المشكلة الطائفية في سورية: أخطاء التفسير الطائفي وخطاب الكراهية

المحتويات

الملخص

أهمية البحث وهدفه

مقدمة

تعريفات

الظاهرة الطائفية

مستويات وتفاعل الطائفية

نظرة تاريخية مختصرة

أسباب المشكلة الطائفية

الطائفية في التاريخ المسيحي

الطائفية في التاريخ الإسلامي

الطائفية في العصر الحديث

محركات ومظاهر المشكلة الطائفية في سورية

رأس النظام الحاكم علوي

قصة رسالة وجهاء علويين لفرنسا عام 1936

نظرية المؤامرة الغربية الصهيونية

سيطرة العلويين على مراكز القوة في سورية بعهدي الأسد الاب والابن

الثورة السورية كانت ثورة السنة على النظام العلوي

السردية الطائفية الإقليمية

صراع حافظ الأسد مع حركة الإخوان المسلمين

استغلال النظام الأسدي للمشكلة الطائفية

موت حافظ الأسد ناقوس الخطر الأكبر حول الأزمة الطائفية

نظام الأسد ليس نظاما علويا، وليست أزمة طائفية في سورية

هرم السلطة في الدولة

هرم السلطة الأسدي في سورية

نقد مقولة النظام الأسدي في سورية هو نظام علوي

دين أو طائفة الحاكم لم يعد يحدد طبيعة النظام الحاكم

خطأ الاستنتاجات المبنية على رسالة وجهاء علويين إلى الحكومة الفرنسية إبان الاستعمار الفرنسي

نقض نظرية المؤامرة وسيطرتها على الوعي الشعبي والنخبوي

نقد مقولة سيطرة العلويين على مراكز القوة في سورية بعهدي الأسد الاب والابن

نقد مقولة الثورة السورية كانت ثورة السنة على النظام العلوي

نقد السردية الطائفية الإقليمية

الخاتمة

الملخص

تتناول هذه الورقة مشكلة الطائفية في سورية التي تصاعدت وظهرت على سطح الأحداث بشكل كبير بعد الثورة السورية 2011، وتظاهرت على شكل خطاب كراهية واقصاء، وانتشار تفسيرات طائفية للأزمة التي تعصف بسورية بسبب الرد العنيف والدموي من قبل نظام الأسد منذ عام 2011.

يتكون التحليل والنقاش من ثلاث محاور أساسية هي: أولًا نظرة عامة على ظاهرة الطائفية من حيث التعريف والأسباب والسياق التاريخي بشكل عام في سورية وخارج سورية. ثانيا محور محركات وتظاهرات المشكلة الطائفية في سورية بشكل خاص والظروف التاريخية والجيوسياسية الداخلية والخارجية التي أحاطت بها. المحور الثالث يعارض وينقد النظرة السائدة في توصيف نظام الأسدين كنظام علوي والطروح التي تدعي أن سبب ما حصل في سورية هو المشكلة الطائفية وكون النظام الحاكم نظام علوي.

أهمية البحث وهدفه

لعل أكبر التحديات الداخلية للوصول إلى حل مستدام في سورية يحقق الاستقرار والأمن والتقدم هو الشروخ الضخمة التي تولدت فيما بين مكونات الشعب السوري على المستوى الطائفي والديني والأيدلوجي والقومي والسياسي. وهي شروخ كانت موجودة تاريخيا في المجتمع السوري مثل أي دولة في المنطقة، لكنها تعمقت وتصاعد خطورتها مع تدخل العديد من الأطراف الدولية في الصراع فوق سورية، وكثافة الضخ الإعلامي وتوسع خطاب التفرقة والكراهية، والأهم تطرف النظام الأسدي في استخدام العنف ضد السوريين واعتماده على حملة دعائية دعمها حلفائه في روسيا وإيران.

يحتل الموضوع الطائفي مساحة واسعة ضمن الأدوات التي تم استخدامها في الحرب الإعلامية ضد الشعب السوري، وقد استُغل من قبل كثير من الأطراف الفاعلة الدولية والمحلية. تكمن خطورته في أن الإشكال الطائفي أزمة مستمرة تاريخيًا في العالم والمنطقة وفي سورية، وهي جزء من حركة ارتداد أصولي عالمي وإقليمي نحو الهويات الضيقة؛ والأهم أن خطاب التحريض الطائفي يتيح للخطاب الشعبوي الانتهازي الكثير من الأدوات التي تخاطب العواطف الغاضبة أو المحبطة للجماهير.

ومن الملاحظ أن هذا الموضوع، بمعنى مواجهة خطاب الكراهية والاستقطاب الطائفي، لم يحظَ بما يكفي من تحليل ودراسة ومواجهة إعلامية؛ وبالتالي فإن مواجهته تقتضي تحليل هذه الإشكالية بكل أبعادها وتجلياتها ونتائجها للوصول للوسيلة الأمثل لمواجهتها.

مقدمة

لا يحتاج المراقب لأدوات إحصائية شاملة ليجد أن أكثر التفسيرات انتشارًا لاستمرار المأساة والحرب الدائرة في سورية منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 ضد النظام الأسدي الديكتاتوري، هو التفسير الطائفي. أي أن سبب ومحرك الصراع هو صراع بين العلويين والسنة، أو بين العلويين والآخرين، أو بين الشيعة والسنة. هذا التفسير ينطلق من مقولة سائدة منذ خمس عقود تدعي أن نظام الحكم السوري هو نظام علوي، لأن رئيسيه حافظ وبشار الأسد علويان. لم يكن هذا التفسير منتشرًا فقط بين السوريين بل بين الكثيرين من المهتمين بالشأن السوري، وأيضًا مترددًا بكثرة في تصريحات العديد من السياسيين السوريين وغير السوريين، وفي كثير من الأقنية الإعلامية الكبيرة والصغيرة.

كذلك عانى العراق منذ العام 2003 من حرب مريرة بعد الغزو الأمريكي وتدخل كل حكومات المنطقة، وقد ساد خلال هذه المأساة أيضًا التفسير والتلوين الطائفي لهذا الصراع. وضمن هذا السياق لم يخرج لبنان أيضا من الأزمة الطائفية المستمرة منذ قرنين والتي ربما لم تنته بالحرب الأهلية الأخيرة.

حتى في تحليلنا للحالة المصرية نجد أن أحد أهم أدوات السلطة وأشكال الأزمة هو الصدامات المتقطعة لكن المستمرة منذ السبعينات ما بين المسلمين والمسيحيين، ناهيك عن الصراع ما بين التيار الإسلامي السياسي، بشقيه الإخواني والسلفي، وما بين دعاة الدولة الحديثة.

من ناحية ثانية نجد أيضًا أن شعارات أو روايات الحرب الشيعية السنية بدأت منذ استيلاء الخميني على الثورة الإيرانية في نهاية السبعينات، وتصاعدت منذ بداية الألفية الثالثة. أي أن الصراع الطائفي أيضا يشكل تفسيرا متداولا للصراع بين الدول في المنطقة، ولعلنا نذكر أن مصطلح “الهلال الشيعي” الذي أطلقه ملك الأردن عبد الله الثاني عام 2004 بمقابلة مع الواشنطن بوست[1] أصبح شبه حقيقة مسلمة بها في تفسير الكثير من الصراعات في المنطقة.

بل إن الجدل حول القضية الفلسطينية، ونقلها بالعقود الأخيرة من صراع فلسطيني إسرائيلي، أو فلسطيني عربي إسرائيلي، إلى صراع إسلامي يهودي؛ ودعم هذه الرواية بإعلان إسرائيل دولة يهودية رسميًا خلال رئاسة ترامب للبيت الأبيض ونتنياهو للحكومة الإسرائيلية عام 2018، فرض أيضًا قراءة دينية للصراع.

لا تقتصر هذه المواجهات على منطقة الشرق الأوسط، بل عادت للظهور في الهند مع صعود حكومة هندوسية متشددة للحكم، وعادت الأزمة بين المسلمين والهندوس للاشتعال مرة ثانية. وحتى بوتين وضع المسحة الكنسية على حروبه في سورية وأوكرانيا.

إذا يمكن القول إن ظاهرة الطائفية والتمييز الديني واستخدام التنوعات العقدية والدينية والطائفية توسعت لتصبح ظاهرة عالمية وبشكل متسارع منذ بدايات الألفية الثالثة. وفي منطقة الشرق الأوسط عادت للاشتعال وتهديد مستقبل هذه المنطقة، وبرز أثرها الكارثي أكثر ما يكون في سورية والعراق واليمن وقبلهم في لبنان.

يعتمد التمييز السلبي بين البشر وفق أديانهم وطوائفهم، الذي نصطلح على تسميته بالطائفية، على حاجات الصراع السياسي والسلطوي في المجتمع، وأهم أدواته هو الخطاب الديني السياسي الشعبي الذي يحول هذا التمييز إلى مشاعر كراهية وخوف وشك، وإلى سلوكيات إقصائية وعدائية. وهذا ما يمكننا رصده في سورية خلال السنين الماضية من بعيد انطلاق ثورة الحرية والكرامة ضد النظام الأسدي، حيث كان سلاح التحريض الطائفي عبر الخطاب الإعلامي المسيطر من قبل النظام الأسدي وحلفائه ثم من قبل قوى متعددة أخرى لها مصلحة هو الخطاب المسيطر على الساحة الإعلامية وحتى التحليلية والنقدية.  

في هذه الورقة سنحاول قراءة الطائفية كتعريف ومفهوم، وكظاهرة ملازمة للمجتمعات الإنسانية، خاصة المتدينة منها، تاريخيا وفي العصر الحديث، وعلاقتها بالإسلام والمسيحية كحالات دراسة. الغاية هي وضع مدخل صحيح لدراسة ظاهرة الطائفية وأسبابها ونتائجها وأوجه استغلالها وتفاعلها مع المحركات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعرفية والإعلامية، والتركيز على الخطاب الطائفي والديني الإقصائي؛ وبالمحصلة الوصول لقراءة التفسير الطائفي في سورية قراءة موضوعية تمتحن ما هو سائد من تفسيرات في الشارع والإعلام وحتى الفضاء السياسي السوري وغير السوري.

تعريفات

الطائفة الدينية اصطلاحًا هي مجموعة بشرية اتخذت لنفسها مذهبًا، أو فهمًا محددًا لدين من الأديان، وهذه التفرعات الطائفية تتفرع غالبًا لطوائف أقل حجما تشترك مع الطائفة الأصل. فمن مثل ذلك بين المسلمين أن المسلمين تفرقوا إلى عدة طوائف مثل السنة والشيعة، وما تفرع عنهم مثل السلفية والأشعرية والصوفية والإمامية الإثنى عشرية والإباضية؛ وبين المسيحيين كان أن توزعوا إلى طوائف متعددة مثل الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانت والأنجليكانية.

يحتج البعض على تسمية “طائفة” ويفضلون استخدام كلمة “مذهب”، لكن بكل الأحوال يبقى التعريف حسب منطلق القراءة وحاجة التحليل ومصطلح “طائفة” هنا أوسع تعبيرًا وشمولًا لمراد الدراسة.

الطائفية عمومًا هي التمييز بين الأفراد والجماعات وفق انتمائهم الطائفي تمييزًا إقصائيًا ضد الآخر المختلف، وقد يتجلى ذلك إما بالانغلاق على الذات، أو فرض العقيدة أو الفهم الديني على الآخرين. وتتجلى غالبا في التمييز السياسي ضمن هرم السلطة، وينعكس ذلك على التمييز الاقتصادي والاجتماعي والحقوقي.

يمكن أن نضيف للطائفية في قراءتنا هذه التمييز بين أتباع الديانات بنفس السياق السابق. لأن نتائج التمييز حسب الفرقة في نفس الدين أو بين الأديان يقدم نفس الوظيفة ويؤدي لنفس النتائج. فسواء تمت قراءة العقد الأخير في سورية بأنه صراع طوائف سنية وعلوية، أو قراءة حرب لبنان على أنها صراع مسلمين ومسيحيين، أو القضية الفلسطينية كحرب مسلمين ويهود، أو طروحات نظريات المؤامرة حول الصراع المسيحي الإسلامي، فنحن أمام نفس المنهجية من حيث الجوهر والأسباب والوسائل والنتائج.

الظاهرة الطائفية
مستويات وتفاعل الطائفية

لا يمكن وضع جميع أشكال التمييز الطائفي على نفس المستوى، لذلك يمكننا تصنيفها حسب شدة تأثير هذا التمييز إلى المستويات التالية:

1. مستوى القناعات والأفكار، بمعنى أن يقتنع الإنسان أن هناك ميزات إيجابية يكتسبها بمجرد الانتماء لدين أو طائفة أو مذهب، وعادة تترافق مع قناعة بأن الآخرين عموما من خارج جماعته الدينية أقل سوية من جماعته.

هذا المستوى موجود طبيعيًا عند غالبية المؤمنين بالأديان، وحتى غير المؤمنين بأديان، من باب أن الإيمان الديني يقوم بالضرورة على امتلاك الحقيقة المطلقة، وبالتالي الآخرون تنقصهم هذه الحقيقة. وفي كثير من الأحيان يستدعي الإيمان الديني أن تتدرج النظرة للآخر المختلف دينيًا كمخطئ، أو ضال، أو مهرطق، أو كافر أو تابع للشيطان.

في الظروف والحالات المستقرة للشعوب والمجتمعات، لا يتمظهر هذا المستوى من التمييز في سلوكيات عنف واضحة تجاه الآخر الديني؛ وإن ظهر في تحديد بعض العلاقات والسلوكيات.

مثلًا، خلال تاريخ سورية كانت هناك مراحل طويلة من التعايش بين مختلف الطوائف، حيث تعامل الناس من مختلف الطوائف في حياتهم اليومية بطريقة عادية من حيث الجيرة أو الصداقة أو التجارة أو الأعمال. مع ذلك بقيت بعض السلوكيات والعلاقات ضمن دائرة الممنوع، مثل الزواج المختلط، حيث كان وما زال صعبا جدًا بين أتباع الأديان والطوائف المختلفة؛ وأيضًا نجد أن المسلمين مثلًا يمتنعون عن شراء اللحم من جزار غير مسلم بسبب حكم “الذبح الحلال” الواجب إسلاميًا.

2. مستوى السلوك التمييزي بين الأفراد وفق انتمائهم الديني والطائفي. فهو يتجاوز المستوى السابق إلى اتباع سلوك تمييزي سلبي ضد الآخر المختلف طائفيًا أو دينيًا.

هذا المستوى من السلوك التمييزي يتزايد مع ازدياد صعوبة الظروف الاقتصادية والضغط السياسي السلطوي على الناس، وتعاظم قوة طبقة رجال الدين وخاصة المتشددين بينهم، فيصبح هذا السلوك التمييزي ذو بعد ديني فرضي، وكذلك كقناة تفريغ للغضب تتمحور حول تحميل الجماعات المختلفة طائفيًا ودينيًا مسؤولية الحالة السيئة بل وأحيانًا مسؤولية ظلم السلطة السياسية.

ومن ذلك أن يفضل الإنسان التعامل على المستوى الشخصي والتجاري والمهني مع أبناء جماعته الدينية، أو أن يقدم الخدمات والمساعدة بترحاب أكثر لهم، أو أن يتم تقصد الإساءة للأخرين بشكل غير مباشر ومُستتر، حتى من خلال النكات والسخرية والغمز.

مثلا، انتشرت في سورية في العقود الأخيرة وإلى ما قبل الثورة السورية 2011، سلوكيات تعتمد التمييز الطائفي، ولكنها بقيت مستترة وتحت السطح بسبب خوف الناس من تجبر وظلم نظام الحكم. فانتشرت بين السوريين مقولة أن النظام الأسدي نظام علوي يعمل لمصلحة العلويين ضد المسلمين السنة، كذلك انتشرت مقولة مضادة أن نظام الأسد هو حامي العلويين والطوائف قليلة العدد كالمسيحيين والدروز والاسماعيلية وغيرهم.

كذلك انتقل المجتمع المصري لهذا المستوى من الطائفية بين المسلمين والمسيحيين وبسرعة منذ سبعينات القرن الماضي خلال فترة حكم الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وتزايد بتسارع كبير في عهد حسني مبارك.

3. مستوى العنف النفسي والمعنوي. وهو أن تظهر سلوكيات تمييزية ضد الآخرين المختلفين دينيًا تؤدي لإهانة أو نبذ أو تحقير الآخر.

يتزايد هذا السلوك في المجتمعات المأزومة اقتصاديًا وسياسيًا، والتي يجد بها صناع الرأي العام أو التأثير الإعلامي فسحة كافية للتأثير على الناس؛ ومع اتساع نسبة رجال الدين المتشددين ضمن المجتمع.

يتوسع هذا المستوى في الدول الديكتاتورية بحالتين:

* أولًا بحال كان النظام الحاكم يريد توجيه الغضب الشعبي إلى داخل الجماعات المشكلة للمجتمع، مثلًا كما فعل نظام الأسدين في سورية، ونظام صدام حسين في العراق، والنظام المصري منذ عهد السادات بين المسلمين والمسيحيين.

