ملخص:
خطاب الكراهية في وسائل الإعلام الجماهيري من المفاهيم الحديثة، نشأ مع توظيف وسائل الإعلام الجماهيري في الحرب النفسية من قبل الأطراف التي اشتركت في الحربيين العالميتين الأولى والثانية. ومع أن خطاب الكراهية تعبير عن ظاهرة اجتماعية ذات منشأ نفسي، إلا أن توظيفها وتضخيمها وتوجيهها عن طربق وسائل الإعلام الجماهيري يخفي ورائه أهدافًا: سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية.
أولًا – مشكلة البحث:
تدور مشكلة البحث حول ظاهرة خطاب الكراهية في وسائل الإعلام بين البعد العربي والبعد الدولي، حيث تم تسويق خطاب الكراهية في وسائل الإعلام وكأنه وليد المرحلة الحالية، وأن الإعلام العربي المسئول الأول عن هذه المشكلة القديمة الحديثة الإقليمية والدولية، وتم القفز على أسبابه ومسبباته كما تم تجاهل دور الإعلام الدولي الموجه إلى المنطقة العربية والناطق بالعربية.
ثانيًا – أهمية مشكلة البحث:
نظرًا لحجم الكوارث الناتجة عن ظواهر العنف والكراهية التي أسهمت وسائل الإعلام في تأجيجها، وشيوع دعوات العنف والكراهية في العديد من وسائل الإعلام الدولية والإقليمية والعربية والقنوات الناطقة بالعربية، وما يترتب على ذلك من نتائج وتداعيات سياسية واجتماعية واقتصادية يضفي على البحث أهمية استثنائية.
ثالثًا – أهداف البحث:
يسعى الباحث إلى تحقيق الأهداف الأتية:
– التعرف على مسئولية الإعلام العربي عن خطاب الكراهية.
– تقصي دور الإعلام الدولي والإقليمي في إثارة خطاب الكراهية.
– دراسة أسباب ودوافع خطاب الكراهية في وسائل الاعلام.
– البحث في النظربات المفسرة للعنف وخطاب الكراهية.
– البحث في أثار ونتائج خطاب الكراهية في وسائل الاعلام
رابعًا – تساؤلات البحث:
إن تحقيق أهداف البحث يتم من خلال الإجابة عن تساؤلات البحث الأتية:
– ما المقصود بخطاب الكراهية واتجاهاته في وسائل الاعلام؟
– هل الإعلام العربي مسئول عن خطاب الكراهية؟
– ما هو دور الإعلام الدولي والإقليمي في إشاعة ونشر خطاب الكراهية؟
– ماهي أسباب ودوافع خطاب الكراهية في وسائل الاعلام؟
– هل هناك نظريات لتفسير العنف وخطاب الكراهية في وسائل الاعلام؟
– ما هي أثار ونتائج خطاب الكراهية في وسائل الاعلام؟
– من هم ضحايا خطاب الكراهية في وسائل الاعلام؟
خامسًا – منهج البحث:
تم استخدام المنهج الوصفي لتوصيف مشكلة البحث والفقه النظري المتعلق في بحث هذه المشكلة من وجهات نظر الباحثين والمهتمين بهذا الموضوع، كما استخدم الباحث المنهج التحليلي لتحليل المعلومات المتعلقة بتفسير المشكلة والربط بين الأسباب والنتائج من خلال الانتقال من الجزء إلى الكل ومن الكل إلى الجزه في بعض الحالات في التفسير والاستنباط والتعميم.
سادسًا – أدوات البحث:
استخدم الباحث الملاحظة العلمية لمراقبة المشكلة وظواهرها وتشخيص العلاقة فيما بين الظواهر المختلفة التي تعلق بمشكلة البحث؛ كما استخدم الاستقراء أداة لجمع المعلومات من المصادر العلمية المختلفة، التي تناولت هذا الموضوع من زوايا مختلفة، واستخدم الاستنباط بهدف التوصل إلى نتائج علمية تجيب عن تساؤلات البحث وتحقق أهدافه.
