استراتيجية الأمم المتحدة وخطة عملها بشأن خطاب الكراهية

تصدير

تعصف بالعالم موجة عارمة مثيرة للقلق من كراهية الأجانب والعنصرية والتعصّب، بما في ذلك تزايد معاداة السامية وكراهية المسلمين واضطهاد المسيحيين. وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من أشكال الاتصال تُستغل كمنابر لنشر التعصّب. وما فتئ يتنامى زحف حركات النازيين الجدد ومؤيدي أيديولوجية تفوّق العرق الأبيض.

أما الخطاب العام، فبات يُستخدم كسلاح لتحقيق مآرب سياسية في شكل خُطب تؤجج المشاعر وتتسبب في وصم الأقليات والمهاجرين واللاجئين والنساء وكل ما يسمّى “الآخر” وتجريدهم من إنسانيتهم.

وهذه ليست ظاهرة معزولة أو مجرد أصوات مدوية لعدد قليل من الناس يعيشون على هامش المجتمع. فتيار الكراهية بصدد التحوّل إلى ظاهرة عامة، تسود في الديمقراطيات الليبرالية كما تتفشى في الأنظمة الاستبدادية على حدّ سواء. ومع انهيار كل قاعدة من قواعدنا الأساسية، تهتزّ أركان إنسانيتنا المشتركة.

ويشكل خطاب الكراهية تهديدًا للقيَم الديمقراطية والاستقرار الاجتماعي والسلام. وكمسألة مبدأ، يجب على الأمم المتحدة مواجهة خطاب الكراهية عند كل منعطف. فالسكوت عنه يمكن أن يوحي بعدم الاكتراث لمظاهر التعصّب وعدم التسامح، حتى عندما تتفاقم الأوضاع ويتحول المستضعفون إلى ضحايا.

ومواجهة خطاب الكراهية شرط حاسم أيضًا لترسيخ التقدم المحرز في جدول أعمال الأمم المتحدة ككل من خلال المساعدة على منع نشوب النزاعات المسلحة والجرائم الوحشية والإرهاب، وإنهاء العنف ضد المرأة وغير ذلك من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والنهوض بمجتمعات مسالمة وعادلة تشمل الجميع.

والتصدّي لخطاب الكراهية لا يعني تقييد حرية التعبير أو حظرها. وإنما يعني اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تفاقم خطاب الكراهية وتحوّله إلى ما هو أخطر من ذلك، وخاصة التحريض على التمييز والعدوانية والعنف، المحظور بموجب القانون الدولي.

وللأمم المتحدة تاريخ طويل في تعبئة العالم ضد الكراهية بجميع أنواعها عبر طائفة واسعة من الإجراءات الرامية إلى الدفاع عن حقوق الإنسان والنهوض بسيادة القانون. والواقع أن المنظمة تستمد جذور هويتها والغرض من إنشائها من الأحداث الكارثية التي تطرأ عندما يطول التغاضي عن تيارات الكراهية الخبيثة.

واليوم، أخشى أن نكون قد بلغنا منعطفًا حاسمًا آخر في مكافحة هذه الجائحة. وبالتالي، فقد طلبت إلى كبار مستشاريّ استكشاف التدابير الإضافية التي يمكننا اتخاذها. فكانت هذه الاستراتيجية وخطة العمل ثمرة ذلك البحث. إذ تحددان سبلًا عملية يمكن للأمم المتحدة من خلالها أن تضطلع بدورها في التصدّي لخطاب الكراهية في جميع أنحاء العالم، مع احترام حرية الرأي والتعبير، بالتعاون مع الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص وسائر الشركاء.

فمن خلال تعزيز قدرة العالم على مواجهة هذه الظاهرة الخبيثة، يمكننا تعزيز أواصر المجتمع وبناء عالم أفضل للجميع.

أنطونيو غوتيريش

الأمين العام للأمم المتحدة

أيار/مايو 2019

ما هو خطاب الكراهية؟

على الرغم من عدم وجود تعريف في القانون الدولي لمفهوم خطاب الكراهية، وما يثيره توصيف ما يمكن اعتباره “خطابًا مشحونًا بالكراهية” من جدل وخلاف، يُشار إلى مفهوم خطاب الكراهية في سياق هذه الوثيقة على أنه أي نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو الأصل أو نوع الجنس أو أحد العوامل الأخرى المحدِّدة للهوية. وهذا الخطاب كثيرًا ما يستمد جذوره من مشاعر التعصّب والكراهية التي يغذيها في الوقت نفسه، ويمكن في بعض السياقات أن ينطوي على الإذلال ويؤدي إلى الانقسامات.

وبدلًا من حظر خطاب الكراهية في حدّ ذاته، يحظر القانون الدولي التحريض على التمييز والعداء والعنف (وهو ما يشار إليه هنا بـ “التحريض”). فالتحريض شكل خطير جدًا من أشكال الخطاب، لأنه يهدف صراحة وعمدًا إلى حفز التمييز والعداوة والعنف، وهو ما قد يستتبع أو يشمل أيضًا أعمال الإرهاب أو الجرائم الفظيعة.

