أصبح من السهل استخدام وسائل وسائط الإعلام، كوسيلة لإظهار الجماعات التي يُراد استئصالها بصورة مُسيئة ونمطيّة. وفي التاريخ المعاصر، استخدم نظام هتلر النازي وسائط الإعلام، في حملة تحريض منهجية ضد اليهود والرُّوما (الغجر) وشهود يهوه والمِثليِّين وغيرهم. وما كان في الإمكان تخيُّل المَحرقة النازية لليهود، ومُنتمِين إلى الرُّوما وفئات سكانية أخرى، دون تعبئة إعلامية مقدَّمة، برّرت للجريمة اللاحقة ومهّدت لها. كانت الأقليات كبش فداء، جرى تحميله وزر المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. وسنجد في أمثلة أخرى، أن نزع الخطاب العام الطابع الإنساني من الأقليات، يتكرر في كلِّ أزمة سياسية أو اجتماعية، سرعان ما تعقبها أحداث عنف أو إبادة.
في تسعينيات القرن الماضي، جادَل بعضهم في أن القتل في البوسنة، يعكس ببساطة عودة ظهور الكراهية القديمة، التي ميّزت العلاقات العرقية في يوغسلافيا قرونًا. لقد قوَّض القمع الشيوعي هذه الكراهية عدة عقود. لكن، مع نهاية الحرب الباردة، عادت الكراهية للظهور في دولة تعدّدية، تفكَّكَت إلى جزر إثنية متنافسة بعد انهيار النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا. وفي انخراط الزعماء السياسيين ووسائل الإعلام في “بزنس” الكراهيات العرقية، أصبح سيناريو ارتكاب جرائم حرب، وتطهير عِرقي، وجرائم ضد الإنسانية، واردًا.
مع أن البوسنيين من خلفيات دينية وعِرقية مختلفة، قد تزاوجوا بأعداد كبيرة، وعاشوا في مجتمعات مختلطة عِرقيًا، إلا أن محفزات الكراهية يمكن أن تتفجّر بسهولة، في حالة تسييس الإثنيات على يد سماسرة الهوية. وفي هذا السياق، أُثيرت وحشية الحرب بواسطة صفات استُخدمت ككليشهات جاهزة، ولعب المثقفون الطائفيّون ورجال الدين في بعض الحالات دورًا في اختراعها وتعميمها، قبل أن يستولي عليها سماسرة الهوية من السياسيين. وتنشر وسائل الاعلام تعميمات، لوصف الجماعات المختلفة بالوحشية أو الوضاعة أو البربرية.
مثال آخر نضربه على الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، إذ اضطلعت وسائط الإعلام بدورٍ رئيس في دعم الكراهية الإثنية والعنف، والتحريض عليهما ضد السكان من التوتسي ومن الهوتو المعتدلين. فقد بثّت صحيفة كانغورا الكراهية ضد التوتسي، ونشرت مقالات ورسومًا كاريكاتورية هوجم فيها التوتسي. ووصلت المحطات الإذاعية إلى جمهور أوسع، حيث قامت بدور أساسي، في نقل الدعاية المتّسمة بالكراهية والتحريض على العنف. وقام راديو رواندا ومحطة الإذاعة والتلفزيون للتلال الألف (RTML)، بالتحريض على المذابح وتشجيعها وتوجيهها. وأشارت رسائل الكراهية المذاعة خلال الإبادة الجماعية، إلى التوتسي ب”الصراصير”، وأصدرت تعليمات بقتلهم. وبالفعل، قُتل ما يقرب من مليون شخص.
المثال الأكثر راهنيّة، يتعلق بانتشار كراهية الإسلام والمسلمين في الغرب، إذ ربطت بعض وسائط الإعلام الإسلام بالإرهاب؛ ما يُعدّ محركًا رئيسيًا لعودة ظهور كراهية الإسلام، في عالم ما بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2011، وهو الذي جعل جريمة الاعتداء الأخيرة على مسجد في نيوزيلندا، التي راح ضحيتها 49 مسلمًا، أمرًا ممكنًا. في مقابل ذلك، تستخدم الجماعات الجهادية المتطرفة وسائط التواصل الاجتماعي، لبثّ رسائل الكراهية ضد الغرب ومناوئيه في بلدان العالم الإسلامي. فتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، يستخدم منابر على شبكة الإنترنت لنشر الكراهية، من بينها تويتر وفيسبوك وإنستغرام ويوتيوب، ويشمل ذلك وضع مقاطع فيديو ورسوم مصمّمة بالحاسوب.
مع أن رسائل الكراهية لا تُسفر كلها عن ارتكاب جرائم بدافع الكراهية فعلًا، فإن تلك الجرائم قَلّما تحدث من دون حالة مقدّمة، من وصم الفئات المستهدَفة ونزع الطابع الإنساني منها. لذا، أعتقد أن من الأهمية بذل المزيد من الجهد، من أجل رصد خطاب الكراهية أو التحريض عليها، والتصدي لها في الوقت المناسب؛ من أجل منع التوتّرات وأعمال العنف، التي من شأنها الإضرار بالنسيج المجتمعي ووحدة مجتمعاتنا واستقرارها. وعلى الحكومات والمجتمع الدولي والمجتمع المدني المحلِّي، البقاء في حالة ترقّب وحذر، في تلقِّي إشارات الإنذار المتعلقة بالكراهية والعنف في وقت أبكر بكثير، عندما تُلفظ أُولى كلمات خطاب الكراهية، أو عندما تبدأ وسائط الإعلام بالترويج لتصورات نمطية سلبية.
إن الرصد والتحليل لخطابات الكراهية، لا يُعدّ كافيًا دون توفير بيئة قانونية مناسبة، تتضمن تشريعات لمكافحة التمييز وخطاب الكراهية، وتأكيد تعددية وسائط الإعلام، بوصفها عنصرًا أساسيًا في توفير المعلومات بشكل مستقلّ وموضوعي، وتوفير إمكانية وصول الفئات السكانية كافة إليها، لأن عدم تمثيل بعض الفئات السكانية بالقدر الكافي في وسائط الإعلام، يعني غياب صوتها وتأثيرها، في مواجهة التعبيرات السلبية والكراهيات الموجّهة ضدها.
(*) سعد سلوم: كاتب وباحث ديني وأستاذ في العلاقات الدولية المساعد في كلية العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، من مؤسسي مبادرة الحوار المسيحي – الإسلامي، والمجلس العراقي لحوار الأديان.
(*) المصدر “تعددية”، منشور وفق سماح النشر المحدود (مشاع إبداعي)، مستوى 3.