* ثانيًا عند تراجع تحكم النظام الأمني بالمجتمع؛ فمثلًا النظام الأسدي في سورية لم يسمح بتوسع هذا المستوى من الطائفية، ليس من باب مجابهة المشكلة الطائفية، لكن من باب بنيته السلطوية الأمنية الحديدية، التي لا تريد المخاطرة بأي خلل ضمن شبكة السلطة الهرمية؛ وهذا سلوك موروث عن النهج السوفييتي الشيوعي، الذي قمع كل التمايزات بين مكونات شعوب الاتحاد السوفييتي مما أدى لانفجار مدو بعد انهيار الكتلة السوفيتية في بدايات تسعينات القرن الماضي؛ إلا أن تراجع سلطة النظام المركزي الأمني السوري بعد الثورة 2011 فتح الباب لهذه الممارسات في سورية.

4. مستوى العنف المادي والجسدي. وهو المستوى الأخطر حيث تتحول الطائفية إلى سلوكيات عنف مباشر تجاه المختلف دينيًا، فيتم تقصد إيذاء الأفراد أو الجماعات ماديًا وجسديًا بسبب انتمائهم الديني أو الطائفي.

تزداد حدة السلوك الطائفي وصولًا إلى هذا المستوى في حالتين:

* عنف محدود، أي أن تبقى أحداث العنف الطائفي محدودة من حيث العدد، تحت استقرار الحكم المركزي للدولة، كما حصل في مصر منذ سبعينات القرن الماضي حيث شهدت مصر عددًا كبيرًا من حوادث العنف لأسباب دينية تتعلق بالتمييز بين المسلمين والمسيحيين. وقد يحدث أيضًا في الدول الديمقراطية كحوادث العنف التي طالت اليهود والمسلمين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

* وعنف شامل كما هي حال الحرب الأهلية ويحدث عند تراجع السلطة الديكتاتورية المركزية وتعاظم النقمة الشعبية ووجود قوى داخلية وخارجية مستفيدة من العنف الطائفي كما حدث في لبنان والعراق، وكما حصل في سورية منذ العام 2012.

وفي كلا الحالين هذا المستوى من العنف الطائفي يستلزم وجود تشدد وتطرف ديني واضح، وإعلام فاشل أو متهرب من المجابهة، وكذلك غياب أو هروب من قبل النخب المثقفة المؤثرة في الرأي العام.

لا يوجد حدود واضحة حادة بين المستويات السابقة، بل هي أقرب للطيف اللوني تتدرج في الشدة والتأثير والخطورة. كما أن تصاعد حدة الطائفية وفق هذه المستويات لا يمكن أن يحصل دون المرور بمرحلة مستوى تمييز طائفي أدنى. فلن ينفجر العنف الطائفي في مجتمع لم يكن أساسًا يعاني من السلوكيات الطائفية التمييزية، وأيضًا دون الانطلاق من وجود أفكار وثقافة شعبية تميّز بين الناس وفق انتمائهم الطائفي والديني.

من ناحية ثانية فإن وجود أي مستوى طائفي مما سبق يعني بالضرورة وجود المستويات الطائفية الأقل شدة. فمثلًا في الحالة السورية الراهنة ومع وجود عنف طائفي مادي وجسدي، يوجد عنف على المستوى المعنوي والنفسي، ويوجد سلوكيات تمييزية طائفية، وكذلك يوجد طائفية على مستوى الأفكار والاعتقادات.

من حيث العدد أو النسبة في مجتمع يعاني من المشكلة الطائفية تتناقص نسب الأفراد المصنفين ضمن المستويات السابقة عكسيًا مع تزايد شدة التمييز الطائفي. بمعنى أن النسبة الأكبر ستكون ما بين المستويين الأول والثاني. ويمكن الجزم بذلك انطلاقًا من حقيقة أن من يمارس العنف تجاه الآخر بأي شكل من الأشكال هي دائمًا نسبة قليلة جدًا من البشر. من ناحية الثانية العنف الطائفي، أو أي عنف، بحاجة لمتعهد مالي وسياسي يستفيد منه، ولا يوجد أي جهة تستطيع تمويل حتى عشرة بالمئة من أي مجتمع، ففي أفضل حالات التجنيد لممارسة العنف، أي الجيوش والقوات الأمنية لا تتجاوز نسبها بأقصى الحالات 5 أو 7 بالمئة من المجموع السكاني. كما أن المجتمعات التي تتعرض لعنف طائفي ستكون حكمًا في حال اقتصادية سيئة تشمل غالبية السكان، وبالتالي فالغالبية منهم ستكون مشغولة بتأمين معاشها اليومي لنفسها ولعائلاتها بأي طريق ممكن.

رغم ان إطلاق تقييم أو صفة “طائفي” على شخص أو مجموعة أشخاص قد يكون ظالما إن ساوينا به بين المستوى الأول وبين ما يزيد عنه حدة بالمستويات الأخرى، إلا أن ذلك لا يعني أن وجود هذا المستوى التمييزي الطائفي على مستوى القناعات هو ظاهرة صحية. بل يبقى ذلك مصدرًا كامنًا يشكل خطرًا على تماسك المجتمع ما لم تتبع الدولة والهيئات المؤثرة التعليمية والإعلامية سياسةً واعيةً لمواجهته، وما لم يتم الحد من تأثير رجال الدين، المتشددين منهم خاصة، على الناس.

بل إن الصعوبة الكبيرة في مواجهة الطائفية في أي مجتمع تبدأ من انتشار الأفكار والقناعات الطائفية، أي ضمن المستوى الأول، بين نسبة كبيرة من الأفراد. فهم حتى لو لم يمارسوا سلوكًا طائفيًا إلا أن تناقلهم للأفكار والأنماط المُصنّعة وفق التمييزات الطائفية سيفرز بالضرورة جماعات أقل عددا تنتقل إلى المستوى الثاني، والتي بدورها ستفرز جماعات إلى المستوى الثالث، وكذلك يحصل بوصول المجموعة الأقل عدديًا للمستوى الرابع. لذلك عندما ينتقل أفراد وجماعات المستويين الثالث والرابع إلى الحركة والفعل الطائفي تكون ردة الفعل من الغالبية ما بين الرفض الصامت، أو السلبية، أو التأييد الضمني، أو التأييد العلني (الشكل 1).

الشكل (1)

نظرة تاريخية مختصرة

مشكلة التمييز بين البشر وتقسيمهم لمجموعات تتفاضل في قيمتها الإنسانية وميزاتها وحقوقها وواجباتها مشكلة مقيمة في المجتمعات البشرية منذ آلاف السنين. هذا التمييز السلبي ارتكز على الانتماء إلى القبيلة أو العرق أو الدين أو الطائفة، وبالتالي فإن هذا التمييز كان داخل الامبراطوريات والدول الكبيرة بالإضافة للتمييز السياسي والاقتصادي لطبقات المجتمع، وكان خارجيا موجها للمنافسين أو الأعداء الخارجيين.

تشير دراسات التاريخ القديم أن الحروب بين المجموعات البشرية بدأت منذ العصر الحجري المتوسط Mesolithic period، وقد أثبتت الاكتشافات أن الحروب بدأت الألفية الثانية عشر قبل الميلاد في أوروبا، وفي الألفية العاشرة في منطقة بلاد الرافدين، وفي أزمنة مختلفة في مناطق أخرى لكنها تعود كلها لعدة آلاف من السنين قبل الميلاد[2]. تتفق معظم الدراسات على أن أسباب اندلاع تلك النزاعات المسلحة بين الجماعات البشرية يعود لعدة أسباب منها التزايد السكاني، بداية تشكل البنى السياسية والسلطوية وتوزيع الملكية ضمن الجماعات البشرية، الاستقرار في مناطق معينة على شكل جماعات ضخمة وادعاء ملكيتها، التنافس على الموارد الاقتصادية، وأيضا بدء ظهور الهويات المميزة لكل مجموعة بشرية.

إذا أخذنا بتعريف الموسوعة البريطانية للحرب الدينية على أنها الحرب التي تقوم لأهداف دينية معلنة وتدعي الجيوش بها قدسية مكتسبة من المفاهيم الدينية، فإننا لا نجد دلائل كثيرة على ربط مباشر ما بين الأديان القديمة والحروب بين الدول والامبراطوريات القديمة. فالحروب التي سادت مناطق الشرق الأوسط منذ نشوء الحضارات في وادي النيل وبلاد الشام وبلاد الرافدين وصولا لشرق آسيا كانت تقوم لأسباب التوسع والسيطرة والمصادر الاقتصادية، وشكل بها الانتماء الجغرافي أهمية أكثر من الانتماء الديني. لكن الدوافع الدينية بدأت تظهر بشكل أكثر قوة منذ ثلاثة آلاف سنة تقريبًا، والباحثون يتكلمون عن تلك الحروب التي وقعت بين الحثيين واليونانيين الموكيانيين[3] في أواخر العصري البرونزي (1100 الى 1600 ق.م)، ثم تزايد استخدام الدين كمبرر وعامل تجييش وتحميس للجيوش والشعوب في غالبية مناطق الحضارات البشرية[4].

انتقال الحالة الدينية إلى الإقحام بالحروب والصراعات بين الدول والامبراطوريات، رافقه بالتدريج استخدام أكثر للدين ضمن هذه الامبراطوريات، وفي منطقة الشرق الأوسط يمكن الادعاء أن الانتماء الديني بدأ يشكل عاملا مهما في انتماء الأفراد للإمبراطورية منذ عهد الامبراطور قسطنطين الروماني[5] واستخدامه السلطة السياسية لنشر المسيحية ضمن الإمبراطورية ووفق توجهه وتوجه رجال الكنيسة المتحالفين معه. ويُعتقد أن الإمبراطورية الرومانية كانت أول من مارس اضطهادًا منظمًا لاتباع نفس الدين لكن من مذاهب أو كنائس مختلفة عن الكنيسة الرسمية للسلطة السياسية. وقد استمرت المواجهات بين الكنائس المختلفة المسيحية عبر التاريخ حتى القرن التاسع عشر، على المستوى الدولي بين الدول وعلى المستوى الاجتماعي ضمن نفس الدولة فكان أن ترافق نشوء الدول القومية في أوروبا على أساس قومي مع سيطرة كنيسة واحدة على هذه الدولة، مثلًا المملكة المتحدة ذات صبغة بروتستانتية شاملة، مقال فرنسا الكاثوليكية، وروسيا الأرثوذكسية.

أيضًا عانى التاريخ الإسلامي من نفس الظاهرة تاريخيًا، حيث بدأ فرض توجه السلطة السياسية /الخليفة /الوالي على مذاهب المسلمين، وتم استخدام الدين والخلافات المذهبية والعقدية والطائفية لممارسة الاضطهاد ضمن الجماعات وفيما بين الدول الإسلامية في صراعاتها الداخلية. فمثلا شكل الصراع بين البيت الهاشمي ممثلا بعلي بن أبي طالب[6] والبيت الأموي ممثلًا بمعاوية بن أبي سفيان، بما عرف باسم الفتنة الكبرى، سببا مباشر لانقسام المسلمين لمذهبين كبيرين السنة والشيعة، والذين تم استخدامهما عبر التاريخ لتبرير الكثير من الحروب والاضطهادات.

إذا الظاهرة أو المشكلة الطائفية لها جذور عميقة عبر التاريخ البشري، وتعود بشكل أساسي للصراعات السياسية على السلطة والموارد. ورغم أن العديد من الدول استطاعت التخلص من هذا الحمل التاريخي، مثل الدول الغربية، إلا أنها ما زالت مشكلة مقيمة وخطيرة في منطقة الشرق الأوسط وصولًا لوسط آسيا.

بل إن هذه المشكلة تصاعدت بشكل كبير في العقود الأخيرة في الشرق الأوسط، وربما كانت بداياتها مع إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وحساب الشعب الفلسطيني تحت شعارات دينية، لكنها ازدادت قوة منذ عقد الثمانينات في القرن الماضي مع استيلاء الإمام الخميني على الثورة الإيرانية وإعلانه لإيران كدولة إسلامية شيعية، وأيضًا ترافق ذلك مع فشل المشروع القومي العربي وظهور المشروع الإسلامي كبديل عاطفي لشعوب هذه المنطقة.

أسباب المشكلة الطائفية

يحتاج نقاش أسباب المشكلة الطائفية، مثل مشكلة العنصرية والتمييز بين البشر عمومًا، لمبحث مستقل وأوسع من هذه الورقة، لذلك سنشير سريعا لأهم هذه الأسباب. فأسباب تأزم المشكلة الطائفية في دولة أو مجتمع ما متداخلة بشكل كبير ومعقد، وربما مثل الكثير من الظواهر الاجتماعية قد يدخل الباحث في جائرة للتمييز بين السبب والنتيجة. يمكن تلخيص أهم الأسباب وفق العوامل التالية:

1. تديّن المجتمع: غلبة التديّن الشعبي الوسطي، سيؤدي إلى المستوى الأول من الطائفية حسبما عرفناها سابقًا، انطلاقًا من حقيقة أن كل دين، وكل جماعة ضمن الدين، تدعي أنها تملك الحقيقة المطلقة حول علاقة الإنسان بالإله أو الآلهة أو بالمقدس الديني عمومًا.

رغم اختلاف التفسيرات والنظريات التي تدرس الظاهرة الدينية من حيث علاقة الناس بالدين، إلا أن المؤكد أن الناس لا تتديّن بحثًا أو سعيًا للصدام مع الآخرين المختلفين. لذلك فإن تصاعد المشكلة الطائفية إلى المستوى الثاني غالبًا سيكون ردة فعل تتبع أزمة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. وبالتالي توسع وتعمق المشكلة الطائفية إلى المستويات الأعلى ليس نتيجة حتمية للتديّن لوحده.

تتفاعل الطائفية مع التشدد الديني بحلقات يصعب خلالها الجزم أيهما كان السبب وأيهما كان النتيجة. فهما ظاهرتان مترافقتان موضوعيًا وذاتيًا. فتأزم المشكلة الطائفية يترافق عادة مع زيادة التشدد الديني والعكس صحيح، فالظاهرتان تسيران على التوازي زيادة أو نقصانًا.

2. الحمل التاريخي: يؤثر الحمل التاريخي من صراعات واضطهادات حملت الصبغة الدينية أو الطائفية دورًا مساعدًا على تقوية المشاعر الطائفية وإبقاء حالة من الخوف والحذر وأحيانًا النفور ضمن المجتمع؛ أي وجود مساحة واسعة للمستوى الأول من الطائفية.

3. الديكتاتورية والصراع السياسي: تقوم الديكتاتورية ومنذ التاريخ القديم على مبدأ أساسي هو “فرق تسد”، وهو مبدأ اكتسبته السلطات السياسية بالخبرة والممارسة، سواء لقتال أعداء الدولة الخارجيين أو لتثبيت حكم وسلطة الحكام.

ولعلنا في المنطقة العربية من أكثر الشعوب معاينة لهذا المبدأ في العصر الحديث، سواء على مستوى تقسيم الدول العربية إبان مرحلة الاستعمار الغربي، أو على المستوى الداخلي للدول حيث استخدمت السلطات العربية الديكتاتورية هذا المبدأ، كغيرها من ديكتاتوريات حول العالم، لتثبيت سلطتهم، فالحاكم يصبح هو ضمان وحجر القبان ضمن معادلة موازين القوى بين الفئات المكونة للمجتمع.

يعتمد استخدام هذا المبدأ بالحكم الديكتاتوري على طبيعة وتكوين المجتمع بشكل أساسي، فالمجتمع المتديّن عمومًا والذي يشمل العديد من الأديان والطوائف سيتعرض لاستغلال هذا التنوع في التفريق بين المواطنين، كما حصل في سورية ولبنان والعراق؛ وإن كان المجتمع يحتوي عددًا كبيرًا من القوميات أو القبائل أو الأعراق فسيلجأ الحكام غالبًا لاستغلال هذ التنوع أيضًا في عملية التقسيم بين فئات المجتمع، كما حدث بين قبائل وأعراق رواندا، أو كما حدث مؤخرًا بين قبائل ليبيا والفروق بين شرق وغرب ليبيا. بل إن هذه التفرقة نراها بوجه آخر في بعض الدول الديمقراطية الغربية مع صعود اليمين الغربي المتطرف الذي استخدم الانتماء العرقي والقومي في مواجهة المهاجرين.

لا يتجلى هذا المبدأ دائمًا على شكل عقد موازنة قوى ضمن المجتمع يكون بها الحاكم هو ضمان التوازن، بل يحدث أحيانًا أن يتم ضغط وإجبار هذا التنوع البشري بالسلطة السياسية الغاشمة، مثلما فعل ستالين والحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، فكان أن تضخمت هذه العوامل تحت السطح إلى لحظة الانهيار وظهور دول جديدة مكان الاتحاد السوفيتي.

4. الأزمات الاقتصادية المستمرة: تعاني كل الدول الديكتاتورية من الأزمات الاقتصادية المستمرة في العصر الحديث لإنها لا يمكن أن تعمل سوى بالاعتماد على انتشار الفساد الذي يتوافق مع السلطة الاقتصادية المتحالفة معها، وبالتالي الاعتماد على إدارات سيئة وغير كفؤة.