وليس في القانون الدولي ما يقتضي من الدول أن تحظر خطاب الكراهية الذي لا يصل إلى درجة التحريض. ومن المهم التأكيد على أن خطاب الكراهية، وإن لم يكن محظورًا، لا يخلو من الضرر.

إن لتأثير خطاب الكراهية صلة بالعديد من مجالات عمل الأمم المتحدة في الوقت الراهن، بما في ذلك حماية حقوق الإنسان؛ ومنع الجرائم الفظيعة؛ ومنع ومكافحة الإرهاب وما يكمن وراءه من انتشار التطرف العنيف وجهود مكافحة الإرهاب؛ ومنع العنف الجنساني والتصدّي له؛ وتعزيز حماية المدنيين، وحماية اللاجئين؛ ومكافحة جميع أشكال العنصرية والتمييز؛ وحماية الأقليات؛ والحفاظ على السلام؛ وإشراك النساء والأطفال والشباب. وبالتالي، فإن التصدّي لخطاب الكراهية يتطلب استجابة منسقة تعالج القضايا الجذرية والعوامل المحركة لهذا الخطاب، فضلًا عن أثره على الضحايا والمجتمعات بصورة أعم.

الرؤية الاستراتيجية

تهدف استراتيجية الأمم المتحدة وخطة عملها بشأن خطاب الكراهية إلى إتاحة المجال والموارد اللازمة للأمم المتحدة من أجل مواجهة خطاب الكراهية الذي يشكل تهديدًا لقيم الأمم المتحدة ومبادئها وبرامجها. وستكون التدابير المتخذة متماشية مع القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ولا سيما الحق في حرية الرأي والتعبير.

وتنقسم الأهداف المتوخاة إلى شقين:

  • تعزيز جهود الأمم المتحدة في التصدّي للأسباب الجذرية والعوامل المحركة لخطاب الكراهية
  • ·         تمكين الأمم المتحدة من صوغ استجابات فعّالة لأثر خطاب الكراهية على المجتمعات

ومن أجل التصدّي لخطاب الكراهية، ستنفذ الأمم المتحدة إجراءات على الصعيدين العالمي والقطري، فضلًا عن تعزيز التعاون الداخلي فيما بين كيانات الأمم المتحدة المعنية.

وستسترشد هذه الاستراتيجية بالمبادئ التالية:

1. مراعاة الاستراتيجية وأساليب تنفيذها للحق في حرية الرأي والتعبير. فالأمم المتحدة تدعم تعزيز التواصل، لا تقييده، باعتبار ذلك الوسيلة الأساسية لمواجهة خطاب الكراهية؛

2. وضع مسؤولية التصدّي لخطاب الكراهية على عاتق الجميع – الحكومات والمجتمعات والقطاع الخاص، بدءًا من فرادى النساء والرجال. فالكل مسؤول في هذا الصدد ويقع على الكل واجب الاضطلاع بهذه المسؤولية؛

3. في العصر الرقمي الراهن، ينبغي للأمم المتحدة أن تدعم جيلًا جديدًا من مواطني التكنولوجيا الرقمية بهدف تمكينهم من التعرف على خطاب الكراهية ونبذه والتصدّي له؛

4. نحن بحاجة إلى معرفة المزيد للعمل بفعالية – وتحقيق ذلك يتطلب تنسيق جمع المعلومات وإجراء البحوث بشأن مسائل منها الأسباب الجذرية الكامنة وراء خطاب الكراهية ودوافعه والظروف المؤدية إلى ظهوره.

