مسؤولين عن تقديم هذا الدعم. ويتعين عليهم تحديدا أن يكونوا قادرين على استجواب الشخص المعني بشأن مشاعره ومخاوفه، وكذلك على تحديد ما إذا كان ذلك الشخص بحاجة إلى مساعدة طبية. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يكونوا قادرين على تخليص الضحية من أي شعور بالذنب ومساعدتها على استعادة بعض السيطرة على نفسها والشعور بالثقة. ومن الجدير أيضًا الإقرار بأن مسار المعافاة قد يستغرق بعض الوقت وأن هذه المدة قد تختلف باختلاف تجربة الشخص المتضرر وشخصيته. ويجب تنظيم دعم المستهدفين بخطاب الكراهية، بطريقة منهجية وأن يكون هذا الدعم متاحا بغض النظر عن شكل الخطاب.
ممارسة الحق في التعويض لجبر الضرر
107. بالموازاة، يحق للأشخاص المستهدفين بخطاب الكراهية الرد عبر خطابات مضادة وإدانات، وكذلك من خلال رفع دعاوى أمام المحاكم والسلطات المختصة. ومع ذلك، فإن امتلاك هذه الحقوق ليس كافيًا. يجب أن يعرف هؤلاء الأشخاص أيضًا بوجود تلك الحقوق وألا يتم تثبيطهم عن ممارستها.
108. يمكن اتخاذ تدابير متنوعة للتأكد من أن المستهدفين بخطاب الكراهية على دراية بحقوقهم، بما في ذلك حملات دعائية تشجب بوضوح الطابع غير المقبول لخطاب الكراهية وتعرض مختلف الوسائل المتاحة لهم لمواجهته أو المطالبة بالتعويض عن الضرر. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تؤكد هذه الحملات، مع معالجة الوضع الخاص للشخص المعني، أن تقديم شكوى يشكل عنصرًا أساسيًا في المبادرات العامة الرامية إلى مكافحة استخدام خطاب الكراهية. وعلى الرغم من أن هذه المبادرات غالبًا ما تكون ذات نطاق عام، إلا أنه قد يكون من المفيد أحيانا أن تستهدف بشكل خاص أعضاء مجموعات معينة، على سبيل المثال الأقليات الظاهرة أو المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية، من خلال المنظمات غير الحكومية التي تمثلهم أو وسائل الإعلام المفضلة لديهم.
109. بالإضافة إلى ذلك، يمكن نشر المعلومات بشأن مختلف وسائل التدخل المتاحة لمكافحة استخدام خطاب الكراهية من خلال مكاتب الإدارة الحكومية المركزية والمحلية التي يستخدمها الجمهور، وعبر مراكز تقديم المشورة، والمحامين والمنظمات غير الحكومية.
إزالة الحواجز التي تعيق التعويض لجبر الضرر
110. من ناحية أخرى، حتى إذا كان الأشخاص المستهدفون بخطاب الكراهية يعرفون حقوقهم، فقد يتم تثبيطهم عن ممارستها بسبب عوامل مختلفة، بما في ذلك الشعور بأن الإجراء معقد للغاية أو مكلف أو غير مُجدٍ، خاصة إذا كانوا يعتقدون أنه لن يتم تصديقهم أو أخذهم على محمل الجد، ولكن أيضًا خوفًا من أي إجراءات انتقامية محتملة من قبل أصحاب خطاب الكراهية أو بسبب التهديدات الحقيقية التي يوجهها لهم هؤلاء الأشخاص. ويبدو أن كل هذه العوامل تؤدي إلى نقص في الإبلاغ عن حالات خطاب الكراهية، كما أشير إلى ذلك خلال دورات الرصد.
111. في مواجهة المخاوف المتعلقة بتعقيد إجراءات الانتصاف وكلفتها – لا سيما عندما يتعلق الأمر بإجراءات قضائية – ضد استخدام خطاب الكراهية، يتمثل الإجراء الأكثر فعالية في تحديد معايير صريحة وواضحة قدر الإمكان وفي ضمان تقديم المساعدة اللازمة في هذا المجال. ويمكن أن تتمثل هذه المساعدة في الدعم المقدم للمنظمات (منظمات غير حكومية أو هيئات مكلفة بقضايا المساواة أو مؤسسات وطنية لحقوق الإنسان) التي تقدم المشورة وتمثل المعنيين في الإجراءات ذات الصلة، و/أو في توسيع أنظمة المساعدة القانونية لتشمل إجراءات الانتصاف، خاصة منها الإجراءات القضائية. وليس من المناسب أن تفرض سلطات عمومية أو منظمات خاصة رسومًا للبت في الشكاوى المتعلقة بخطاب الكراهية المعروضة عليها. بالإضافة إلى ذلك، فإن المصاريف التي قد تنجم عن دعوى قضائية مرفوعة لاستخدام هذا الخطاب لا ينبغي أن تكون ذات طبيعية تجعل هذا الإجراء مستحيلًا. علاوة على ذلك، ينبغي تدريب جميع الأشخاص المسؤولين عن تلقي الشكاوى، سواء داخل السلطات العامة أو في المنظمات الخاصة، على النحو الواجب لضمان أن سلوكهم لا يردع المدعي.
112. ومن المرجح أن يبقى هذا الإطار المواتي للانتصاف غير مستغل إذا كان هناك شعور عميق بعدم جدوى سبل الانتصاف هذه، سواء لدى الشخص المعني أو المجموعة التي ينتمي إليها. لذلك، فإنه من الضروري إظهار النتيجة الإيجابية لسبل الانتصاف هاته: تعويض الشخص الذي يقدم الطعن و/أو التدابير المتخذة لمنع أي إمكانية للعود. وهذا لا يتطلب التحقيق في الشكاوى وإثبات الوقائع المبلغ عنها فيها على النحو الواجب فحسب، بل يقتضي أيضًا نشر نتائج هذه الإجراءات للعموم على نطاق واسع؛ ويمكن إدراج هذا العنصر الأخير بشكل مفيد في البرامج المخصصة لتوعية الأشخاص المستهدفين بخطاب الكراهية بحقوقهم.
113. علاوة على ذلك، لا ينبغي أن يقبل الأشخاص المستهدفون بخطاب الكراهية بثنيهم عن الإبلاغ خوفًا من العواقب التي قد تنشأ عن ذلك أو عن تقديم أدلة على هذا الانتهاك. وبالتالي، ينبغي أن يكون هناك تنصيص صريح في القانون الجنائي يحظر أي تدابير انتقامية (الطرد من العمل، التحرش، إلخ.) ضد هؤلاء الأشخاص. على سبيل المثال، أوصت اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب، في إطار رصدها القطري، بتوفير إمكانية للمهاجرين غير الشرعيين للإبلاغ عن جريمة الكراهية دون خوف من الترحيل الفوري.
د. التنظيم الذاتي
التوصية رقم 6
114. تتناول هذه التوصية السبل التي يمكن من خلالها لبعض الهيئات والمؤسسات وغيرها من المنظمات التي ينتمي إليها مرتكبو خطاب الكراهية أو يرتبطون بها بطريقة ما، أن تساهم في مكافحة استخدام خطاب الكراهية. فإذا كانت هذه الظاهرة موضوع اهتمام عام وتَحدُث في العديد من الفضاءات، فغالبًا ما يكون لدى أصحاب خطاب الكراهية روابط خاصة –لا سيما كموظفين أو مرتفقين– مع واحدة أو أكثر من الهيئات والمؤسسات والمنظمات التي قد تكون كيانات عامة أو خاصة ويمكن أن تشمل البرلمانات وغيرها من الهيئات المنتخبة على المستوى الوطني والإقليمي والمحلي، والوزارات وهيئات عمومية أخرى، والوظيفة العمومية، والأحزاب السياسية، والجمعيات المهنية، والمؤسسات التجارية والتعليمية والأكاديمية وغيرها من المؤسسات التربوية، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من المنظمات الثقافية والرياضية.
مسألة متعلقة بالمسؤولية
115. حتى إذا كانت المشاكل التي يطرحها خطاب الكراهية لا تمثل بالضرورة محورًا معينًا في نشاط جميع هذه الهيئات والمؤسسات والمنظمات، فإنها تنطوي جميعها على مسؤوليتنا المشتركة، في مجتمع ديمقراطي، باحترام وضمان الكرامة الأصيلة لجميع أفراد الأسرة البشرية وحقوقهم المتساوية وغير القابلة للتصرف. لذلك، ينبغي لهذه الهيئات والمؤسسات والمنظمات،حسب ما يسمح به اختصاصها، أن تؤكد بشكل لا لبس فيه أن استخدام خطاب الكراهية من قبل أعضائها أمر غير مقبول بتاتا وينبغي لها اتخاذ تدابير وقائية أو عقابية، عند الاقتضاء. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تحرص هذه الكيانات على إحاطتها علمًا بأي حالات لخطاب الكراهية يرتكبها أعضاؤها. ومن ناحية أخرى، ينبغي لها أن تنظم دورات تدريبية حتى يفهم هؤلاء الأشخاص لماذا يُعَد استخدام خطاب الكراهية أمرًا غير مقبول وحتى يبلغ الأشخاص الآخرون عن أي استخدام لهذا الخطاب ويدينونه.
عناصر ضرورية
116. إن تسليط الضوء في هذا الجزء من التوصية على التنظيم الذاتي يعكس ضرورة الحرص على أن تكون أي مراقبة لحرية التعبير محدودة قدر الإمكان. وفي ذلك اعتراف أيضًا بأن هذه الهيئات والمؤسسات والمنظمات غالبًا ما تكون في وضعية أفضل لتحديد أشكال معينة من استخدام خطاب الكراهية ومنع استمرارية هذه الظاهرة، سواء عن طريق الإقناع أو فرض عقوبة بشكل أو بآخر. وفي كثير من الأحيان، يعد التنظيم الذاتي أنسب الاستجابات وأكثرها فعالية لمكافحة خطاب الكراهية. ومع ذلك، من المعترف به أيضًا أن طبيعة هذه الهيئات والمؤسسات والمنظمات يمكن أن تختلف بشكل كبير، مما يؤثر على الطريقة الدقيقة التي تضطلع بها بهذه المسؤولية الخاصة. وبالتالي، ينبغي للحكومات أن تأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار عند دعم هذه الهيئات والمؤسسات والمنظمات في جهودها للتنظيم الذاتي. ولا ينبغي، على وجه الخصوص، أن يكون هذا الدعم مشروطًا باعتماد نموذج واحد للتنظيم الذاتي؛ ولهذا السبب، خصصت التوصية رقم 7 تحديدًا لموضوع لتنظيم الذاتي لوسائل الإعلام.
117. ومع ذلك، تحدد التوصية رقم 6 بعض الخصائص التي قد يكون من المفيد إدراجها في جميع نظم التنظيم الذاتي، مثل اعتماد مدونات لقواعد السلوك (أو مدونات الأخلاقيات) تنص على عقوبات معينة في حال انتهاك أحكامها؛ وإنشاء آليات لرصد التصريحات والمنشورات بغية منع تطبيق الصور النمطية السلبية والمعلومات الزائفة؛ والتدريب/ التكوين وإنشاء آليات الانتصاف.
مدونات قواعد السلوك
118. يكتسي وجود هذا النوع من المدونات أهمية أكبر حيث أنه من الممكن أن يتمتع صاحب هذا الخطاب بحصانة بحكم منصبه (كما هو الحال بالنسبة للقضاة والنواب البرلمانيين)، مما قد يمنع أي شكل آخر من أشكال الإجراءات ضد استخدام خطاب الكراهية من قبل الشخص المعني.
119. يتضح من رصد اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب أن هيئات ومؤسسات ومنظمات مختلفة قد اعتمدت بالفعل مدونات قواعد السلوك (أو مدونات الأخلاقيات) بالإضافة إلى معايير مماثلة (لا سيما الأنظمة الداخلية) يمكنها الاستناد إليها لمكافحة أي خطاب للكراهية من قبل أعضائها المنتسبين بطريقة أو بأخرى. وقد سجل في بعض الدول الأعضاء وجود مدونات خاصة بالقضاة، والوزراء، والنواب البرلمانيين، وأعضاء المنظمات المهنية، وأعضاء المنظمات الرياضية، والموظفين في الجامعات والطلبة الجامعيين ومؤسسات أخرى للتعليم العالي. بالإضافة إلى ذلك، ثمة مواثيق أو مدونات دولية أو إقليمية تطبَّق على الهيئات والمؤسسات والمنظمات العاملة في الدول الأعضاء، مثل المدونة التأديبية للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) واللوائح التأديبية للاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) أو ميثاق الأحزاب السياسية الأوروبية من أجل مجتمع غير عنصري. وفي بعض الحالات، يكون لهذه المدونات نطاق عام للغاية، خاصة عندما يتعلق الأمر بأنشطة رياضية. وبالتالي، يمكنهم تطبيقها ليس فقط على الأشخاص الذين يمارسون الرياضة المعنية أو يساهمون في تنظيمها وإدارتها، ولكن أيضًا على المتفرجين وأنصار هذه الأنشطة حيث ما أقيمت وفي أي أماكن أخرى (على سبيل المثال،أثناء الرحلة إلى مكان انعقاد النشاط المعني). وتطبق مدونات معينة موجهة لأعضاء البرلمان على أي فضاء يتم فيه استخدام كلام منبوذ وبالتالي لا يقتصر تطبيقها على الإجراءات البرلمانية فقط.