الأزمات الاقتصادية تؤدي لزيادة الفروق الطبقية بين أفراد المجتمع، وغرق الغالبية في مشاكل الفقر والحاجة. هذه الحالة من الظلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي تؤدي لتكتل الجماعات المكونة للمجتمع مع بعضها البعض، وبالتالي في مجتمع متدين عمومًا فإن الجماعات الدينية تصبح أكثر تمايزًا بين بعضها البعض، ويسود فيما بينها التفسير الطائفي، من بين تفسيرات أخرى، للحال السيئة التي تعاني منها.

5. الإعلام: مع تطور تقنيات النشر والطباعة والتواصل المسموع والمرئي في العصر الحديث تزايدت أهمية الإعلام في صياغة الأفكار والتصورات والمواقف لعموم الناس. وقد استخدمت مختلف الحكومات في القرن العشرين الأدوات الإعلامية الكبيرة، كالجرائد والتلفزيون والراديو، لصياغة الوعي الجمعي للشعوب. حتى الدول الديمقراطية لم تسلم من هذا الاستخدام الموجه سياسيًا واجتماعيًا كما شهدنا مثلًا في الحرب الباردة، أو كما جرى في تشويه القضية الفلسطينية في الإعلام الغربي.

أما في الدول الديكتاتورية فالتحكم بالإعلام، وإبقائه غالبًا في يد السلطة السياسية الحاكمة، كان تحكمًا فجًا ومباشرًا ومسخرًا بشكل أساسي لتسويق شرعية الحكم الديكتاتوري ورؤيته للوطن والعالم. وقد استخدمت الديكتاتورية العربية هذه الأدوات الإعلامية لدفع المشاكل الطائفية والقومية عميقًا تحت السطح مما حولها لقنابل قابلة للانفجار.

وفي العقود الثلاث الأخيرة مع الثورة التقنية وثورة وسائل التواصل الاجتماعي وتكاثر عدد المحطات الفضائية، دخل السوق الإعلامي لاعبون كثر مؤثرون. وفي العالم العربي لم يتجاوز الإعلام الفضائي الأجندات المسبقة التصميم وبقيت بعيدة عن مناقشة القضايا الحساسة التي تؤدي لشروخ استقطابية عميقة بين فئات الشعوب على المستوى الطائفي والقومي والسياسي وحتى المناطقي أحيانًا، بل إنها أحيانًا ساهمت في نشر خطاب الكراهية بشكل ممنهج عند بعض الفضائيات ووسائل الإعلام الكبيرة.

وفي العقدين الأخيرين تحولت منصات التواصل الاجتماعي وصفحات الإنترنت لأدوات تحمل الكثير من السلبيات والخطورة بقدر ما قدمته من إيجابيات وفوائد ضخمة جدًا للبشرية. فحتى إنجيلا ميركل المستشارة الألمانية السابقة اشتكت من حدة وخطورة ظاهرة ما يسمى “ما بعد الحقيقة Postfaktisch” والتي تعني باختصار ميل الناس لتصديق الأكاذيب ورفض الحقائق[7].

مع تضخم سوق المعاملات بكل أنواعها على شبكة الانترنت، وتزايد تأثير منصات التواصل الاجتماعي على أنماط الاستهلاك، حصل انفجار في المحتوى المعلوماتي وفي الاستثمارات أيضًا، وبالتالي في التوجيه والاستغلال لمصالح المستثمرين، فسيطرت ما يمكن نسميه فوضى معلوماتية وإخبارية وإعلامية استفادت منها التوجهات المتشددة سياسيًا أو إيديولوجيًا أو عقائديًا أو فكريًا أكثر مما استفادت منه التوجهات والجماعات والأحزاب المعتدلة[8]. وقد ظهرت هذه الأثار حتى في صعود اليمين المتطرف الغربي في الدول الغربية الديمقراطية، فمثلًا كان صعود ترامب لرئاسة الولايات المتحدة يدين بالكثير لمنصات التواصل الاجتماعي أكثر من الإعلام الكبير التقليدي الأمريكي.

ورغم أن منصات التواصل الاجتماعي كان لها تأثيرًا إيجابيًا في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، فتفجرت بمساعدتها ثورة إيران الخضراء عام 2009، ثم ثورات الربيع العربي؛ إلا أنها أيضًا كانت أداة مؤثرة جدًا في نشر الاستقطاب وخطاب الكراهية بين الشعوب العربية وتعميق الشروخ على مستوى الاختلاف السياسي والديني والطائفي والفكري والأيدلوجي. وفي سورية مثلًا كانت هذه المنصات أداة أساسية في نشر المعلومات الخاطئة وتشويه الحقائق، وأيضًا في زيادة قوة التفسير الطائفي للأزمة السورية وبالتالي زيادة الاحتقان بين مكونات الشعب السوري.

6. نظرية المؤامرة: ما زالت نظرية المؤامرة ومنهج التفكير والرؤية الذي تفرضه[9] منتشرة عبر دول العالم بأشكال مختلفة؛ وهي أكثر انتشارًا وتأثيرًا في الدول المحافظة عمومًا ومنها الدول العربية ودول المنطقة. بل إن نظرية المؤامرة كانت عاملًا أساسيًا في تبرير شرعية السلطات العربية من باب مقاومة المشاريع المؤامراتية الكونية ضد العرب والمسلمين.

تقدم نظرية المؤامرة بمنهجها القائم على التسليم بالتفسيرات المقدمة دون اختبارات عقلانية وموضوعية أداة فعّالة في نشر خطاب الكراهية والعدائية ما بين مكونات المجتمع الدينية والطائفية، فكل جماعة تصيغ نظرية تقول إن الآخرين يتأمرون عليها لكي يسلبوها حقوقها ويظلمونها، بل ويتعمدون القضاء عليها أو على عقيدتها. فمثلا تنتشر منهجية التحليل والتفكير وفق نظرية المؤامرة في الدول العربية ومنها سورية بشكل كبير، وقد استخدمتها النظم الحاكمة العربية في ترسيخ سلطتها ومحاربة معارضيها الداخليين والخارجيين حيث كان يتم دائما ربط أي أزمة أو فشل اقتصادي أو هزيمة عسكرية بالمؤامرة الكبرى. وبعد سيطرة الخطاب الإسلامي السياسي انتشرت بقوة نظرية المؤامرة التي تقول إن العالم كله يتأمر على الإسلام، ومنها تم تخصيص مؤامرة كونية ضد السنة أو الشيعة. وفي سورية انتشرت مثل هذه النظرية حيث تقبل العديدون تفسير أن وصول حافظ وبشار الأسد للسلطة حصل لأنهما علويان وليسا سنيان، وأن الغاية هي ضرب المسلمين السنة السوريين بمساعدة الدول الأعداء لسورية. وبعد اندلاع الثورة السورية وتكاثر الأطراف الداخلية والخارجية الفاعلة انتشرت نظريتا مؤامرة تبدوان متضادتان من حيث الشكل، لكنهما بنفس المنهجية من حيث الجوهر وهما، الأولى تقول بمؤامرة روسية إيرانية شيعية ضد المسلمين السنة في سورية، والثانية تقول بمؤامرة تركية غربية خليجية وهابية ضد الأقليات الدينية في سورية.

تتفاعل كل هذه الأسباب والدوافع لتوليد أو تقوية ونشر خطاب الكراهية والاستقطاب الطائفي والديني بين مكونات المجتمع الذي يكون بالحالة الطبيعية يحوي نسبة واسعة من الفكر الطائفي ضمن ما سميناه المستوى الأول من الطائفية، فتتقلص هذه النسبة لتزيد بالتدريج نسبة من هم ضمن المستوى الثاني حيث تبدأ أشكال التمييز الطائفي بالظهور الواضح؛ ثم مع تزايد الأزمات السياسية والاقتصادية وقوة التأثير الإعلامي تنتقل نسب أكبر من المجتمع للمستوى الثالث والرابع إلى حين توفر مصالح سياسية داخلية وخارجية ترى بالانفجار الطائفي المسلح مصلحة لها.

على سبيل المثال، استمر المجتمع السوري في مرحلة الأربعينات والخمسينات ضمن المستوى الأول من الطائفية، حيث لم تغادر السلوكيات الطائفية نطاق الأفكار وبعض العادات والسلوكيات. لكن مع تأزم الأوضاع السياسية بعد انقلاب حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1963 واستلامه السلطة، انتقلت مظاهر الطائفية إلى المستوى الثاني وبدأت تتزايد ببطء حتى مرحلة السبعينات. بعد صدام حافظ الأسد مع حركة الإخوان المسلمين في نهاية السبعينات وما تلاها من أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة في مرحلة الثمانينات انتقلت المظاهر الطائفية لتتوسع أكثر نحو المستوى الثالث، وإن بقيت تحت السطح بسبب الخوف من السلطة المخابراتية الدموية المسيطرة. بعد اندلاع الثورة السورية، ورد فعل النظام الأسدي العنيف جدا، وانقسام سياسات وأهداف الدول المتورطة في سورية، انتقلت الطائفية إلى المستوى الرابع من العنف المادي والجسدي ضمن الحرب الدولية المتحكم بها عن بعد في سورية، وبضخ مستمر من قبل الكثير من وسائل الإعلام الكبيرة ومنصات التواصل الاجتماعي. ولا بد هنا من ملاحظة أنه خلال هذه العقود يمكن أيضا تلمس تزايد التشدد الديني عند الكثير من الطوائف والأديان في سورية، بالترافق مع تزايد أزمة الطائفية.

الطائفية في التاريخ المسيحي

شكل اعتناق الامبراطور الروماني قسطنطين الأول للمسيحية مفصلًا تاريخيًا أساسيًا في انتشار المسيحية في الإمبراطورية الرومانية في القرن الرابع الميلادي. وبأوامره كحاكم للإمبراطورية تم عقد مجمع نيقية الأول[10] الذي أدى إلى نهاية كل المذاهب أو الكنائس غير المتوافقة مع كنيسة الإسكندرية برئاسة البابا ألكسندروس[11]، وبالذات نهاية مذهب أريوس[12] الذي لقب بالهرطوقي. وقد تبع مجمع نيقية سياسات وسلوكيات طائفية ضد كل المناهضين او المتمردين على تعاليم الكنيسة المسيطرة، وكل غير المسيحيين في الإمبراطورية بدعم وإشراف السلطة السياسية الرومانية.

حصل الانقسام العظيم في تاريخ المسيحية ما بين الشرقية والغربية، أو الأرثوذكسية والكاثوليكية كنتائج لانهيار الإمبراطورية الرومانية في أوروبا، واستمرارها في الشرق بعاصمتها القسطنطينية. وتاريخ الكنائس الشرقية والغربية يؤكد أيضًا أن هذا الانشقاق تم توظيفه سياسيًا طوال قرون.

كذلك نشير إلى أن ظهور الكنيسة البروتستانتية في القرن السادس عشر ميلادي مع مارتن لوثر[13] في ألمانيا كان أيضًا انعكاسا للتغيّرات الكبيرة في بنية الدول الأوروبية وبداية ظهور الدول القومية، وانتقال أوروبا من عصر الإقطاع والزراعة إلى عصر التجارة والصناعة، وبالتالي تراجع سيطرة كنيسة الفاتيكان. وقد تم استخدام الكنيستين في حروب طويلة شديدة الدموية في التاريخ الأوروبي.

بل إن تراجع التمييز الديني بين الناس أو الطائفية في أوروبا الغربية يعود بشكل أساسي إلى التغيّرات الجذرية في بنية الدولة الأوروبية بدءًا من القرن التاسع عشر وتبلور النظم الديمقراطية والعلمانية انتهاءً بترسيخ مبادئ حقوق الإنسان.

الطائفية في التاريخ الإسلامي

يجمع علماء التاريخ بمن فيهم المسلمون أن بداية الانقسام الكبير بين المسلمين إلى مذهبي السنة والشيعة كان نتيجة للصراع ما بين البيت العلوي بقيادة علي بن أبي طالب والبيت الأموي بقيادة معاوية بن أبي سفيان[14].

هذا الصراع كان نتيجة حتمية لانتقال العرب المسلمين من حالة حضرية بسيطة في شبه الجزيرة العربية إلى حالة الإمبراطورية الأكبر والأغنى في العالم القديم خلال عقدين من الزمن.

ونتيجة ذلك تحول مذهب السنّة إلى مذهب الطبقة الحاكمة الشمولية الوراثية ليتوافق مع مصالحها، ونشأ المذهب الشيعي كمذهب للمظلومين الذين يريدون استعادة السلطة السياسية. أي أن الصراع السياسي والاقتصادي فرض نفسه على الانقسام الطائفي الأكبر بين المسلمين.

التاريخ الإسلامي ملئ بالأحداث الكبرى التي تبيّن التفاعل العميق ما بين السلطة السياسية والانقسامات الدينية والقومية وحتى القبلية. فبعد انقلاب العباسيين على الأمويين، وانتشار الرخاء المادي في أنحاء الدولة ظهرت العديد من الفرق والطوائف واشتبكت مع الانقسامات السياسية التي عانت منها الخلافة العباسية طوال فترة حكمها. ولعل الأشهر كان ارتباط الصدام ما بين المعتزلة وما بين الحنابلة مع مركز السلطة العباسية ما بين المأمون[15] الذي تبنى مقولات المعتزلة وقمع من يخالفها، وبين المتوكل[16] الذي تبنى مقولات ابن حنبل وقمع من يخالفها.

لننظر للحالة المصرية في أحد المفاصل التاريخية الكبيرة. مع سيطرة الفاطميين على حكم مصر في القرن العاشر ميلادي، انتشر مذهب الفاطميين الاسماعيلي، المنشق عن الشيعة، في مصر طوال فترة حكم الفاطميين. لكن بعد سقوط الحكم الفاطمي على يد صلاح الدين الأيوبي[17] في القرن الثاني عشر ميلادي عاد مذهب السنة ليسيطر على مصر.

أخيرا نشير إلى أن انتشار المذهب الشيعي فيما يعرف الآن بإيران كان نتيجة ظهور الدولة الصفوية في القرن السادس عشر ميلادي. وقد كان نشر المذهب الشيعي أداة أساسية استخدمها أيضًا إسماعيل الصفوي[18] ومن خلفه بحكم الدولة في صراع الصفويين مع بقايا الإمبراطورية التيمورية ومع السلطنة العثمانية.

الطائفية في العصر الحديث

مع نشوء الدول القومية وتبلور النظم الديمقراطية العلمانية في الدول الغربية، كما أشرنا سابقًا، تراجع تأثير الطائفية في هذه الدول وتأثير الدين عمومًا.

لكن وبسبب حاجة الصراع السياسي، حتى بشكله الديمقراطي ضمن الدول، لأدوات تجييش وتعبئة يتم استخدامها في الصراع السياسي ضمن هذه الدول، وما بين هذه الدول. ظهرت التيارات القومية المتطرفة التي أنتجت النازية والفاشية كأداة بديلة للطائفية في النصف الأول من القرن العشرين.

رغم تراجع التيارات العنصرية في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ورغم انتعاش الآمال بعالم أفضل بعد انتهاء الحرب الباردة مع بداية تسعينات القرن الماضي. إلا أن الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتراجع المستوى الاقتصادي لعموم أفراد شعوب الدول الغربية بسبب الفوضى التي أنتجها ما سُميّ النظام العالمي الجديد القائم على تحرير التجارة وفتح الحدود أمام الاستثمارات، وسيطرة نظام النيو ليبرالية الاقتصادية على الغرب وكثير من دول العالم؛ أدى إلى عودة صعود التيارات القومية المتطرفة فيما يُعرف باليمين الغربي المتطرف[19]، والذي أيضًا اقتات بصعوده على إذكاء الطائفية ضد المسلمين في الغرب؛ لكن مع فرق أساسي عن الطائفية التقليدية حيث أنه لم يعتمد على مشاعر دينية عميقة لدى الشعوب الغربية، بل على ترسيخ التمييز ضد المسلمين عمومًا بسبب دينهم.

أما في المنطقة العربية، فالمشكلة الطائفية لم تغادر هذه الدول، وإن تراجع تأثيرها نسبيًا منذ نهاية القرن التاسع عشر، مع بدء انهيارات السلطنة العثمانية والامبراطورية الفارسية في إيران. طبعًا مع الإشارة إلى استمرارها بشكل عنيف في لبنان نتيجة التداخلات السياسية ما بين السلطنة العثمانية وما بين الامبراطوريات الأوروبية القوية.

بالانتقال إلى مرحلة السبعينات من القرن الماضي، ومع انهيار وعود المشروع القومي العربي واحتدام الحرب الباردة عالميا، وترسيخ وجود إسرائيل فوق الأرض الفلسطينية بعد حرب 1973 وانتقال مصر إلى عقد معاهدات السلام مع إسرائيل؛ دخلت المنطقة العربية في مرحلة تاريخية جديدة شهدت الكثير من الانقلابات والزلازل. فكانت انطلاقة تيار الإسلام السياسي فيما سُميّ بالصحوة الإسلامية.

