التصدي لخطاب الكراهية: هل التعليم هو الحل؟

هل من تدابير تربوية وتعليمية للتصدي لخطاب الكراهية؟

ورقة مناقشة

1

المقدمة

ازدادت مظاهر التعصب والعنصرية ومعاداة السامية والعنف بصورة مطردة في جميع أرجاء العالم، ثم فاقم تفشي جائحة كوفيد- 19 انتشار المعلومات الخاطئة القائمة على الخوف والكراهية، ولا سيّما خطاب الكراهية. ومع أن أحكام القانون الدولي تنص على حظر التحريض (وهو أحد مظاهر التعبير الذي يرمي صراحةً إلى تأجيج التمييز والعداء والعنف)، فإنها لا تنص على حظر خطاب الكراهية بحد ذاته الذي لا تنطبق عليه هذه المعايير. بيد أن خطاب الكراهية ليس أمرًا حميدًا قطعًا، حتى عندما لا تنطبق عليه المعايير القانونية التي تنطبق على التحريض. فخطاب الكراهية قادر على زعزعة احترام التنوع والشمول والتسامح والتماسك الاجتماعي، وقد يسفر عن فقدان الثقة بالآخرين ويؤجج الخطابات الشعبوية والعقائد المتطرفة العنيفة.

ووضعت الأمم المتحدة، في 18 حزيران/ يونيو 2019، استراتيجية الأمم المتحدة وخطة عملها بشأن خطاب الكراهية، اللتين تعرّفان خطاب الكراهية على أنه “إرهاص لارتكاب جرائم فظيعة، ومنها جرائم الإبادة الجماعية”، واللتين يتمثل الغرض منهما في تعزيز التصدي لهذه الظاهرة العالمية على نطاق منظومة الأمم المتحدة. وأشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى أن “خطاب الكراهية، ولا سيّما عبر الإنترنت، قد أصبح إحدى أكثر الوسائل استخدامًا لنشر الرسائل والعقائد التمييزية والهدامة”.

تعريف خطاب الكراهية

لا يوجد في القانون الدولي تعريف لخطاب الكراهية، وتُعدّ المعايير التي يجري على أساسها توصيف ما يمكن اعتباره “خطابًا مشحونًا بالكراهية” أمرًا مثيرًا للجدل ومحل خلاف. وتقدّم استراتيجية الأمم المتحدة وخطة عملها بشأن خطاب الكراهية التعريف التالي لخطاب الكراهية: “أي نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو الأصل أو نوع الجنس أو أحد العوامل الأخرى المحدّدة للهوية”. (استراتيجية الأمم المتحدة وخطة عملها بشأن خطاب الكراهية، 2019).

وتترتب على خطاب الكراهية عواقب وخيمة، ويكون أشرس ما يكون عندما يُنشر عبر الإنترنت. وقد زاد انتشار خطاب الكراهية بمعدل 20% في المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وآيرلندا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية وحدهما منذ تفشي جائحة كوفيد- 319. فضلًا عن ذلك، كشفت الوثائق الداخلية لشركة موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أن الشركة تواجه صعوبات كبيرة في رصد خطاب الكراهية وكبحه في جميع أرجاء البلدان الناطقة باللغة العربية. ويقترن خطاب الكراهية في المجال الرقمي بتصاعد أعمال العنف في جميع أرجاء العالم، شأنه في ذلك شأن خطاب الكراهية خارج شبكة الإنترنت. إذ خلص الباحثون في ألمانيا مثلًا إلى وجود صلة بين زيادة المنشورات المناهضة للاجئين على موقع فيسبوك وارتفاع وتيرة جرائم الكراهية ضد اللاجئين. أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد انخرط مُطلق النار الذي نفّذ الهجوم على كنيس بيتسبرغ في عام 2018 في مجموعة من أنصار تفوّق العرق الأبيض عبر إحدى شبكات التواصل الاجتماعي قبل أن يُقدِم على قتل 11 مصليًا في صلاة يوم السبت. واستخدم القادة العسكريون والقوميون البوذيون في ميانمار وسائل التواصل الاجتماعي للانتقاص من آدمية المسلمين من أقلية الروهينغيا قبل اندلاع أعمال العنف في عام 2017 وخلالها.

ويُعدّ التصدي لتصاعد خطاب الكراهية على الصعيد العالمي أمرًا معقدًا وشائكًا يتطلب الأخذ بنهج متعدد الجوانب. فمن الضروري اتخاذ تدابير مضادة شاملة لمواجهة خطاب الكراهية والتخفيف من وطأة عواقبه الضارة على الأفراد والمجتمع بأسره. إذ تدل المستويات الثابتة لخطاب الكراهية، بل والمتزايدة، على وجود ثغرات كبيرة تعتري الاستراتيجيات المضادة لخطاب الكراهية التي تنفّذها حاليًا الحكومات وشركات تشغيل مواقع التواصل الاجتماعي. ويجب أن تقترن أنشطة الرصد والإشراف على المحتوى وإجراءات الاستجابة القانونية بجهود وقائية طويلة الأجل لإزكاء الوعي بشأن خطاب الكراهية وتعزيز القدرة على الصمود في وجهه. وينطوي مجال التعليم على القدرة على سد هذه الثغرة.

لماذا التعليم؟

لا يأتي خطاب الكراهية من الفراغ، بل يؤججه ويفاقمه التفكير الإقصائي والتحيز والغضب، وأحيانًا الخوف “من الآخر”. وتُكتسب نماذج التفكير هذه عبر التعلّم، وتتبلور بتأثير الخطابات السياسية والظروف الاجتماعية والثقافية، وتمثل جزءًا لا يتجزأ من علاقات القوة، ويعززها التمييز المنهجي ويرسخها. ولا يسفر بالضرورة تعرّض الشخص لهذه الظروف المؤاتية لخطاب الكراهية عن إقدامه على ترويج خطاب الكراهية.

ويمكن تدريس استراتيجيات للتصدي لخطاب الكراهية ورفضه وتعلُّمها. ويمكن أن يكون التعليم وسيلة فعالة لاستئصال جذور خطاب الكراهية، ويمكن تسخيره للكشف عن مظاهر التحيز والقوالب النمطية بما يساعد المتعلمين والمعلّمين على التخلص من مظاهر التحيز الكامنة في نفوسهم. ويمكن أن يكون التعليم أيضًا سبيلًا إلى التوعية بالأضرار الناجمة عن خطاب الكراهية وعواقبه، وأن يساعد في تنمية القدرات اللازمة للتعرّف على الخطابات المشحونة بالكراهية وحِيَل التلاعب المرتبطة به ورفضهما، وذلك من خلال التفكير النقدي والدراية الإعلامية والمعلوماتية على سبيل المثال لا الحصر.