120. ومع ذلك، فإن أحكام هذه المدونات لا تشير دائمًا بصريح العبارة إلى استخدام خطاب الكراهية. وعلى العكس من ذلك، قد تتناول أشكالًا مختلفة من السلوك التي يمكن أن تدخل في نطاقه، مثلًا استخدام مصطلحات مهينة أو بذيئة أو تهديدية، أو مثلًا الإشارة بطريقة عامة إلى ضرورة احترام الكرامة والمساواة. لكن ولسوء الحظ، لا تندرج مختلف أشكال خطاب الكراهية من الناحية العملية ضمن نطاق هذا النوع من الصياغة، وبالتالي، لا يتم اتخاذ أي تدبير لمعاقبة بعض أصحاب خطاب الكراهية، خاصة أولئك الذين يلجؤون إلى استخدام لغة عنصرية معادية للمثليين/ مغايري الهوية الجنسانية. ومن المرجح أن يكون استخدام هذه المدونات في مكافحة خطاب الكراهية أكثر فاعلية إذا تمت الإشارة إلى السلوك المحظور في صياغة صريحة من خلال الرجوع إلى تعريف خطاب الكراهية المعتمد في هذه التوصية. وينبغي أن تتضمن هذه المدونات، على وجه الخصوص، جميع أشكال خطاب الكراهية، وليس فقط تلك التي تقع تحت طائلة القانون الجنائي. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي لها أن تجدد التأكيد بشكل لا لبس فيه على تشبث من يتبنونها بالمساواة والكرامة وألا تترك أدنى شك بشأن الطابع غير المقبول لخطاب الكراهية. وفي جميع الحالات، ينبغي أن تكون صياغة هذه المدونات واضحة وسهلة الفهم حتى لا يكون هناك غموض فيما يتعلق بالسلوكيات التي تُعتبر غير مقبولة. وهذه نقطة مهمة بالنسبة للأشخاص المعرضين للعقوبات والأشخاص المستهدفين بخطاب الكراهية على حد سواء. علاوة على ذلك، لا ينبغي الاكتفاء بنشر هذه المدونات على الأشخاص الذين تطبق عليهم وإعلامهم بها، بل يتعين إتاحتها أيضًا للجمهور حتى يتمكن أي شخص لديه مصلحة في إنفاذ أحكامها من التصرف وفقًا لذلك.
121. تدعو التوصية رقم 6 بشكل خاص الأحزاب السياسية إلى التوقيع على ميثاق الأحزاب السياسية الأوروبية من أجل مجتمع غير عنصري، وهو انضمام يعني من جهة أنها تعترف بمسؤولياتها الخاصة كجهات فاعلة في العملية السياسية الديمقراطية، ومن جهة أخرى، أنها مثال ينبغي الاحتذاء به في مجال اعتماد المدونات الرامية إلى مكافحة خطاب الكراهية.
التنفيذ
122. إذا كان اعتماد المدونات في حد ذاته يوضح تشبثًا بالقيم التي تجسدها، فمن الضروري أيضًا، لكي تكون فعالة، وضع آليات معينة تهدف إلى ضمان الامتثال لأحكامها، وهذا ما يمكن تحقيقه على النحو الأمثل من خلال الجمع بين مختلف آليات الرصد والانتصاف.
123. قد تتنوع طرق الرصد. في بعض الحالات، تتمثل ببساطة في الاستماع إلى التعليقات والتدقيق في منشورات أعضاء الهيئة أو المؤسسة أو المنظمة المعنية، قبل اتخاذ التدابير المناسبة. ومع ذلك، ينبغي تعيين مسؤول عن الرصد بشكل صريح، حتى وإن كان بإمكان أشخاص آخرين جلب الانتباه إلى استخدامات محددة لخطاب الكراهية. بالإضافة إلى ذلك، وكما تشير إلى ذلك التوصية رقم 6، من المهم بشكل خاص أن يسعى المسؤولون عن هذه اليقظة إلى الكشف عن أي صور نمطية سلبية ومعلومات خاطئة، حيث يمكن أن تمثل الأولى شكلًا أقل فظاعة من خطاب الكراهية، بينما قد تعزز الثانية الأحكام المسبقة التي تسمح باستمرار هذه الصور النمطية. وفيما يتعلق بالتظاهرات الرياضية، يجب إيلاء اهتمام خاص لمراقبة المتفرجين بغية منعهم من توزيع أو بيع أي مواد تحتوي على كلام يحض على الكراهية بالقرب من مكان انعقاد تلك التظاهرات، وكذلك من أجل منع الأشخاص الذين يحملون أو يرفعون لافتات أو منشورات أو رموز تمثل خطابا للكراهية من الدخول إلى تلك الأماكن، أو من أجل تعليق أو إيقاف التظاهرة عندما يروج المتفرجون لخطاب الكراهية.
124. يمكن أن تكون آليات الانتصاف وسيلة لتحديد انتهاكات أحكام المدونات، حتى في حال عدم إبلاغ آليات الرصد الداخلية أو التقارير الخارجية عن وقائع من هذا القبيل. بالإضافة إلى ذلك، بمجرد إثبات هذا الانتهاك، يمكن اتخاذ قرار بشأن العقوبات الواجب فرضها. وينبغي أن تكون هذه الآليات مفتوحة ليس فقط لأعضاء الهيئة أو المؤسسة أو المنظمة المعنية، ولكن أيضًا للأشخاص الذين لديهم أسباب للشعور بأنهم مستهدفون من تعليقات تحض على الكراهية أدلى بها أحد أعضاء هذه الكيانات. ويجب أن تنص هذه الآليات على إجراءات واضحة وعادلة وشفافة وسهلة الولوج، على سبيل المثال، من خلال خط هاتفي للمساعدة أو إمكانية الاتصال عبر الإنترنت. وينبغي للهيئات والمؤسسات والمنظمات التي تتوفر على آليات الانتصاف أن تبذل جهودا خاصة لتشجيع المستهدفين بخطاب الكراهية على تقديم الشكاوى. كما ينبغي لها مراقبة الطريقة التي يتم بها التعامل مع هذه الشكاوى من أجل توفير سبل انتصاف فعالة للأشخاص الذين يعانون من عواقب هذه التعليقات.
125. تنص معظم المدونات المعمول بها أيضًا على عقوبات في حال انتهاك أحكامها. وتختلف هذه العقوبات، لكنها قد تشمل فرض غرامات، إقالة وزير أو قاضٍ، وتعليق نائب برلماني عن الإجراءات البرلمانية، وطرد وحظر أشخاص من حضور التظاهرات الرياضية، وسحب النقاط في المسابقات الرياضية، واشتراط تنظيم الأحداث الرياضية خلف أبواب مغلقة بدون جماهير. ومن المهم بالنسبة لأي عقوبة مفروضة أن تعكس بأمانة خطورة خطاب الكراهية المدلى به؛ وإلا قد يكون للمرء انطباع بوجود تأييد لاستخدام خطاب الكراهية. وبالتأكيد، يمكن لفرض عقوبات مناسبة وعلنية على خطاب الكراهية أن يوجه رسالة واضحة عن رفض أي خطاب للكراهية وأن يظهر أن حرية التعبير المطلقة غير مقبولة. وبالتالي، عند المعاقبة على حالة معينة من خطاب الكراهية، من المهم أن تكشف إدارة الهيئة أو المؤسسة أو المنظمة المعنية عن هذه الحقيقة لأعضائها وللرأي العام، مع تجديد التأكيد القاطع ودون أي لبس بأن خطاب الكراهية غير مقبول على الإطلاق.
126. تعتمد فعالية تنفيذ هذه المدونات إلى حد كبير على ضرورة توفير التدريب/ التكوين المناسب للأشخاص الذين يتحملون مسؤوليات في هذا الصدد. ويجب عليهم تحديدا أن يفهموا عما ينطوي خطاب الكراهية، بما في ذلك في أشكال مشفرة أو أقل وضوحًا، وأن يعرفوا كيفية الرد عليه والتعامل مع مرتكبيه، وكذلك كيفية الرصد واستخدام آليات الانتصاف على النحو الواجب. نظرًا لأن هذه المهمة لا يمكن تنفيذها بسهولة بالنسبة لجميع الوكالات والمؤسسات والمنظمات التي قد يكون من المناسب لها اعتماد مدونات تتناول خطاب الكراهية، فمن المحتمل أن يكون الدعم الحكومي مفيدًا بشكل خاص، سواء تم تقديمه بشكل مباشر أو من خلال تسهيل تقديم المساعدة من قبل كيانات تتوفر لديها اختصاصات محددة في هذا المجال.
127. علاوة على ذلك، لا يمكن أن يكون تنفيذ هذه المدونات فعالًا إلا إذا تم تخصيص التمويل اللازم لاشتغال مختلف آليات الرصد والانتصاف. لذلك يجب أن يؤخذ هذا العامل في الاعتبار عند اعتماد هذه المدونات وكذلك عند مراجعتها.
128. ومن أجل تسهيل اعتماد وتطبيق مدونات قواعد السلوك (أو مدونات الأخلاقيات) لمكافحة استخدام خطاب الكراهية، سيكون من المفيد أيضًا أن تساهم الحكومات في تعزيز تبادل المعلومات بين جميع الهيئات والمؤسسات والمنظمات المعنية بغية دراسة مزايا ونواقص المدونات المستخدمة منذ مدة طويلة.
العلاقة مع أشكال أخرى من التعويض لجبر الضرر
129. في كثير من الحالات، يفترض أن يكون التنظيم الذاتي عمومًا وآليات الانتصاف الداخلية على وجه الخصوص قادرين على الاستجابة بفعالية لاستخدام خطاب الكراهية، لا سيما عن طريق توفير التعويض الواجب للأشخاص المستهدفين. ومع ذلك، لا يكون الوضع كذلك دائما، خاصة عندما لا تقتضي حالة معينة من خطاب الكراهية أي تعويض أو عقوبة جنائية. لذلك، إذا كانت آليات التنظيم الذاتي غالبًا ما تسمح بإلغاء الحاجة إلى تطبيق أشكال أخرى من التعويض طبقا للقانون، فإنه لا ينبغي لها أبدًا أن تكون أو تصبح عائقا أمام هذه الأشكال الأخرى لجبر الضرر.
- وسائل الإعلام والإنترنت
التوصية رقم 7
130. في الغالبية العظمى من الحالات، يتم التعبير عن خطاب الكراهية من خلال وسائل الإعلام والإنترنت، وغالبا ما تزيد الإمكانيات التي يوفرها الإنترنت لربط الاتصال البيني من نطاق وفورية هذا الاستخدام. وفي الوقت نفسه، تعد وسائل الإعلام والإنترنت من بين أهم الوسائل التي لا تتيح فقط التواصل وتوطيد القيم التي يسعى خطاب الكراهية إلى تقويضها، ولكن تساعد أيضًا في ممارسة الحق في حرية التعبير، وهو حق أساسي في مجتمع ديمقراطي. لذلك، فإن تركيز هذه التوصية تحديدا على التنظيم والتنظيم الذاتي لوسائل الإعلام والإنترنت يبرز الاعتراف من جهة بالأهمية الخاصة التي تكتسيها هذه القطاعات بالنسبة لخطاب الكراهية – كمحركات لهذا الخطاب وكذلك كأدوات للتنديد به– ومن جهة أخرى بضرورة الحرص على أن تكون أي مراقبة لحرية التعبير محدودة قدر الإمكان. وإذا كانت بعض القواعد التي تحكم وسائل الإعلام والإنترنت لا تتعارض مع الحق في حرية التعبير، فإنه غالبًا ما يكون تفضيلا لتنظيم الذاتي أكثر فاعلية وأكثر ملاءمة لمكافحة استخدام خطاب الكراهية.