انطلقت الصحوة الإسلامية فيما بين مصر والخليج العربي بشكل أساسي. وقد انبعثت بدايتها في مصر نتيجة المقايضة الشهيرة بين السادات وبين الإخوان المسلمين. فلكي يستطيع السادات تمرير معاهدات كامب ديفيد شعبيًا وافق على منح التيار الإسلامي وخاصة الإخواني صلاحيات أوسع في مصر وإمكانيات وصول لمراكز سلطوية (خارج الدفاع والأمن والخارجية)، في مقابل دعم التيار الإسلامي له شعبيا؛ فكان أن أصبح أول رئيس عربي يحمل لقب الرئيس المؤمن في العصر الحديث. أما في الخليج العربي فقد أدى النزاع المتصاعد مع النظام الإيراني، وتقدم السعودية لمركز الثقل العربي بدلًا من مصر، ونمو الثروات الوطنية، وازدهار قطاع الإعلام والنشر إلى التلاقي مع الحركة الإسلامية في مصر، ومن ثم التفاعل مع بقية الدول العربية والإسلامية، تحت رضا سياسي من كل حكومات المنطقة.

تفاعلت الصحوة الإسلامية السنية مع النظام الإسلامي الشيعي الإثنى عشري في إيران، المُسيطر عليه من قبل المرشد الأعلى. هذا التفاعل اتسم بالتبادل الفكري والمصلحي، وأيضًا بالتنافس وربما الصراع أحيانًا، خصوصا مع تصاعد الأزمة الإيرانية العربية حول الخليج العربي. فاشتعل الصراع العربي الإيراني على ضفتي الخليج العربي بشكل أكثر حدة منذ بداية الألفية الثالثة، وبالتالي كان استخدام الأداة الطائفية ما بين السنة والشيعة تطورًا حتميًا.

في نفس تلك المرحلة، أي منذ سبعينات القرن الماضي، كان لبنان أيضًا يشتعل بحرب طائفية يقودها سياسيون لبنانيون يتصارعون على السلطة، وبتدخلات إقليمية ودولية عميقة جدًا في رحم الحرب الأهلية التي أُطلق عليها اسم الحرب الطائفية اللبنانية.

وعلى الحدود الشرقية للبنان كان حافظ الأسد الديكتاتور السوري يعيد ترتيب سلطته بعد صدامه مع حركة الإخوان المسلمين وأخيه رفعت الأسد في بداية الثمانينات داخل سورية، وعلى وقع صدامه إقليميًا مع صدام حسين ديكتاتور العراق وبقية الحكام العرب، فاستخدم حافظ الأسد المشكلة الطائفية في سورية لمصلحة ترسيخ قوة حكمه داخليًا، ليعكسه لاحقا في قوة موقفه إقليميًا.

أما في مصر، فقد شهدت المشكلة الطائفية تصاعدًا ما بين الغالبية المسلمة والأقلية المسيحية. حيث شهدت مصر تصاعدا غير مسبوق بالأحداث ذات البعد الطائفي، وخاصة حوادث الاعتداء على الكنائس والصدام ما بين مسلمين ومسيحيين، والتي بينت الأحداث لاحقًا أنها أيضا كانت أداة أساسية في ترسيخ قوة السلطة المصرية التي بقيت تناور ما بين أنها سلطة الرئيس المؤمن المسلم، وما بين أنها الضامن والحامي للمسيحيين في مصر.

شهدت كذلك فترة التسعينات من القرن الماضي ارتداد أثار حرب الجهاديين الإسلاميين ضد السوفييت في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي. حيث تفجرت المواجهات ما بين حكومتي مصر والجزائر وما بين الجهاديين الإسلاميين؛ فدخل البلدان في عقد دموي طويل انتهى بانسحاب الحركة الجهادية الإسلامية من المواجهة المباشرة، وإعادة توزعها على شكل تيارات إسلامية سلفية متشددة.

على التوازي ومنذ نهاية التسعينات بدأ صعود الجهادية الإسلامية عالميًا، وكان المفصل التاريخي الكبير مع جريمة تفجيرات أبراج نيويورك 2001.

إذا إن اشتعال المشكلة الطائفية في المنطقة العربية، يعود بكثير من أسبابه إلى انهيار المشروع القومي العربي، واستمرار الحكم العربي الديكتاتوري الحديدي، وصعود التيار الإسلامي السياسي فيما سُميّ الصحوة الإسلامية، ودخول أموال النفط على ضفتي الخليج العربي ساحة الصراع. وهذا يفسر أيضًا إدراك الحكام العرب لأهمية وحساسية التعامل مع التيارات الدينية والطائفية واستيعابها واستخدامها لمصالحهم، وهذا ما مارسه نظام الأسد في سورية، وكذلك النظام المصري بشكل واضح.

لقد أصبح التمحور الديني والمذهبي أكثر وضوحًا مع بداية الألفية الثالثة، وتمدد إسلاميًا عبر العالم بشكل واضح من خلال ظاهرة العنف الديني التي سُميت الإرهاب الإسلامي.

وعلى التوازي ظهرت شعارات الحرب السنية الشيعية منذ استيلاء الخميني على السلطة في إيران بعد الثورة الإيرانية، وازدادت خطورة هذه العدائية بين ضفتي الخليج العربي بتسارع كبير منذ عقد التسعينات بعد انتهاء حرب العراق وإيران. هذا التوتر الجيوسياسي دعم على الجانبين نظرية المؤامرة الشيعية من خلال ادعاء وجود مشروع ديني طائفي إيراني اسمه الهلال الشيعي، في مقابل نظرية مؤامرة سنية وهابية أطلقها النظام الإيراني في المقابل.

أيضًا كان غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق 2003، مع مشروع المحافظين الجدد الذي فشل سريعًا، أحد منابع الصدام الطائفي المباشر في العراق. حيث تورطت حكومات المنطقة كلها في دعم الاحتراب الطائفي وبإشراف أمريكي لصيق. وهنا نذكر أن نظام بشار الأسد، حليف النظام الإيراني الاستراتيجي، تدخل في العراق لدعم المليشيا السنية، التي انتجت لاحقا دولة العراق الإسلامية، ضد المليشيا الشيعية التي دعمها النظام الإيراني.

من قلب كل هذه الزلازل والأحداث المتسارعة، كان الإعلام العربي الكبير والصغير يساهم في صياغة الرواية المتوافقة مع التفسير الطائفي. وأضافت وسائل التواصل الاجتماعي، الفوضوية بطبيعتها، وقودًا إضافيًا لتصاعد الطائفية والتحريض باسم الدين. خصوصًا وأن كل منصات الإعلام عملت بمبدأ السوق التنافسي والتصارعي، فالإمعان في إثارة الروايات الأكثر تشويقًا وعاطفية يلاقي تجاوبًا وإقبالًا أكثر من التحليل المتوازن الموضوعي؛ ناهيك عن تدخل الحكومات والأموال وفق أجندات سياسية مختلفة ومتناقضة، لكنها مدرِكة لأهمية استغلال الحامل الديني والطائفي.

أما على حدود التغيرات العاصفة في المنطقة العربية والعالم فقد بدا واضحًا افتقاد النخب والمثقفين الناطقين بالعربية لقدرتهم على مجاراة الأحداث وهضمها وإنتاج قراءة تسعف الجيل الشاب الذي نشأ على ثقافة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

ولا بد هنا من الإشارة إلى تحول كبير في فهمنا لدوافع سيرورة التاريخ البشري، حيث كما بينّا غلب تاريخيًا تقدم الصراع السياسي والاقتصادي على صراع الأفكار والأديان والطوائف. لكن مع ثورة الاتصالات وشيوع منصات التواصل الاجتماعي أصبح للأفكار الثقل الأكبر في عملية تغيير جهة عجلة التاريخ. ولعل أوضح ما يكون هذا في صعود اليمين المتطرف الغربي الذي يناقض سياسيًا واقتصاديًا مصالح اللوبيات الاقتصادية الأضخم المسيطرة على الدول الغربية. وهنا كان المطب الأكبر الذي وقعت به الأحزاب السياسية التقليدية في الغرب حيث أهملت عامل الإعلام الشعبي أو إعلام الإنترنت؛ وهو نفس المطب الذي وقع به العديد من النخب العربية في قراءتهم للأحداث المتسارعة خلال العقدين الماضيين.

محركات ومظاهر المشكلة الطائفية في سورية

تسود الساحة السورية، بكل أطيافها، وإعلامها وحتى كثير من نخبها المعروفين التفسيرات والقراءات الطائفية للحالة السورية. وكذلك تسود هذه القراءات في الإعلام والتحليلات العربية وغير العربية حول سورية. حتى بات من الصعب جدًا مواجهة هذه القناعات والقراءات التي تحولت إلى مسلمات عند الكثيرين، لكن مع ذلك لا بد من نقد ومناقشة هذه القراءات والتفسيرات لأنها ما زالت تشكل أحد الصعوبات الأساسية أمام السير بطريق حل في سورية، وأحد الأدوات الأكثر فعالية في تشتيت الشارع السوري وزيادة انقساماته في يد كثير من اللاعبين الكبار في سورية.

في هذه الفصل سنستعرض مظاهر ومحركات المشكلة الطائفية في سورية، وكذلك أسباب تعمق التفسير والقراءة الطائفية في سورية. على أن يلي الجزء ذلك الجزء الثالث الذي سيتم من خلاله نقد هذه القراءات والتفسيرات للحالة السورية على أساس طائفي. وسنحاول هنا اختصار مظاهر ومحركات القراءات والتفسيرات الطائفية المنتشرة لتاريخ سورية الحديث، أي منذ الاستقلال 1946، وصولًا إلى وقتنا الحالي. أي بما يتعلق بالقراءة الطائفية لتلك المرحلة، وبمقولة “النظام العلوي” أو التي يتم التعبير عنها بأشكال مختلفة مثل “العلويون يحكمون سورية” أو “الثورة السورية ثورة السنة ضد العلويين” وغير ذلك مما يصب ضمن نفس المجال.

رأس النظام الحاكم علوي

تتمحور الرواية حول كون نظام حافظ الأسد[20] وابنه بشار[21]، اللذان حكما سورية منذ 1970، نظامًا علويًا لأن الطاغيتين ينتميان إلى الطائفة العلوية. ويضيف البعض أن هذا الاستيلاء العلوي على السلطة بدأ مع انقلاب حزب البعث العربي الاشتراكي[22] عام 1963، والتي يسميها البعثيون السوريون ثورة الثامن من آذار. حيث صدف أيضًا أن من قاد الانقلاب كان مجموعة صغيرة من ضباط الجيش السوري في ذلك الوقت، والذين كان بينهم من ينتمي لطوائف قليلة العدد نسبيًا، علويون واسماعيليون ودروز، ومنهم كان حافظ الأسد وصلاح جديد[23] العلويان.

ترسخ هذا التوصيف في بداية سبعينات القرن الماضي بعد استيلاء حافظ الأسد على السلطة كزعيم واحد للدولة والحزب والجيش، وصارت عبارة “النظام العلوي” عبارة أكثر تداولًا داخل وخارج سورية. فلم يكن تولي منصب الرئيس في بلد ذو غالبية عربية مسلمة سنية رئيس من طائفة قليلة العدد نسبيًا، هي الطائفة العلوية، حدثا عاديًا في ذلك الوقت، بل ما زال غير عادي حتى في الألفية الثالثة. ولعلنا ما زلنا نذكر كيف كان تولي أميركي إفريقي لرئاسة الولايات المتحدة، الدولة الديمقراطية العلمانية القوية والغنية، حدثًا كبيرًا وتاريخيًا. لكن يجب التنويه هنا، أن المقارنة هي من باب غرابة الحدث، وليس من باب حقوق الإنسان والمواطنين التي أوصلت أوباما إلى البيت الأبيض، في حين أن حافظ الأسد وصل للسلطة على دبابة وبعد انقلابين.

طبعا لا تتوقف الرواية عند الكثيرين عند عام 1963، بل يتم استحضار تاريخ الاستعمار الفرنسي لسورية، ويعودون إلى القصة المزعومة حول رسالة العلويين إلى فرنسا عام 1936، وهي تشكل حجر ارتكاز أساسي في التفسير الطائفي لتلك المرحلة.

قصة رسالة وجهاء علويين لفرنسا عام 1936

تعود قصة هذه الرسالة[24] حسب الرواية المتداولة إلى رسالة مسجلة في وزارة الخارجية الفرنسية برقم 3547 بتاريخ 15 يونيو/ حزيران 1936. وقد أرسلت إلى الحكومة الفرنسية في ذلك الوقت، موقعةً من قبل عدد من الشخصيات النافذة العلوية؛ عزيز آغا الحواش، ومحمد بك الجنيد، وسليمان المرشد، ومحمد آغا جديد (والد صلاح جديد)، وسليمان الأحمد، وأيضًا سليمان علي الأسد. والأخير هو جد حافظ الأسد.

ومن هنا تبدأ عملية الإدانة لحافظ الأسد، باعتبار أنه حفيد جده. حيث إن قصة هذه الرسالة المزعومة، ووجود اسم سليمان علي الأسد عليها، جعله خائنا مع غيره من الشخصيات العلوية التي شاركت بالتوقيع؛ وبالتالي كان الاستنتاج بحد الأدنى أن الحفيد حافظ مثل جده خائنا، وبحده الأعلى وصل إلى وصم كامل الطائفة العلوية بالخيانة.

بالإضافة لذلك انتشرت قصص أخرى تم تداولها بكثرة بعد الثورة السورية 2011، تدور حول أصل عائلة الأسد في القرداحة، والتي تزعم أن جد حافظ الأسد كان وافدًا غريبًا إلى منطقة القرداحة في جبال الساحل. ويذهب البعض في أن أصل العائلة يعود إلى أصفهان، ما بين أن تكون عائلة شيعية أو يهودية. أي لإلحاق أي صفة جرى العرف الطائفي على تنمطيها سلبيًا، أو على أنها من جماعة متأمِرة على المسلمين السنة تاريخيًا.

نظرية المؤامرة الغربية الصهيونية

ضمن سياق انتشار نظرية المؤامرة[25] بشكل واسع في المنطقة العربية، تفاعلت نظريات خاصة بسورية، حيث تزعم الرواية أن حافظ الأسد أثناء زيارته إلى بريطانيا عام 1965 لمدة ثلاث شهور قد تم تجنيده لصالح الأهداف البريطانية التي تخدم الأهداف الإسرائيلية.

بالإضافة لذلك تم تداول ما قاله الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، حسب رواية محمود جامع صاحب كتاب “عرفت السادات”، في زيارته لسورية عام 1967. حيث يذكر محمود جامع[26] أن السادات أسرّ له أن حافظ الأسد باع الجولان لإسرائيل مقابل ملايين الدولارات، وأن عبد الناصر كان على علم بذلك.

وفق طبيعة التفكير والثقافة الدينية والتقليدية المنتشرة، تم ربط هذه الروايات مع كون حافظ الأسد علويًا، مع رواية رسالة العلويين لفرنسا للوصول إلى نتيجة أن خيانة حافظ الأسد ثابتة بسبب أصوله، وطائفته، وبسبب عمالته للغرب ولإسرائيل. أي أن وصم التخوين تجاوز عند البعض شخص حافظ والمقربين منه، مثل أخيه رفعت الأسد وعائلته، لتشمل كثير أو كل الطائفة العلوية.

كذلك انتشرت عدة روايات حول خطة فرنسية لدعم الأقليات في سورية، خاصة العلويين والدروز، على حساب الغالبية السنية. ويستدلون على ذلك بمحاولة فرنسا تقسيم سورية إلى عدة دويلات من بينها كان دولة العلويين في جبال الساحل السوري، ودولة الدروز في جنوب سورية في السويداء.

اكتسبت هذه الحوادث والقراءات قوة أكثر مع انبعاث الصراع الجيوسياسي على ضفتي الخليج العربي، واستخدام الشق الشيعي السني في أدلجة ذلك الصراع. فكان ان تمددت نظرية المؤامرة لتزعم أنها مؤامرة غربية صهيونية شيعية وعلوية ضد المسلمين السنّة؛ خاصة وأن الفصائل الجهادية في سورية انقسمت بشكل واضح ما بين راية شيعية تدافع عن نظام الأسد بدعم النظام الإيراني والروسي، وراية سنية بدعم من دول توصف بأنها سنية حسب العرف السائد.

سيطرة العلويين على مراكز القوة في سورية بعهدي الأسد الأب والابن

وهي أقوى الحجج المقدمة لدعم ادعاء أن النظام الأسدي هو نظام علوي، والأكثر انتشارًا أيضًا. حيث تزعم المروية أن حافظ الأسد حرص بدءًا من انقلاب 1963، وبقوة أكثر بعد سيطرته على السلطة في سورية عام 1970، على منح مراكز القوة والسيطرة لعلويين على حساب السنة ثم على حساب باقي الطوائف في سورية.