وتجعل هذه الخصائص التعليم عنصرًا جوهريًا من عناصر أي مساعٍ أو إجراءات ترمي إلى التصدي لخطاب الكراهية ومواجهته، أكان ذلك عبر شبكة الإنترنت أم خارجها، لأن إجراءات الاستجابة والتصدي لا تكفي وحدها للقضاء على خطاب الكراهية، إذ لا بد من المبادرة إلى التنبؤ بخطاب الكراهية والتصدي له مسبقًا. وسعيًا إلى التخفيف من وطأة خطاب الكراهية بصورة فعالة، لا بدّ من تهيئة الظروف الاجتماعية المناسبة التي تحول دون إذكاء نار الكراهية، ومن دعم المساعي الرامية إلى تهيئة هذه الظروف. ويتطلب هذا الأمر تنمية المعارف والمواقف والمهارات اللازمة لتعزيز الانفتاح العقلي واحترام حقوق الإنسان والتنوع. ويمكن تحقيق ذلك من خلال القيام بالأنشطة التعليمية الملائمة ورسم السياسات التعليمية المناسبة.

الأطر الدولية

تولي استراتيجية الأمم المتحدة وخطة عملها بشأن خطاب الكراهية اهتمامًا خاصًا لدور التعليم باعتباره أداةً تمكّن من التصدي لخطاب الكراهية ومكافحته. فضلًا عن ذلك، يحتل تعزيز التدابير التعليمية الرامية إلى بناء قدرة المتعلّمين على الصمود في وجه الخطاب الإقصائي وخطاب الكراهية مكان الصدارة في جدول أعمال التعليم حتى عام 2030، ولا سيما الغاية 4-7 لهدف التنمية المستدامة التي تتناول الأغراض الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية للتعليم.

كيف يمكننا تسخير القدرة التي ينطوي عليها التعليم للتصدي لخطاب الكراهية؟

تناقش هذه الوثيقة الصعوبات التي يتعيّّن تذليلها والفرص التي يجب اغتنامها فيما يتعلق بالتصدي لخطاب الكراهية عبر شبكة الإنترنت وخارجها من خلال التعليم، وتوصي بالأخذ بنهوج شاملة من أجل وضع استراتيجيات تعليمية فعالة في هذا الصدد. ويُعدّ تطبيق ممارسات التعليم والتعلّم المكيّفة بحسب السياق التي تعزز المواطَنة العالمية المسؤولة إحدى الإجراءات الأولى المهمة التي يجب أن تقترن بالأخذ بنهج مدرسي ومجتمعي شامل يرمي إلى تهيئة بيئات مدنية تتسع لمختلف وجهات النظر والآراء، وتحترم الاختلاف، وتسعى إلى إيجاد شعور مشترك بالانتماء.

2

المصاعب التي تعترض مساعي التصدي لخطاب الكراهية بالاستعانة بالتعليم

هنالك مصاعب عديدة تعترض مساعي التصدي لخطاب الكراهية وللمعتقدات والفرضيات التي يرتكز عليها هذا الخطاب. وتشمل هذه المصاعب جملة أمور، بدءًا بإيجاد تعريف لخطاب الكراهية ووصولًا إلىصعوبة تحديد الحد الفاصل بين خطاب الكراهية وحرية التعبير، مرورًا بالمخاوف المتعلقة بمدى تأثير تسليط الضوء على الخطابات المشحونة بالكراهية. فإن كان من اليسير تحديد التعليقات المشحونة صراحةً

بالكراهية، يستعصي تحديد وتفكيك الخطابات القائمة على الخوف أو اللوم أو الكراهية التي تتخذ السخرية والفكاهة وإساءة تفسير الواقع غطاءً لها. وقد يستقوي الأشخاص الذين يبثون خطاب الكراهية عبر الإنترنت، نظرًا إلى محدودية تعرّضهم إلى المساءلة وتمكّنهم من مخاطبة جماهير عريضة، بدعم أشخاص آخرين على شاكلتهم، فتبدو الكراهية أمرًا طبيعيًا أو حتى مقبولًا اجتماعيًا. ويفضي الغموض النسبي لهوية مستخدمي شبكة الإنترنت إلى استفحال هذه الآثار الضارة، إذ يولّد شعورًا بالنأي وانعدام المسؤولية وفقدان التعاطف. ويندرج التصدي للتحيز الضمني ولخطاب الكراهية عبر الإنترنت في عِداد مجالات الاختصاص الجديدة التي تقع مسؤوليتها على المربّين والمعلّمين، وهو مجال يستلزم وضع أساليب تربوية ملائمة ودورات تدريبية مناسبة الأهداف وتخصيص الموارد اللازمة لتحقيقها.

بين درء الكراهية وترويجها

لا بد لراسمي السياسات والمربّين والمعلّمين من فهم الأسباب الجذرية لخطاب الكراهية والاعتراف بها ومعالجتها في إطار أي استراتيجية ترمي إلى احتواء انتشار الكراهية. ويتطلب ذلك تفهُّم الدور المركّب الذي يؤديه التعليم في ترسيخ الأفكار التي تنبع منها الكراهية أو في مقاومتها، وذلك سواء في التعليم النظامي أو غير النظامي ومن خلالهما.

فيمكن تسخير التعليم لتعزيز الإدماج الاجتماعي والتماسك الاجتماعي وتقدير التنوع، ويمكنه المساهمة في الوقت نفسه في تحقيق السلامة الجسدية والعقلية للمواطنين الشباب وتنميتهم، وفي أن يكون مصدر إلهام لهم. ويمكن الاستعانة بالتعليم للتصدي للتحيز والتعصب، ولبناء القدرات اللازمة لمقاومة الخطابات والعقائد المشحونة بالكراهية التي تؤجج خطاب الكراهية. بيد أن التعليم قد يُسهم أيضًا في الفرق، والانقسام عبر تكريس مظاهر الإقصاء وأوجه عدم المساواة في المجتمع أو تبريرها، من خلال الرسائل المضمرة والصريحة التي تُنقل عبر المناهج الدراسية والممارسات التعليمية والتربوية.