الاعتراف بالتنوع
131. تشير عبارة “وسائل الإعلام والإنترنت” إلى أشكال عديدة من التواصل ذات خصائص وتأثيرات جد مختلفة. وهكذا،تشمل هذه العبارة المنشورات المطبوعة (الصحف، والمجلات والكتب، وكذلك الكتيبات والنشرات والملصقات) ووسائل الإعلام السمعية والبصرية والإلكترونية (الإذاعة، والتلفزيون، وتسجيلات الفيديو والتسجيلات الصوتية الرقمية، والمواقع الإلكترونية، والتطبيقات، والبريد الإلكتروني ومجموعة كاملة من الشبكات الاجتماعية وألعاب الفيديو)، بالإضافة إلى أشكال التواصل الأخرى التي ستظهر دون شك. ومن ناحية أخرى، فإن بعض العبارات المعبر عنها بصوت عال أو المنشورة أو التي يتم نشرها بطريقة أخرى تكون من تأليف شخص واحد، في حين أن البعض الآخر يصدر عن شركات كبرى. وتخضع بعض هذه الاتصالات والرسائل لأشكال مختلفة من الرقابة التحريرية، بينما تصدر أخرى دون أن يراجعها أي شخص باستثناء مؤلفها ودون حتى إبلاغ الشخص الذي يوفر وسيلة التواصل المعنية بذلك مسبقًا. وفي العديد من الحالات، يمكن التعرف على صاحب الاتصال أو الرسالة، لكنه قد يبقى في حالات أخرى، مجهول الهوية. وتصل بعض الاتصالات والرسائل إلى الجمهور بشكل شبه فوري بينما يكون البعض الآخر رهينا برغبة المتلقي في الاستماع أو القراءة أو الاطلاع بطريقة أخرى على محتواها. ويتم نشر بعضها على نطاق واسع و/أو تظل في السجلات، بينما يمر البعض الآخر دون أن يلاحظها أحد و/أو يختفي بسرعة. وبالتالي، يجب أن تؤخذ جميع هذه الاختلافات في الاعتبار لتحديد نطاق تدابير التنظيم والتنظيم الذاتي، وكذلك لتحديد الطابع الواقعي للتوقعات المرتبطة بها.
132. بصرف النظر عن الالتزامات المطبقة على التصريحات والمنشورات (بما في ذلك برامج البث الإذاعي) بموجب التشريع العام (انظر القسم الموالي)، يختلف مستوى التنظيم المحدد الذي تخضع له وسائل الإعلام والإنترنت من دولة عضو إلى أخرى. وفي بعض الحالات، يجب على الخدمات المعنية أن تحصل على ترخيص أو امتياز للعمل. كما يحوز إلزامها في بعض الأحيان بالامتثال لمعايير معينة، مع فرض عقوبات – لا سيما الفقدان الدائم أو المؤقت للترخيص أو الامتياز المعني – في حال الاخلال بتلك الالتزامات. وفي حالات أخرى، يجوز إخضاعها للالتزام الوحيد بالامتثال لمعايير معينة أو منحها سلطة معينة للأمر بإزالة المواد البغيضة، أو تمتيعها بإمكانية ممارسة تأثير غير مباشر عن طريق مِنح نقدية أو عينية تخضع للامتثال لشروط معينة. وعلى العكس من ذلك، لا تكون هناك أحيانا أي متطلبات معينة ينبغي استيفاؤها باستثناء تلك المنصوص عليها في التشريعات المعمول بها بشكل عام.
المتطلبات الأساسية
133. يجب أن تكون جميع التدابير التنظيمية المتعلقة بوسائل الإعلام والإنترنت – لا سيما تلك التي تهدف إلى مكافحة استخدام خطاب الكراهية – متوافقة مع الحق في حرية التعبير ويجب أن توفر ضمانات ضد إساءة استخدام السلطة تطبَّق على جميع الإجراءات القانونية التي تقيد ممارسة هذا الحق (انظر القسم الموالي). ولا تقترح التوصية رقم 7 بالضرورة اعتماد سلطات تنظيمية جديدة، لكنها توصي بالحرص على الاستخدام الفعلي لجميع السلطات القائمة – بما في ذلك المجموعة الكاملة للعقوبات المتاحة – التي يمكن أن تساهم في مكافحة استخدام الكراهية. ومع ذلك، من المهم للقيام بذلك –كما سبق ذكر ذلك أعلاه – الاستناد إلى تعريف لخطاب الكراهية يكون بقدر اتساع التعريف المعتمد في هذه التوصية. علاوة على ذلك، فإن السلطات المخولة فعليًا لا تكون مفيدة إلا إذا كانت الهيئات المختصة تراقب بنشاط الكيانات التي من المفترض أن تنظمها – لا سيما من خلال أخذ المبادرة لدراسة طريقة تمثيل مجموعات معينة من الأشخاص – وشريطة أن تستجيب بسرعة عندما ترفع إليها حالة مرتبطة بخطاب الكراهية.
134. من ناحية أخرى، يجب على الهيئات الرقابية، حتى يتم إعلامها بشكل فعال بهذه الوقائع، أن تسهر على معرفة الرأي العام بوجودها ودورها بشكل كافٍ. ولسوء الحظ، ينبغي التذكير أنه لوحظ في سياق دورات الرصد، أن هذه الهيئات توجد أحيانًا فقط في النصوص ولا يتم إنشاؤها دائمًا على النحو الواجب، وهذا وضع يجب تصحيحه بوضوح إذا ما أُريد اتخاذ أي تدبير تنظيمي. ومع ذلك، وتماشيًا مع ضرورة احترام الحق في حرية التعبير، فإن الهيئات التنظيمية/ الرقابية، التي يُتوقع منها تشجيع التنظيم الذاتي الفعال لمكافحة استخدام خطاب الكراهية بدلًا من السعي إلى التدخل مباشرة في اشتغال وسائل الإعلام والإنترنت، ينبغي لها تقييم مدى ملائمة اللجوء إلى هذا النوع من السلطة.
135. تنطبق المبادئ المنصوص عليها في التوصية رقم 6 بشأن التنظيم الذاتي– أي اعتماد مدونات قواعد السلوك (أو مدونات الأخلاقيات) المصاغة بشكل مناسب؛ والرصد، وآليات الانتصاف، والتدريب– بشكل عام على وسائل الإعلام والإنترنت .لذلك، لن يتم تكرارها في هذا الجزء، ولكن سيتم تسليط الضوء على جوانب معينة ذات أهمية خاصة بالنسبة لوسائل الإعلام وللإنترنت.
مدونات قواعد السلوك
136. كما لوحظ في سياق دورات الرصد، اعتمد العديد من المهنيين والمنظمات الإعلامية، بما في ذلك قطاع الإنترنت، مدونات قواعد سلوك مختلفة (أو مدونات الأخلاقيات) تتضمن أحكامًا بشأن خطاب الكراهية. وقد وضع بعضها المهنيون أنفسهم، بينما يشكل البعض الآخر وثائق داخلية لبعض المنظمات؛ ومع ذلك، تطبق في غالبيتها على قطاعات كاملة. وحتى إذا انبثقت هذه المدونات أحيانا عن مبادرة من الأشخاص الذين يتبنونها، فإنها غالبا ما تكون مدفوعة بقيود تنظيمية. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن هذه المدونات غالبًا ما تحظر بصريح العبارة التحريض على الكراهية والتمييز، فإنها لا تغطي بشكل عام جميع جوانب خطاب الكراهية بالمعنى الوارد في هذه التوصية، لا سيما الأشكال الأكثر تشفيرًا لهذا الخطاب. بالإضافة إلى ذلك، فإن المدونات الوحيدة المعمول بها فعليا في بعض الدول الأعضاء تقتصر– رسميًا أو عمليًا – على المنشورات المطبوعة فقط ولا تنطبق أحيانًا على المواقع الإلكترونية التكميلية، التي يمكن نشر خطاب الكراهية عليها.
137. لذلك،فإنه من الضروري التشجيع على اعتماد مدونات تغطي مجموعة واسعة قدر الإمكان من استخدامات وسائل الإعلام والإنترنت. علاوة على ذلك، ينبغي أن تنطبق هذه المدونات – أو شروط الاستخدام – على الجميع وليس فقط على مهنيي الإعلام والمؤسسات الإعلامية، حتى إذا لم يكن من الممكن دائمًا تغطية جميع المبادرات الفردية (النشر الذاتي، على سبيل المثال). وهذا لا يعني أنه يجب اعتماد مدونة واحدة، لأنه قد يكون عندئذ من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، مراعاة مختلف أشكال التواصل المستخدمة. وفي المقابل، ينبغي أن تستند السلوكيات المحظورة في هذه المدونات بشكل صريح إلى تعريف خطاب الكراهية الوارد في هذه التوصية.
138. بالإضافة إلى ذلك، ونظرًا للتأثير الذي يمكن أن تمارسه وسائل الإعلام والإنترنت أو أن يتم من خلالها، ينبغي ألا تحظر هذه المدونات استخدام خطاب الكراهية بجميع أشكاله فحسب، بل أن تشير أيضًا إلى طرق لتقديم المعلومات لا تعزز بشكل غير ضروري المواقف التي تشجع على استخدام خطاب الكراهية، مع فرض إيلاء الاعتبار الواجب لوجهة نظرا لأشخاص المستهدفين من خطاب الكراهية الواردة في محاضر الأحداث وتشجيع تغطية إعلامية تعيد النظر في التصورات السلبية لمجموعات معينة من الأشخاص. وبالتالي، فإن الإشارة في النشرات الإخبارية إلى الأصل الإثني لمرتكب مزعوم لمخالفة لا يكون لها عامة أي اهتمام، لكن هذه الحقيقة تظل غالبًا في الذاكرة حتى إذا تمت تبرئة الشخص المعني لاحقًا. وينبغي أيضًا توخي الحذر عند تغطية بعض الأحداث، خاصة تلك التي تتعلق بمتطرفين أو إرهابيين، لأن الإثارة والمبالغة يمكن أن تعززًا الأحكام المسبقة دون قصد وأن تؤجج المشاعر.
139. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي التساؤل عما إذا كان سرد بعض الأحداث المتعلقة بمجموعات موصومة بشكل متكرر يقدَّم فقط لأن التصور السلبي عن الفاعل مشترك مع هذه المجموعات، وما إذا كان الأشخاص المعادون لهذه المجموعات يستفيدون بالفعل من إمكانية تفضيلية للولوج إلى بعض وسائل الإعلام.
و بالمثل، فإن شروط استخدام المنتديات الإلكترونية والخدمات المماثلة قد تحظر التعليقات مجهولة الهوية، وكذلك أي إمكانية للولوج في الليل عندما يعتبر ذلك مواتيًا لنشر تعليقات مهينة. علاوة على ذلك، فإن التقارير عن الأحداث التي تهم أشخاصًا غالبًا ما يتم استهدافهم من خطاب الكراهية – على سبيل المثال مشاركتهم في اضطرابات أو خلافات مزعومة – نادرًا ما تقدم وجهة نظرهم حول ظروف الوقائع، مما يعزز المعلومات التضليلية وعدم التنديد بالصور النمطية السلبية. ومع ذلك، يمكن تحدي هذا النوع من الصور النمطية والوصم من خلال نشر مقالات تقدم بشكل إيجابي أعضاء المجموعات المستهدفة من خطاب الكراهية، على غرار التقارير حول اندماجهم الناجح أو حول القيم التي تنطوي عليها بعض التقاليد. ولتسهيل مثل هذه المقاربة، قد يكون من المفيد النهوض بتطوير بعض الأدوات مثل المسرد اللغوي حول الاندماج الموجه للصحفيين الذي تم وضعه في إطار دورة للرصد والذي يقدم شروحات لبعض المصطلحات الأساسية. وبهذه الطريقة، يمكن أن تشجع المدونات وسائل الإعلام على تطوير خطابات مضادة تجاه “المنطق” الضمني لخطاب الكراهية.
المراقبة
140. تعتبر مراقبة المحتوى الذي تبثه وسائل الإعلام وينشر على الإنترنت جانبًا أساسيًا من جوانب التنظيم الذاتي. وإذا كان هذا البُعد يكتسي أهمية بشكل عام، فإنه ضروري بشكل خاص عندما لا يخضع الاتصال لأي شكل من أشكال الرقابة التحريرية. وحتى في وجود مدونات لقواعد السلوك (أو مدونات الأخلاقيات)، فإن المراقبة لا تمارَس بشكل منهجي، خاصة فيما يتعلق باستخدام خطاب الكراهية على الإنترنت. ومع ذلك، وكما أوضحت ذلك بعض الخدمات على الإنترنت، توجد العديد من التقنيات التلقائية للبحث عن الكلام الذي يحض على الكراهية والتي يمكن استكمالها بأجهزة خاصة تساعد في الإبلاغ عن مثل هذه الأفعال، ويمكن بعد ذلك حذف المواد المعنية، وفقًا لشروط استخدام الخدمة. وينبغي تعميم هذه الآليات، وإن أمكن، التشجيع على استخدامها من قبل الهيئات التنظيمية. وينبغي أن تشجع هذه الهيئات أيضًا البحث عن طرق لتعزيز فعالية هذه الأنظمة. ومن ناحية أخرى، ينبغي تشجيع المستخدمين على الإبلاغ عن أي خطاب يحض على الكراهية، وينبغي دعم المنظمات غير الحكومية في أنشطتها المرتبطة باليقظة أو بإحداث مراسلين/ خطوط هاتفية للمساعدة بهد فتيسير تحديث حالات خطاب الكراهية. ومع ذلك، يكون هذا النوع من المراقبة مفيدا فقط إذا تم التسريع بحذف خطاب الكراهية المكتشف؛ وقد التزمت بالقيام بذل كبعض منصات وسائل التواصل الاجتماعي تطبق هاتين المقاربتين. وفي بعض الحالات، يجدر أيضًا التفكير فيما إذا كان من المناسب، عند الاستخدام المستمر لخطاب الكراهية، منع الولوج إلى خدمات الإنترنت.