—
مقدمة:
يشهد الفكر المعاصر شيوع العديد من الاصطلاحات المثيرة للجدل والنقاش بين الباحثين والمهتمين وصناع القرار: كالإرهاب وخطاب الكراهية والعنف والمذهبية والأقليات والتطرف…. الخ
وقد شهدت المجتمعات العربية تضخيمًا إعلاميًا يصل إلى حد المبالغة في تكرار هذه الاصطلاحات السياسية التي اتخذت فيها العديد من القرارات الدولية وشنت حروب وهجرت الملايين من مجتمعاتنا العربية، قسمًا كبيرًا منها مازال يسكن في الخيام وكان من أسباب ذلك خطاب الكراهية في وسائل الإعلام.
وتأسيسًا على ما تقدم يثير هذا البحث العديد من التساؤلات التي ترتبط بأسباب هذه الظواهر ودوافعها وأطرافها وضحاياهاء وما نتج عنها من أحداث وتطورات في المجتمعات العربية على الرغم من أبعادها الدولية؟ لماذا تجاهلت الدول الكبرى الأسباب والعوامل الدولية المؤدية إلى شيوع ظواهر الكراهية؟ وهل أن تاريخ المجتمعات العربية كان يشهد مثل هذه الظواهر والمشكلات من قبل التدخلات الدولية؟ وهل أن الإعلام الدولي بريء والإعلام العربي هو المسئول الوحيد عن إثارة هذه المشكلات ومانتج عنها من أثار وتداعيات؟ هذا ما سيحاول البحث الإجابة عليه في الصفحات القادمة.
الإطار النظري للبحث:
أولًا – الدراسات السابقة:
1. دراسة مرصد “أكيد” رصد خطاب الكراهية في وسائل الإعلام الأردنية. تم اجراء هذه الدراسة من قبل مركز ” أكيد” التابع إلى معهد الإعلام الأردني، بالتعاون مع شبكة الصحافة الأخلاقية. هدفت الدراسة إلى رصد التغطية الإعلامية لخطاب الكراهية في وسائل الإعلام الأردنية من خلال الكشف عن تعبيرات الكراهية والمفردات اللغوية التي تتضمن التحيز والتحريض ثم التعرف على التغطية الإعلامية وما تعكسه من قيم واتجاهات، وتناولت الدراسة تحليل مضامين نماذج من وسائل الإعلام الأردنية خلال مدة زمنية عمدية شهدت الأردن خلالها أحداث انتجت خلاله مضامين في خطاب الكراهية وقد شملت العينة الأعوام 2016-2018-م، وأظهرت نتائج الدراسة أن مواقع التواصل احتلت المرتبة الأولى في مضامين خطاب الكراهية من خلال التحريض على القتل الذي احتل الترتيب الأخير في المعالجة تلتها الإذاعات الأردنية وكان العنف والقتل في الترتيب الأخير ايضًا وكذلك التشهير والتقبيح، بينما ركز خطاب الكراهية في الصحافة الأردنية على الجهات السياسية العربية والدولية (أكيد – معهد الإعلام الأردني، 2019).
2. دراسة Gagliardone, I. et al. Countering Online Hate Speech، 2015. هدفت هذه الدراسة إلى اقتراح الوسائل والأساليب الرامية إلى مكافحة خطاب الكراهية على شبكة الانترنت بعد التزايد الكبير في الكتابات والنشر على الشبكة، وقد أظهرت الدراسة أن هناك تباين وعدم وضوح بين نشر خطابات العنف والكراهية على الانترنت وبين ممارساتها العنيفة في الواقع، ونتيجة لذلك تم وضع أهداف فرعية تتعلق بالبحث عن كيفية انتشار خطاب العنف والكراهية وسبل مواجهة مثل هذه الخطابات، وتصنيفها وكيفية وضع المعالجات المتعلقة بها، ونظرًا لسعة البحث وتشعبه تم استخلاص الخطوات الإجرائية للمعالجات التي اقترحتها هذه الدراسة والتي تضمنت الحد من مواقع التحريض والكراهية وإغلاقها وإيقاف انتشارها، ووضع نظم وأساليب للإنذار المبكر وانشاء تحالفات وطنية لإيقاف زحف هذه المواقع، تنظيم حملات للتوعية والتثقيف والرد على الاستفسارات، والدعوة إلى تخفيف من حد الخطاب، ومحاولة الفصل بين الخطابات العنيفة الأنية والفردية وبين الحملات الهادفة والمنظمة للحث على الكراهية، وكان من بين التحديات التي تم تشخيصها الأقنعة غير الواضحة والهويات المجهولة للناشرين، وكان من أخطر أنواع خطاب الكراهية المضامين التي تحث على التمييز والعنصرية والشعبوية والإذلال.