وقد تفضي صنوف التهميش هذه، إلى جانب المظالم التاريخية والاجتماعية والاقتصادية التي وقعت فعلًا أو النابعة من مجرد تصوّرات، إلى “دفع” الناس إلى استعمال خطاب الكراهية. أما عوامل “الاستدراج” التي تجذب الشباب إلى التفكير المتطرف فإنما تنشأ في نفس الفرد، وقد تنطوي على مشاعر القبول الاجتماعي والانتماء إلى فئة أو جماعة والشعور بوجود هدف للحياة، ولما كانت الإجراءات الرامية إلى درء الكراهية والعنف تعتمد على السياق وتتسم بالتعقيد وبالحساسية في كثير من الأحيان، فلا بدّ من إيلاء الاهتمام في إطار وضع البرامج الدراسية للكشف عن المخاطر المحتملة على المدارس والمعلّمين والمربّين والمتعلّمين، ودرء هذه المخاطر. وإذا لم تراعِ المساعي الرامية إلى التصدي لخطاب الكراهية معرفة السياق أو فهمه أو الإحاطة بدقائق أموره، فقد تسفر، عن غير قصد، عن تعزيز الوصم أو استفحال القوالب النمطية أو الانقسامات العرقية.

حماية حرية التعبير بالتزامن مع التصدي لخطاب الكراهية

لا بد لجميع المبادرات الرامية إلى التصدي لخطاب الكراهية من أن تقوم على نهج عماده حقوق الإنسان ويحترم حرية التعبير والانتفاع بالمعلومات، ويعززهما. وينبغي اعتبار التعلّم عن الحق الأساسي في التماس المعلومات وتلقيها ونشرها عنصرًا أساسيًا في الجهود التعليمية الرامية إلى درء خطاب الكراهية ومكافحته. فهذا النوع من التعلّم يشجع على التفكير النقدي وعلى الدراية الإعلامية والمعلوماتية عوضًا عن الأخذ بالقوالب النمطية وممارسة الرقابة. ولا بد للتعليم من أن يفسح المجال لتداول الأفكار المتضاربة والمتنافسة، فضلًا عن إفساح المجال لتعزيز المهارات والقدرات اللازمة لخوض المناقشات المرتبطة بهذا الأمر في ظل الاحترام المتبادل. ويشمل ذلك التفكّر في العلاقة المعقدة بين التصدي لخطاب الكراهية ودعم حرية التعبير، وزيادة الوعي بشأن أوجه الاختلاف بين الانتهاك غير المشروع للحريات والقيود الجائز فرضها قانونًا. ولا غرو في أن خطاب الكراهية نفسه غالبًا ما يمثل اعتداءً على حقوق الإنسان للفئات أو الجماعات المستهدفة لأنه يسعى إلى الحدّ من حريتها في التعبير.

وتؤكد هذه الصعوبة أيضًا أهمية التصدي لخطاب الكراهية باتباع أساليب تندرج خارج نطاق التدابير القانونية. لذا، من الضروري تعزيز التعليم في مجال حقوق الإنسان وفي مجال السياسات والاستراتيجيات المتعلقة بسيادة القانون من أجل معالجة هذه العلاقة المتداخلة والمعقدة.

القانون الدولي والمبادئ الدولية

تنص المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على الحق في حرية التعبير. بيد أن هذا الحق مقيّد بالحظر المنصوص عليه في المادة 20 لأي دعوة إلى الكراهية تمثل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف. وحددت أحكام المادتَين 19 و20 قيودًا على مسألة تقييد حرية التعبير، شريطة أن تكون هذه القيود “محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم؛ (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة”.

فضلًا عن ذلك، تتضمّن “خطة عمل الرباط بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية التي تشكل تحريضًا على التمييز أو العداء أو العنف” “معيارًا من ستة أجزاء” لتبرير القيود المفروضة على حرية التعبير يراعي الأمور الستة التالية: السياق الاجتماعي والسياسي، ووضع المتكلم، ونية التحريض على العداء، ومحتوى الكلام، ومدى تأثير الخطاب، واحتمال إلحاق الضرر.

وتوفر المبادئ المنصوص عليها في القانون الدولي مبادئ توجيهية يجب مراعاتها في الأحكام القانونية الوطنية المتعلقة بخطاب الكراهية. ولكن نظرًا إلى اختلاف القوانين والأنظمة القانونية من دولة إلى أخرى، يتضح مدى صعوبة التصدي لخطاب الكراهية بالتزامن مع احترام حرية التعبير.

غياب الالتزامات والموارد اللازمة على صعيد المؤسسات

سبيل إلى تعزيز الشعور بالشمول والانتماء إلا بعقد المؤسسات التعليمية العزم على توفير أماكن تعلم وإعداد مناهج دراسية شاملة وتشجع على المساواة وعلى احترام التنوع، ويجب أن تخلو جميع عناصر الموارد التعليمية المستخدَمة من القوالب النمطية وأوجه التحيز، وأن تأخذ بوجهات نظر متعددة وبتعددية الآراء، وأن تعزز الشعور بالانتماء من أجل القضاء على الكراهية والتعصب في الأوساط التعليمية وخارجها.

ومن دواعي الأسف أن المؤسسات تولي عادةً الأولوية للتوحيد والمنافسة والتمويل وتحسين نتائج الاختبارات أكثر مما توليها لمضامين التعليم والأساليب التربوية التي تنمّي القدرات اللازمة لمقاومة الأسباب الجذرية لخطاب الكراهية وتمكّن المتعلّمين من التصدي له، والتي تشمل تعليم المواطَنة العالمية، ولا سيّما الدراية الإعلامية والمعلوماتية والتعليم في مجال حقوق الإنسان والتعلم الاجتماعي والعاطفي. ولا بد للمؤسسات التعليمية من الأخذ بنهوج أكثر إنسانية تُسهم في تنمية المهارات الضرورية لتحقيق الرفاهية والتعلم الاجتماعي والعاطفي، ولا سيّما الفضول والتعاطف والانفتاح العقلي، وتعزز التفكير النقدي والالتزام

المدني. ويجب إيلاء الأولوية لهذه النهوج وإدماجها في البنية المؤسسية الأوسع نطاقًا، لأن ذلك سيمكّن المتعلمين من اعتناق قِيَم التنوع ومن تقديم الدعم لجميع الأشخاص المستبعدين أو المستهدفين. وأظهرت

نتائج البحوث أن أثر النهوج المدرسية الشاملة المتكاملة أكثر استدامة . وإيجابية من أثر البرامج التعليمية المنعزلة أو المخصصة.