آليات الانتصاف
141. يبدو أن آليات الانتصاف المعمول بها تحقق نتائج متباينة. بالتأكيد، هناك حالات يتم فيها فحص الإبلاغ عن استخدام خطاب الكراهية وقبولها للبت فيها، ولكن العكس أكثر شيوعًا. بالإضافة إلى ذلك، كما ورد ذكر ذلك أعلاه، تقتصر بعض هذه الآليات على المطبوعات، خاصة الصحف والمجلات، بل حتى أنها لا تنطبق على جميع هذه المنشورات، لأنها تستند إلى مبدأ الانخراط الطوعي والبعض يختار عدم الانخراط فيها. والأكثر من ذلك، تكون بعض هذه الآليات آليات داخلية لإحدى وسائل الإعلام أو لخدمة معينة للإنترنت. فضلًا عن ذلك، لا تكون الشكاوى دائمًا عديدة كما ينبغي لها، على الرغم من نطاق استخدام خطاب الكراهية، ويبدو أن هذا يعزى جزئيًا إلى ضعف بروز هذه الآليات و، عندما لا يكون الأمر كذلك، قد يفسر بضعف الثقة في فعاليتها. ولا بد من الاعتراف بأن القرارات المعتمدة – التي تسفر عموما عن نشر معاينات الآلية المعنية ببساطة–لا تكون ملزِمة بشكل عام ولا يترتب عنها دائمًا أي أثر يذكر.
142. لذلك، من الضروري إما توسيع نطاق تطبيق آليات الانتصاف المتاحة في بعض قطاعات الإعلام والإنترنت – والتي لا تكون داخلية فقط– ليشمل القطاعات المستثناة حاليًا من حيزها، أو إنشاء آليات مماثلة في هذه القطاعات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز الثقة في هذه الآليات من خلال الرفع من بروزها، وتمتيعها باستقلالية حقيقية تجاه مرتكبي السلوكيات التي يتم فحصها، وتعزيز قبول دورها وقراراتها على نطاق أوسع، من خلال إعطاء أهمية كافية لهذه القرارات بحيث تكون أي إدانة لاستخدام خطاب الكراهية لا لبس فيها بالنسبة للأطراف المعنية. لذا،يتعين على الهيئات التنظيمية تشجيع أي تدبير في هذا الاتجاه.
حماية حرية التعبير
143. وفي الوقت نفسه، لا ينبغي أن تؤدي تدابير التنظيم الذاتي إلى تدخل غير مبرر في الحق في حرية التعبير. وهكذا، لا يعد حظر وحذف المواد من منصات الشبكات الاجتماعية مبررًا إلا عندما يتم الكشف فعلًا عن خطاب الكراهية. ومع ذلك، قد يحدث أن يستند تطبيق أحكام مدونات قواعد السلوك أو شروط الاستخدام التي تؤدي إلى حظر وحذف هذه المواد، إلى تفسير غير صحيح أو عام للغاية لما قد يشكل خطاب الكراهية، ومن تم إلى فرض قيود لا موجب لها على ممارسة حرية التعبير. لذلك، ينبغي التنصيص على سبل الانتصاف، وكملاذ أخير، على إجراءات قانونية تسمح بالطعن في القرارات التي تؤدي إلى حظر المواد أو حذفها. وإلا، فإن الحق في حرية التعبير لن يكون محميًا بشكل كافٍ.
عرض التدريب/التكوين
144. على غرار الأشكال الأخرى للتنظيم الذاتي، يجب أيضًا ضمان أن يتلقى المشاركون في تنفيذ تدابير التنظيم الذاتي التدريب/ التكوين اللازم. على وجه الخصوص، لا ينبغي للمهنيين في وسائل الإعلام أن يفهموا بشكل أفضل ما يشكل خطاب الكراهية فحسب ولكن ينبغي لهم أيضًا تقييم كيف يمكنهم، في كتاباتهم ومنشوراتهم، أن يتجنبوا تسهيل استخدامه من جهة ومحاربة الظروف التي تشجع على استخدامه من جهة أخرى، وذلك من خلال النهوض بالتسامح وتفاهم أفضل بين الثقافات.
ذ. المسؤولية الإدارية والمدنية
التوصية رقم 8
145. تتعلق هذه التوصية بتطبيق المسؤولية الإدارية والمدنية في حال اللجوء إلى خطاب الكراهية. وتدعو التوصية، على وجه الخصوص، إلى توضيح مختلف المسؤوليات التي قد تنشأ نتيجة لهذا الاستخدام، مع مراعاة مختلف الأشكال التي قد تتخذها ومستوى مشاركة بعض الجهات الفاعلة.فبالإضافة إلى ضرورة اتخاذ تدابير لمعالجة الضرر الحاصل، طبقًا للتوصيات الواردة في الفقرات من 10 إلى 13 والفقرة 15 من توصية السياسة العامة رقم 7، تسلط التوصية رقم 8 الضوء على ضرورة الحرص على توفير إمكانية الأمر بحذف بعض التعليقات التي تحرض على الكراهية، وبحظر المواقع التي تنشر خطاب الكراهية وبنشر إشعار بالإقرار بنشر خطاب الكراهية؛ وإمكانية منع نشر خطاب الكراهية والأمر بالكشف عن هوية الأشخاص الذين يلجؤون إلى استخدامه. واقتُرحت هذه الإمكانات فقط بالنسبة للحالات الأكثر خطورة وهي تخضع لإذن أو موافقة المحكمة بغية ضمان احترام الحق في حرية التعبير.
146. من أجل ضمان اتخاذ التدابير المناسبة لمكافحة أخطر أشكال خطاب الكراهية، يوصى أيضًا بضمان الحق في رفع دعوى قضائية ليس فقط للأشخاص المستهدفين من خطاب الكراهية ولكن أيضًا للهيئات المعنية بالنهوض بالمساواة والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية المهتمة. علاوة على ذلك، ثمة اعتراف بأنه من أجل التنفيذ الفعال لهذه السلطات، يجب تدريب القضاة والمحامين والموظفين المعنيين، كما يجب تسهيل تبادل الممارسات الجيدة فيما بينهم.
توضيح أساس المسؤولية
147. يكون الضرر الناجم عن استخدام خطاب الكراهية عامة ذا طابع معنوي. ومع ذلك، قد تكون هناك حالات يتمكن فيها الأشخاص المستهدفون بهذا النوع من الخطاب في إثبات أنهم تكبدوا أيضًا خسائر مادية، مثلًا فيما يتعلق برفض وظيفة أو عدم القدرة على العمل بسبب تدهور الوضع الصحي. لذلك، من الضروري أن يوضح التشريع الظروف المحددة التي يجوز فيها دفع تعويض والأسس بموجب القانون المدني أو الإداري التي تسمح بالمطالبة بهذا التعويض، سواء كان ذلك طبقا لمبدأ حماية الشخصية والسمعة، على غرار ما هو منصوص عليه في بعض الدول الأعضاء، أو عن طريق الاحتجاج بأضرار مدنية أو إدارية أخرى. ومن ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي استخدام خطاب الكراهية إلى الإضرار بسمعة مجتمع محلي أو بمجموعة من الأشخاص بأكملها. وإذا كانت الخسائر المسجلة على أساس فردي عادة غير كبيرة بالضرورة، فإن إمكانية طلب الاعتراف بالضرر الذي لحق بسمعة أعضاء هذا المجتمع أو هذه المجموعة من الأشخاص و/أو بتعويض رمزي قد تكون مناسبة، وهذا ما ينبغي أن ينص عليه التشريع.
148. علاوة على ذلك، ولتجنب أي انتهاك غير مبرر للحق في حرية التعبير، ينبغي أن تقتصر المسؤولية على أخطر حالات خطاب الكراهية، أي الحالات التي تهدف إلى التحريض على ارتكاب أفعال العنف أو الترهيب أو العداء أو التمييز ضد الأشخاص المستهدفين، أو التي يمكن التوقع بشكل معقول أن يكون لها هذا التأثير. لذلك، لا ينبغي أن يكون إثبات الضرر أو الخسارة الناجمة عن استخدام خطاب الكراهية المعني كافيًا لفرض المسؤولية؛ فيجب أن يكون استخدام خطاب الكراهية المعني أيضًا ذا خطورة –بمعنى،أن يحرض على ارتكاب فعل أو أن ينطوي على خطر وشيك بالتحريض –تضمن فرض هذه المسؤولية.
الاعتراف بمختلف المسؤوليات
149. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن يحدد التشريع أيضًا الأشخاص الذين يمكن بالفعل مساءلتهم في حال استخدام خطاب الكراهية. وهذا جانب أساسي لأنه، كما تشير التوصية رقم 8، يمكن لوسائل اتصال وكيانات متنوعة أن تكون معنية عند استخدام كلام يحض على الكراهية. ولذلك ينبغي وضع إطار قانوني مناسب ينظم، عند الاقتضاء، مسؤوليات كل منهم الناشئة عن استخدام رسائل تحتوي على خطاب الكراهية.
150. إذا كان صاحب خطاب الكراهية الأصلي قد يكون مسؤولًا عن استخدام خطاب الكراهية، فإن تحديد درجة مشاركة خطاب الكراهية –في حال تمت مشاركته– من قبل أشخاص آخرين يجب أن يأخذ في الاعتبار عوامل مثل مشاركة هؤلاء الأشخاص النشطة أم لا في نشر هذا الخطاب، ومدى معرفتهم أو عدم معرفتهم باستخدام خدماتهم لهذا الغرض، ومدى توفر تقنيات رهن إشارتهم واستخدامها للكشف عن مثل هذا الاستخدام، والأشخاص المسؤولين وما إذا كانوا قد تصرفوا على وجه السرعة أم لا لوضع حد لهذا الاستخدام بمجرد علمهم به. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان خلصت إلى عدم وجود انتهاك للحق في حرية التعبير في قضية اعتُبرت فيها شركة مسؤولةً تجاه أشخاص مستهدفين بخطاب يحض على الكراهية تم بثه على بوابتها الإخبارية على الإنترنت. وتبنت المحكمة هذا الرأي في ضوء الطابع المتطرف للتعليقات المعنية، وغياب الوسائل التي تمكن من تحديد هوية صاحب التعليقات وبالتالي مقاضاته، وعدم قدرة الشركة على منع أو حذف التعليقات بسرعة والتداعيات الاقتصادية الطفيفة على الشركة، حيث أن التعويض المفروض كان متناسبًا ولم يؤثر على أنشطتها.
151. بالإضافة إلى ذلك، إن استغلال بعض الخدمات لبث خطاب الكراهية قد يعكس، في حالات معينة، عدم القدرة على الامتثال للالتزامات التنظيمية. وفي هذه الحالات، من الضروري لفرض أي عقوبة إدارية لاحقة، مثل الغرامة أو فقدان الترخيص أو الامتياز، مراعاة ظروف القضية، بما في ذلك أي تحذير سبق توجيهه بخصوص أوجه القصور المعنية. وإلا، فقد يكون الرد غير متناسب ومن ثم لا يتوافق مع الحق في حرية التعبير.
أشكال أخرى لجبر الضرر من غير التعويض
152. بالإضافة إلى دفع تعويضات وفرض عقوبات إدارية، تنظر التوصية رقم 8 في ضرورة التنصيص على العديد من وسائل العمل الأخرى لمواجهة استخدام خطاب الكراهية. هذه الوسائل – الحذف، حجب المواقع الإلكترونية، ونشر إشعارات الاعتراف، وحظر النشر والإلزام بالكشف عن هوية أصحاب خطاب الكراهية – تفترض جميعها انتهاكًا جسيمًا للحق في حرية التعبير. ومع ذلك، فإن استخدامها لا يؤدي بالضرورة إلى انتهاك للمادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، حيث اعتبرتها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مناسبة في ظروف معينة. لذلك، ينبغي التأكد من أنها لا تستخدم إلا عندما يصل استخدام خطاب الكراهية إلى المستوى المطلوب في التوصية رقم 8 – بمعنى أنه يهدف إلى التحريض على ارتكاب أفعال العنف أو التخويف أو العداء أو التمييز ضد الأشخاص المستهدفين، أو الذي يمكن التوقع بشكل معقول أنه سيؤدي إلى حدوث هذا التأثير – وعندما تكون ضرورية بالفعل لتصحيح الوضع المعني، دون أن يكون نطاقها أوسع من اللازم. وبالتالي، ليسمن الضروري المطالبة بحذف أو نشر إشعار عندما تكون هذه التدابير قد اتُّخذت بالفعل.