3. دراسة محمد مسعود قيراط التي كانت بعنوان: الإرهاب دراسة في البرامج الوطنية واستراتيجيات مكافحته، جاءت هذه الدراسة في ستة فصول وتوصيات وخاتمة، تضمنت: المنهجية وفلسفة المفاهيم، والإرهاب ووسائل الاعلام، ثم دراسة واقع التجارب الوطنية في مكافحة الإرهاب، واستراتيجية تفعيل البرامج الوطنية المتعلقة بأسبابه ومصادره.
وتوصلت الدراسة إلى عدد من النتائج كان من بينها: ارتباط الإرهاب بطبيعة البنية الاجتماعية، مما يدعو إلى ضرورة دراسة هذه البنية، فضلًا عن ارتباط هذه الظاهرة بالإيديولوجيات والقيم السياسية التي تحكمها. وخلصت الدراسة إلى أن ظاهرة الإرهاب جديدة على الوطن العربي ويوصي بتكثيف الدراسات المتعلقة بتعريف الإرهاب والتوعية بأسبابه وآثاره من خلال نشر خطاب التسامح.
مناقشة الدراسات السابقة:
ركزت دراسة مركز “أكيد” على خطاب الكراهية في وسائل الإعلام الأردنية عن طريق تحليل عينة من مضامين وسائل الإعلام الأردنية لثلاث سنوات، ابتدأت من 2016م بهدف المقارنة بين مواقع التواصل الاجتماعي والإذاعة والصحف في المملكة الأردنية الهاشمية، لمعرفة أي من تلك الوسائل تنشر مضامين عنف وكراهية، ولم تتطرق إلى نظريات مفسرة لهذا النوع من الخطاب وهو ما تميز به هذا البحث عن البحوث السابقة، وكذلك دراسة جليارد دون وأخرون التي ركزت على أساليب ووسائل مواجهة خطاب الكراهية على شبكة الانترنت من دون التطرق إلى وسائل الإعلام الأخرى، كما لم تتناول النظريات المتعلقة بتفسير هذه الظاهرة، أما دراسة ممد قيراط التي ذهبت إلى دراسة الإرهاب وأسبابه ومحاولة وضع استراتيجية لمكافحة الإرهاب دون التعرض إلى خطاب الكراهية الذي يعد من أسباب ظواهر الإرهاب، كما لم يعالج النظريات المفسرة للعنف وخطاب الكراهية الذي تميز به هذا البحث.
ثانيًا – التعريف بخطاب الكراهية وفلسفة المفهوم
خطاب الكراهية من المفاهيم الحديثة التي شاعت في الفقه السياسي وتناولتها وسائل الإعلام الدولي والعربي بالتحليل والتأويل، وكان ذلك دافعًا للعديد من الكتاب والباحثين لتأصيل هذا المفهوم وأهدافه واتجاهاته، وكان كتاب راشد المبارك الذي صدر عام 2001م “فلسفة الكراهية – دعوة إلى المحبة” جاء ذلك في العديد من العناوين التي تناولها هذا البحث.
وكان الخطاب الإعلامي مثار سجالات ونقاشات حادة في الأوساط السياسية والإعلامية العربية والدولية، وذلك لخطورة هذا الخطاب على أي منبر أو مؤسسة أو مقررات أو مواقع إعلامية.
تجدر الإشارة إلى ان هذا الخطاب تعبير عن ظاهرة عالمية، وكانت المنطقة العربية أكثر سخونة في النقاشات والأحداث المتعلقة بهذا الخطاب.
وكان من أكثر أشكال التعقيد المتعلقة بهذا الموضوع تداخله وتشابكه مع حرية التعبير فضلًا عن سعة مسرحه وتعدد أطرافه.
صدر أول تعريف لخطاب الكراهية في الولايات المتحدة عام1993، بأنه الخطاب الذي يدعو إلى أعمال العنف أو جرائم الكراهية، ويُوجِد مناخًا من الأحكام المسبقة، التي قد تتحول إلى تشجيع ارتكاب جرائم الكراهية، وعادة ما يستخدم أصحاب ذلك الخطاب أساليب متعددة تجعل الآخرين يشعرون بعدم الأمن، وتشتمل العنف والإيذاء، وتدمير الممتلكات، والتهديدات، وإطلاق ألقاب غير مستحبة، أو إرسال بريد مشبوه أو التقليل من شأن فرد أو جماعة اجتماعية.
وتأسيسًا على ما تم ذكره فإن خطاب الكراهية تعبير عن عقد تاريخية، تعود جذورها إلى عمق التاريخ، فالكراهية من النزعات العدوانية الكامنة في النفس البشرية نتيجة لعوامل التنشئة والتعلم من المؤثرات الأساسية في البيئة الاجتماعية، فالعدائية تنمو بتأثيرات البيئة والظروف التي تحيط الفرد وتشكل أفكاره واتجاهاته وميوله، وعندما تجد هذه النزعة عمليات تغذية وحث؛ ستنمو في الذات الفردية وتتطور لتنتشر في الجماعات الاجتماعية، وقد تشمل الأغلبية في بعض البيئات عندما تجد قيادات كاريزمية مؤثرة ووسائل وأساليب تسمح بتضخيمها.
وقد تختفي هذه النزعة عندما تقمع الجماعة التي تنمو فيها هذه الظواهر، أو عندما تندمج الجماعة الحاملة لهذه النزعة مع المجتمع الكلي، لأغراض التكيف والتعايش المشترك.
إلا أن هذه النزعة لم تختف بشكل نهائي، وإنما تعود إلى الظهور مجددًا لدى بعض الأقليات خلال المراحل التاريخية اللاحقة، عندما يضعف المجتمع الكلي، أو يتعرض إلى التفكك، أو عندما تجد دعمًا خارجيًا من قوى أخرى تساعدها في استعادة الدور لقيادة المجتمع بأكمله.
يمكن الإشارة هنا إلى أن الحديث عن خطاب الكراهية في وسائل الإعلام الجماهيري لا يعود إلى وسائل الإعلام لذاتها كونها تقنيات مجردة، وإنما يعود لمن يوظف هذا النوع من الخطاب في وسائل الإعلام الجماهيريء أفراد أو مؤسسات أو أحزاب ومنظمات لتحقيق أهداف تستمد مقوماتها وتأثيراتها من عمق تجذر هذه العقدة في نفوس من يروجون لها في وسائل الإعلام.
ثالثًا – خطاب الكراهية تعبير عن ظواهر اجتماعية أم سياسية؟
نظرًا للتداخل الشديد بين الظواهر الاجتماعية والسياسية وانعكاس تأثيرات خطاب الكراهية السياسي، على المجتمع بأثار سلبية، قد تسهم في إضعاف تماسك المجتمع وتفككه.
كان العالم الاجتماعي أميل دور كايم، من أبرز العلماء الذين تصدوا للبحث في هذه الظاهرة في كتابه “قواعد المنهج في علم الاجتماع” الذي عرف فيه الظاهرة الاجتماعية على أنها: “ضرب من السلوك والتفكير والشعور الموجود خارج الفرد وذلك بحكم ما زودت به من قوة وإلزام تفرض نفسها على الفرد، والملاحظ ان هذه الحقائق الاجتماعية وإن كانت قهرية إلا أن الفرد لا يشعر بقهريتها أو الزامها طالما أنه تم الاتفاق عليها داخل المجتمع” (جهينة العيسى وكلثم الغانم، 2000م).
وبذلك يرى دور كايم أن الظاهرة الاجتماعية عبارة عن: العمل والتفكير والأحساس الذي يسود مجتمع من المجتمعات؛ ويجد الأفراد أنفسهم مجبرين على اتباعها في عملهم وتفكيرهم.
والظاهرة الاجتماعية من المفاهيم القديمة على مستوى الممارسة، الحديثة على مستوى التأصيل والبحث والتنظير.
وقد تتطور بعض الظواهر إلى مشكلات بالغة الخطورة والتعقيد، سيما إذا ما كانت ذات بعد سلبي أو ذات نتائج سلبية، تلقي بظلالها على المجتمع بشكل عام وعلى الفرد بشكل خاص.
كما تتحول الظاهرة الاجتماعية إلى مشكلة اجتماعية في حال وجود خلل أو عدم اتزان في بعض اتجاهات المجتمع؛ أو سلوكياته الاجتماعية غير المنضبطة.
وبالتالي فإنه يتوجب على من يتصدى لدراسة هذه الإشكالية أن يدرك أن هذه التعقيدات في السلوك الاجتماعي؛ الذي يتطور إلى مشكلات اجتماعية قد تكون أسبابه الفجوة التي تحصل بين الأقوال والأفعال من العناصر الفاعلة في النظام الاجتماعي، لأن هذه الأفعال إذا ما انتشرت على هيئة أفعال سلبية تنتشر في الأوساط الاجتماعية، على شكل ظواهر تنطوي على مشكلات معرقلة لاستقرار المجتمعات وتقدمها.
وتأسيسًا على ما تقدم فإن خطاب الكراهية من المسببات الأساسية لحصول خلل وعدم اتزان في المجتمع الواحدء مما يؤدي إلى تطور الظواهر الاجتماعية المتعلقة بهذا النوع من الخطاب، وتحولها إلى مشكلات اجتماعية مهددة للأمن الاجتماعي.
أما الظاهرة السياسية فلا تعدو أن تكون تعبير عن الواقع السياسي المتعلق بالسلطة وابعادها وخصائصها وعلاقاتها بالمجتمع؛ والظاهرة السياسية حدث أو موضوع أو قضية تمس الاتجاه العام السائد في المجتمع تتطلب المصلحة العامة، دراسة الظاهرة في أبعادها واتجاهاتها وتأثيراتها الظاهرة والباطنة الحاضرة والمستقبلية.
ومن جانب آخر فإن الأمن والسلم الاجتماعي يتطلب مظلة سياسية واقية للبنى الاجتماعية خالية من النوايا السيئة، لأن الأثار السلبية التي تحصل في البنية الاجتماعية لم تحصل لأسباب اجتماعية بحتة ومجردة، وإنما غالبًا ما تكون انعكاس للممارسات السياسية السائدة في المجتمع.
وقد تم تأكيد هذا الأمر في المؤتمر العالمي 2005 عندما طالبت الدول باستراتيجيات أكثر طموحًا وذلك بدعم دولي متزايد. لحماية القيم والعلاقات الاجتماعية وتعزيزها (إيزابيل أور كيز، الساسة، 2007م).
رابعًا – النظربات المفسرة للعنف وخطاب الكراهية
العنف وخطاب الكراهية مسلمتان متلازمتان فقد يعبر عنهما الفرد بالسلوك العنيف أو بالخطاب المكتوب أو المرئي أو المسموع من أجل أن يعكس الحالة الفكرية والنفسية التي يعيشها، ولم تكن هذه الظاهرة وليدة المرحلة الحاضرة، وإنما لها جذور تاريخية موغلة في القدم، كما لا يمكن تحديدها بزمان أو مكان
معينين، لأنها ظاهرة عالمية تصدى لها العديد من العلماء وظهرت العديد من النظريات المفسرة للعنف والعدوان بكافة أشكاله وكان من بين أهم هذه النظريات نذكر الآتي:
1 – نظرية الإحباط:
تعود هذه النظرية إلى دولارد وميلر اللذان قاما بدراسة الإحباط وعلاقته بالعنف والعدوان لدى الانسان وتوصلوا إلى عدة نتائج منها: (عبد المنعم الحفني، 1999).
* إن العنف والعدوان استجابة فطرية للإحباط.
* تزداد شدة السلوك العدواني العنيف بزيادة وتكرار حالات الإحباط لدى الأفراد.
* إذا منع الإنسان من تحقيق أهدافه الضرورية ستكون له ردود فعل عدوانية مباشرة أو غير مباشرة.
* الإحباط حالة نفسية تترتب عليها إعاقة السلوك الفردي عن تحقيق أهدافه أو اشباع حاجات الأساسية.
* إن الإحباط قد تكون أسبابه داخلية تتعلق بالحالة النفسية للفرد، وقد تكون خارجية ناجمة عن البيئة التي يعيش الفرد فيها.
2 – نظرية التعلم الاجتماعي:
يعتقد أصحاب نظرية التعلم الاجتماعي أن سلوك العنف والإجرام سلوك مكتسب يتعلمه الفرد من خلال التفاعل الاجتماعي، وهذا السلوك يكتسبه الأفراد بنفس الطريقة التي يكتسبون فيها أنماط سلوكية أخرى في حياتهم الاجتماعية، وتلعب التنشئة الاجتماعية دور فعال في اكتساب هذا السلوك كالأسرة والمدرسة والأصدقاء (محمد توفيق سلام، 2000).
3 – نظربة الثقافة الفرعية للعنف:
تقوم هذه النظرية على افتراض وجود علاقة بين تعلم قيم ثقافية معينة والسلوك العنيف، وبقصد دعاة هذه النظرية أن السلوك العنيف هو نتيجة لعوامل ثقافية معينة ويذهب دعاة هذه النظرية إلى وجود علاقة بين التنشئة الثقافية والسلوك العنيف، ويعتقدون أن هذه الثقافة الفرعية المسببة للعنف تنتقل من جيل لأخر، وأنها تختلف من جماعة لأخرى ، وقد تطورت نظرية ثقافة العنف كثقافة فرعية شاعت في المجتمعات الفقيرة التي يرى أصحابها ان اسلوب السلوك العنيف من الأساليب المبررة لديهم لتحقيق أهداف يسعون إلى تحقيقها (ريا احمد الدباس، 2009م).
إن تحليل النظريات السابقة والعديد من النظريات الأخرى التي تفسر العدوان والسلوك لدى الأفراد والمجتمعات يدل على عمق الجذور التأريخية لهذه الظاهرة، التي أرجعها العديد من الباحثين إلى أرسطو الذي كان أول من كتب عن نظرية التطهير، وربط عملية التطهير بمشاهدة السلوك العنيف؛ وفضلًا عن ذلك فإن هذه الظاهرة العالمية الموغلة في القدم تعززت وأضحت أكثر وضوحًا في العصر الحديث بعد ظهور وسائل الإتصال الجماهير وتطورها.
خامسًا – أسباب ودوافع خطاب الكراهية في وسائل الإعلام الدولية والعربية
إن ظاهرة خطاب الكراهية أضحت إشكالية عالمية، لا تقتصر على دولة أو أمة أو عرق ودين، وإنما سادت العالم الحديث كله حيث نجدها في أفريقيا، وفي محاكم التفتيش، والهوتو والتوتسي والتمييز العنصري في جنوب أفريقيا والكونغو، كما نجدها في بعض مجتمعاتنا العربية الملتهبة في الأحداث، ونراها واضحة في فلسطين في الصراع العربي الصهيوني، وفي أوربا مجازر البوسنة والهرسك ومن نماذجها الروهينغا، وما حصل للمسلمين من مجازر وحملات تطهير وتهجير، والصراع الفنزويلي الأمريكي والكوبي الأمريكي، وإقليم الباسك والصراع الهندي الباكستاني والقائمة تطول… وقد سبق هذه الصراعات وتلاها حملات من خطاب الكراهية كان سببًا في اشعال نيرانها وما ألت إليه من نتائج كارثية.
يمكن الإشارة إلى أن لحملات خطاب الكراهية في بعض وسائل الإعلام العربي والدولي أسباب ودوافع متعددة المداخل، فهناك دوافع وأسباب سياسية واقتصادية وثقافية، ومن جهة ثانية هناك أسباب محلية وإقليمية ودولية فضلًا عن الأسباب التقنية. وتأسيسًا على ما تقدم يمكن إيجاز أسباب ودوافع خطاب الكراهية بالنقاط الأتية:
1 – استثمار التطورات التقنية لوسائل الإتصال الجماهيري لتحقيق مكاسب اقتصادية، حيث استطاعت المؤسسات الاقتصادية الكبرى من تحويل مؤسسات الاتصال والمعلوماتية إلى مشروعات استثمارية كبرى بعد أن قامت بتسليع الإعلام وحولته إلى تجارة تخضع لقوانين العرض والطلب غير مبالية بما سترتب على ذلك من نتائج كارثية بحقوق الأفراد والمجتمعات. إذ تشير بعض الدراسات المتعلقة باقتصاديات الإعلام أن اقتصاديات الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية أضحت تشكل ما يقرب من 60% من الاقتصاد القومي الأمريكي، ويرى بعض الباحثين أن الحضارة المستقبلية ستقوم على اقتصاديات العلم والمعرفة وستلعب فيها وسائل الإعلام والمعلوماتية أدوار خطيرة تتشكل عن طريقها الأنماط الحياتية المستقبلية في مختلف أنحاء العالم.
وتأسيسًا على ذلك أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية منذ أواخر القرن الماضي مشروعًا اتصاليًا تمت تسميته بـ (الطريقة السيارة للاتصال) أو ما بات يعرف بـ (نظام الوسائط المتعددة)، إن هذه العبارة أضحت مشروعًا حيويًا يعول عليه في ميادين الإعلام والسياسة والاقتصاد، حيث قامت إدارة الرئيس الأمريكي السابق (بن كلينتون) بتفعيل هذا المشروع الذي تكفل به نائب الرئيس (الكور) المتخصص بالاتصال والمعلوماتية، وبذلك احتل هذا المشروع أولوية استراتيجية، لأنه عد منطلقًا لعمليات تغيير جذرية لأنماط الحياة بكافة جوانبها (مصطفى حميد الطائي، 1999م).
وفضلًا عن ذلك دعمت الإدارة الأمريكية مبادرة البنية التحية للمعلومات بقصد توفير كميات هائلة من المعلومات تضعها تحت تصرف المستخدم، سواء كان ذلك في مجالات تطوير تقنيات الاتصال الجماهيري والمعلوماتية، أو في مجال خدمة رجال الأعمال والجمهور على حد سواء. (اتحاد الإذاعات العربية، 1990م).
وعلى الرغم من الإيجابيات التي لا يمكن حصرها من تطور تقنيات الاتصال والمعلوماتية، فإن خضوع العديد من وسائل الإعلام الدولية والإقليمية والعربية للاستثمار وتحولها إلى تجارة تخضع للأرباح والخسائر، كان دافعًا لاستثمارها من قبل بعض أصحاب الأموال لتوظيفها في ترويج مضامين العنف والإثارة والمضامين التي أذكت النزاعات والفتن والصراعات وإثارة الكوامن النفسية المرضية التي تشجع العداء والكراهية.
2 – إن استغلال وسائل الإعلام الجماهيري من قبل بعض الدول في حملات الغزو الثقافي والفكري لتحقيق أهداف توسعية ومصالح ومنافع قومية أدى إلى تمزيق المنظومة الفكرية للمجتمعات المستهدفة، من خلال تقويض ركائزها العقيدية والحضارية والقيمية والتاريخية، وما ينتج عن ذلك من مسخ للهوية الحضارية على المستوبين الجمعي والفردي، وقد أكد الجابري على أهمية الخصوصية في الهوية بقوله: لا تكتمل الهوية ولا تبرز خصوصيتها الحضارية، ولا تغدو هوية ممتلئة قادرة على نشدان العالمية، إلا إذا تجسدت مرجعيتها في عناصر ثلاثة: الوطن والأمة والدولة (محمد عابد الجابري، 2008).
3 – استخدام وسائل الإعلام في حملات الحرب النفسية من قبل بعض الدول التي تخوض حروب مع بعضهاء وكانت الحربين العالميتين من أكثر النماذج وضوحًا في تشجيع خطاب الكراهية، إلى الدرجة التي أصبح فيها هذا الموضوع أكثر خطورة بعد البث الفضائي وتطور وسائل الإعلام وانتشارها في كل مكان من العالم.
وكان خطاب الكراهية من الوظائف السلبية التي استخدمت فيها وسائل الاتصال الجماهيري (مصطفى حميد الطائي، العرب. 2009م).
4 – اتباع بعض الدول سياسات الإقصاء والتهميش على المستوبين المحلي والدولي دفع من تعرضوا لهذه السياسات إلى استخدام أساليب خطاب الكراهية في محاولة لجذب الانتباه إلى قضاياهم.
وكان ذلك من الأسباب التي دفعت المهمشين إلى استخدام خطاب الكراهية لمهاجمة من يعتقدون أنهم مناوئين لهم.
سادسًا – دور وسائل الإعلام في الحد من خطاب الكراهية
سبقت الإشارة إلى ان خطاب الكراهية والعنف والتطرف أضحى من الظواهر الدولية التي تمس الإنسانية جمعاء، ونظرًا لتعدد وتعقد أسباب هذه الظاهرة وامتداداتها الدولية، فلا بد من تكاتف الجهود الدولية على مستوى الدول والمؤسسات العلمية والبحثية لمواجهة هذه الظاهرة والحد من تأثيراتها الضارة.
لذلك أكد المشاركون في ورشة عمل كانت بعنوان “نحو إعلام خالٍ من خطاب الكراهية”، نظمها مركز “الرأي” للدراسات بالتعاون مع مؤسسة “أنا أتجرأ للتنمية المستدامة” على أهمية المواطنة ودورها في محاربة خطاب الكراهية، وطالبوا بإصدار قانون رادع لمناهضة خطاب الكراهية، وتدريب كوادر أجهزة الإعلام ووسائله للتمييز بين خطاب الكراهية والرأي.