الالتزامات الرئيسية

رصد خطاب الكراهية وتحليلهينبغي أن تكون كيانات الأمم المتحدة المعنية قادرة على تحديد توجهات خطاب الكراهية ورصدها وجمع البيانات بشأنها وتحليلها.  
معالجة الأسباب الجذرية الكامنة وراء خطاب الكراهية والوقوف على عوامله المحركة والجهات الفاعلة فيهينبغي أن تعتمد منظومة الأمم المتحدة فهمًا مشتركًا للأسباب الجذرية والعوامل المحركة لخطاب الكراهية من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة أثره و/أو التخفيف منه. وينبغي لكيانات الأمم المتحدة المعنية أيضًا تحديد ودعم الجهات الفاعلة التي تتصدّى لخطاب الكراهية.  
إشراك ودعم ضحايا خطاب الكراهيةينبغي لكيانات الأمم المتحدة أن تبدي تضامنها مع ضحايا خطاب الكراهية وتنفذ تدابير تركّز على حقوق الإنسان وتهدف إلى مكافحة خطاب الكراهية الانتقامي وتصعيد العنف. وينبغي لها أيضًا أن تعزز التدابير التي تكفل احترام حقوق الضحايا وتلبية احتياجاتهم، بسبل منها الدعوة إلى إتاحة سبل الانتصاف وفرص اللجوء إلى العدالة والحصول على المشورة النفسية.  
عقد اجتماعات للجهات الفاعلة المعنيةينبغي للأمم المتحدة، حسبما يقتضيه السياق، دعم عقد اجتماعات للجهات الفاعلة الرئيسية؛ وإعادة طرح المشاكل في أطُر تجعل الحلول المتوخاة أكثر قابلية للتحقيق؛ واللجوء إلى الوساطة المستقلة والخبرة الفنية؛ وبناء التحالفات.  
العمل مع وسائل الإعلام الجديدة والتقليديةينبغي أن تعمل منظومة الأمم المتحدة على إقامة وتعزيز الشراكات مع وسائل الإعلام الجديدة والتقليدية من أجل التصدّي للسرد الذي يقوم عليه خطاب الكراهية وتعزيز قيم التسامح وعدم التمييز والتعددية وحرية الرأي والتعبير.  
استخدام التكنولوجياينبغي أن تحرص كيانات الأمم المتحدة على مواكبة الابتكارات التكنولوجية وتشجيع المزيد من البحوث بشأن العلاقة بين إساءة استخدام شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في نشر خطاب الكراهية والعوامل التي تدفع الأفراد إلى العنف. وينبغي لكيانات الأمم المتحدة أيضًا أن تشرك الجهات الفاعلة من القطاع الخاص، بما في ذلك شركات وسائل التواصل الاجتماعي، بشأن الخطوات التي يمكن اتخاذها لدعم مبادئ الأمم المتحدة وأنشطتها الرامية إلى مواجهة خطاب الكراهية والتصدّي له، مع تشجيع الشراكات بين الحكومات والقطاعات الصناعية والمجتمع المدني.    
استخدام التعليم كأداة في مواجهة خطاب الكراهية والتصدّي لهينبغي للكيانات التابعة للأمم المتحدة أن تتخذ الإجراءات اللازمة في قطاعي التعليم النظامي وغير النظامي من أجل تنفيذ الهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة وتشجيع القيم والمهارات التي تصبّ في إطار التعليم من أجل المواطنة العالمية، وتعزيز الدراية الإعلامية والمعلوماتية.  
التشجيع على إقامة مجتمعات مسالمة وشاملة للجميع وعادلة من أجل معالجة الأسباب الجذرية والعوامل المحركة لخطاب الكراهيةينبغي لمنظومة الأمم المتحدة إذكاء الوعي بشأن احترام حقوق الإنسان، وعدم التمييز، والتسامح والتفاهم إزاء الثقافات والأديان الأخرى، فضلًا عن المساواة بين الجنسين، بما في ذلك في سياقات العالم الرقمي. وينبغي لها أن تعزز الحوار والتفاهم بين الثقافات والعقائد والأديان.  
المشاركة في أنشطة الدعوةينبغي للأمم المتحدة أن تسخّر أنشطة الدعوة، في القطاعين الخاص والعام، لتسليط الضوء على التوجهات المثيرة للقلق فيما يتصل بخطاب الكراهية، فضلًا عن إبداء تعاطفها ودعمها للجهات المستهدفة، سواء من الأفراد أو المجموعات.  
وضع توجيهات للاتصالات الخارجيةينبغي استخدام الاتصالات بصورة استراتيجية لمعالجة تأثير خطاب الكراهية والتصدّي له والتخفيف من حدّته، فضلًا عن مواجهة تداعياته، دون تقييد الحق في حرية التعبير.  
الاستفادة من الشراكاتينبغي للأمم المتحدة إنشاء/ تعزيز الشراكات مع أصحاب المصلحة المعنيين، بمن فيهم العاملون في قطاع التكنولوجيا.   فمعظم الإجراءات المجدية في مجال مكافحة خطاب الكراهية هي إجراءات ستتخذها، مجتمعةً، الأمم المتحدة والحكومات والمنظمات الإقليمية والمنظمات المتعددة الأطراف، وشركات القطاع الخاص، ووسائل الإعلام، والجهات الفاعلة الدينية وغيرها من الجهات الفاعلة في المجتمع المدني.  
تطوير مهارات موظفي الأمم المتحدةينبغي تعزيز مهارات موظفي الأمم المتحدة على مستوى القيادة والعمل من أجل فهم ومعالجة خطاب الكراهية، وذلك في جميع كيانات الأمم المتحدة المعنية، بما في ذلك من خلال البرامج القائمة.  
دعم الدول الأعضاءينبغي للأمم المتحدة أن تقدم الدعم إلى الدول الأعضاء، بناء على طلبها، في مجالي بناء القدرات ووضع السياسات من أجل التصدّي لخطاب الكراهية. وفي هذا السياق، ستقوم الأمم المتحدة بعقد مؤتمر دولي بشأن التثقيف في مجال الوقاية مع التركيز على سبل مواجهة خطاب الكراهية والتصدّي له، سيشارك فيه وزراء التعليم.

https://bit.ly/3ZCT4Mw