أهمية المراجعة القضائية
153. من ناحية أخرى، فإن ضرورة إخضاع ممارسة هذه السلطات لإذن أو موافقة المحكمة توضح الأهمية الأساسية لقدرة العدالة على الاضطلاع بدور إشرافي، وبالتالي تقدم ضمانة ضد احتمال حدوث انتهاك غير مبرر للحق في حرية التعبير. وإذا كان من الضروري أن تخضع ممارسة هذه السلطات في معظم الحالات لموافقة المحكمة، فمن المسلم به أيضًا أنه قد تكون هناك حالات طارئة لا يكون فيها من المناسب انتظار الحصول على هذا الإذن للتمكن من العمل؛ في هذه الحال، لا تتم المراقبة القضائية إلا بعد هذه الممارسة.
الصفة القانونية للتقاضي
154. ينبغي منح إمكانية طلب ممارسة هذه السلطات بدون شك للأشخاص المستهدفين باستخدام خطاب الكراهية المعني. وفي بعض الدول الأعضاء، يمكن بالفعل للأشخاص الذين تعرضوا لاعتداء على شخصيتهم نتيجة خطاب الكراهية أن يطلبوا وضع حد لهذا الانتهاك غير القانوني و/أو إزالة آثاره. بالإضافة إلى ذلك، بما أن الإجراءات القانونية جزء لا يتجزأ من هذه العملية، فمن الضروري توفير المساعدة القانونية لتمكين هؤلاء الأشخاص من المشاركة فيها. ومع ذلك، فإن التوصية رقم 8 تمنح أيضًا دورًا للهيئات المعنية بالنهوض بالمساواة والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية المهتمة، التي يجوز لها أيضًا المطالبة بممارسة هذه السلطات بغرض حذف أو حجب المواقع الإلكترونية، أو نشر إشعارات بالاعتراف، وكذلك حظر أي نشر، والأمر بالكشف عن هوية الفاعلين. وهكذا، يتم الاعتراف بالدور الذي يمكن أن تضطلع به هذه الكيانات في مراقبة استخدام خطاب الكراهية. وبالتالي، تكون هذه الكيانات دون أدنى شك في وضع مؤاتٍ بشكل خاص لتبرير ضرورة ممارسة هذه السلطات والشروع في الإجراء المتعلق بها. ولعل إدراج أحكام محددة تسمح لها بالتصرف على هذا النحو من شأنه أن يضمن أن هذه السلطات لا تظل نظرية بحتة، بل أنها تشكل سبل انتصاف ملموسة وفعالة لتصحيح الضرر الناجم عن استخدام خطاب الكراهية.
ضرورة توفير التدريب/ التكوين
155. و في الأخير، على غرار التدابير الأخرى اللازمة لمكافحة استخدام خطاب الكراهية، ينبغي الحرص على حصول القضاة والمحامين والموظفين المشاركين في تطبيق مختلف سبل الانتصاف الإدارية والمدنية، على التدريب/ التكوين اللازم. وهذا أمر مهم من أجل تمكينهم من إقرار حدوث حالة لخطاب الكراهية من عدمه، وتحديد مدى خطورته لضمان اللجوء إلى وسائل العمل هذه، وتأكيد ما إذا كان تطبيق أي من هذه الوسائل متوافقًا مع الحق في حرية التعبير. بالإضافة إلى هذا التدريب/ التكوين، فإن تبادل الممارسات الجيدة بين الأشخاص المكلفين بهذا النوع من القضايا يمكن أن يسهل تحقيق هذه الأهداف. ولا ينبغي أن يقتصر هذا التبادل على القضاة والمحامين والموظفين في دولة عضو معينة، ولكن يجب أن يمتد إلى نظرائهم في الدول الأعضاء الأخرى بغية ضمان تشارك أوسع للدروس المستفادة. وينبغي للدول الأعضاء تيسير هذا النوع من التبادل.
ر. عقوبات إدارية وعقوبات أخرى ضد منظمات
التوصية رقم 9
156. تُعنى هذه التوصية بشكل خاص بالرد على حالات خطاب الكراهية الصادر عن أحزاب سياسية ومنظمات أخرى وأعضائها. وتعرض التوصية استجابة مزدوجة. أولًا، ينبغي إلغاء أي دعم مالي أو شكل آخر من الدعم العمومي بمجرد لجوء أحزاب سياسية أو منظمات أخرى إلى استخدام خطاب الكراهية أو عندما لا تعاقب أولئك الذين يمارسونه. ثانيًا، ينبغي أن ينص التشريع على إمكانية حظر أو حل الأحزاب السياسية والمنظمات الأخرى –سواء كانت تستفيد من الدعم العمومي أم لا– بمجرد أن يصبح خطاب الكراهية شديد الخطورة، بمعنى أنه يهدف إلى تحريض على ارتكاب أعمال العنف أو التخويف أو العداء أو التمييز؛ أو يمكن التوقع بشكل معقول أن يكون له هذا التأثير.
157. تستلهم هذه الاستجابة المزدوجة من التوصيات الواردة في الفقرتين 16 و17 من توصية السياسة العامة رقم 7. فالتوصية رقم 9 تتعلق تحديدًا باستخدام خطاب الكراهية بشكل عام وليس فقط الترويج للعنصرية، كما تفعل توصية السياسة العامة رقم 7. بالإضافة إلى ذلك، تشمل إلزامية إلغاءأي دعم عمومي جميع أشكال الدعم. وبالتالي، فإن هذه الإلزامية لا تتعلق فقط بالإعانات والمنح، والقروض وأشكال أخرى من تمويل أنشطة الأحزاب السياسية والمنظمات الأخرى المعنية، لكن تتعلق أيضًا بتوفير المرافق أو المباني، وإمكانية توظيف الموظفين وأي نوع آخر من المساعدة العملية. وإذ تشير التوصية رقم 9 إلى ضرورة إلغاء مختلف أشكال الدعم المقدم، فإنها تفترض أيضًا ضمنيًا أنه لا ينبغي تقديم أي دعم من هذا القبيل للأحزاب السياسية والمنظمات الأخرى التي تتوفر فيها هذه الشروط المحددة عند طلب الدعم. ويجب اتخاذ التدابير المنصوص عليها في التوصية رقم 9 في حق الأحزاب السياسية والمنظمات ذات وضع قانوني نظامي وتلك ذات وضع غير نظامي أو بحكم الأمر الواقع على حد سواء. ومع ذلك، من المعترف به أن تطبيق جميع هذه التدابير يجب أن يمتثل في جميع الظروف وبشكل كامل للمتطلبات المتعلقة بالحق في حرية تكوين الجمعيات.
المنطق
158. من بين الشواغل التي لوحظت في إطار دورات الرصد هناك استخدام خطاب الكراهية من قبل منظمات متنوعة، وكذلك غياب فرض العقوبات على أعضائها، خاصة فيما يتعلق بثقافة النازية الجديدة والعنصرية وكره الأجانب ونشرها. في العديد من الحالات، كانت الكيانات المعنية أحزابًا سياسية (ممثلة في البرلمان أيضًا) ومنظمات نضالية أخرى، ولكن سُجلت حالات لخطاب الكراهية ممارس من قبل منظمات أخرى، بما في ذلك أخويات الطلاب، وجمعيات أنصار فرق كرة القدم. وفي العديد من الحالات، كانت المنظمات التي تستخدم خطاب الكراهية تتلقى في الوقت نفسه أشكالًا مختلفة من الدعم العمومي، عادة في شكل تمويل، بالنسبة للأحزاب السياسية، أو وضع مرافق تحت التصرف بالنسبة للكيانات الأخرى.
الممارسة الحالية
159. في إطار دورات الرصد، لوحظ أن بعض عناصر التدابير الموصى بها هنا موجودة بالفعل في بعض الدول الأعضاء. وهكذا، من الممكن إنهاء التمويل العام للأحزاب السياسية المعترف بأنها معادية للحقوق والحريات التي تضمنها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، من الممكن في العديد من الدول الأعضاء حظر أو حل المنظمات، لا سيما تلك التي تروج للكراهية العرقية أو القومية، وتحرض على العنف وتهدد الديمقراطية. ومع ذلك، لوحظ أيضًا أن الأحكام المنصوص عليها لإنهاء التمويل العام للأحزاب السياسية لم تكن دائمًا فعالة، لا سيما بسبب الصعوبات في الامتثال للمتطلبات الإجرائية والتفسير الدقيق للمتطلبات الموضوعية. علاوة على ذلك، عندما يكون من الممكن حظر أو حل المنظمات التي تروج للعنصرية، لوحظ أنه لم يتم في الواقع اتخاذ أي تدبير. وقد يعزى هذا الوضع إلى عدم قدرة السلطات المختصة على بذل الجهود اللازمة لجمع الأدلة المطلوبة في الإجراءات ذات الصلة أو إلى التزام مفروض ذاتيًا بجمع أدلة كافية لتبرير إدانة عضو أو أكثر في هذه المنظمات. وفي الأخير، لا يزال من غير الممكن في بعض الدول الأعضاء حظر أو حل المنظمات التي تروج للعنصرية.
تبرير التدابير
160. إن سحب أي دعم للأحزاب السياسية والمنظمات الأخرى يمكن أن ينتهك دون شك الحق في حرية تكوين الجمعيات لمؤسسيها وأعضائها، لا سيما عندما تؤدي التدابير المتخذة إلى حظر وحل هذه الأحزاب والمنظمات. ومع ذلك، فإن الحق في حرية تكوين الجمعيات مكفول بموجب المادة 11 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والمادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ووفقًا لهذين الصكين، يجوز إخضاع ممارسة هذا الحق لقيود عندما تكون هذه التدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي من أجل تحقيق أهداف مختلفة، لا سيما حماية حقوق وحريات الآخرين. بالإضافة إلى ذلك، تنص المعاهدتان بصريح العبارة على أنه “لا يجوز أخذ أي حكم من أحكامها […] بالتفسير على أنهيقر لدولة أو لجماعة أو لفرد أي حق في الانخراط في نشاط أو في القيام بعمل بهدف هدم الحقوق أو الحريات المعترف بها في [هذه النصوص] أو الذهاب بالحد من هذه الحقوق والحريات إلى أوسع من تلك المنصوص عليه فيها”. وتضيف المادة 2.20 من العهد أنه “تُحظر بالقانون أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف”.
161. علاوة على ذلك، تنص المادة 4 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري على أن”الدول الأطراف تشجب جميع الدعايات والتنظيمات القائمة على الأفكار أو النظريات القائلة بتفوق أي عرق أو أي جماعة من لون أو أصل اثني واحد، أو التي تحاول تبرير أو تعزيز أي شكل من أشكال الكراهية العنصرية والتمييز العنصري، وتتعهد باتخاذ التدابير الفورية الإيجابية الرامية إلى القضاء على كل تحريض على هذا التمييز وكل عمل من أعماله، وتتعهد خاصة، تحقيقًا لهذه الغاية ومع المراعاة الحقة للمبادئ الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللحقوق المقررة صراحة في المادة 5 من هذه الاتفاقية، بما يلي: (أ) اعتبار […] كل مساعدة للنشاطات العنصرية، بما في ذلك تمويلها، جريمة يعاقب عليها القانون؛ (ب) إعلان عدم شرعية المنظمات، وكذلك النشاطات الدعائية المنظمة وسائر النشاطات الدعائية، التي تقوم بالترويج للتمييز العنصري والتحريض عليه، وحظر هذه المنظمات والنشاطات واعتبار الاشتراك في أيها جريمة يعاقب عليها القانون، (ج) عدم السماح للسلطات العامة أو المؤسسات العامة، القومية أو المحلية، بالترويج للتمييز العنصري أو التحريض عليه”.
162. شددت لجنة القضاء على التمييز العنصري في العديد من توصياتها العامة على ضرورة احترام الدول الأطراف لالتزاماتها بموجب المادة 4 (ب) من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وإعلان عدم شرعية المنظمات التي تحرض على التمييز العنصري أو تشجعه وحظرها. وقد جددت اللجنة تـأكيد ذلك مؤخرًا في توصيتها العامة رقم 35 بشأن مكافحة خطاب الكراهية العنصرية، حيث أوضحت، وفقًا لتفسيرها، أن»عبارة “أنشطة الدعاية المنظمة” تنطوي على أشكال من التنظيم أو الشبكات المرتجلة وأن مصطلحات “أي نوع آخر من النشاط الدعائي” يمكن فهمها على أنها تشير إلى أشكال الحض أو التحريض غير المنظمة أو التلقائية على التمييز العنصري« (CERD/C/GC/35، 26 سبتمبر/ أيلول 2013، الفقرة 21). وتتماشى هذه المقاربة مع وجهة النظر القائلة بأن الجمعيات التي ينطبق عليها ضمان الحق في حرية تكوين الجمعيات تشمل كلًا من الجمعيات التي تتمتع بشخصية اعتبارية منفصلة عن تلك التي يتمتع بها أعضاؤها والجمعيات التي لا تتمتع بهذه الصفة القانونية.