يدعم هذه المروية أن نسبة الضباط العلويين في المراكز الأعلى في الجيش والأمن والمخابرات أعلى بكثير من نسبتهم السكانية. مع عدم وجود احصائيات موثوقة لتوزع سكان سورية بين الطوائف والقوميات، تختلف تقديرات نسبة العلويين في سورية ما بين 10 إلى 15 بالمئة؛ بكل الأحوال سنفترض الرقم الأكثر وسطية وهو 12 بالمئة من السوريين.

بالمقابل بقيت نسبة الضباط العلويين[27] القادة من الصف الأول في الجيش السوري أكثر من 70 بالمئة، والتقديرات أنها حاليا قد وصلت إلى أكثر من 90 بالمئة. كذلك يحافظ الضباط العلويون في أجهزة الأمن والمخابرات على نفس النسبة تقريبًا.

تتوسع هذه النسب عند البعض للزعم أن العلويين أيضًا يسيطرون على نسبة تتجاوز 60 بالمئة في تعداد الجيش والأمن، وكذلك في المناصب العليا في أجهزة الدولة.

الثورة السورية كانت ثورة السنة على النظام العلوي

ظهرت نداءات بعد بداية الثورة تدعي أن الثورة هي ثورة أهل السنة في سورية، وأن النظام الأسدي مُتمترِس خلف الطائفة العلوية التي تدعمه وتتمسك به. تصاعدت هذه التفسيرات والقراءات بدعم عدد كبير من الإعلام السوري والعربي وحتى الغربي، وتبني بعض مشاهير من خرج على الإعلام يتكلم باسم الثورة السورية.

ترافق ذلك مع ما ذكرناه سابقًا حول نظرية المؤامرة القائلة بمؤامرة شريرة شيعية/ علوية ضد السنّة. والمهم أيضا هنا هو رصد وجود مقولة مقابلة تقوم على أساس طائفي صدرت من خندق نظام الأسد وحلفائه في إيران وروسيا ولبنان، فكانت الادعاء أن الثورة السورية هي حركة تمرد سني إرهابي غايته تدمير ما يُسمى معسكر المقاومة والممانعة، المكون من سورية وإيران وحزب الله؛ وأيضا إبادة العلويين والشيعة بدءًا من سورية مرورًا بالعراق ووصولًا لإيران.

إذًا كلا الزعمين قدما لبعضهما البعض ما يكفي من أدلة ومؤشرات، فنظريات المؤامرة المتناقضة في طرحها تقدم بمنهجيتها وخطابها مادة غنية للطرف المقابل لتغذية طرحه وما يزعمه.

السردية الطائفية الإقليمية

كما أشرنا بالفصل السابق، تزايد انتشار المرويات حول الصراع السني الشيعي في المنطقة مُتَمحوِرًا حول صراع النظام الإيراني مع جيرانه العرب على الضفة المقابلة من الخليج العربي. كذلك انتشرت مقولة أن إيران تسعى لتأسيس الهلال الشيعي الممتد من إيران إلى العراق إلى سورية ولبنان.

بالنسبة لنظام حافظ الأسد، كان موقفه من حرب إيران والعراق[28] في ثمانينات القرن الماضي، وتأييده لنظام الخميني في تلك الحرب، في تناقض واضح مع مواقف غالبية الدول العربية، من أحد أهم أسباب انتشار وتصاعد توصيف نظام الأسد على أنه نظام علوي. فالتبرير الذي تم تداوله شعبويا لموقف الأسد هو أنه أيّد إيران في تلك الحرب لأنه علوي وأقرب طائفيًا للشيعة من السنة.

ساعد انتشار هذه المروية على ترسيخ القراءة الطائفية للوضع السوري قبل وبعد الثورة السورية، وإن كان استحضار هذه المروية ازداد قوة مع حقيقة دعم النظام الإيراني للنظام الأسدي في سورية. وظهور أن داعمي الثورة السورية من حكومات كانوا من دول ذات أغلبية سنية مثل دول الخليج العربية وتركيا. وبالتالي اكتسب التفسير الطائفي للصراع أدلة يمكن رؤيتها بسهولة كبيرة على سطح الصراع.

لا بد من التأكيد هنا على أن المروية الطائفية بالعصر الحديث هي استمرار لتاريخ طويل من الصراعات التي تم استخدام التبرير الطائفي بها في التاريخ العربي الإسلامي. مثلما حصل في تاريخ كل الشعوب والحضارات حيث كان الدين والطوائف من أهم أدوات التجييش والتبرير في الحروب والصراعات.

صراع حافظ الأسد مع حركة الإخوان المسلمين

شهدت نهاية السبعينات من القرن الماضي أول تحد كبير لسلطة حافظ الأسد في سورية من قبل حركة الإخوان المسلمين، والتي نتج عنها تمرد مسلح إخواني ضد نظام حافظ الأسد. فكان الرد الأسدي عنيفًا إلى درجة كبيرة، ووصل عنفه إلى أقصاه في المجزرة[29] التي نفذها النظام الأسدي في حماة. كما أن هذا الصدام منح حافظ الأسد المبرر والدافع للقيام بعملية تصفية لكل معارضيه، ليس فقط من الإخوان المسلمين بل أيضا كل معارضيه من شيوعيين وقوميين عرب وقوميين سوريين وغيرهم.

بقيت سورية في مرحلة الثمانينات رازخة تحت مطرقة حجة “حرب الإخوان” التي أعلنها حافظ الأسد، والتي بقيت البطاقة الحمراء في يد الأجهزة الأمنية في وجه كل اعتراض على سياسات النظام الأسدي. بالتزامن مع عملية التصفية ضد المعارضين داخل سورية ساءت علاقات نظام الأسد مع الدول العربية بسبب موقفه من حرب العراق وإيران، وساءت علاقته مع الدول الغربية بسبب طريقة إدارته لتدخله في الحرب اللبنانية وبسبب علاقاته المتشعبة مع المنظمات الفلسطينية.

استخدم الإخوان المسلمون في مرحلة صراعهم مع حافظ الأسد، والتي انتهت نسبيًا بسرعة، شعار محاربة النظام العلوي أو النظام البعثي أكثر من شعار النظام الديكتاتوري المستبد. وبنفس الوقت كانت أثار العلاقات السياسية السيئة لحافظ الأسد قد تجلت بحصار اقتصادي جعل الوضع الاقتصادي يزداد سوءًا بسرعة كبيرة، والسوريون يتذكرون بتلك المرحلة ندرة المواد الضرورية الأساسية، وبالتالي ازدهار تجارة التهريب. فكان أن دخل السوريون بأزمة أمنية كبيرة داخلية بسبب إطلاق يد أجهزة المخابرات والأمن التابعة للنظام داخل سورية؛ وبأزمة اقتصادية خانقة نتيجة الحصار الاقتصادي وتركيز إدارة الدولة على الشق الأمني وإهمال الشق الاقتصادي.

إذا كانت كل الظروف مناسبة لانفجار المروية الطائفية في سورية، باعتبارها موجودة أصلًا كما شرحنا أسبابها في الفصل السابق. فالحرب الإعلامية للإخوان ضد النظام الأسدي كنظام علوي كانت فعالة، خاصة مع تلاقيها مع غضب الحكومات العربية بسبب موقفه من حرب العراق وإيران. وأيضًا كان التفسير الطائفي للأزمة يناسب بحث الناس عن تفسير سهل للأزمات المتلاحقة التي تعصف بحياتهم اليومية سواء بسبب الرعب من ظلم وجور الأجهزة المخابراتية والأمنية الأسدية، أو بسبب تردي الحال الاقتصادية.

من ناحية ثانية، ساهم صدام حافظ الأسد مع حركة الإخوان المسلمين، والشعارات الطائفية، بالإضافة للإشاعات التي شجعتها مخابرات النظام، في إيقاظ خوف دفين لدى الطائفة العلوية كان قد تم نسيانه بعد ما يقرب من 50 سنة على نشوء الدولة السورية وابتعاد ذكريات المرحلة العثمانية.

استغلال النظام الأسدي للمشكلة الطائفية

لعل التغير أو الانعطاف الأهم بعد مرحلة الصدام مع حركة الإخوان المسلمين كان على مستوى قيادة النظام الأسدي، الذي كان مترددًا في مرحلة السبعينات في إظهار الحالة الطائفية المتفجرة تحت السطح، فقرر الاستفادة من رواية المظلومية السنية أمام العلويين، ومن الخوف القديم المتجدد عند العلويين من السنة. فظهرت للسطح هذه التقسيمات الطائفية في التطبيق العملي، لكن ليس على شكل تصريحات وكلام، بل على شكل إشاعات وقصص يرويها الناس ويتناقلونها بسرية، وتعود بجزء كبير منها إلى تسريبات متعمدة من قبل النظام الأسدي وخاصة المخابرات الأسدية، التي كان يتعمد كبار ضباطها إرسال هذه الرسائل مع السجناء الذين يتم الافراج عنهم، أو عبر العاملين ضمن هذه الأجهزة.

فذلك الصدام نبّه حافظ الأسد إلى ضرورة تعميق التحالف مع الزعماء والشيوخ ورجال الدين، خاصة مع شيوخ المسلمين السنة. فانتقل حافظ الأسد وباستخدام ضخامة انتشار حزب البعث، وقوة المخابرات، لدعم توجهات معينة من الإسلام السني، خاصة الذي لا يرى أنه يجوز معارضة الحاكم، مثل علاقته الوثيقة مع مفتي سورية الشيخ أحمد كفتارو[30] من 1964 إلى 2004، والشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي[31]. كذلك أعاد حافظ الأسد ترتيب الزعامات الدينية ضمن الطائفة العلوية، حيث لم يكن يثق بالشيوخ التقليديين الذين كان ولائهم متوزعا بينه وبين عدد من السياسيين العلويين المعارضين له. بالإضافة لذلك لم يستثنِ حافظ الأسد أي طائفة دينية في سورية من الاهتمام وتقريب زعمائها.

في نفس الوقت منع نظام الأسد بشكل حازم مناقشة المشكلة أو حتى التشكيلة الطائفية في سورية علنًا وسرًا. وبنفس الوقت أظهرها بشكل فجّ في توزيع مراكز السلطة، بحيث لا تخطئها عين السوريين. هذه السياسة أدت إلى تراكم الانحيازات الطائفية عند الجميع. فمن ناحية انتشرت فكرة عامة بين المسلمين السنة أن حقهم برئاسة سورية وتسيّد مناصبها قد سُلب منهم، وأنهم مظلومون مقارنة بالعلويين، وبنفس الوقت وبسبب علاقات النظام الأسدي القريبة بكبار رموز المسلمين السنة من شيوخ وعلماء، وكذلك بأغنياء وزعماء القبائل من المسلمين السنة، كان هناك وزن آخر يعادل طرح المظلومية السنية.

من ناحية ثانية، ومع وعي العلويين لهذا التصور السني، وبعد الصدام مع الاخوان المسلمين الذين لم يخفوا رؤيتهم الطائفية للوضع السوري، ترسخ في اللاوعي لدى العلويين، وكذلك لدى العديد من الطوائف الدينية الأخرى، قناعة أن سقوط نظام الأسد سيؤدي إلى انتقام المسلمين السنة منهم.

إذا استطاع حافظ الأسد، ثم ابنه بشار، التلاعب بهذه التصورات والتفسيرات لدى جميع الطوائف، لكي يبقى نفسه في مكان الوسط يحتاجه الجميع. فهو الضامن للتعايش بينهم، يوزع عليهم الحصص بشكل يجب أن يراه الجميع عادلًا، وأيضًا حاميهم من بقية الطوائف.

من المهم هنا التأكيد على أن سياسة دفن أي مشاكل تمييزية بين مكونات أي شعب في أية دولة تحت السطح، وتحريم نقاشها، سيؤدي لزيادة المشكلة، بل وربما يؤدي لتحويلها لبركان يستعر تحت السطح. وهذا ما فعله النظام الأسدي في سورية خلال أربعين عامًا.

 موت حافظ الأسد ناقوس الخطر الأكبر حول الأزمة الطائفية

توفي حافظ الأسد في  10 حزيران من عام 2000، بعد 30 سنة من حكم سورية، أو كما قال رياض الترك[32]مات الديكتاتور” ودفع ثمن هذه العبارة سنين إضافية بالمعتقل بعد 18 سنة بزنرانته الإنفرادية، أو كما قال مروان شيخو[33] في خطاب التشييع أمام جثة حافظ الأسد “لماذا لا تتكلم… أنت تسمعني الآن“.

عندما أعلن رسميًا عن وفاة حافظ الأسد ساد الشارع السوري مشاعر متناقضة متلاطمة، نقول بدون مبالغة كأمواج بحر هائج. مشاعر توزعت ضمن طيف كبير ما بين مشاعر متطرفة متناقضة، ما بين حزن عميق وما بين فرح كبير، ما بين أسى كبير وما بين شماتة وتشفي. لكن ضمن هذا الطيف الهائل من المشاعر المتباينة بين أفراد الشعب السوري ساد الجميع شعور هائل بالصدمة والخوف وبنفس الوقت بالأمل.

الصدمة والخوف من القادم والأمل وحدوا الشعب السوري في موقفه من وفاة “حاكم سورية المطلق خلال 30 سنة”. كان الخوف ناتج عن معرفة واعية أو غير واعية أن البنية السلطوية المالية العسكرية الأمنية التي تركها حافظ الأسد خلفه هي بنية لا يمكن التحكم بها إلا من خلال شخص واحد، وقد كان هو هذا الشخص الطوطم لثلاث عقود مضت. وروى الجيل الأعمر بذلك الوقت للشباب الصغير كيف كادت دمشق أن تحترق يوم اختلف حافظ مع رفعت الأسد بالثمانينات وكيف تحرك الجيش والمدافع والدبابات حول دمشق. وفي 10 حزيران 2000 كانت نفس المدافع والدبابات قد تحركت حول دمشق والمدن الكبرى في سورية، إلى أن آلت الأمور بسرعة ودقة، وحسبما خطط الطاغية الأب، إلى ابنه بشار.

الظاهرة المهمة كانت أن العديد من العلويين تملكهم خوف هائل بسبب ما هم متأكدين منه: “إن الشعب السوري بغالبيته، بمن فيهم العلويون، منهك وكاره لنظام حافظ الأسد الذي أوصل غالبيتهم لحياة قاسية ظالمة مرهقة، وما يعرفونه أن المزاج الشعبي العام وللأسباب السابقة الذكر تبنى وهم أن سبب دمار وفساد الدولة السورية هو حاكمها العلوي وطائفته. وأن من قتل أهل حماة هم العلويون”. لقد تملك الخوف عددا غير قليل من العلويين مما جعل العديد منهم المقيم بدمشق وحلب وحوران يرسلون عوائلهم إلى قراهم في جبال الساحل خوفا من أي انتقام.

 بنفس الوقت تناقل عدد من السنة مقولات “هذا هو آواننا لاسترداد حقنا بحكم سورية” ولكن قلة قليلة منهم فكرت بالأمر جديًا أو بالانتقام من العلويين حسب الوهم المنتشر. بل يمكننا الزعم أنه لم تحدث أي حادثة بسيطة ضمن الشهور الأولى من وفاة حافظ الأسد مست أي علوي بسورية.

إن ما أنتجه يوم وفاة حافظ الأسد من خوف بين الناس من الانهيار، وخوف العلويين من الانتقام، ووهم السّنّة أن العلويين هم من كانوا يحكمون، كان تحذيرًا قويًا وإنذارًا جديًا من الكارثة التي تم تأسيسها خلال 30 سنة في سورية. لكن لا السلطة الجديدة بعد حافظ ولا حتى النخبة السياسية والثقافية بما فيها المعارضة دقت ناقوس الخطر ودعت لمعالجة هذا المرض الخطير. بالعكس تمامًا، السلطة السورية استمرت مع بشار الأسد بنفس المنهج لأنها قررت حكم سورية بنفس طريقة حافظ، أما النخبة السياسية المعارضة فقد كانت ما زالت غارقة في كتب ونظريات وتنافسات فكرية بعيدة عن الواقع.

إذا في 10 حزيران عام 2000 مات من رسخ اسطورة “أن العلويين يحكمون سورية” وخلفه ابنه بشار الذي استمر بنفس فضاء هذه الاسطورة وأُسس الحكم الشمولي. لكن مع تغيير واحد هو خلخلة الحدود القاسية التي فرضها حافظ الأسد لتفصل بين السلطات الثلاث في النظام السوري: السلطة الأمنية العسكرية، السلطة الحكومية المدنية، والسلطة المالية التجارية، لقد خلط بشار الأسد الحابل بالنابل بين هذه السلطات.

نظام الأسد ليس نظامًا علويًا، وليست أزمة طائفية في سورية
هرم السلطة في الدولة

تتكون الدولة الحديثة من ثلاث مؤسِّسات سلطوية مستقلة عن بعضها هي السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القانونية. يضيف البعض السلطة الإعلامية؛ ويمكن أيضًا إضافة سلطة رأس المال في النظام الرأسمالي.