وفضلًا عن ذلك خلصت الورشة إلى ضرورة إيجاد خطاب فكري إعلامي معتدل وسطي لتصحيح المفاهيم المغلوطة.
ولمجابهة خطاب الكراهية في وسائل الإعلام، وتعزيز ثقافة الحوار والاختلاف وقبول الآخر بالتوازي مع الإصلاح على المستويات كافة ومحارية الفساد، وتعزيز النهج الإصلاحي الذي بدأ في الأردن ضمن استراتيجية وطنية شاملة.
لذلك لابد من أن تُشرّع الدول قوانين مستمدة من القوانين الدولية لحماية الإنسان من كافة المؤثرات المتعلقة بتنمية العقد والحقد والكراهية في المناهج التعليمية والإعلامية العامة والخاصة.
الخاتمة
يوصف خطاب الكراهية بأنه: خطاب عدائي مرضي يوظف في وسائل النشر والإعلام لتحقيق أهداف ومصالح ذات طابع عدائي. وإن ظواهر الخطاب العدائي تعود جذورها إلى عمق التأريخ، فالكراهية من النزعات العدوانية الكامنة في النفس البشرية نتيجة لعوامل التنشئة التي تعد من المؤثرات الأساسية المكتسبة في البيئة الاجتماعية، فالعدائية تنمو بتأثيرات البيئة والظروف التي تحيط الفرد وتشكل أفكاره واتجاهاته وميوله، وعندما تجد هذه النزعة عمليات تغذية وحث ستنمو في الذات الفردية وتتطور لتنتشر في الجماعات الاجتماعية، وقد تشمل الأغلبية في بعض المجتمعات.
لذلك فإن حماية الأمن والسلم الاجتماعي يتطلب مظلة سياسية واقية للبنى الاجتماعية خالية من النوايا السيئة، لأن الأثار السلبية التي تحصل في البنية الاجتماعية لم تحصل لأسباب اجتماعية بحتة ومجردة، وانما غالبًا ما تكون انعكاس للممارسات السياسية السائدة في المجتمع.
وعلى الرغم من الإيجابيات العديدة التي حصلت بفعل تطور تقنيات الإتصال والمعلوماتية، فإن خضوع العديد من وسائل الإعلام الدولية والإقليمية والعربية للاستثمار التجاري وتحويل مضامين وسائل الإعلام الجماهيري إلى سلع تخضع للأرباح والخسائرء كان دافعًا لاستثمارها من قبل بعض أصحاب الأموال وتوظيفها لترويج مضامين العنف والكراهية وإثارة الفتن والصراعات في العديد من المجتمعات الدولية إلى الدرجة التي أضحت فيها العديد من وسائل الإعلام أخطر من فوهات المدافع عندما تستخدم في حملات التضليل الإعلامي والحروب النفسية التي تستهدف الروح المعنوية للعديد من المجتمعات، على الرغم من إمكانية استخدامها للترفيه والتنمية والتقدم الاجتماعي.
ولمواجهة خطاب الكراهية في وسائل الإعلام، ينبغي تعزيز ثقافة الحوار والاختلاف وقبول الآخر بالتوازني مع القيام بالإصلاح ومحاربة الفساد على المستويات كافة.
التوصيات:
يوصي الباحث بالآتي:
– سن القوانين الدولية التي تعاقب الدول والمؤسسات التي تروج لخطاب الكراهية واناطة المهمة إلى مجلس الامن الدولي.
– حث الدول على ترشيد الخطاب الإعلامي وتنقيته من الكراهية.
– التوصية إلى الأمم المتحدة لتمويل قنوات تلفزبونية وإذاعية ومواقع الكترونية لمواجهة خطاب الشعبوية والكراهية.
– التوصية بتبني منظمات حقوق الإنسان برامج إعلامية تدعو إلى الحد من خطاب الكراهية وتدعو إلى التسامح والتعايش والتعاون.
(*) د. مصطفى حميد كاظم الطائي: أستاذ مشارك في كلية الإعلام – جامعة عجمان- الإمارات العربية المتحدة
(*) يُنشر بإذن خاص من الكاتب.