163. بالإضافة إلى ذلك، أعربت اللجنة، في ملاحظاتها الختامية بشأن التقارير الدورية المقدمة بموجب الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، عن حاجة بعض الدول الأطراف -بما في ذلك الدول الأعضاء- إلى اعتماد تشريعات محددة تجرم المنظمات العنصرية والمشاركة في مثل هذه المنظمات وتعاقب المنظمات التي تنشر صورًا نمطية عنصرية وتروج الكراهية تجاه الأشخاص المنتمين إلى أقليات. علاوة على ذلك، شددت اللجنة على ضرورة تعزيز وتطبيق مختلف أشكال الحظر المعمول بها. وأعربت اللجنة، على وجه الخصوص، عن قلقها إزاء عدة حالات لم تُتخذ فيها أي تدابير لحظر المنظمات التي نشرت أفكار التفوق العرقي أو الكراهية، أو استخدمت مصطلحات تشهيرية أو دعت إلى العنف على أساس هذه الأفكار، في حين أن هذه القضايا حظيت بتغطية إعلامية واسعة النطاق في البلد المعني.
164. ومن ناحية أخرى، وردت ضرورة حظر الجمعيات العنصرية أيضًا في بعض التوصيات المقدمة في إطار الاستعراض الدوري الشامل.
165. في إطار القيود المفروضة على الحق في حرية تكوين الجمعيات المذكورة أعلاه، ليس من المستغرب أن كلا من لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان خلصتا على التوالي إلى أن التدابير مثل تلك المنصوص عليها في التوصية رقم 9 ضد الأحزاب السياسية والمنظمات الأخرى – لا سيما الرامية منها إلى حظرها أو حلها – لا تتعارض بالضرورة مع الحق في حرية تكوين الجمعيات، خاصة عندما روج الكيان المعني للفاشية، أو دافع عن السياسات ذات الدوافع العنصرية وكذلك عن أعمال التخويف المنسقة على نطاق واسع، أو حرض على الكراهية والتمييز أو سعى إلى تحقيق أهداف لا تتوافق مع التعددية وفي ذلك انتهاك للمبادئ الديمقراطية.
166. وبالإضافة إلى ذلك، دعت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في ملاحظاتها الختامية بشأن التقارير الدورية المقدمة من الدول الأطراف في العهد، إلى اعتماد تشريع محدد يجرم المنظمات العنصرية وأعربت عن ضرورة اتخاذ تدابير فعالة لمكافحة الكراهية والعنف والتمييز وإلى فرض قواعد سلوك تتوافق مع حقوق الإنسان والديمقراطية ودولة الحق والقانون على جميع الجهات الفاعلة والقوى السياسية. وبالمثل، فإن لجنة القضاء على التمييز العنصري، في ملاحظاتها الختامية بشأن التقارير الدورية المقدمة بموجب الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، أوصت باعتماد تدابير قانونية وسياسية ترمي إلى منع تسجيل أنشطة المنظمات المنخرطة في هجمات متكررة على الأجانب وأفراد الأقليات الظاهرة وإلى إنهائها حسب الضرورة.
المتطلبات الواجب استيفاؤها
167. ومع ذلك، تعي المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان واللجنتان أن التدابير المنصوص عليها في التوصية رقم 9 قد تؤدي إلى انتهاكات للحق في حرية تكوين الجمعيات. وهكذا، أعربت اللجنتان في ملاحظاتهما الختامية بشأن التقارير الدورية، عن قلقهما من احتمال تفسير وتطبيق التشريع المناهض لـ “التطرف” بشكل واسع للغاية، مما قد يستهدف مدافعين عن حقوق الإنسان يدعون إلى القضاء على التمييز العنصري أو يحرمهم من حقوقهم، أو مما قد لا يوفر حماية للأفراد والجمعيات ضد التطبيق التعسفي. بالإضافة إلى ذلك، خلصت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في العديد من القضايا، إلى أن حظر تشكيل أحزاب سياسية ومنظمات أخرى أو الحل القسري لهذه المنظمات لم يكن مبررًا. وبالتالي، يجب لكل التدابير التي تؤثر على وجود الأحزاب السياسية ومنظمات أخرى وقدرة هذه المنظمات على الاشتغال، أن تستند إلى أسس ذات صلة وكافية وأن تكون متناسبة من حيث النطاق.
168. إن إلغاء الهيئات العامة لمختلف أنواع الدعم المقدم للأحزاب السياسية والمنظمات التي تستخدم خطاب الكراهية أو لا تعاقب أعضائها الذين يستخدمون خطاب الكراهية، يشكل من حيث المبدأ تقييدًا يتوافق مع الحق في حرية تكوين الجمعيات. ومع ذلك، نادرًا ما يُنظر إليه كتدبير متناسب، ما لم يكن هناك التزام مؤسساتي واضح ضد خطاب الكراهية، كما هو الحال بلا شك عندما يتم تضمين خطاب الكراهية في وثائق سياسية أو تصريحات لشخصيات بارزة في الحزب السياسي المعني أو المنظمة المعنية، ولكن أيضًا عندما يستخدم هذا النوع من الخطاب بشكل متكرر من قبل أعضاء في هذا الحزب أو المنظمة السياسية، دون اعتراض من أي شخص. وفي المقابل، يكون هذا الالتزام أقل وضوحًا عندما يتعلق الأمر بمجرد حادث معزول يدلي خلاله أحد أعضاء الحزب بملاحظات بسيطة.
169. تُعتبر إلزامية حظر أو حل حزب سياسي أو منظمة أخرى أكثر تقييدًا بالنظر إلى خطورة هذا التدبير، وهذا ما تعكسه التوصية رقم 9 من خلال حصر استخدام هذا التدبير على الحالات التي يرمي فيها خطاب الكراهية المعني إلى التحريض على ارتكاب أعمال العنف أو التخويف أو العداء أو التمييز، أو التي يمكن التوقع بشكل معقول أن تؤدي إلى هذا التأثير. لذلك، يجب إثبات وجود عناصر معقولة تثبت وجود هذه النية أو وجود خطر وشيك بحدوث مثل هذه الأفعال. بالإضافة إلى ذلك، عندما يتعلق خطاب الكراهية بتعليقات أو سلوكيات أخرى لأشخاص معينين وليس بتصريحات رسمية أو وثائق سياسية رسمية بشكل أكبر، يجب أيضًا إثبات أن التعليقات المعنية تُنسب إلى الحزب أو المنظمة المعنية وأنها تعكس بوضوح المفهوم الذي يروجه ويدافع عنه ذلك الحزب أو تلك المنظمة، كما هو الحال في كثير من الأحيان بالنسبة لخطابات وسلوكيات الشخصيات البارزة في حزب أو منظمة. لذلك، قد يكون من المناسب إعطاء أهمية أقل، في هذا السياق، لأنشطة الأعضاء الفرادى، حتى إذا تعلق الأمر بقادة سابقين، عندما لم تتم الموافقة على هذه الأنشطة بشكل صريح أو ضمني.
170. يجب أن يكون إلغاء أي شكل من أشكال الدعم المقدم لحزب سياسي أو منظمة أخرى دائمًا قابلا للطعن أمام محكمة مستقلة ومحايدة. علاوة على ذلك، فإن حظر أو حل حزب سياسي أو منظمة أخرى ينبغي أن يستند فقط إلى أمر صادر عن محكمة وينبغي أن يكون هذا الأمر قابلا للطعن السريع. ويعتبر الامتثال لهذه الالتزامات ضمانة أساسية للحق في حرية تكوين الجمعيات.
ز. المسؤولية والعقوبات الجنائية
التوصية رقم 10
171. تتناول هذه التوصية الحالات التي ينبغي فيها فرض عقوبات جنائية على المتورطين في خطاب الكراهية. وتعتبر هذه العقوبات مناسبة في حالات محدودة فقط بسبب الخطر المحتمل لانتهاك الحق في حرية التعبير الذي تنطوي عليه. ومع ذلك، حتى في هذه الحالات المحدودة، لا ينبغي تطبيقها إلا إذا كان اللجوء إلى استخدام خطاب الكراهية المعني لا يمكن معاقبته من خلال تدبير آخر أقل تقييدًا. علاوة على ذلك، تعنى التوصية بطريقة تحديد الجرائم المطابقة، حيث أنه من المهم تجنب أي خطر لانتهاك حرية التعبير من جهة، وضمان تكييف إطار هذه الجرائم مع التطورات التكنولوجية المتعلقة باستخدام خطاب الكراهية، من جهة أخرى. فضلًا عن ذلك، تسلط التوصية رقم 10 الضوء على خطر التحايل على هذه الجرائم من أجل إقامة دعاوى جنائية ترمي إلى قمع انتقاد السياسات الرسمية أو المعارضة السياسية أو المعتقدات الدينية بدلًا من الاستخدام الفعلي لخطاب الكراهية. وفي الأخير، تقر التوصية بأهمية ضمان مشاركة المستهدفين بخطاب الكراهية في الإجراءات ذات الصلة.
172. تؤكد التوصية رقم 10 على ضرورة التنصيص على عقوبات بشأن هذه الجرائم تأخذ في الحسبان التداعيات الخطيرة التي قد تنشأ عن استخدام خطاب الكراهية. وفي الوقت نفسه، تسلط التوصية الضوء على ضرورة مراعاة مبدأ التناسب عند فرض عقوبة محددة على قضية معينة، لأن أي قصور في هذا الصدد قد يشكل في حد ذاته أساسًا لانتهاك الحق في حرية التعبير. وإذ توصي التوصية رقم 10 بفرض عقوبات جنائية بشكل استثنائي، فإنها تعترف أيضًا بأن هذا الفرض، في الظروف المناسبة، لا ينبغي أن يتأثر من سوء إدارة التحقيقات أو المتابعات القضائية. وبالتالي، تؤكد التوصية على ضرورة مراقبة فعالية هذه التحقيقات والمتابعات. وبما أن هذه الفعالية ستعتمد في كثير من الأحيان على التعاون والتنسيق الجيدين بين السلطات المعنية (بما في ذلك سلطات الدول الأخرى) وعلى التدريب/ التكوين المناسب للأطراف المعنية، فإنها تسلط الضوء على هذا الجانب باعتباره جديرًا باهتمام خاص من قبل الدول الأعضاء.
الظروف الاستثنائية التي تنشئ المسؤولية الجنائية
173. من بين العوامل ذات الصلة التي تسمح بالمساءلة الجنائية لمرتكب خطاب الكراهية تجدر الإشارة إلى خطورة خطاب الكراهية –بمعنى أنه يهدف إلى التحريض على ارتكاب أعمال العنف أو التخويف أو العداء أو التمييز، أو أنه يمكن التوقع بشكل معقول بأنه قد يؤدي إلى هذا التأثير– وحدوثه في إطار عمومي. كما تشير بوضوح الفقرات أعلاه التي تعرِّف خطاب الكراهية، يتجاوز العامل الأول صياغة الفقرة 18 (أ-ح) من توصية السياسة العامة رقم 7 من حيث أنه ينشئ المسؤولية الجنائية بمجرد وجود عنصر الإهمال فيما يتعلق بأعمال العنف أو التخويف أو العداء أو التمييز التي قد تترتب عن استخدام خطاب الكراهية المعني، وليس مجرد نية إحداث مثل هذه التأثيرات. علاوة على ذلك، إذا لم يكن من الضروري أن يتم التعبير عن التهديدات علنا لتحميل صاحبها المسؤولية الجنائية – على عكس السلوكيات الأخرى المذكورة في توصية السياسة العامة رقم 7 – فإن خطاب الكراهية بموجب التوصية رقم 10، يجب أن يكون قد أدلي به في إطار عمومي حتى تنشأ هذه المسؤولية.
174. من واجب كل دولة عضو أن تحدد في قانونها الجنائي طريقة إنشاء هذه المسؤولية. على وجه الخصوص، يكون في بعض الأحيان من الممكن الاعتماد على أحكام ذات طابع عام، مثل تلك المتعلقة بالسب، بدلًا من أحكام خاصة باستخدام خطاب الكراهية. ومع ذلك، من الضروري أن يكون هناك بالفعل، بالإضافة إلى شرط الجمع بين العاملين المذكورين أعلاه، حكم واحد أو العديد من الأحكام التي تسمح بفرض المسؤولية عن كل عنصر من العناصر المكونة لخطاب الكراهية بالمعنى الوارد في التوصية. وفي هذا الصدد، يجدر التذكير بأن دورات الرصد أظهرت أن الوضع لا يكون دائمًا كذلك فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية عن الأفعال المذكورة في الفقرة 18 من توصية السياسة العامة رقم 7. ونظرًا لوجود ثغرات في التشريع، لم تتم متابعة بعض الأشخاص الذين يبدو أنهم ارتكبوا بعض هذه الأفعال. علاوة على ذلك، من المهم، إذا كانت المتابعات القضائية تستند إلى جرائم أخرى غير تلك المتعلقة على وجه التحديد باستخدام خطاب الكراهية، ألا تقلل هذه الوضعية من أهمية السلوك المعني، سواء من وجهة نظر الخطورة المنسوبة لذلك السلوك أو من منظور العقوبة المطبقة. وإذا كان من المرغوب فيه فرض عقوبات على الحالات الخطيرة لخطاب الكراهية، فإن هذا التدبير يوفر ميزة إضافية تتمثل في تأكيد الطابع غير المقبول لمثل هذا الخطاب داخل مجتمع ديمقراطي. لذلك، لا ينبغي أن تضيع هذه الميزة من خلال تصنيف السلوك المعني بشكل غير مناسب.