النقص في برامج إعداد وتدريب المربين ودعمهم

لا بد للمؤسسات التعليمية والمربين والمعلمين، ليكونوا حلفاء داعمين للمساعي الرامية إلى مكافحة الكراهية، من تقديم القدوة، أي من أن يكونوا “مرجعًا للشباب ومصدر إلهام ومرشدًا لهم”. وهذا ما يستلزم أن يتفطن المربون والمعلمون أولًا إلى أوجه التحيز والافتراضات الضمنية الكامنة في نفوسهم، ومدى تأثيرها في طريقة تعاملهم مع المتعلمين. ولم تدرج العادة في برامج إعداد المعلمين على التركيز على تعزيز سُبل التفكّر الذاتي والمعارف والمهارات والمواقف المرتبطة بالتفكير النقدي، أو تنمية القدرات المتعلقة بالفضول والتعاطف والانفتاح العقلي. إذ خلصت نتائج دراسة استقصائية عالمية أجرتها اليونسكو مؤخرًا إلى أن % 15 من المعلمين لا يشعرون بأنهم تلقوا الإعداد الكافي لشرح تاريخ العنصرية والتمييز لطلابهم، وإلى أن معلمًا واحدًا من كل أربعة معلمين يشعر بأنه ليس مهيًا بعد لتدريس حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين. ونادرًا أيضًا ما يجري إعداد وتدريب المعلمين على التدريس بشأن خطاب الكراهية والمعلومات الخاطئة ونظريات المؤامرة، أو على فهم هذه الأمور، أو على إجراء مناقشات في هذا الصدد مع المتعلمين والزملاء وأولياء الأمور. فضلًا عن ذلك، يعاني المعلمون من نقص في الموارد ومن عدم الحصول على المواد التعليمية. وخلصت نتائج دراسة اليونسكو الاستقصائية الآنفة الذكر إلى أن خُمس المعلمين فحسب يمتلكون موارد تعليمية بشأن كيفية تدريس المهارات التي يحتاج الطلاب إلى التزود بها من أجل فهم المواطَنة العالمية والمواضيع المتعلقة بها. فلا بدّ من إعداد المعلمين والمربين ودعمهم بصورة كافية لبناء ثقتهم بأنفسهم وتنمية المهارات اللازمة لهم لخوض هذه المناقشات التي كثيرًا ما تنطوي على تحديات ومصاعب.

3

التوصيات: تعزيز نظم التعليم سعيًا إلى التصدي لخطاب الكراهية

لا بد للنهوج المعتمدة في مجال السياسات العامة والرامية إلى التصدي لخطاب الكراهية من أن تتضمن الاعتراف بمسؤولية المجتمع عمومًا عن منع انتشار خطاب الكراهية ومكافحته، ومن تسخير القدرة التي ينطوي عليها التعليم في هذا الصدد باعتباره وسيلة مؤثرة لتعزيز القدرة على مقاومة العقائد المشحونة بالكراهية والتمييز. وتحدد التوصيات الواردة فيما يلي النهوج الرئيسية الكفيلة بدعم المساعي الرامية إلى وضع استراتيجيات وسياسات تعليمية فعالة تسهم في الحد من انتشار خطاب الكراهية عبر شبكة الإنترنت وخارجها وتمنع انتشاره في الأجل الطويل.

1. تعزيز تعليم المواطَنة العالمية وزيادة الوعي بشأن حقوق الإنسان والمسؤوليات المدنية

تستلزم معالجة الأسباب الجذرية للكراهية واحتواء عوامل “الدفع” “والاستدراج” التي تحدو بالشخص إلى الكراهية، وكذلك بناء القدرة على رفض استسهال السرديات المستندة إلى الخوف والكراهية ومقاومة استساغتها، توعية المتعلمين من جميع الأعمار بتداعيات الكراهية وحملهم على تنمية المعارف والمهارات والثقة الضرورية ليضطلعوا بدور نشط في تعزيز بناء مجتمعات شاملة للجميع ومستدامة يعمها السلام والتسامح والأمان. وتنسجم هذه النتائج المتوخاة مع برنامج اليونسكو لتعليم المواطَنة العالمية، الذي يسعى إلى تعزيز الشعور بالانتماء إلى مجموعة تتشاطر القيم الإنسانية المشتركة، وذلك من خلال تعزيز تنمية القيم والمواقف والمهارات التي تستند إلى حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين والعدالة الاجتماعية والتي تغرس هذه المبادئ في نفوس الناس. ولا بد أيضًا من تعليم المتعلمين عن حقوقهم ومن حصولهم على المعلومات الملائمة التي تمكّنهم من التمييز بين القيود التي يجوز فرضها قانونًا على حرية التعبير والقيود التي لا تجيز التشريعات فرضها.

الإجراءات التي ينبغي لواضعي السياسات اتخاذها

* دمج تعليم المواطَنة العالمية في المناهج الدراسية الوطنية المستخدمة للتدريس والتعلّم بغية معالجة الأسباب الجذرية لخطاب الكراهية، والاستثمار في البرامج التعليمية المعدّة بمراعاة الظروف المحلية والرامية إلى درء التطرف العنيف والعنصرية ومعاداة السامية وغيرها من صنوف التعصب.

* تعزيز التعليم في مجال حقوق الإنسان وسيادة القانون من أجل معالجة العلاقة المعقدة بين التصدي لخطاب الكراهية ودعم حرية التعبير، وزيادة الوعي بشأن أوجه الاختلاف بين الانتهاك غير المشروع للحريات والقيود الجائز فرضها عليها قانونًا.

2. الإحاطة بأسباب خطاب الكراهية وعواقبه

تتطلب تنمية التعاطف والتفهم لدى الناس توضيح عواقب خطاب الكراهية بصورة حقيقية وملموسة. فينبغي إدماج المناقشات المتعلقة بخطاب الكراهية في مناهج التاريخ والتربية المدنية والمواطَنة، وتضمينها أمثلة محددة السياق تبيّن كيف تم استخدام خطاب الكراهية والتمييز تمهيدًا لاقتراف الإبادة الجماعية وممارسة التطرف العنيف. ويمكن استخدام دراسة موضوع الهولوكوست على وجه التحديد (أو محرقة اليهود، أي الإبادة الجماعية للشعب اليهودي التي اقترفتها ألمانيا النازية وحلفاؤها والمتعاونون معها) مثالًا على سبل تطبيع خطاب الكراهية وإضفاء الطابع المؤسسي عليه لتبرير التمييز والإقصاء والتجريد من الإنسانية، وتنفيذ الإبادة الجماعية على نطاق قارّي في نهاية المطاف. ويمكن أن تسفر هذه الإجراءات عن إنشاء منتدى لدراسة تطور ظاهرة معاداة السامية، واستخدام الدعاية الحكومية الرسمية، ودور خطاب الكراهية في ترويج العقائد المشحونة بالكراهية التي تثير الفتن وتحض على الانقسام. كذلك يمكن أن يساعد تدريس غيرها من حالات الإبادة الجماعية، مثل الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا في عام 1994، وحقبات العنف في التاريخ المحلي، في وضع الدروس المستفادة في سياقات دولية ومحلية أوسع نطاقًا. ويمكن للمتعلمين استخدام هذه الدروس لتحديد الظروف التي تسفر عن ضعضعة البنى الديمقراطية والتي تعرّض إعمال حقوق الإنسان للخطر، وللتفكير في دورهم ودور المؤسسات السياسية والاجتماعية، إما في تكريس السرديات المستندة إلى الخوف والكراهية التي . كانت بمثابة علامات أنذرت بوقوع الجرائم الوحشية والفظائع في جميع أنحاء العالم، أو في التصدي لتلك السرديات.

الإجراءات التي ينبغي لواضعي السياسات اتخاذها

* إعداد برامج تعليمية تتناول أسباب خطاب الكراهية وعواقبه وإدماج تلك البرامج في المناهج الدراسية الوطنية، وإزكاء الوعي بشأن هذه الأمور، وتهيئة المتعلمين للوقوف على العقائد المشحونة بالكراهية والتطرف العنيف ورفض هذه العقائد. وينبغي لهذه البرامج أن تتزامن مع إعداد المعلمين على تطبيقها، ويمكنها أن تشمل مواضيع مثل تاريخ الهولوكوست وغيرها من حالات الإبادة الجماعية والجرائم الوحشية وحقبات العنف في التاريخ المحلي.

* توفير ما يلزم من موارد وتدريب لمنظمات المجتمع المدني ومراكز التوثيق والمعلومات والمتاحف التي تعزز التعليم بشأن حقبات العنف التاريخية وجذور العنف والكراهية. وتزويد المدارس والجامعات بما يلزم من موارد وتدريب بشأن سبل التعاون مع هذه المؤسسات لتعزيز فرص التعلم اللامنهجي عن خطاب الكراهية وعواقبه الوخيمة.

3. الأخذ بوجهات نظر متعددة وتعزيز التعددية والتفكير النقدي للتصدي للكراهية والتحيز

يعد تعزيز التعددية والأخذ بوجهات نظر متعددة في المضامين التعليمية وممارسات التدريس من أجل التشجيع على التعبير والحيلولة دون تقييده أمرًا حاسمًا لإيجاد بيئات تعليمية تدعم تنوع وجهات النظر والتفاهم. وتشمل جوانب المناهج الدراسية والمواد التعليمية التي تسهم في التهميش تكريس القوالب والصور النمطية والاستبعاد القاطع لبعض الأحداث والمجموعات أو الفئات والتجارب. ويتطلب تعزيز الشعور بالانتماء لدى جميع المتعلمين إعداد مواد تعليمية ومناهج دراسية لا تكتفي بترويج سرد مهيمن واحد ووحيد وتتحيز له. وينبغي تسخير التعليم لتنمية مهارات التفكير النقدي، وإفساح المجال لتداول الأفكار المتنافسة والمتضاربة، وتعزيز حقوق الإنسان، مع مراعاة وجهات النظر المهمَّشة بقدر مراعاة الخطابات السائدة. وينبغي للجهود المبذولة في هذا الصدد في مجال التعليم الإسهام في بناء الشعور باللحمة والانتماء إلى مجموعة تتشاطر القيم الإنسانية المشتركة وتعترف بالاختلاف وتحتضنه، وتقرّ بعلاقات القوة الحالية والسابقة ودينامياتها التي تسهم في التهميش والاضطهاد وتعالج تلك العلاقات، وتعزز تقدير القيم المشتركة المرتبطة بالاحترام وحقوق الإنسان والديمقراطية.

ومع أن عرض وجهات نظر متعددة قد يكون وسيلة فعالة لتوسيع آفاق المتعلمين واستيعاب الأفكار الخارجة عن الخطاب السائد، فإن إدراج وجهات نظر مختلفة من غير إيلاء علاقات القوة والنوايا والامتيازات الاهتمام الكافي يمكن أن يعزز ديناميات القوة الراهنة. لذا ينبغي عدم استخدام الحوار أداةً لاستكشاف وجهات النظر المختلفة وفهمها فحسب، بل ينبغي له أيضًا أن يفسح المجال للتساؤل والاعتراض على الامتيازات.

الإجراءات التي ينبغي لواضعي السياسات اتخاذها

* استعراض المناهج الدراسية والمواد التعليمية للتأكد من خلوها من القوالب والصور النمطية واللغة المتحيزة وتضمينها وجهات نظر متنوعة. وينبغي للمواد التعليمية تأكيد القيم المشتركة وحقوق الإنسان لتعزيز الشعور باللحمة في ظل استيعاب التنوع.

* توفير الدعم لإعداد مواد تعليمية وأساليب تربوية شاملة تعبّّر عن أوجه الاختلاف العرقية واللغوية والدينية، للتحقق من دعم التعليم لصقل هوية الطلاب وتنمية شعورهم بالانتماء إلى مجموعة تتشاطر القيم الإنسانية المشتركة.

* ضمان دعم نظم التعليم والمؤسسات التعليمية لحرية التعبير مع مراعاة الأفكار والآراء المتضاربة والمتنافسة.

4. تعزيز الإنصاف والإدماج الاجتماعي بالاستعانة بالتعلم الاجتماعي والعاطفي

تدل البيّنات على أن بناء الكفاءات العاطفية المرتبطة بتنظيم الانتباه من خلال ممارسة اليقظة الذهنية والتحلي بالمرونة العاطفية – التي تمكّن من بناء علاقات إيجابية مع الأقران وتعزّز التعاطف – ينظم النزعة العدائية والعنف ويهذبهما ويعزز السلوك المسالم والاجتماعي الإيجابي. ويمكن بموازاة ذلك أن تساعد تنمية الكفاءات الاجتماعية، مثل التعاطف والتعاون ومهارات حل النزاعات، في إقامة علاقات شخصية داعمة والحفاظ عليها، وفي تمكين الشباب من تعزيز العدالة الاجتماعية والإنصاف. ويرمي هذا النهج، الذي يشار إليه باسم التعلم الاجتماعي والعاطفي، إلى بناء المرونة لدى الشباب لكي يتمكنوا من تحديد غايات وأهداف إيجابية لأنفسهم ولحياتهم والتحلي بالقدرة على الإسهام في تحقيق الصالح العام.

وتتميز هذه المهارات الاجتماعية بفائدة إضافية تتمثل في بناء الكفاءات الضرورية للتعرف على خطاب الكراهية ومقاومته، ولا سيّما عندما يندرج في سياق العوامل البنيوية والثقافية العامة التي تأجج الكراهية، من قبيل العنصرية والاستعمار وغيرها من السياسات العنيفة التاريخية، ومعاداة المرأة. ويمكن للتعليم، من خلال وضع التعلم الاجتماعي والعاطفي في السياق العام للبنى التاريخية والسكانية والتكنولوجية والمؤسسية، أن يساعد الطلاب في تنمية المهارات الاجتماعية والعاطفية الشاملة للتصدي للكراهية والعمل من أجل تحقيق الإدماج الاجتماعي.

ويعد التعلم العاطفي والاجتماعي فعالًا جدًا عندما يكون منسجمًا مع السياق الاجتماعي والثقافي للمتعلمين وعندما يلبي احتياجاتهم بطرق مجدية وشاملة وعادلة. وإذ يدعم التعليم المتعلمين على تنوعهم لتمكينهم من تنمية كفاءتهم الذاتية وآرائهم الأصيلة التي تعد أساسية لتحقيق رفاههم الاجتماعي والعاطفي، يمكن للتعليم في الوقت ذاته أن يعزز حرية التعبير باعتبارها عنصرًا حاسمًا في إطار أي مسعى تعليمي يرمي إلى التصدي لخطاب الكراهية.

الإجراءات التي ينبغي لواضعي السياسات اتخاذها

* الاستثمار في الارتقاء بالتعلم العاطفي والاجتماعي وإدماجه في المناهج الدراسية الوطنية، وإعداد برامج لتدريب المعلمين لتعزيز كفاءاتهم الأساسية اللازمة لمقاومة السرديات المشحونة بالكراهية وللحيلولة دون انتشارها، وتعزيز قيم التسامح وتقبل الآخرين لدى المتعلمين.

5. تعزيز الدراية الإعلامية والمعلوماتية وتعليم المواطَنة الرقمية للتصدي لخطاب الكراهية عبر الإنترنت

لا بد للاستراتيجيات التعليمية الرامية إلى بناء القدرة على مقاومة خطاب الكراهية، في إطار مواجهة تفشي خطاب الكراهية عبر الإنترنت، من تمكين الأفراد من الرد على خطاب الكراهية المتصوَّر بطريقة أكثر مباشرة من خلال تزويدهم بالمعارف والمهارات اللازمة لذلك. وتشير شبكة التوعية الإعلامية إلى أن الطريقة الأكثر فعالية لمساعدة مستخدمي الإنترنت في التعامل مع خطاب الكراهية هي إعدادهم لذلك.

ويجب تعليم مستخدمي الإنترنت مهارات التفكير النقدي بشأن المنتجات الإعلامية التي يستهلكونها لكي يتمكنوا من تمييز خطاب الكراهية، حتى في صوره الأكثر سترًا. ولا بد لهم أيضًا من إدراك مسؤولياتهم عبر الإنترنت وعواقب تفاعلهم الافتراضي على أرض الواقع. فيساعد تعليم مستخدمي الإنترنت عن السبل التي تستخدمها المجموعات التي تحض على الكراهية لنشر رسائلها ومحاولة التلاعب بعقول جمهورها، على سبيل المثال، في التعرف على خطاب الكراهية ومكافحته. وتشمل هذه القدرة على مقاومة خطاب الكراهية فهم تقنيات التلاعب والخطاب المستخدم لنشر المعلومات المضللة والخاطئة، ومنها نظريات المؤامرة.

ويتطلب بناء القدرة على مقاومة خطاب الكراهية عبر الإنترنت الأخذ بنهوج ذات أهداف أكثر تحديدًا، وليس مجرد تعزيز سلامة مستخدمي الإنترنت من خلال تزويدهم بإرشادات بشأن كيفية صياغة كلمة مرور منيعة أو كيفية حماية المعلومات الشخصية عبر الإنترنت. ويتطلب بناء هذه القدرة على المقاومة أيضًا من مستخدمي الإنترنت أن يصبحوا مواطنين مطّلعين في المجال الرقمي وعلى دراية إعلامية ومعلوماتية. فيمكن لبرامج الدراية الإعلامية والمعلوماتية تزويد المتعلمين بالمعارف والمهارات والمواقف اللازمة لهم لفهم السياق الاجتماعي لوسائل الإعلام. والمنصات الرقمية، وتقييم محتواها بصورة نقدية، واتخاذ قرارات مستنيرة باعتبارهم مستخدمين ومنتجين للمحتويات الواردة فيها.

فضلًا عن ذلك، يجب على المتعلمين اكتساب المهارات الضرورية لاستخدام الأدوات الرقمية للمشاركة بطريقة خلاقة ونشطة في إطار الجماعات والحركات الناشطة في المجال الرقمي التي تسعى إلى التصدي لخطاب الكراهية والتحديات العالمية المرتبطة به، مثل العنصرية وغيرها من صنوف التعصب والتمييز. ويعد النظر إلى بيئة الإنترنت بمنظار تعليم المواطَنة العالمية أمرًا ضروريًا لمساعدة الأفراد في فهم ديناميات القوة الكامنة وراء خطاب الكراهية عبر الإنترنت، وانتهاج سلوك ومواقف مسؤولة اجتماعيًا في تفاعلاتهم مع الآخرين، والمشاركة في الجماعات النشطة في المجال الرقمي الشاملة للجميع.

ويتطلب بناء قدرات المتعلمين على ممارسة المواطَنة بمسؤولية في المجال الرقمي، فضلًا عن قدرتهم على مقاومة خطاب الكراهية عبر الإنترنت، دمج عناصر معينة من عناصر الدراية الإعلامية والمعلوماتية وتعليم المواطَنة العالمية في البرامج المعدّة لبناء تلك القدرات. ويُقصد بتعليم المواطَنة الرقمية تعليم المتعلمين سبل العثور على المعلومات والوصول إليها واستخدامها واستحداثها بفعالية، والتحرك في بيئة الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بأمان ومسؤولية؛ ويُقصد به أيضًا تعليم المتعلمين التفاعل مع المستخدمين الآخرين ومع المحتويات بطريقة . نشطة ونقدية وحساسة وأخلاقية، والإحاطة بحقوقهم الخاصة.

وينبغي تدريس مهارات الدراية الإعلامية والمعلوماتية والمواطَنة الرقمية بصورة تدريجية، وإدماجها بصورة منهجية في برامج التعليم النظامي وغير النظامي وغير الرسمي. ويتطلب ذلك تعبئة طائفة من الجهات الفاعلة، تشمل متخذي القرارات ومعدّي المناهج الدراسية ومطورّي التكنولوجيا ومزودي المحتوى وقادة المدارس من ناحية، والمعلمين وأولياء الأمور والتلاميذ والمجتمع المحلي من الناحية الأخرى. وحالما تتجلى لدى المتعلمين القدرة على التفكير النقدي والمرونة، يصبح بإمكانهم الانتقال إلى مرحلة أكثر تقدمًا من التعلم تشجع مستخدمي الإنترنت على تولي مناصب قيادية تنطوي على القدرة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق غايات إيجابية، ومنها المشاركة في العمليات الديمقراطية، وشن الحملات لمناصرة قضايا معينة، وتثقيف أقرانهم. ونظرًا إلى الدور الأساسي الذي يؤديه حيز الإنترنت في اكتساب المعارف والمشاركة في الحياة المدنية، يجب أن يكون تعليم مهارات الدراية الإعلامية والمعلوماتية وتعليم المواطَنة الرقمية جزءًا من المناهج الدراسية الرسمية واعتباره على قدر أهمية تعليم القراءة والكتابة والحساب.

الإجراءات التي ينبغي لواضعي السياسات اتخاذها

* وضع سياسات واستراتيجيات وطنية في مجال الدراية الإعلامية والمعلوماتية من أجل مساعدة المتعلمين في تقييم المعلومات ووسائل الإعلام والتحقق منها بطريقة نقدية، فضلًا عن التعرف على السرديات المشحونة بالكراهية، بالاسترشاد بمبادئ اليونسكو التوجيهية لرسم السياسات والاستراتيجيات في مجال الدراية الإعلامية والمعلوماتية.

* الاستثمار في تعليم المواطَنة الرقمية لتعليم المتعلمين حقوقهم ومسؤولياتهم عبر الإنترنت ومساعدتهم في التفاعل مع المستخدمين الآخرين بطريقة نشطة وحساسة وأخلاقية، فضلًا عن تشجيعهم على المشاركة في الجماعات والحركات النشطة في المجال الرقمي التي تسعى إلى التصدي لخطاب الكراهية عبر شبكة الإنترنت وخارجها.

* العمل مع طائفة من الجهات الفاعلة، تشمل معدّي المناهج الدراسية ومطورّي التكنولوجيا وقادة المدارس من ناحية، والمعلمين وأولياء الأمور والتلاميذ والمجتمع المحلي من الناحية الأخرى، من أجل تهيئة مواطنين أدرى بالمجال الرقمي وعلى قدر أكبر من المسؤولية فيه، وذلك بعدة سبل منها وضع سياسات مدرسية شاملة ومتكاملة بشأن تعليم المواطَنة الرقمية، وتنفيذ أنشطة لا منهجية من قبيل إقامة أندية للدراية الإعلامية والمعلوماتية.

6. بناء قدرة المعلمين على التصدي لخطاب الكراهية ومعالجة أسبابه الجذرية

لا بد من إتاحة فرص تنمية القدرات المهنية للمعلمين لكي يتمكنوا من توفير بيئات تعليمية تسمح بوجود الاختلاف القائم على الاحترام، وتتيح المناقشة العلنية والمنفتحة للقضايا الاجتماعية والسياسية التي تؤثر في حياة الطّلاب، بمراعاة التوازن الدقيق بين حرية الرأي والحماية من الأذية. ويُعدّ استخدام الأساليب التربوية القائمة على الحوار أمرًا أساسيًا للتصدي لخطاب الكراهية ومكافحته من خلال الأخذ بمختلف وجهات النظر. وبيّنت الأبحاث أن تواصل الأشخاص تواصلًا إيجابيًا مع أفراد يعدونهم من مجموعة مختلفة أمر مؤاتٍ لبناء العلاقات بين المجموعات، والحد من التحيز ومن التصورات السلبية.

الإجراءات التي ينبغي لواضعي السياسات اتخاذها

* توفير الدعم للمؤسسات المتخصصة في إعداد وتدريب المعلمين من أجل وضع برامج لإعداد وتدريب المعلمين قبل الخدمة وفي أثنائها لمساعدتهم في التصدي لخطاب الكراهية في التعليم ومن خلاله؛ وذلك عبر اتخاذ إجراءات من بينها إزكاء الوعي بشأن خطاب الكراهية، والقيام بأنشطة في الفصول الدراسية واستخدام أساليب تربوية لتعزيز قدرة المتعلمين على مقاومة السرديات المرتبطة بهذا الخطاب. وتشمل هذه

المساعي دمج الدراية الإعلامية والمعلوماتية في المناهج الرسمية المعدّة لإعداد وتدريب المعلمين، وجعل هذا الإجراء سياسة وممارسة نموذجية موحدة.

* تعزيز قدرة مديري المؤسسات التعليمية على وضع السياسات المناهضة للتمييز، وبرامج التوجيه والدعم، وأدوات التقييم الرامية إلى التصدي لخطاب الكراهية ودرئه، بوسائل تشمل الأخذ بنهوج مجتمعية شاملة تتجاوز حدود مؤسساتهم.

7. تعزيز قدرة المدارس على العمل بمثابة مراكز للتماسك الاجتماعي

تؤدي المدارس غالبًا دورًا مهمًا في حياة الشباب وأسرهم، وذلك ما يمنحها القدرة على العمل بمثابة مراكز لتعزيز التماسك الاجتماعي. وينبغي للمدارس تقديم القدوة فيما يتعلق بالمبادئ التي تُروّجها، والتمكين من اتخاذ القرارات في ظل الاحترام والشفافية والمشاركة، ونشر ثقافة نبذ العنف، وتعزيز المساواة بين الجنسين. ويتعيّّن على المدارس تطبيق هذه المبادئ في كل جوانب الحياة المدرسية والسعي باستمرار إلى تحسين التفاعل بين المعلمين والمتعلمين وإشراك المتعلمين في إيجاد حلول للمشكلات. ويمكن للمعلمين أن يكونوا بمثابة حلقة وصلٍ بين المدارس والأسر والمجتمع بوجه عام، من أجل وضع استراتيجية مشتركة لتحديد هوية الشباب الذين يُرَجّح أنهم مستبعدون وأنهم إما معرّضون لخطر الانسياق وراء المجموعات المحرّضة على الكراهية أو مستهدفون بخطاب الكراهية، وللوصول إلى هؤلاء الشباب ودعمهم. وينبغي للمجتمعات المحلية أن تجعل المدارس أماكن آمنة للتعلم حيث يمكن لأفرادها خوض المناقشات باحترام في ظل اختلاف وجهات النظر. ويمكن للمدارس أن توفر أوساطًا آمنةً للتعليم الحضوري والرقمي حيث يلتقي أشخاص ينحدرون من مختلف الأعراق والثقافات والعقائد لكي يشاركوا في أعمالٍ تسهم في رفاه المجتمع المحلي وشبابه؛ وتستطيع المدارس تحقيق ذلك من خلال تعريف المتعلمين بالعمل التطوعي لخدمة المجتمع، على سبيل المثال. ويشمل هذا النهج أيضًا أنشطة التربية البدنية وتعليم الفنون وغيرها من الأنشطة اللامنهجية الملائمة التي تحفز العمل الجماعي والتعلم الاجتماعي والعاطفي والإبداع بما يسهم في رفاه الأفراد والمجتمعات. ويعزز تعليم الفنون بوجه خاص بناء تصور إيجابي لدى عامة الناس للفنون والتراث الثقافي اللذين يؤديان دورًا رئيسيًا في الحفاظ على التماسك الاجتماعي واستدامته.

الإجراءات التي ينبغي لواضعي السياسات اتخاذها

* استحداث هياكل داعمة وإعداد مبادئ توجيهية لوضع نهج مدرسي شامل ومتكامل يعزز التسامح والإدماج، ويتيح فرص إقامة الحوار وتبادل الآراء والأفكار، خارج نطاق التعلم النظامي، وذلك من أجل تعزيز القدرة على مقاومة الكراهية والتحيز. ويشمل ذلك الأنشطة اللامنهجية على غرار الأنشطة الرياضية والفنية والثقافية وخدمة المجتمع.

8. دعم البرمجة المجتمعية ومشاركة الشباب داخل شبكة الإنترنت وخارجها

لا بد من إدراج التعلّم غير النظامي والتعلم مدى الحياة في كل الاستراتيجيات الرامية إلى الحد من انتشار خطاب الكراهية وتداعياته. ولا بد من اعتماد سياسات تتجاوز نطاق التعليم النظامي، حتى يتسنى للجميع المشاركة في الحياة الاجتماعية، وتشمل الأفراد من كل الأعمار. ويمكن للشركات ومنظمات المجتمعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني أن تضع برامج تقي الأفراد من التأثر بالخطاب المشحون بالكراهية، وذلك من خلال إزكاء الوعي وتقديم البدائل الإيجابية المناسبة وتوفير الفرص التعليمية. وينبغي أن تشمل الجهات المعنية بهذه المسائل الأفراد والكيانات الأكثر عرضةً للتعامل مع الفئات المستضعفة والمستبعدة خارج الأوساط التعليمية. ويشمل هؤلاء الأفراد وتلك الكيانات الشرطة، والعاملين الاجتماعيين، والزعماء الدينيين والقادة المجتمعيين، وأعضاء المنظمات والأندية الرياضية المهتمة بالشباب، ووسائل الإعلام، والمؤسسات الفنية والثقافية، وشركات وسائل التواصل الاجتماعي، وينبغي لهؤلاء الأفراد وتلك الكيانات اعتماد استراتيجيات ونهوج تعليمية تسهم في درء خطاب الكراهية في الأجل الطويل. ويعد اضطلاع الشباب بدور مهم في وضع هذا النوع من البرامج التعليمية أمرًا حاسمًا، ولذا ينبغي منح الشباب فرصة المشاركة في جميع مراحل إعداد هذه الأنشطة وتنفيذها لضمان مراعاة آرائهم وفهم احتياجاتهم وشواغلهم.

الإجراءات التي ينبغي لواضعي السياسات اتخاذها

* توفير الموارد والدعم المالي لمنظمات المجتمع المدني المنخرطة في المساعي الرامية إلى التصدي لخطاب الكراهية ومكافحته.

* التشجيع على وضع استراتيجيات تعليمية وقائية لمكافحة خطاب الكراهية في خطط العمل والمبادئ التوجيهية الوطنية المتعلقة بخطاب الكراهية والموجهة إلى الجهات الفاعلة غير الحكومية، ومنها المجتمع المدني والقطاع الخاص.

* توثيق عرى التعاون بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص في أثناء إعداد الاستراتيجيات الرامية للحد من خطاب الكراهية، ولا سيّما المبادرات التعليمية.

* ضمان مشاركة الشباب في المشاورات المتعلقة بالمساعي الرامية إلى التصدي لخطاب الكراهية وفي تنفيذ تلك المساعي.

* مساعدة المنظمات الشبابية في دمج الدراية الإعلامية والمعلوماتية في سياساتها واستراتيجياتها بوصفها جزءًا لا يتجزأ من أنشطتها، وتمكين الشباب بوصفهم شركاء في القيادة ومعلمي الأقران في مجال الدراية الإعلامية والمعلوماتية داخل شبكة الإنترنت وخارجها.

الخلاصة

يمكن أن يؤدي التعليم دورًا محوريًا إما في تأجيج أوجه التوتر القائمة أو الاستعاضة عنها بسرديات ومفاهيم شاملة في مجال الدراية الإعلامية والمعلوماتية والمواطَنة العالمية. لذا لا بد من اضطلاع التعليم بدور محوري في الحد من عواقب خطاب الكراهية واستخدامه باعتباره آليةً وقائيةً في الأجل الطويل. بيد أن التعليم وحده ليس كافيًا للقضاء على خطاب الكراهية؛ بل يتمثل الترياق الفعّال ضد خطاب الكراهية في إيجاد بيئات حيث يجري توعية الناس بالأسباب الجذرية لخطاب الكراهية وعواقبه، وتمكينهم من التعبير عن آرائهم والتفكير بطريقة نقدية والإسهام في الحياة الاجتماعية وفي مجتمعاتهم المحلية.

—–

هذه الورقة جزء من مجموعة أوراق المناقشة، التي تمّ إعدادها بتكليف من اليونسكو ومكتب الأمم المتحدة للمستشار الخاص وتعتبر الأوراق مساهمة (OSAPG) المعني بمنع الإبادة الجماعية مباشرة في استراتيجية وخطة عمل الأمم المتحدة. في سياق منتدى أصحاب المصلحة المتعددين والمؤتمر الوزاري المعني بمعالجة خطاب الكراهية من خلال التعليم في سبتمبر وأكتوبر 2021.

وقد سلط تفشي جائحة كوفيد- 19 الضوء على أهمية استراتيجية وخطة عمل الأمم المتحدة، مما أدى إلى ظهور موجة من خطاب الكراهية في جميع أنحاء العالم – مما يؤدي إلى تفاقم التعصب والتمييز تجاه مجموعات معينة وزعزعة استقرار المجتمعات والأنظمة السياسية. تسعى أوراق المناقشة إلى تفريغ القضايا الرئيسية المتعلقة بهذا التحدي العالمي واقتراح الاستجابات والتوصيات الممكنة.

وأصدرت شعبة تعليم المواطَنة العالمية والتعليم من أجل السلام في اليونسكو تكليفًا بإصدار هذه الوثيقة، التي أعدّتها نيكول فورنييه-سيلفستر.

(*) تمّ النشر في عام 2022 من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، فرنسا

(*) يُنشر بموجب الانتفاع الحر المتاح بموجب ترخيص نسبة المصنف إلى صاحبه.

https://bit.ly/45bK7ej

يونسكو
يونسكو
المقالات: 9