لكن ما يحصل في الدولة الديكتاتورية ومنذ القرن الماضي هو سيطرة السلطة السياسية، ممثلة بزعيمها الأكبر، على كل السلطات وإبقاء إطارات شكلية لا تمثل أي سلطة حقيقية مستقلة. فالسلطة الديكتاتورية في أي دولة ذات حكم شمولي تقوم على دعائم سلطوية أساسية هي: السلطة السياسية، والسلطة الاقتصادية، والسلطة الأمنية، والسلطة العسكرية، والسلطة الإدارية أو التنفيذية، وأحيانا السلطة الدينية.

تتوزع هذه السلطات على هرم السلطة من القمة للقاعدة. فالسلطة السياسية متمركزة في يد مجموعة صغيرة من الأشخاص، وهم مرتبطون بالزعيم الواحد في قمة الهرم. على المستوى الثاني والثالث تتوزع بقية أنواع السلطات، وهنا تتجلى قدرة الحاكم-الطوطم في توزيع مستويات السلطة وتشكليها وتوزيع قوتها ما بين بقية السلطات.

مخطط توضيحي لهرم السلطة في الدولة ذات النظام الشمولي الديكتاتوري

هرم السلطة الأسدي في سورية

بنى حافظ الأسد سلطته في سورية كزعيم أوحد يتربع على قمة الهرم، ثم وزع مراكز السلطة بين من يثق بهم ويضمن ولائهم. وككثير من الدول العربية ودول العالم الثالث التي يحكمها ديكتاتوريون أتوا من الجيش، منح حافظ الأسد السلطة الأمنية ثم العسكرية سلطة واسعة أكثر من غيرها، ومخيفة ومرعبة للشارع. وحرص حافظ الأسد أيضا على تكوين تحالف مع السلطة الاقتصادية أو الرأسمال السوري التقليدي، من خلال سياسة براغماتية ضمنت لأصحاب الرأسمال السوريين الحماية التي ينشدونها، خصوصا بعد سياسات صلاح جديد في أواخر الستينات والتي كانت يسارية متشددة أرعبت الأغنياء السوريين.

كذلك أقام حافظ الأسد علاقات قوية وشخصية بأحيان عديدة مع الزعماء الدينيين من كل الأديان والطوائف، وكذلك مع الزعماء التقليديين من شيوخ العشائر والقبائل السوريين. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أضعف هذه العلاقات كانت مع زعماء الطائفة العلوية الدينيين التقليديين، الذين لم يثق بهم حافظ الأسد بسبب علاقاتهم السابقة مع كثير من معارضيه السياسيين الأقوياء سواء داخل حزب البعث، أو غيره من أحزاب مثل الشيوعيين والقومي السوري؛ وأشرف تدريجيًا على استبدالهم بشيوخ علويين أكثر ولاء له.

أما السلطة الإدارية والتنفيذية من وزارات ومؤسسات تابعة للدولة، ورغم أنها تُعتبر أقل قوة من السلطات الأخرى، إلا أنها أيضًا، وبإشراف حافظ الأسد، احتفظت بسلطة كبيرة نسبية في مجالها.

طبعا، اعتمد حافظ الأسد على منح حزب البعث العربي الاشتراكي أيضًا سلطة واسعة متداخلة مع السلطة التنفيذية، حيث احتكر الحزب كل المراكز القيادية تقريبا من أعلاها إلى أدناها. لكن هذه الميزة أخذت بالتراجع البطيء في تسعينات القرن الماضي.

اتبع حافظ الأسد سياسة الفصل بين السلطات عمومًا، لكن الفصل أمام الديكتاتور وليس فصل السلطات المتعارف عليه في بناء الدولة الحديثة. فمن المعروف مثلا، أنه منع القادة العسكريين والأمنيين من التغول على رجال الأعمال والتجار السوريين. حيث كانت الثروات المتداولة مغرية للكثير من الضباط، وتثير شهيتهم خاصة وهم يتمتعون بالسلطة الأقوى؛ إلا أن حافظ الأسد ووفق مبدأ فرق تسد، أدرك أن توزيع السلطة الدقيق بين مراكزها وقطاعاتها الأساسية هو ضمان استمراره كقائد أوحد. ربما كان الاستثناءين الوحيدين هما السماح لصديق عمره مصطفى طلاس[34] وزير الدفاع الشهير، وأيضًا لصديقه المخلص حكمت الشهابي[35] رئيس الأركان السوري، حيث اشتهر أولاد الاثنين باقتحامهم مجال الأعمال والتجارة مبكرًا. هذا لا يعني أن قادات السلطة الأمنية والعسكرية، والسلطة التنفيذية والحزبية وحتى الدينية عانوا من مشاكل مادية؛ بل ضمن لهم حافظ الأسد عبر منظومة شبكة الفساد مراكمة ثروات كبيرة أيضًا، لكنها بقيت أقل من أن تكون حامل القطاع الاقتصادي الخاص في سورية.

هنا لا بد من التنبيه إلى أن حافظ الأسد ككثير من الديكتاتوريين منح عائلته القريبة والبعيدة سلطات واسعة، سواء عائلته عائلة الأسد، أو عائلة زوجته “مخلوف”. وتتضح هذه السلطة في دور رفعت الأسد شقيق حافظ الأصغر، والذي كان له دور بارز في مرحلة الصراع مع الإخوان المسلمين، ثم شكل أكبر تهديد على سلطة أخيه في أواسط ثمانينات القرن الماضي. كما أن عائلة الأسد نفسها أخذت سلطات واسعة في منطقة الساحل وجباله، واستخدمتها في العمل المافياوي بالذات الذي شمل التهريب بشكل أساسي، وترويع السكان المحليين؛ وبالواقع في تلك المرحلة كان أول استخدام لمصطلح “شبيحة” للإشارة لمافيات آل الأسد التي سببت الكثير من الرعب والخوف في منطقة الساحل. ورغم أن حافظ الأسد أرسل ابنه الأكبر باسل لقمع هذه المافيات، حيث لم يجرؤ ضباط الأمن والمخابرات على مجابهة آل الأسد وهم أقرباء الزعيم الأكبر، إلا أن سلطة هذه الزعامات لم تنته تمامًا ولا تراجعت ثرواتهم، ولكن تم ضبط سلوكها لحد كبير نسبيًا. ولعل الغاية كانت إظهار صورة باسل كمخلص ورجل الدولة القوي أكثر منها حماية الناس وإقرار النظام.

تغيرت هذه السياسة مع قدوم بشار الأسد للسلطة، حيث سمح بتداخل السلطات ببعضها، وخاصة قادة الجيش والأمن، وعائلته خاصة من جهة أمه. فاشترك ضباط الجيش والأمن مع رجال الأعمال بالترغيب والتهريب. وكان الحدث الأهم صعود ابن خال بشار، رامي مخلوف[36]، بسرعة قياسية ليسيطر على حصة كبيرة من حركة الاقتصاد السوري الخاص وحتى العام؛ وقدر البعض انه كان يسيطر على ستين بالمئة من الاقتصاد السوري الخاص في العام 2010.

بعد زواج بشار الأسد من أسماء الأخرس[37] في بداية تسلمه لسلطاته، حرصت زوجته على تقديم الدعم لمجموعتها من الرأسماليين، خاصة وأنها أيضًا من عائلة غنية. وبدء صعود مجموعة جديدة غنية تريد تقاسم الرأسمال السوري في القطاع الخاص. وقد شعر رامي مخلوف بهذه التغيرات مبكرًا، وبدء بوضع خيارات أخرى قد يضطر لاستخدامها إن ساءت الأمور. فسعى بكل قوة وببذخ شديد للحصول على جنسية أوروبية، في قبرص ثم في النمسا، فيما بين 2008 و2009، لكن محاولته باءت بالفشل[38]. وقد أثبتت الأحداث اللاحقة في نهاية العقد الثاني من الألفية الثالثة أن شكوكه وتخوفاته كانت بمحلها، عندما وصل الضغط عليه إلى درجة أن يعلن تمرده على سلطة بشار الأسد.

إذا نحن هنا أمام هرم سلطة معقد جدًا ومتداخل ومتشابك ضمن الكثير من العلاقات والمصالح والتحالفات والصراعات أيضا. وهذا هو حال نظام أي دولة في نهاية القرن العشرين مهما كانت هذه الدولة صغيرة، وفي سورية وبسبب موقعها في قلب واحدة من أسخن المناطق توترًا في العالم، ومن أهمها جيوسياسيًا، تداخلت بنية هرم السلطة في سورية مع الحركة الجيوسياسية الإقليمية والدولية بشكل كبير ومعقد جدا أيضًا.

نقد مقولة النظام الأسدي في سورية هو نظام علوي

تنتشر مقولة “النظام العلوي” كوصف لنظام الأسدين بشكل واسع شعبيًا ونخبويًا وإعلاميًا داخل سورية وخارجها. وقد تختلف مقاصد من يستخدمها ما بين القول أن القصد هو أن رأس النظام وكبار المسؤولين علويون ولا يشمل معهم كامل الطائفة العلوية، وما بين القول أن الطائفة العلوية هي التي حكمت وتحكم سورية مع رأس النظام وكبار المسؤولين؛ وما بين المقولتين طيف متصل.

لكن مهما كانت مقاصد أصحاب هذه المقولة فإن استقبالها بشكل عام يقترب أكثر إلى التفسير القائل بأن الطائفة العلوية هي التي تحكم وتستأثر بمزايا السلطة. وغالبا ما يتم ربط ذلك بمظلومية واقعة على المسلمين السنة في سورية، باعتبار أن العرف التقليدي والنسبة السكانية تعطيهم حق السلطة.

هذا المفهوم العام والمنتشر بكثرة ما بين السوريين وما بين غير السوريين ساهم بشكل فعّال في استخدام المشكلة الطائفية من قبل نظام الأسدين في ترسيخ سلطتهم الديكتاتورية، وكذلك في استخدام التحريض الطائفي في الحرب فوق سورية التي اندلعت بعد انطلاق الثورة السورية، وانتقال النظام للمواجهة العنفية المخابراتية العسكرية. وصارت مقولة “حرب السنة والعلويين” في سورية أكثر انتشارًا من هدف الثورة السورية الأساسي.

كذلك فإن التحريض الطائفي، متوازيًا مع التحريض القومي خاصة بين العرب والأكراد، ومع التحريض السياسي ما بين مؤيد ومعتدل وصامت، ساهم في إضعاف قدرة الشعب السوري على الحركة لتوحيد صفوفه أو خلق تيار كبير يحقق له أهدافه المشروعة. فقد تعمقت هذه التمييزات كشروخ شاقولية بشكل كبير جدًا.

إن الشروخ الشاقولية على مستوى المجتمع السوري هي الأشد خطورة والصعوبة الأكبر في إعادة بناء الدولة السورية[39]. وهذا ما أثبتته تجارب الدول والشعوب الأخرى التي لم تعط ما يكفي من اهتمام وعمل لمعالجة آثار الاقتتالات والحروب الداخلية، مثلما حصل في لبنان والعراق؛ بينما نرى أن جهود الأوروبيين بعض الحرب العالمية الثانية لاقت نجاحًا نسبيًا في ردم الشروخ التي حصلت بين الشعوب الأوروبية.

دين أو طائفة الحاكم لم يعد يحدد طبيعة النظام الحاكم

اصطُلح تاريخيًا على نسبة الدول والامبراطوريات إلى عرق أو قومية أو دين أو طائفة أو عائلة الحاكم الأوحد للدولة، فنجد مثلًا، الدولة الإسلامية العربية أخذت اسمها لأن من حكمها كانوا مسلمين، والمؤسسون كانوا عربا ومسلمين؛ وكذلك نجد دولا منسوبة لاسم الحاكم المؤسس أو العائلة، فقيل، الخلافة الأموية، والخلافة العباسية، والدولة الفاطمية، والأيوبية، والغزنوية، والصفوية، والعثمانية.

كما أن الثابت تاريخيًا، ومنذ بداية تشكيل الدول والامبراطوريات، أن مزايا الحكم السلطوية والاقتصادية لا ينالها سوى نسبة قليلة جدًا من المستفيدين في أعلى هرم السلطة. وهذا لا يعني أن التوزيع النسبي لمزايا السلطة لم يحصل وفق انتماء قمة الهرم؛ فمثلًا في القرون الأولى للدولة العربية الإسلامية حين كان العرب هم الحاكمون، مالت كفة التمييز لصالح العرب عمومًا ثم المسلمين، لكن أيضا ضمن هرم مبني لمصلحة الأقلية؛ ثم تغير الحال عندما صعد للسلطة قوميات وأعراق أخرى مع بدء ضعف سلطة الخليفة العباسي في بغداد.

أما في العصر الحديث فإن الاصطلاح التاريخي لم يعد قابلًا للتطبيق، حتى ضمن الاستخدام المجازي. وربما كانت السعودية هي الدولة الوحيدة المنتسبة لاسم العائلة التي تحكمها. لذلك فحتى لو قيل أن مصر مثلا دولة مسلمة سنية، من باب أن حاكمها مسلم سني، فهو لا يعني أبدا أن المسلمين السنة يستأثرون بالسلطة والمال ولا حتى بغالبيتهم؛ وأيضًا لا يعني عدم وجود اضطهاد للآخرين في مصر مثل المسلمين الشيعة أو المسيحيين أو البهائيين، لكن هذا الاضطهاد قائم أساسًا بسبب طبيعة الحكم الشمولي وكونه مهتم بالتحكم بالغالبية المسلمة السنية.

لا يعمل الديكتاتور في كل الدول التي تجاوزت بحجمها حجم القبيلة والعشيرة لمصلحة الفئة التي ينتسب لها ضد مصالح الفئات الأخرى، سواء كان التصنيف هنا دينيًا أو طائفيًا أو قوميًا او غير ذلك. بل هو يعمل لمصلحته كصاحب السلطة الأوحد، من خلال الاعتماد على حوامل السلطة، التي قد تشمل الفئة التي ينتمي لها، أو كل الفئات. فعندما يكون الحاكم عربيًا مسلمًا سنيًا، مثل كل الدول العربية باستثناء سورية ولبنان، والغالبية السكانية عرب مسلمون سنة، فإن الحاكم سيتساير حكمًا مع مصالح الأغلبية من حيث اضطهاد الأقلية بمستويات مختلفة.

لكن عندما يكون الحاكم الأوحد من فئة قليلة العدد نسبيًا، وضعيفة حتى اقتصاديًا، فلن يكون من الذكاء أن يعمل لمصلحة فئته ضد الفئات الأخرى، وحافظ الأسد لم يكن ساذجًا ولا قليل الخبرة ولا ضعيفًا في التعلم من الأخطاء. لذلك فإن حافظ الأسد كديكتاتور لم يكن هدفه نصرة العلويين أو العمل لمصلحتهم عموما، ولا حتى لمصلحة غالبيتهم، ضد مصالح المكونات الأخرى للشعب السوري. وذلك ليس من باب الرؤية الإنسانية التي تساوي بين البشر، لكن من باب رؤية الديكتاتور للشعب الذي يحكمه كأتباع وأرقام.

منذ انقلاب حزب البعث عام 1963، وصعود مجموعة من الضباط المنتسبين لأقليات طائفية، ظهرت بشكل طبيعي المقولات في الشارع السوري حول صعود بعض العلويين والدروز للسلطة. فكانت قيادة الحزب حذرة جدا في التقدم للواجهة السياسية، وفضلت الحكم من خلف صورة حاكم سني تماشيًا مع العرف العام السائد.

لكن حافظ الأسد وبعد انقلابه على زملائه في قيادة الحزب، أيضًا تمرد على سياسة البعث خلال الستينات، فلم يصبر على بقاء أحمد الخطيب السني رئيسًا شكليًا لسورية[40]، واتخذ خطوة كبيرة بتقدمه للواجهة السياسية ليجبر نفسه كرئيس للدولة. غالبية من كتبوا عن سورية وحافظ الأسد رؤوا أنه اتخذ قرارًا ضخمًا بحكم كونه منتسبًا للطائفة العلوية.

بكل الأحوال هذه الرؤية كانت مبالغة بحجم قرار حافظ الأسد بالتقدم لمنصب الرئاسة كعلوي، فقد مرّ ذلك الحدث بهدوء تقريبًا ودون تمرد أو رفض واسع في الداخل السوري.  لم يكن مرور ذلك مرورًا عاديًا في الشارع السوري بسبب قوة سلطة حافظ الأسد او البعث بشكل رئيسي كما قال البعض. ففي نهاية الستينات، وبعد المعارك الداخلية العنيفة بين حزب البعث ومناوئيه، وبعد الخسارة المُذلة في حرب 1967 أمام إسرائيل، ومع علاقات الحزب السيئة مع حكومات المنطقة والغرب، لم تكن قوة حافظ الأسد التي ورثها لوحدها تمنحه القدرة على مواجهة ردة فعل قوية ضد احتلاله لموقع الرئيس.

من ناحية ثانية، ورغم وجود المشكلة الطائفية في سورية، وانتشار فكرة أو عُرف أن يكون رئيس سورية سنيًا من دمشق، إلا أن كمية الرفض او الاستهجان الطائفي لم تكون قوية جدًا بما يكفي لتشكيل حركة رفض أو تمرد واضحة في بداية استلام حافظ الأسد للسلطة. فلو كان الرفض الطائفي والمشكلة الطائفية بالقوة والعمق الكبير الذي قيل عنه لما استطاع حافظ الأسد في تلك الظروف والضعف الموروث أن يحافظ على سلطته.

خطأ الاستنتاجات المبنية على رسالة وجهاء علويين إلى الحكومة الفرنسية إبان الاستعمار الفرنسي

كما أشرنا بالفصل السابق تعود قصة هذه الرسالة[41] حسب الرواية المتداولة إلى رسالة مسجلة في وزارة الخارجية الفرنسية برقم 3547 بتاريخ 15 يونيو/ حزيران 1936. وقد أرسلت إلى الحكومة الفرنسية في ذلك الوقت، للمطالبة باستقلال العلويين عن الدولة السورية، وموقعةً من قبل عدد من الشخصيات النافذة العلوية؛ عزيز آغا الحواش، ومحمد بك الجنيد، وسليمان المرشد، ومحمد آغا جديد (والد صلاح جديد)، وسليمان الأحمد، وأيضًا سليمان علي الأسد. والأخير هو جد حافظ الأسد.

رغم أن لوران فابيوس وزير خارجية فرنسا أظهرها في اجتماع لمجلس الأمن عام 2012 في معرض رده على بشار الجعفري ممثل النظام الأسدي، ورغم تداول قصتها بين كثيرين من السوريين وغير السوريين، وما تزعمه عن المطالبة باستقلال “الدولة العلوية” في غرب سورية؛ إلا أن ما يلفت النظر أن هذه الرسالة غير موجودة بأصلها ضمن الأرشيف الفرنسي كما بيّن المؤرخ الكندي سيتفان وينتر[42] Stefan Winter  وفق رقم الأرشفة المُدّعى 3547، بل تشير لرسالة أصل محفوظة في مكتبة الأسد في دمشق، كما أن وينتر يثير عددًا من الشكوك حول هذه الرسالة وأصالة[43] توقيع سليمان علي الأسد عليها في كتابه: “تاريخ العلويين، من سورية في العصور الوسطى إلى الجمهورية التركية”. ويشير وينتر إلى أنه حتى لو صحّ اشتراك سليمان علي الأسد بالتوقيع على تلك الرسالة، إلا أن علي سليمان الأسد (والد حافظ الأسد) وقّع على رسالة تطالب بالوحدة مع باقي سورية في آب/ يوليو 1936.

بكل الأحوال، بافتراض صحة تلك الرسالة وصحة توقيع سليمان علي الأسد فإن كل ذلك لا يؤدي إلى أي نتيجة تفيد الادعاءات التي تحاول اتهام العلويين كجماعة أو كغالبية على أنهم غير وطنيين، وأحيانًا خونة عند البعض؛ وبنفس الوقت لا تحمّل الحفيد حافظ الأسد أي مسؤولية عن سلوكيات جده.

فمن بديهيات الأمور أن الإنسان ليس مسؤولًا عن تصرفات آبائه أو أجداده سواء جيدة كانت أم سيئة. وهذا مما اتفقت عليه الحكمة الإنسانية والدينية، “كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ”[44]. كما أن توقيع عدد من الوجهاء من جماعة ما في سورية أو أي بلد مشابه لحالتها حيث كانت تسود الهرمية الاجتماعية الطبقية بفعل الوراثة والمال والسلطة السياسية لا يعبر عن عموم أو غالبية مراد الأكثرية الفقيرة من عامة الناس.

من ناحية ثانية، وبفرض وجود قبول بين غالبية العلويين في تلك الفترة بمبدأ الانفصال عن سورية، أو المطالبة بالانضمام لدولة لبنان التي كانت تحت الاستعمار الفرنسي أيضًا؛ فإن أخذ المرحلة الزمنية وظروفها لا يمكن تصنيفه في ذلك الوقت على معيار الوطنية والخيانة. فغالبية السوريين كانوا ما زالوا ببداية مرحلة الوعي الوطني كسوريين، ويعانون من آثار الاحتلال العثماني الطويل وما انتهى به من تجهيل وظلام معرفي؛ ومن سياسة استعمارية فرنسية عملت منذ بداية احتلالها لسورية على ترسيخ التقسيم والفرقة. والأهم أن تاريخ تلاعب السياسيين بالطوائف في سورية وخاصة الحكم العثماني الذي ثبت اضطهاده للعلويين، فالخوف من اضطهاد جديد كان يمكن فهم أسبابه[45]. إن انتشار الأمية ونقص المعلومات وتداخل القوى السياسية الكبرى في المنطقة وعدم نضوج الوعي الوطني السوري بين عامة الناس لا يسمح بأي حال وضع تقييمات تعميمية لجماعات سورية كاملة في ذلك الوقت.

الناحية المهمة الواجب استذكارها أيضًا هي أن التعاون مع الاستعمار الفرنسي لم يكن محدودًا بين وجهاء أو أفراد العلويين، بل كان المتعاونون ينتمون لكل الطوائف والقوميات المركبة للمجتمع السوري في ذلك الوقت، والوعي بأن ذلك التعاون كان غير أخلاقي وغير وطني لم يكن نابعًا من وعي وطني سوري منتشر بين الناس، بل من باب الظلم والاضطهاد المستمر مع سلطة الاستعمار الفرنسي والمتعاونين معهم.

نقض نظرية المؤامرة وسيطرتها على الوعي الشعبي والنخبوي

لن نسهب هنا في نقض نظرية المؤامرة كمنهج، ولا كمحتوى يُستخدم ضمن السياق السوري؛ لكن نشير سريعا فقط إلى الرواية التي تدعي أن الغرب ممثلًا بفرنسا وببريطانيا قد عملوا وخططوا مسبقًا لصعود العلويين والأسدين لحكم سورية.

ادعاءات نظريات المؤامرة هذه تفترض أن تلك الدول تمتلك قدرات هائلة تتعدى قدرة البشر، فهي تستطيع وضع خطط يتم تنفيذها عبر مئة أو مئتي سنة. فتاريخ التدخل الفرنسي والغربي في منطقة بلاد الشام يمتد إلى القرن التاسع عشر من خلال اتفاقيات عقدوها مع السلطنة العثمانية. وهذا الادعاء لا يقتضي فقط قدرة هائلة للسيطرة على مسار التاريخ خلال مئة سنة، بل أيضا انسجام الخلف مع السلف في متابعة هذه الخطط الجهنمية والسرية في نفس الوقت. وهذا ما لا يمكن لأي حكومة أو حكومات أو منظمات سرية تنفيذه.

والسؤال البديهي، لو كانت الحكومات الفرنسية والبريطانية بهذه القدرات الهائلة على التخطيط والتنفيذ بسرية، ألم يكن الأحرى بهم حماية دولهم نفسها من حربين عالميتين هم الأسوء بالتاريخ الإنساني، وأن يحافظا على سيادة العالم التي كانت بين أيديهم خلال النصف الأول من القرن العشرين، بدل التراجع ليكون حلفاء محتاجين للولايات المتحدة الأمريكية إلى الآن، وألا يكونوا الآن يواجهون كل هذه الصعوبات الاقتصادية، واهتزاز سيادة الغرب عموما أمام الصعود المدوي للصين.

من ناحية ثانية، بافتراض هذه القدرات الكبيرة وأن هناك مؤامرة كونية لوضع حافظ الأسد وابنه العلويين مع طائفتهم في السلطة المسيطرة على سورية، بدءا من تداخل فرنسا وبريطانيا مع السلطنة العثمانية، ومرورًا بتأهيل حافظ الأسد أثناء زيارته لبريطانيا عام 1965، وأنهم استطاعوا صياغة كل تلك الأحداث والحروب، التي يراها البعض مسرحية شكلية، وكل هذه الخسائر حتى الجانب الإسرائيلي والغربي؛ فما هي المرابح التي جناها هؤلاء المتآمرون؟

كما ذكرنا منذ قليل من بدأ المؤامرة المزعومة بخطتها الشريرة المستمرة من القرن التاسع عشر، أي بريطانيا وفرنسا، تراجعوا من مركز أقوى وأغنى دول العالم ليصبحوا خلف الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة، وخلف الصين حاليًا.

وإن كان الهدف حماية إسرائيل، التي تشترط وصول العلويين لحكم سورية عبر الطاغيتين الأسد، فهل استطاعت النظم الحاكمة في بقية الدول العربية وهي عربية ومسلمة وسنية تحسين الوضع الفلسطيني، أو استعادة أي حق أساسي للفلسطينيين، أو إضعاف إسرائيل؟ وإن كان التبرير هو أن كل النظم الحاكمة العربية هم أيضا ضمن المخطط المؤامراتي الغربي الصهيوني، وبالتالي هذه النظم لن تعمل ضد إسرائيل، فلماذا كان ذلك ممكنا مع سلطات عربية مسلمة سنية، أو حتى إيرانية مسلمة شيعية، وليس ممكنًا مع سلطة نظام حكم عربي مسلم سني في سورية؟

واقع حال العلاقات الدولية والصراعات الجيوسياسية التي تسيطر على العالم وتاريخيًا يقول أن الدول والحكومات تتآمر وتتصارع وتضع الخطط وتتحالف وتتنافر ضمن ساحة الصراع الدولي، لكن يستحيل على أي منها مهما بلغت قوتها وغناها أن تتحكم بحركة الصراع ونتائجه على مستوى العالم طوال عقود أو قرون. فمن المؤكد أن المعسكر الغربي لم يعمل ليكون داعمًا لسورية أو غيرها من دول لتصبح دولًا مستقرة متقدمة وغنية، بل فعلًا عمل لاستغلالها لمصالحه السياسية والاقتصادية، ومن ضمن ذلك حماية حليفه الإسرائيلي؛ لكن هذه السياسة هي آلية الصراع الدولي المستمر تاريخيًا وحاضرًا، وسياسة الغرب لم تكن أحسن حالًا في بقية دول العالم النامي، امتدادًا من أمريكا اللاتينية مرورًا بإفريقيا ووصولًا لآسيا، ولا كانت سياسة السوفييت إبان قوتهم أحسن حالًا.

إن تدخل المعسكر الغربي والسوفييتي (الروسي حاليًا) والجوار الإقليمي في سورية لم ينقطع ولم يتوقف لما يشكله موقع سورية الجيوسياسي من أهمية في واحدة من أهم مناطق الصراع في العالم، الشرق الأوسط. لكن بالتأكيد أن لا قوةً في العالم كانت أو أنها قادرة على التحكم بجريان الصراع على سورية أو في سورية. فكل المتدخلين في سورية وضعوا سياساتهم بناء على ميزان مصالحهم أولًا، وعلى التعامل مع موازين القوة في الداخل السوري، وبأحيان كثيرة أثروا على موازين هذه القوى الداخلية السورية. ولعلنا نذكر هنا أن أهم درس تعلمه حافظ الأسد أثناء عمله كرجل ثاني أو ثالث في سلطة البعث في سورية بعد انقلاب 1963 كان أن الجمود في العلاقات السياسية التي اتبعتها قيادة البعث كان من أكبر أخطائها، حيث لم تعط لدول الإقليم والعالم ما يريدون من أوراق يمكن المساومة معهم عليها؛ فكان أحد التغيرات الكبرى في سياسة حافظ الأسد البدء بمحاولة سياسة الانفتاح والمرونة السياسية في الإقليم والعالم ليضمن على الأقل عدم خلق عداوات عند الحكومات تجاهه، وبالتالي تجنب أن يعملوا ضده في الداخل السوري. وبكل الأحوال هذه من أبجديات العلاقات السياسية التي تعلمها كثير من النظم العربية وحول العالم.

باختصار، ما حصل في سورية هو مثل ما حصل بكل دول العالم النامي التي استقلت عن الاستعمار الغربي بعد الحرب العالمية الثانية. نظام الأسد في سورية خلق أعداءً وأصدقاء ليسوا دائمين. بعض الحكومات في الإقليم وفي العالم تآمرت عليه ضمن مراحل زمنية معينة، وبأهداف متباينة ما بين العمل على إزالته، أو الضغط عليه، أو التحكم به؛ كما أنه، أي نظام الأسد، تآمر وتحالف وصادق وعادى حكومات ونُظمًا في الإقليم وفي العالم في فترات زمنية معينة. وخلال تلك العقود الطويلة كانت هذه العلاقات، سواء تقارب وتحالف أو نفور أو عداء، متغيرة حسب المرحلة الزمنية وحسب تغيرات موازين القوى الدولية إقليميًا وعالميًا.

لذلك فإن المؤمن بنظرية المؤامرة يستطيع بسهولة انتقاء الأحداث والتصريحات والكتب المناسبة لنظرية المؤامرة التي يتبناها؛ ثم يضع هذه الانتقاءات ضمن خط زمني متسلسل مشفوعة بتفسيرات عاطفية وشعبوية تعطي نظرية المؤامرة التي يتبناها ما يبدو أنها أدلة وإثباتات.

نقد مقولة سيطرة العلويين على مراكز القوة في سورية بعهدي الأسد الاب والابن

من المؤكد أن نسبة العلويين في الجيش أعلى من نسبتهم السكانية في سورية، وأن نسبتهم في المراكز القيادية العليا في الجيش والأمن أيضًا أعلى من نسبتهم السكانية.

لكن مع الإقرار، الذي لا يمكن دحضه، أن لا وجود لإحصائيات رسمية، وأن التقديرات غير الرسمية لا يمكنها الوصول للمعلومات كلها بهدف المقارنة لأن النظام الأسدي نظام خبير وقديم في حماية نفسه أمنيًا ومعلوماتيا، فإن التقديرات تخضع بكثير من الأحوال للمواقف المسبقة، خاصة وأن كثير منها أتى من جماعات على خلاف سياسي وأحيانًا طائفي مع نظام الأسد.

بالواقع لو حاولنا بعمليات حسابية بسيطة مقارنة عدد أفراد وضباط الجيش السوري والأمن، الذي يقدران معا في 2010 بحوالي 400 ألف، وقدرنا عدد الضباط وصف الضباط؛ وإذا أضفنا الزعم القائل بنسبة العلويين العالية في أجهزة الدولة الرسمية، وجمعنا هذه الأرقام آخذين بعين الاعتبار نسبة النساء والأطفال والكبار بالعمر، فسنجد أن عدد العلويين يجب أن يتجاوز بكثير عددهم الحقيقي.

هذا الاعتراض على الشائع من كلام قد يواجه الكثير من الاعتراضات بسبب المنتشر شعبيًا، لكن مع ذلك فإن القبول بالتفسيرات المنتشرة شعبيًا أو حتى سياسيًا يجب أن يخضع للمقارنة الموضوعية.

بكل الأحوال إن نسبة العلويين العالية في الجيش مقارنة لنسبتهم السكانية هو حركة طبيعية بدأت منذ تأسيس الدولة السورية، حيث توجه الأكثر فقرا للخدمة العسكرية بشكل أساسي كمصدر رزق، وهذه حركة اجتماعية متوقعة في أي بلد بالعالم، فمثلًا نسبة الأميركيين الأفارقة في الجيش الأمريكي تعادل ضعف نسبتهم السكانية في الولايات المتحدة الأمريكية، لأن حالهم الاقتصادية والمعاشية أسوء من الأمريكيين البيض.

أما سياسة حافظ وبشار الأسد لتشجيع زيادة عددهم فهو بشكل عام أيضًا سياسة يتبعها كثير من سياسيو دول مثل سورية حيث تمثل المعارف العائلية والشخصية عاملًا محفزا في توزع القوى البشرية. ناهيك عن أن أكبر خطر واجه حافظ الأسد، وكان أخطر من صدامه مع الإخوان المسلمين، كان محاولة أخيه رفعت الأسد الانقلاب عليه في ثمانينات القرن الماضي، وقبله كان خطر صدامه مع زميل دربه صلاح جديد في أواخر ستينات القرن الماضي، فكان الواضح بالنسبة له أن تركيبة الجيش والأمن الهرمية الحازمة هي المؤسسة الأنسب لاستيعاب أبناء طائفته والسيطرة عليهم من خلال هرم الجيش والأمن.

نقد مقولة الثورة السورية كانت ثورة السنة على النظام العلوي

من الإجحاف الشديد والإساءة لما بذله السوريون من تضحيات القول أن الثورة كانت ثورة السنة على النظام العلوي كما قال البعض وردده الإعلام.

الثورة السورية كانت ثورة شعبية بكل معنى الكلمة ضد نظام مستبد دموي فاسد أرهق السوريين وعاملهم وكأن سورية هي مزرعته الخاصة؛ وهذا التقرير ليس إنشاءً عاطفيًا بل هو واقع عاشه السوريون من حيث كون النظام الأسدي كان نظامًا ديكتاتوريًا حديديًا يمنع ويسد أية نوافذ للحرية والديمقراطية، ويعيد تعريف المواطن وكرامته بناء على مسطرة الولاء للنظام الحاكم؛ وأيضًا من حقيقة أن الوضع الاقتصادي السوري كان يسير من سيء لأسوء على مستوى المواطن خلال العقود الماضية، وأن الهبة الاقتصادية لم تكن سوى شكل خارجي لصعود طبقة غنية متعايشة على فساد الدولة وإداراتها على حساب زيادة فقر المواطن السوري[46].

فالثورة كانت مطلب حق للشعب السوري، لكن ما حصل منذ أواسط العام 2012 من أسلمة للثورة والضخ الإعلامي من كل الأطراف للتفريق بين الطوائف، وشيوع مصطلحات النظام العلوي حتى بالإعلام العربي والغربي، ناهيك عن إعلام النظام وحليفيه نظامي إيران وروسيا، حول وجه الثورة وصفتها الخارجية لصراع طائفي لا يعبر عن حقيقة ما جرى في سورية.

بالإضافة لذلك من الناحية العددية للشعب السوري وتوزعه فإن عمود أي حراك شعبي عارم لا بد أن ينطلق من قبل الأغلبية العددية وهم السنة السوريين، وبالتالي فكونهم أغلبية بالحراك الشعبي لا يعبر سوى عن نسبتهم السكانية. ناهيك عن أن نسبة السنة بين من فضل الصمت والحياد، أو رفض الثورة، أو دعم النظام الأسدي ليست أقل من نسبتهم السكانية بكثير.

نقد السردية الطائفية الإقليمية

بشكل عام يمكننا القول أن من يستطيع حكم أي بلد، وخاصة بلد مثل سورية، مدة أربعين عامًا لا يمكن أن يكون بسطحية ما يفرضه المنهج الطائفي في التفكير، بل يجب أن يكون شخصًا، بالمعنى الاعتباري هنا لجماعة الحكم، أكثر مكرًا ودهاءً من أن يستسلم لتقييم أصدقائه وأعدائه، حلفائه وخصومه، وفق انتمائهم الطائفي أو القومي؛ وحافظ وبشار الأسد كانا أكثر مكرًا ودهاءً من ممارسة السياسة وفق الانتماء الطائفي.

بالواقع أن توتر العلاقة والعداء بين بعثي العراق وسورية يعود بجذوره إلى مرحلة ستينات القرن الماضي، وزاد العداء حدة بين حافظ الأسد وصدام حسين منذ السبعينات ومن قبل أن يصل الإمام الخميني لحكم إيران واندلاع الحرب العراقية الإيرانية. فموقف حافظ الأسد كان مبنيًا أساسًا على عداء وخصومة شديدة مع نظام البعث العراقي وصدام حسين بالذات، ولذلك ولأنه لا يمكنه التزام الحياد في تلك المرحلة، ولإن ظروف الحرب الباردة بين الغرب والشرق كانت تفرض معادلاتها الدولية وجد حافظ الأسد أن مصلحته مع نظام الخميني وليس صدام حسين.

طبعًا تلاعب واستغل النظام الإيراني منذ عهد الخميني وللآن الموضوع الديني والطائفي بشكل واضح غير مخفي، وكما بيّنا سابقًا فاستغلال العاطفة الدينية للشعوب هي أداة أساسية لأي حكم مستبد أمني مثل الحكم الإيراني. لكن هل فعلًا النظام الإيراني سار وفق هذه التقييمات الطائفية بسياسته الخارجية؟ مثلًا سنجد أن علاقات إيران بأكبر دولة إسلامية شيعية وهي أذربيجان أسوء علاقات منذ تسعينات القرن الماضي، بل إن علاقات إيران جيدة جدًا مع أرمينيا العدول اللدود لأذربيجان.

التاريخ والواقع يؤكد حقيقة أن الحكام وخاصة الديكتاتوريين يتبعون أقصى السياسات براغماتية بحثًا عن مصالحهم، ولم يكن النداء الديني أو الطائفي أو القومي إلا أداة لتبرير شرعية الحاكم وتجييش الشعوب. وواقع المنطقة يؤكد أن الحرب الإعلامية التي جرت تحت راية الشيعة والسنة كانت نتيجة الصراع السياسي وليس انتصارًا لذلك المذهب أو ذاك، وهي كما بدأت أساسًا في حرب الفتنة الكبرى صراع سياسي وليس صراعًا دينيًا أو مذهبيًا.

الخاتمة

كان صعود المشكلة الطائفية في المنطقة العربية وفي عدة مواقع حول العالم جزءًا من حركة ارتداد عالمية باتجاه الدوائر الأضيق سواء كانت قومية أو عرقية أو دينية أو طائفية. لكن هذا لا يعني أن تزايد خطر الطائفية مرتبط فقط بهذه الموجة العالمية، بل هو مرتبط أيضًا بتاريخ طويل من سيطرة القراءة الدينية على المنتج الثقافي والفكري، ومرتبط أيضًا بتغوُّل نظم حاكمة ديكتاتورية استخدمت كل المتاح في سبيل الاستفادة من مبدأ فرق تسد. فدراسة المشكلة الطائفية وما أنتجته من خطاب كراهية في العصر الحديث يُعتبر خطوة أساسية في التأسيس لمستقبل أفضل للدول والنظام العالمي.

ولعل أكثر المآسي بالعقود الأخيرة ارتباطًا بالتفسير الطائفي وخطاب الكراهية ظهر في الحرب العنيفة التي اشتعلت في سورية وأوقعت أبشع المآسي في تاريخ سورية. حيث نرى سيطرة القراءة المحكومة بالتفسير الطائفي على مستوى النخب والشعوب، بمنهجية تضرب الوعي اللازم لقراءة الواقع السوري للوصول إلى خارطة طريق تنقذ ما تبقى من سورية، وتؤسس لمستقبل مستقر آمن قابل للتقدم والاستمرار.

لعب الخطاب التشتيتي والتفريقي القائم على نشر الكراهية أو الإقصاء بين مكونات الشعب السوري عاملًا وأداة أساسية استخدمها نظام الأسد وحلفائه لإضعاف الثورة من داخلها، كذلك لإثبات أن النظام الأسدي بما يملكه من بنية قديمة لحكم سورية سيكون حتى بديكتاتوريته وفساده أهون شرًا من اقتتال السوريين مع بعضهم. وبنفس الوقت تشكل هذه الشروخ عائقًا قويًا أمام تشكيل جبهة معارضة سورية موحدة تملك رؤية واضحة لإنقاذ البلد من حكم النظام الأسدي. وقد رأينا وسمعنا العديد من المواقف والأسئلة حتى من كبار السياسيين، الذين أظهروا شكليًا دعمهم للثورة السورية، مصاغة بطريقة “ومن يستطيع حكم السوريين بكل هذه الخلافات إن لم يكن نظام بشار رغم كل مساوئه؟”، وهو سؤال يعرف جوابه الخبراء السياسيون ويعلمون أن لا معنى لهذا السؤال أمام الواقع السوري، لكن الصراع الجيوسياسي فوق سورية، والصراع الإقليمي والدولي جعل هذا السؤال الخادع مشجبًا لتعليق كل تراجع أو ضعف بدعم الثورة السورية، ووسيلة أيضًا للسيطرة عليها.

إن مواجهة الخطاب التفريقي سواء الطائفي أو السياسي أو القومي المبني على زيادة النفور والكراهية والإقصاء هو المهمة الأكبر والأصعب أمام أي عمل سوري يريد ضمان إعادة بناء سورية كدولة حديثة آمنة قادرة على التطور والازدهار، وهذه المواجهة تستدعي حكمًا دراسة الأسباب والوسائل المولدة لهذه الشروخ بين السوريين وأيضًا دراسة وسائل المواجهة وخصوصًا الإعلامية والتثقيفية سواء في مرحلة ما قبل سقوط نظام الأسد أو بعده، وللسوريين فيما حصل بدول الجوار وبعض الدول العالم درس كافي حول أن أساس بناء الدولة والمجتمع هو التغلب على خطابات الكراهية والإقصاء التي تتولد وتزداد مع أزمة دامية كالأزمة السورية.


[1]   واشنطن بوست، مقابلة مع الملك عبد الله الثاني، 08/12/2004

https://www.washingtonpost.com/archive/politics/2004/12/08/iraq-jordan-see-threat-to-election-from-iran/7e0cc1bc-aeb3-447a-bc9e-cfa5499699bc/

[2]  War Is Not Part of Human Nature، R. Brian Ferguson، scientificamerican، 01/09/2018

https://shorturl.at/goF58

[3]  الموكيانية في اليونان القديمة في الألفية الثانية قبل الميلاد، وقد أُخذ إسمها موكناي أرغوليذا في بيلوبونيز في اليونان

[5] قُسْطَنْطِينُ العَظِيمُ أو الأول (272-337 م)، أول امبراطور روماني يعتنق المسيحية.

[6]  أبو الحسن علي بن أبي طالب الهاشمي القُرشي رابع الخلفاء الراشدين (599-661 م).

[7]  ما بعد الحقيقة عربي قبل أن يكون غربيا، علاء الخطيب، موقع بيت السلام، 08/01/2017

https://shorturl.at/jkES4

[8]  Views of social media and its impacts on society، Pew Research Center، 06/12/2022

https://shorturl.at/nrAOW

[9]  مركز حرمون للدراسات المعاصرة، نظرية المؤامرة والمؤامرة بين الوهم والحقيقة، علاء الخطيب، مركز حرمون، 03/01/2022

https://shorturl.at/jnrvP

[10] مجمع نيقية الأول أو المجمع المسكوني الأول، 325 م.

[11]  البابا الكسندروس الأول بابا الإسكندرية بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التاسع عشر (313-326 م).

[12]  آريوس (256–336م) قسيس وزاهد وكاهن مسيحي في الإسكندرية بمصر، وإليه ينسب المذهب الآريوسي.

[13]  مارتن لوثر (1483 – 1546 م) راهب ألماني وقسيس وأستاذ لاهوت ومُطلق ما سُميّ بعصر الإصلاح في أوروبا.

[14]  أبو عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان الأموي القرشي، مؤسس الخلافة الأموية (603-680 م).

[15]  أبو العباس عبد الله بن هارون الرشيد سابع خلفاء بني العباس (786-833 م).

[16]  أبو الفضل جعفر المتوكل على الله بن المعتصم بن هارون الرشيد عاشر خلفاء بني العباس (822-861 م).

[17]  الملك الناصر أبو المظفر صلاح الدين والدنيا يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدُويني التكريتي المعروف بصلاح الدين الأيوبي (1138-1193 م).

[18]  أبو المظفر شاه إسماعيل الهادي الوالي، أو إسماعيل بن حيدر بن الجنيد الصفوي مؤسس الدولة الصفوية (1478-1524 م).

[19]  صعود اليمين المتطرف الغربي، موقع بيت السلام، علاء الخطيب، 18/10/2017

https://shorturl.at/AKNOV

[20]  حافظ الأسد (1930 – 2000) رئيس سورية منذ انقلاب 16 تشرين ثاني/ نوفمبر 1970 إلى وفاته عام 2000. خلفه ابنه بشار الأسد.

[21]  بشار حافظ الأسد (1965-الآن) رئيس سورية بعد وفاة والده حافظ عام 2000، وما زال هو رئيس النظام الأسدي.

[22]  حزب البعث العربي الاشتراكي، أعلن رسميًا تحت اسم حزب البعث في 7 نيسان/ أبريل 1947، بقيادة مؤسسيه التنظيريين: ميشيل عفلق، صلاح الدين بيطار، زكي الأرسوزي؛ ليندمج لاحقًا مع الحزب العربي الاشتراكي بقيادة أكرم الحوراني ويكتسب اسمه المعروف. استولى الحزب على السلطة في سورية بعد انقلاب 8 آذار/ مارس 1963.

[23]  صلاح جديد (1926 – 1993)، قائد عسكري سوري وأحد قياديي حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية، كان الرئيس الفعلي لسورية خلال أعوام 1966 و1970 قبل أن تطيح به الحركة الانقلابية التي قادها حافظ الأسد عام 1970.

[24]  ” زعماء العلويين ناشدوا رئيس دولة الانتداب الفرنسية عدم الانسحاب من سورية محذرين ضمهم إلى دمشق”، صحيفة الرياض، 2 أيلول\سبتمبر 2012.

https://www.alriyadh.com/764670

[25]  علاء الخطيب، “نظرية المؤامرة والمؤامرة بين الوهم والحقيقة”، مركز حرمون، 03 كانون الثاني/يناير 2022

https://bit.ly/3mXMca7

[26]  فراج إسماعيل، “الطبيب الشخصي للسادات يتحدث عن صفقة بيع الجولان لإسرائيل”، العربية نت، 16 آب/ أغسطس 2006

https://bit.ly/3Qs6XIC

[27]   نيكولاس فان دام، “الصراع على السلطة في سورية”، مكتبة مدبولي، ISBN 977-208-141-5، الطبعة الالكترونية 2006

[28]  حرب الخليج الأولى أو الحرب العراقية الإيرانية، 1980-1988. اندلعت الحرب بين العراق بزعامة صدام حسين، وإيران بزعامة آية الله خميني. تقدر عدة مصادر أن البلدين خسرا معا أكثر من مليون ضحية عسكرية، وأكثر من 100 الف مدني.

[29]  مجزرة حماة، شباط\فبراير عام 1982، نفذتها قوات عسكرية سورية بأوامر حافظ الأسد لقمع تمرد الإخوان المسلمين العسكري. اختلفت تقديرات الخسائر في تلك المذبحة ما بين بضعة آلاف ضحية إلى عشرات آلاف الضحايا.

[30] الشيخ أحمد بن الشيخ محمد أمين كفتارو، 1912-2004، من أشهر العلماء المسلمين السوريين، ومن أقطاب الطريقة النقشبندية.

[31]  محمد سعيد رمضان البوطي، 1929-2013، عالم ومفكر مسلم ذو مكانة علمية مرموقة على مستوى العالم الإسلامي، من أقطاب المفكرين الإسلاميين الاشعريين، ثارت ضجة كبيرة حوله بسبب موقفه المعارض للثورة السورية عام 2011.

[32]  رياض الترك، 1930، من قيادات الحزب الشيوعي السوري المشهورين، تقلد منصب الأمين العام للحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي بعد خلافه مع خالد بكداش حول الموقف من نظام حافظ الأسد، أمضى الترك جزءًا كبيرًا من حياته في السجن بسبب مواقفه السياسية.

[33]  مروان شيخو، 1940-2001، أشهر الإعلاميين المسلمين السنة في سورية، والمعروف بتأييده الكبير لنظام الأسد.

[34]  مصطفى طلاس (1932 – 2017)، سياسي بعثي وضابط عسكري سوري شغل منصب وزير الدفاع ونائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة السورية ونائب رئيس مجلس الوزراء بالفترة من عام 1972 حتى 2004.

[35]  حكمت الشهابي (1931 – 2013)، شغل منصب رئيس هيئة أركان الجيش السوري بين عامي 1974 و1998.

[36]  رامي مخلوف، 1969، ابن خال بشار الأسد، أصبح من أكبر رجال الأعمال السوريين.

[37]  أسماء فوّاز الأخرس، 1975، زوجة بشار الأسد من العام 2000، من مدينة حمص السورية. ولدت في لندن، بريطانيا، وابنة طبيب القلب فواز الأخرس.

[38]  علاء الخطيب، “رامي مخلوف ومحاولته الحصول في 2009 على الجنسية النمساوية مقابل 30 مليون يورو استثمارات في النمسا”، 25/05/2020، موقع بيت السلام.

https://bit.ly/3QlSvBP

[39]  علاء الخطيب، “الحصاد المرّ لأربع سنين في سورية”، 09/07/2014، موقع بيت السلام.

https://bit.ly/3OlecQQ

[40]  أحمد الحسن الخطيب (1933 – 1982)، عضو بحزب البعث العربي الاشتراكي في سورية، رئيس سورية من 18 تشرين الثاني 1970 إلى 22 شباط 1971. عُين رئيسًا لسورية خلفًا لنور الدين الأتاسي بعد انقلاب حافظ الأسد في 16 تشرين ثاني/نوفمبر 1970.

[41]  ” زعماء العلويين ناشدوا رئيس دولة الانتداب الفرنسية عدم الانسحاب من سورية محذرين ضمهم إلى دمشق”، صحيفة الرياض، 2 أيلول\سبتمبر 2012.

https://www.alriyadh.com/764670

[42]  ستيفان وينتر Stefan Winter مؤرخ كندي متخصص في تاريخ العثمانيين في سورية، يدرس في جامعتي كويبيك-مونتريال، كوتش-استانبول.

[43] ستيفان وينتر، ” تاريخ العلويين، من سورية في العصور الوسطى إلى الجمهورية التركية”، منشورات جامعة برينستون، 2016، صفحة257-258، ISBN 9780691173894

[44]  القرآن الكريم، المدثر، 35.

[45]  المرجع 10

[46]  سورية حتى العام 2011، ما بين الابن وأبيه، علاء الخطيب، مركز حرمون للدراسات، 29/09/2022

https://shorturl.at/movF9

_____

علاء الدين الخطيب: كاتب وباحث سوري، له العديد من المقالات والدراسات المنشورة، تتناول الوضع السوري وعلاقته بالنظام الدولي والإقليمي من الناحية السياسية والاقتصادية والثقافية.

علاء الدين الخطيب
علاء الدين الخطيب
المقالات: 1