صياغة الأحكام المتعلقة بالجرائم
175. من الضروري الحرص على صياغة الأحكام ذات الصلة بوضوح ودقة، وإلا هناك احتمال كبير لوجود عدم اليقين القانوني فيما يتعلق بنطاق السلوكيات المحظورة، مما من المرجح أن يؤجج الادعاءات بالمساس بحرية التعبير غير المنصوص عليها في القانون، ومن ثم – على الرغم من توافق العقوبات الجنائية المفروضة مع الحق في حرية التعبير – إلى ادعاء انتهاك المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (وكذلك، من المحتمل، انتهاك لمبدأ حظر العقاب إلا بموجب القانون، المنصوص عليه في المادة 7). وبالتالي، عند إعداد الأحكام القابلة للتطبيق، ينبغي مراعاة تعاريف (انظر أعلاه) مختلف المصطلحات المستخدمة لتعريف خطاب الكراهية كما هو مفهوم لأغراض التوصية.
176. في هذا السياق أيضًا، ينبغي إيلاء اهتمام خاص للصياغة الواضحة والدقيقة للعناصر ذات الصلة التي يتعين مراعاته الغرض فرض عقوبة جنائية بسبب خطاب معين للكراهية. وتتمثل هذه العناصر في (أ) الوجود الفعلي لنية التحريض على ارتكاب أعمال عنف أو تخويف أو عداء أو تمييز أو احتمال وجود هذا التحريض، و(ب) وجود وسائل أخرى أقل تقييدًا ولكنها فعالة بنفس الدرجة للاستجابة لهذه الظاهرة (على سبيل المثال من خلال المسؤولية المدنية أو الإدارية).
177. بالإضافة إلى ذلك، عند إعداد الأحكام المعنية، من الضروري أيضًا تجنب إدخال معايير أخرى (الاخلال بالنظام العام، وحجم الجمهور المستهدف، ومدى انتشار خطاب الكراهية، إلخ.)لإنشاء المسؤولية الجنائية، غير تلك المعايير التي سبق تأكيدها. وإذا كانت هذه المعايير مفيدة لتقييم ما إذا كان هناك خطر للتحريض متوقع بشكل معقول من عدمه، فإن دورات الرصد مكنت من ملاحظة أن ذكر كل معيار كعنصر من عناصر المسؤولية الجنائية أوجد عقبات إضافية أمام الحصول على إدانة.
178. وفي الأخير، إذا كان الوضوح والدقة ضروريين، فإن صياغة مختلف أشكال التعبير عن خطاب الكراهية ينبغي أن تكون مفتوحة بما يكفي حتى تتمكن من التأقلم مع التطورات التكنولوجية. لذلك، لا ينبغي أن تستند هذه الصياغة إلى أشكال التعبير المعروفة (على سبيل المثال المنشورات المطبوعة أو وسائل التواصل الاجتماعي)، بل ينبغي لها أن تركز على الطابع الأساسي لهذا التعبير، ومن ثم، اعتماد أشكال أخرى من المحتمل أن تظهر في المستقبل.
179. بالإضافة إلى تحديد المسؤولية الجنائية على أساس العناصر المعروضة أعلاه، سيكون من المناسب أيضًا تحديد أسس أخرى للمسؤولية، مثل تلك المبينة في الفقرتين 18(خ)و20 من توصية السياسة العامة رقم 7، أي إنشاء أو إدارة تجمع يروج للعنصرية، ودعم هذا التجمع أو المشاركة في أنشطته من أجل المساهمة في استخدام خطاب الكراهية الذي يشكل جريمة جنائية وكذلك التحريض المتعمد على استخدام خطاب الكراهية أو التواطؤ في ذلك أو المحاولة المتعمدة للجوء إليه. إن تحديد المسؤولية في هذه الحالات من شأنه أن يعكس كلًا من نطاق التعريف المعتمد لأغراض التوصية والمسؤولية الناشئة عن الأفعال غير المنجزة والتي عادة ما تشارك في تكوين جريمة جنائية. ووفقًا للفقرة 22 من توصية السياسة العامة رقم 7، ينبغي أن تكون المسؤولية الجنائية للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين واضحة أيضًا، حيث أن مسؤوليتهم المحتملة مهمة، لأن الشركات يمكن أن تُستخدم كوسيلة لنشر خطاب الكراهية.
تدابير ترمي إلى منع المتابعات التعسفية
180. تأخذ التوصية رقم 10 في الاعتبار التخوف الذي لوحظ من ذي قبل بشأن تحويل المسؤولية الجنائية لقمع أي انتقاد للسياسات الرسمية أو المعارضة السياسية أو المعتقدات الدينية. لذلك، ينبغي أن يبرز الطابع غير المقبول لهذا التحويل بشكل واضح في شروط تحديد المسؤولية الجنائية (انظر أعلاه). ومع ذلك، ينبغي تعزيز هذا الجانب من خلال التنصيص صراحة في القوانين المعنية على أن هذه الجرائم لا تنطبق على هذا النوع من الانتقادات أو المعارضة أو المعتقدات. بالإضافة إلى ذلك، نظرًا للتخوف من استخدام الأحكام التي تحظر خطاب الكراهية بشكل غير متناسب ضد الأشخاص الذين يفترض أن تحميهم، قد يكون من المناسب أيضًا إعداد مبادئ توجيهية لفائدة المسؤولين عن إنفاذ القانون والمدّعين العامين من أجل لفت الانتباه إلى هذا الخطر المحتمل والمطالبة بمراجعة دورية لتحديد ما إذا كانت هناك اختلافات من حيث تحريك المتابعات الجنائية بحسب الخصائص المحددة للأشخاص الذين يُزعم أنهم ألقوا خطاب الكراهية، وذلك بهدف الحرص على ألا يكون لهذه الخصائص أي تأثير على إقامة هذه الدعاوى الجنائية.
إشراك الأشخاص المستهدفين
181. تؤكد التوصية رقم 10 أيضًا على أهمية توفير إمكانية للأشخاص المستهدفين بخطاب الكراهية من أجل المشاركة الفعلية في أي إجراء ذي صلة. وينبغي ضمان هذه المشاركة اعتبارا من مرحلة التحقيق بعد تقديم شكوى إلى غاية نهاية الإجراء القضائي. ومن المهم بشكل خاص إبقاء هؤلاء الأشخاص على علم بسير التحقيق وبأي صعوبات تتم مواجهتها في هذا الإطار. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يكون هؤلاء الأشخاص قادرين على تقديم ملاحظاتهم قبل اتخاذ أي قرار بإغلاق التحقيق أو إسقاط التهم ضد صاحب خطاب الكراهية. ويعتبر هذا الجانب أساسيا ليس فقط لضمان حصول السلطات المعنية على جميع المعلومات ذات الصلة لاتخاذ هذا القرار، ولكن أيضًا لمنح الأشخاص المستهدفين بخطاب الكراهية الثقة في اشتغال النظام القضائي. علاوة على ذلك، يجب إبلاغ هؤلاء الأشخاص في الوقت المناسب بموعد أي جلسة للمحكمة ويجب حماية كرامتهم عندما يدلون بشهادتهم. وعندما يكون من الممكن تحريك دعوى جنائية بناء على طلب من الضحية، مثلا في حال المساس بالشرف أو التشهير، من المهم أيضًا الإشارة بوضوح إلى من يحق له الشروع في مثل هذه الإجراءات، وتطبيق القواعد المعمول بها في هذا المجال بطريقة موحدة.
العقوبات
182. من خلال التنصيص على عقوبات محددة وفرضها عند إدانة مرتكب خطاب الكراهية، تبرز التوصية رقم10 جانبين ذوا صلة يجب مراعاتهما، وهما العواقب الوخيمة التي تنجم عن هذا الخطاب ومبدأ التناسب.
183. لا يشمل الجانب الأول العواقب التي يواجهها الأشخاص المستهدفون تحديدا من خطاب الكراهية فحسب، بل يشمل أيضًا التداعيات المترتبة عن هذا الخطاب على أعضاء آخرين من نفس المجموعة والتأثير الضار الذي يمكن أن يحدث على تماسك المجتمع بشكل عام. لذلك، يجب أن تعكس العقوبات المحددة المتاحة أهمية هذه العواقب، ومن ثم، يجب أن تكون – كما هو موضح في الفقرة 23 من توصية السياسة العامة رقم 7– فعالة ورادعة على حد سواء حتى تأخذ في الحساب أن الأضرار الناجمة عنه بالفعل وتثبط أي إمكانية للعود. ويمكن أن تتمثل هذه العقوبات في عقوبة بالسجن أو بغرامة، وكذلك في حجز ومصادرة المنشورات المعنية. ومع ذلك، يجوز أيضًا أن تكون رهينة بالسلوك المحظور المعني.
و بالتالي، قد تتمثل العقوبة في التجريد المؤقت من الحقوق السياسية، أو في إلزامية الذهاب إلى مكان أو أكثر لإحياء ذكرى المحرقة أو في إلزامية تنفيذ مهمة ملموسة للتعويض عن الضرر الذي لحق بمجموعة من الأشخاص المستهدفين بخطاب الكراهية المعني.
184. ومع ذلك، فإن فرض العقوبات بشكل فعلي يجب أن يراعي أيضًا خطر الانتهاك غير المبرر لحرية التعبير – على ضوء ملابسات القضية المعروضة. ومع أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لم تثر أي اعتراض من حيث المبدأ على فرض الغرامات أو عقوبات بالسجن ومصادرة الحقوق السياسية والتجريد منها، فقد خلصت في بعض الأحيان فيما يتعلق بالعقوبتين الأوليين، أن فرض هذه العقوبات يشكل انتهاكًا غير متناسب لحرية التعبير. وبالفعل، يجب فحص كل قضية من حيث الموضوع، ولكنه من غير المرجح أن تعتبر العقوبات بالسجن والغرامات الباهظة متوافقة مع الحق في حرية التعبير الذي تحميه المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، ما لم تكن هذه الحالات أخطر حالات خطاب الكراهية. وعلى العكس من ذلك، ثمة احتمال ضعيف أن تُعتبر بعض العقوبات الطفيفة نسبيًا والتي لا تخلو مع ذلك من التأثير وعقوبات أخرى يمكن أن تؤدي إلى تغيير في المواقف – على سبيل المثال إلزامية أداء مهام معينة لفائدة الأشخاص المستهدفين من الخطاب من الكراهية – غير متناسبة وبالتالي غير مقبولة.
ضرورة ضمان فعالية التحقيق والمتابعات
185. تعزى الأهمية التي توليها التوصية رقم 10 لمراقبة فعالية التحقيقات المفتوحة عقب الشكاوى ومقاضاة الجناة إلى الثغرات التي تم الوقوف عليها في هذا الصدد في إطار دورات الرصد. فعلى الرغم من وجود حالات تكون فيها التدابير القمعية ضد مرتكبي خطاب الكراهية فعالة، هناك العديد من الحالات الأخرى التي تم فيها استبعاد إمكانية تحريك الدعوى الجنائية بسهولة مفرطة، مما أسفر عن عدد ضئيل جدًا من المحاكمات في أعقاب الشكاوى المقدمة إلى السلطات. علاوة على ذلك، في الحالات التي يتم فيها عرض القضية فعليًا على أنظار المحكمة، غالبًا ما تبدو معدلات الإدانة الحقيقية منخفضة ولا تكون العقوبات المحددة المفروضة متناسبة دائمًا مع خطورة خطاب الكراهية المعني. وتفسر عوامل مختلفة هذا النجاح المحدود كما يبدو في اللجوء إلى القانون الجنائي لمكافحة استخدام خطاب الكراهية في الحالات التي يبدو فيها هذا اللجوء ضروريًا، ويتعلق الأمر تحديدًا بما يلي: أ) بعض ضباط الشرطة لا يأخذون على محمل الجد المخالفات ولا يتصرفون على وجه السرعة المطلوبة؛ ب) ضعف الكفاءة في جمع الأدلة وتقييمها؛ ج) رؤية واسعة للغاية للحماية التي يكفلها الحق في حرية التعبير (والتي لا تتفق مع مقاربة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان) و/أو تفسير صارم بشكل مفرط للعناصر المكونة لـلجريمة (التحريض على الكراهية مثلًا)؛ د) فشل المحاولات الرامية إلى تحديد معايير الإدانة التي لم تعد قابلة للتطبيق؛ هـ) عدم القدرة على إجراء تحقيق كافٍ ومنهجي وفعال بشأن استخدام خطاب الكراهية؛ و) تخصيص الموارد للتحقيقات بشأن الأصوليين الدينيين بدلًا من المتطرفين بدافع العنصرية وجوانب أخرى من خطاب الكراهية؛ ز) وجود خلافات بشأن السلطة المختصة للتعامل مع قضية معينة؛ ح) إعادة تكييف الجرائم على أنها جرائم جنائية عادية لتحقيق أهداف النجاح من حيث معدل الإدانة؛ ط) الحصانة التي تتمتع بها الطبقة السياسية، ي) والغياب المحتمل للحياد بين أعضاء هيئة المحلفين المكلفين بالبت في القضايا.
186. وبسبب بعض هذه الثغرات أيضًا، خلصت لجنة القضاء على التمييز العنصري إلى وجود انتهاكات للمادتين 4 و6 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، لا سيما فيما يتعلق بعدم القدرة على التحقيق بسرعة وعناية في الشكاوى وعلى مراعاة القيود المفروضة على الحق في حرية التعبير.
187. كل هذه الثغرات في مجال التحقيق في الشكاوى المتعلقة بحالات مزعومة لخطاب الكراهية تبعث حتمًا برسالة قوية إلى الرأي العام مفادها أن خطاب الكراهية لا يؤخذ على محمل الجد ويمكن الإدلاء به والإفلات من العقاب. وبالتالي، لا يكفي إثبات الجرائم فيما يخص استخدام خطاب الكراهية، فيجب أيضًا إيلاء عناية دائمة لرصد الطريقة التي يتم من خلالها التحقيق في الشكاوى المتعلقة بحالات خطاب الكراهية المزعومة، وطريقة ملاحقة الجناة وطريقة إصدار المحكمة للقرارات حتى يكون من الممكن تكييف المقاربة المعتمدة تباعًا بغية ضمان المقاضاة الفعلية للجناة وإدانتهم في جميع القضايا المعنية.
188. ينبغي أن يتمثل الهدف الأساسي لأي تحقيق في الحصول على التنفيذ الفعلي للتشريعات ذات الصلة وضمان مساءلة الجناة المحتملين. وينبغي لأي تحقيق من هذا القبيل أن ينجَز بمجرد إبلاغ السلطات بالحالة، وبالتالي لا ينبغي أن يكون رهينا بالضرورة بتقديم شكوى رسمية. ويكتسي هذا الجانب أهمية خاصة في القضايا التي تنطوي على استخدام خطاب الكراهية، نظرا لارتفاع احتمال تردد الأشخاص المستهدفين بخطاب الكراهية عن تقديم الشكاوى. ويجب أن يكون أي تحقيق من هذا القبيل مناسبًا، بمعنى أنه يجب أن يكون قادرًا على تحديد ما إذا كانت الجريمة قد ارتُكبت بالفعل وتحديد هوية المسؤولين. ويجب اتخاذ جميع التدابير المعقولة لجمع الأدلة اللازمة، بما في ذلك شهادات الشهود العيان والوثائق أو المواد الإلكترونية ذات الصلة. وينبغي أن تتم هذه العملية بسرعة وأن تُنجز بالعناية الواجبة. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري الحرص على إخضاع التحقيق ونتائجه لتدقيق الرأي العام بغية ضمان مسؤولية الجناة والحفاظ على ثقة الرأي العام. ويتعلق الأمر تحديدًا – كما سبقت الإشارة إلى ذلك– بإبقاء أي مدع على علم بسير التحقيق ومنحه فرصة لتقديم ملاحظاته قبل اتخاذ قرار بإنهاء التحقيق أو العدول عن الملاحقة القضائية. وفي الأخير، يجب أن تستند نتائج التحقيق وأي قرار بالمقاضاة إلى تحليل شامل وموضوعي ومحايد لجميع الأدلة المتاحة.
189. يمكن أن تشمل التدابير التي يتعين اتخاذها لتعزيز فعالية التحقيقات والملاحقات القضائية في حال استخدام خطاب الكراهية ما يلي: (أ) اعتماد أداة للإبلاغ على الإنترنت عن حالات خطاب الكراهية؛ (ب) إجراء تحليل منتظم لمآل الشكاوى في هذا المجال منذ لحظة تسجيلها من قبل الشرطة بغية معرفة ما إذا كان المشتكون قد تلقوا استجابة مناسبة؛ (ج) الرصد المنتظم لاستخدام خطاب الكراهية على الإنترنت بحيث لا تستند التحقيقات فقط إلى الشكاوى المقدمة؛ (د) إحداث وحدات متخصصة مزودة بالموارد الفنية والبشرية اللازمة ومسؤولة عن التحقيقات والمتابعات في القضايا المتعلقة باستخدام خطاب الكراهية؛ (هـ) استجابة حازمة عندما يستخدم مسؤولون سياسيون وغيرهم من الشخصيات العامة خطاب الكراهية حتى لا يشعر الرأي العام بتشجيع على أن يحذو حذوهم؛ (و) رفع أي حصانة عن المسؤولين السياسيين فيما يتعلق باستخدام خطاب الكراهية، و(ز) إقامة الحوار والثقة المتبادلة والتعاون مع مجموعات الأشخاص المستهدفين بخطاب الكراهية من أجل كسب ثقتهم وتوعيتهم بحقوقهم.
190. تقر التوصية رقم 10 أيضًا بأن فعالية المتابعات الجنائية فيما يتعلق باستخدام خطاب الكراهية تعتمد أيضًا على ثلاثة عوامل أخرى.
191. أولًا، استفادة مختلف الجهات الفاعلة، وخاصة الشرطة وسلطات الادعاء، من آلية مناسبة للتعاون وتنسيق أنشطتها. فإذا كانت هناك عدة طرق لتحقيق هذا الهدف، فإن هذا التعاون والتنسيق سيكون ميسرا عبر إنشاء قنوات وثيقة للتواصل بين السلطات. بالإضافة إلى ذلك، يجب إرسال رسالة مشتركة من قبل الأشخاص الذين يعملون في مناصب قيادية للإشارة إلى أن التعاون لمكافحة استخدام خطاب الكراهية من خلال المتابعات الجنائية (إن وجد) يشكل إحدى أهم الأولويات بالنسبة لكل سلطة من السلطات المعنية.
192. ثانيًا، ينبغي أن تتلقى جميع الجهات الفاعلة في نظام العدالة الجنائية التدريب/ التكوين المناسب لمعرفة ما إذا كانت ملاحظة معينة تندرج في إطار خطاب الكراهية، وإذا كان الأمر كذلك،تحديد ما إذا كان فرض عقوبة جنائية سيكون الرد المناسب بالنظر إلى الحق في حرية التعبير. وينبغي أن يوفر لهم هذا التدريب/ التكوين أيضًا فهما أو سعلت أثير هذا الخطاب على الأشخاص المستهدفين وللمخاطر التي يُعرض لها المجتمع برمته. بالإضافة إلى ذلك، ووفقا لمسؤولياتهم، ينبغي بذل جهود لتعزيز قدراتهم على جمع وتقييم أي أدلة مفيدة لتحريك الدعوى الجنائية وللفصل في القضايا المتعلقة بخطاب الكراهية أمام المحكمة. علاوة على ذلك، يجب إعطاء توجيهات للقضاة بشأن المقاربة التي يجب اتباعها في تحديد العقوبة المحددة التي سيتم فرضها في حال الإدانة. وفي جميع الحالات، فإن تبادل الممارسات الفضلى، لا سيما عندما تكون بعض الجهات الفاعلة في نظام العدالة الجنائية أكثر خبرة من غيرها في معالجة القضايا المتعلقة بخطاب الكراهية، من شأنه أن يسمح بتحسين هذا النوع من التدريب/ التكوين وبناء القدرات.
193. ثالثًا، لا ينحصر نشر خطاب الكراهية في إقليم وطني معين. ونتيجة لذلك، يمكن أن تستمر المتابعات في هذا المجال لفترة طويلة في بعض الأحيان، لأن الخطاب المعني صدر عن مصدر خارج الإقليم – وخارج الولاية القضائية – لدولة عضو معينة، خاصة إذا تم هذا النشر عبر الإنترنت. صحيح أنه لا يوجد حل سهل في هذه الحال، خاصة إذا كانت خوادم الإنترنت توجد في بلدان ليس لديها نفس المتطلبات فيما يتعلق بخطاب الكراهية كتلك المحددة في التوصية. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي التعاون مع سلطات هذه الدول إلى اتخاذ تدابير للحد من قدرات هذا النشر العابر للحدود. كما يمكن للتعاون أن يساعد في الحصول على معلومات كفيلة بتسهيل تحريك الدعوى الجنائية ضد مواطني الدولة العضو المعنية الذين اضطلعوا بدور في هذا النشر. لذلك، من الضروري أن تطور جميع الدول الأعضاء – أسوة ببعض منها – الآليات اللازمة لتسهيل التعاون في مجال نشر خطاب الكراهية العابر للحدود الذي يخص كل دولة على حدة وكذلك الذي يعني أي دولة غير عضو في مجلس أوروبا لديها استعداد للمشاركة في جهود مكافحة هذا النشر.
الملحق
اعتمدت لجنة الوزراء لمجلس أوروبا، في مجال خطاب الكراهية، التوصيات التالية وتبنت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا التوصيات والقرارات التالية:
لجنة الوزراء
توصية لجنة الوزراء رقم (92) 19 الموجهة للدول الأعضاء بشأن ألعاب الفيديو ذات المحتوى العنصري؛
توصية لجنة الوزراء رقم (97) 20 الموجهة للدول الأعضاء بشأن “خطاب الكراهية”؛
توصية لجنة الوزراء رقم (97) 21 الموجهة للدول الأعضاء بشأن وسائل الإعلام وتعزيز ثقافة التسامح؛
توصية لجنة الوزراء رقم (2010) 5 الموجهة للدول الأعضاء بشأن تدابير مكافحة التمييز القائم على التوجه الجنسي أو الهوية الجنسانية.
الجمعية البرلمانية
التوصية رقم 1277 (1995)، المهاجرون والأقليات العرقية ووسائل الإعلام؛
التوصية رقم 1543 (2001)، العنصرية وكراهية الأجانب في الفضاء السيبراني؛
التوصية رقم 1706 (2005)، الإعلام والإرهاب؛
التوصية رقم 1768 (2006)، صورة طالبي اللجوء والمهاجرين واللاجئين في وسائل الإعلام؛
التوصية رقم 1805 (2007)، الإساءة للدين والإهانات ذات طابع ديني والتحريض على الكراهية ضد الأشخاص بسبب دينهم؛
التوصية رقم 2052 (2014)، منع مظاهرات النازية الجديدة والتطرف اليميني.
القرار رقم 1345 (2003)، الخطاب العنصري والمعادي للأجانب والمتعصب في السياسة؛
القرار رقم 1510 (2006)، حرية التعبير واحترام المعتقدات الدينية؛
القرار رقم 1563 (2007)، مكافحة معاداة السامية في أوروبا؛
القرار 1577 (2007)، نحو إلغاء تجريم التشهير؛
القرار رقم 1605 (2008)، المجتمعات الإسلامية الأوروبية في مواجهة التطرف؛
القرار رقم 1728 (2010)، التمييز على أساس التوجه الجنسي والهوية الجنسانية؛
القرار رقم 1743 (2010)، الإسلام، الإسلام المتطرف ورهاب الإسلام في أوروبا؛
القرار رقم 1754 (2010)،مناهضة التطرف: الإنجازات ونقاط الضعف والإخفاقات؛
القرار رقم 1760 (2010)، التنامي الحدي ث للخطاب الأمني في أوروبا على المستوى الوطني: حالة الروما؛
القرار رقم 1846 (2011)، مكافحة جميع أشكال التمييز القائم على الدين؛
القرار رقم 1877 (2012)، حماية حرية التعبير والإعلام على الإنترنت وفي وسائل الإعلام الإلكترونية؛
القرار رقم 1928 (2013)، حماية حقوق الإنسان فيما يتعلق بالدين والمعتقد، وحماية المجتمعات الدينية من العنف؛
القرار رقم 1948 (2013)، مكافحة التمييز القائم على التوجه الجنسي والهوية الجنسانية؛
القرار رقم 1967 (2014)، استراتيجية للوقاية من العنصرية والتعصب في أوروبا؛
القرار رقم 2011 (2014)، منع مظاهرات النازية الجديدة والتطرف اليميني،
القرار رقم 2069 (2015)، الاعتراف بالعنصرية الجديدة والوقاية منه
خلاصة توصية السياسة العامة رقم 15 للجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب