ملخص:
شهد التاريخ الحديث ولا يزال، أمثلة مروعة على استخدام الدعاية الإعلامية للعنف والكراهية، مما أسفر عن أثار مهلكة، فما قام به الإعلام للسياسة النازية، وما فعله الاستعمار الغربي بالدول التي احتلها، وذبح أبناءها، وما حدث من إبادة جماعية في رواندا والبوسنة وغيرهما، مما كان لوسائل الإعلام فيه الدور البارز… ومع ذلك يكون مستغربًا ومدهشًا بل ومضحكًا، أن ترى بعض الإعلاميين ينكرون وجود خطاب كراهية في وسائل الإعلام، أو على الأقل مساهمتها في نشره! فبتضاعف وتضخّم عدد قنوات التواصل أضحت أشكال الكراهية، منتشرة عبر مختلف أنظمة التواصل التناظرية والرقمية على حد سواء، وبتزايد عدد المتصلين بشبكة الإنترنت، أصبحت هذه المنصات قنوات تواصل حيوية لصناعة ونشر الكراهية، وهذا الموضوع يفجّر تساؤلات عديدة منها: هل يمكن احتواء بث سموم خطاب الكراهية المتداول عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل بمواثيق الشرف الإعلامية؟ وما ضوابط معالجة ازدواجية معايير وسائل الإعلام في خلطها بين خطاب الكراهية وحريّة التعبير؟
مقدمه:
إن وسائل التواصل الاجتماعي تكرّس خطاب الكراهية وتساهم في نشرهء والفضاء الإلكتروني الذي أوجد حريّة مطلقة، بلا ضوابط أخلاقيّة ولا قوانين رادعة، جعل أبواب تلك المواقع مُشرعة، تتّسع لِكُلَ من يُغذي الكراهية. والتطور التقني لوسائل الإعلام، ساهم بصورة كبرى في تفشي ظاهرة الكراهية، حيث تم استقطاب شرائح متزايدة، للانضمام إلى جيوش عصرية مسلحة بالحقد والكراهية، لخوض معارك الاقتتال في الفضاء الإلكتروني الواسع، فاجتاح اليوم جميع دول العالم، ما اصطلح عليه “خطاب الكراهية”، وواجهت شتى الدول مستويات معقدة من ألوان الانتشار الواسع لهذه الظاهرة، التي أنتجتها بوتقة الشر، وسوقتها وسائل الاتصال المعاصرة، بل وزادتها قدرة على النمو والانتشار. ومع تأجّجٍ جذوة الوجود المتنامي للكراهية على منصات التواصل الاجتماعي، لاسيما أثناء الأزمات، زاد انتشار خطاب الكراهية، وهو ما آل إليه الحال في مجتمعنا المعاصر. لذا تتحمل وسائل الإعلام مسؤولية رئيسة في بث خطاب الكراهية، وكثيرًا ما تقوم هذه الوسائل بإعادة نقل وتدوير خطاب الكراهية، مستغلة ذلك تحت شعار حرية التعبير التي تصونها القوانين الدولية، وتحت غطائها تزايد الإعلام المتنخصص في صنع ونشر الكراهية في ظلّ غياب شبه تام للإعلام المهني، ومن الجليّ أن الإنترنت صارت مرتعًا خصبًا لخطاب الكراهية، بسبب ما توفره هذه الشبكة من إمكانية النشر باسم مستعار أو مجهول، وتفشيه يكشف عن قصور كبير في التعامل مع المفاهيم العالمية المنتشرة عبر وسائل الإعلام، لذا كان من اللازم التصدي لهذا الخطاب، إنها معركة أخلاقية بامتياز.
مصطلح خطاب الكراهية بلغة القانون:
مصطلح ‘خطاب الكراهية” Hate Speech مصطلح إشكالي، حيث لا يوجد له تعريف موحد، ولا له معنى محدد ليتم اعتماده عالميًا، فالكراهية هي حقد وشعور بالضغينة تجاه شيء ما، وكل كلام يثير مشاعر الكره، وينادي ضمنًا أو علنًا بإقصاء فرد أو أفراد، إما بالطرد أو الإفناء… كما ينطبق على كل خطاب أو عمل أو قول علني أو تعبير استعلائي يُحرّض على العنف أو يُمَهّد له هو خطاب كراهية. (زهرة، 2014).
ومع أن موضوع خطاب الكراهية حظي باهتمام بالغ من التاحية القانونيّة، إلا أن هذا الاهتمام انحصر في تقديم الحجج وتقييمها، لدحض مبرّرات خطاب الكراهية، بدلًا من تحليل المصطلح نفسه، ويبدو أن الوصول إلى تعريف شامل لها المصطلح: أضحى أمرًا صعبًا ومعقّدا، نظرًا لاشتماله على مفاهيم متشعبة. فهذا المصطلح لم يتمّ تناوله صراحة في المواثيق الدوليّة، إلا من باب حظر أشكاله أو شجبه فحسب، والنصوص القانونيّة والإصطلاحيّة تؤكد أن خطاب الكراهية مصطلح حقوقي فضفاض.. عرّفه البعض على أنه: ‘أنماط مختلفة من أنماط التعبير العام التي تنشر الكراهية، أو التمييز أو تحرض عليها وتروّج لهاء ضد شخص أو مجموعة ما من حاملي صفات معينة، فكل خطاب يعبّر عن مواقف متحيّزة اتجاه جنس أو عرق أو دين أو رأي سياسي أو أي عامل آخر… فهو خطاب كراهية، وهنا تكمن خطورة خطاب الكراهية، خاصة إذا وجدت منابر إعلامية أو وسائل اتصال تروج له وتزيد من انتشارها (اليونسكو، ب 2015) ومن ثمة انتشرت في الآونة الأخيرة مصطلحات مثل: الإسلاموفوبيا Islamophobie ورهاب الأجانب Xenophobie وغيرها.
تجليات خطاب الكراهية في وسائل الإعلام:
إن الوقائع والمعاينات تثبت أن وسائل الإعلام تكرّس خطاب الكراهية، وتتحمل مسؤولية رئيسة في بث خطاب الكراهية بصورة متواصلة، للمشاهدين والمستمعين والقرّاء، حيث نزايد الإعلام المتخصص في نشر الكراهية والتحريض على العنف والإقصاء، مع أطراف تدعم وسائل الإعلام القائمة على نشر الكراهية، وتقوم بتمويلها وتغذيتها، غايتها تخدير الشعوب وتغييب وعيها، وإشغالها عن حالة الشقاء والبؤس التي تعيشها، وبهدف إبقاء الشعوب بيادق تتقاتل، ليظل اللاعبون الرئيسيون متحكمين بمصيرهم، في ظل غياب شبه تام للإعلام المهني.
وكثيرًا ما ترتكب وسائل الإعلام أخطاءً في إعادة نقل وتدوير خطاب الكراهية، وهو ما حدث إبَان الاعتداء على مسجد في نيوزلندا، إذ لم تكتف تغطيات إعلامية آنذاك، بإيراد بعض مقاطع خطاب الكراهية الذي استخدمه منفذ الهجوم، عبر صفحته على موقع تويتر، بل أفردت بعض تلك التغطيات كامل المساحة لنقل ما وَرَدَ فيه من كلمات كراهية ممّن يؤْيّدونه. وتنقل أخرى ما كتبه منفذ الهجوم على أسلحته، وتبذل جهدًا لافتًا في الإحالات التاريخية لحقبة مسلمي الأندلس، وهذا كلّه ينطوي على مخالفات مهنية جسيمة، إذ أنّ فيه تكريسًا لما يريده أصحاب هذا الخطاب، من ترويج للفوضى والأحقاد، وأفعال قد تصل حد الإيذاء وإزهاق الأرواح، وحسبنا هنا تذكّرُ مجازر رواندا، التي راح ضحية نشر الإعلام لخطاب الكراهية فيها عام 1994 حوالي 800 ألف قتيل خلال مئة يوم فقط، ليمْثّل صحفيون أمام محكمة الجنايات الدولية للمرة الأولى بهذه التهمة.
لقد أمكن للتقنية الإعلامية أن تتيح حشد النشطاء، المطالبين بالكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأن تستخدم هي ذائها لأغراض التنظيم والتجنيد، وخاصة في ظل تزايد أعداد الأشخاص المتصلين بشبكة الإنترنت. وقد أصبحت هذه المنصات قنوات تواصل حيوية، يتيح لها التدفق المستمر للتبادل المعلوماتي الفوري وغير المنقح، إمكانية استغلال وتحويل هذه المعلومات إلى سلاح تحريض العامة، أو تضليلهم والتأثير عليهم، عن قصد أو عن غير قصدء على نحو يؤدي إلى عواقب خطيرة. ومن أكثر الاتجاهات الباعثة على القلق، الوجودُ المتنامي لخطاب الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي لاسيما أثناء الأزمات، والأوضاع المتوترة على الصعيد السياسي أو الاجتماعي، بينما تمنح وسائل التواصل الاجتماعيء قَوَّةٌ فاعلة لحريّة التّعبير وتفسح المجال لتعالي الأصوات التعصّب والتّحيّز تحت نطاق حرية التعبير عن أرائهم.
فثمة خطابات تدعو للعنصرية والتحريض وتحقير الآخرين، الذي يُبثْ على وسائل الاتصال. وعادةً ما تؤدي مشاعر عدم التسامح إلى توليد خطابات مفعمة بالكراهية وانتشارها، قبل أن تتضاعف وتتضخم عبر قنوات التواصل، وتتردد أصداء هذه الرسائل عبر أنظمة التواصل التناظرية والرقمية على السواء، ولديها قدرة خاصة على تأجيج جذوة التوترات القائمة بين الجماعات المختلفة، وإشعال فتيل العنف وارتفاع عدد الهجمات ضد الخصوم، ليتأكد بذلك ارتباط الخطاب التحريضي عبر الإنترنت، وتنتشر خطابات الكراهية دون سقف في الفضاء الرقمي. كما يؤثر استخدام الأدوات الرقمية بهدف تشويه الحقائق، ونشر خطابات مثيرة للفتن، تأثيرًا قويًا على الأزمات والنزاعات حتى قبل عصر التحول الرقمي، وقد شكَّلت تقنية الاتصالات عبر الوسائل المطبوعة والمسموعة والمرئية قوى راسخة محرّكة للعنف، ويشهد التاريخ الحديث على بعض الأمثلة المروعة على استخدام الدعاية وخطاب الكراهية بما أسفر عن حدوث أثار مهلكة، ومن أشهر الأمثلة على ذلك: الإبادة الجماعية في رواندا والبوسنة وغيرهما… مثلًا. (الوحش، 2017، خطاب الكراهية على المواقع الإخبارية الأردنية).
وغالبًا ما تتّسم الخطابات حول الآخر عمومًا، بما فيها تلك التي تلتحف بلحاف الموضوعية العلمية، والتّرفع عن التمركزات العرقية والثقافية، باختزاله في كمّ من التصورات الذهنية القبلية التي لا تحيل إلى حقيقته، بقدر ما تكشف عن حقيقة الذات الواصفة. فخطاب الإعلام الإستعلائي هو تعبير فوقي، يكشف عن العقلية الإقصائية التي يكرسها الإعلام في معظم وسائله حيث تكون له كل الفرص لممارسة أساليب التضليل والتنميط والتشويه، مومتّعا بذلك دائرة الكراهية، من خلال توظيف مصطلحات وعبارات، تفتقد إلى أخلاقيات الممارسة الإعلامية، وبلغة تحريضية لا تتردد في نزع صفة الإنسانية عن الآخر، بإطلاق صفات وضيعة شنيعة عليه، وإبرازه باعتباره نموذجًا للتعصب والتطرف، ويبدو أن الأمر لا يقتصر على النخب الإعلامية المحكومة بعقلية التسويق التجاري، البعيد عن شروط الممارسة المهنية الصحفية، بل تعداه إلى نخب حاضرة في الفضاء الإعلامي. (سعيد إدوارد، 2011، ص67-173).
ويبدو أن الإنترنت صارت مرتعًا خصبًا لخطاب الكراهية، بسبب ما توفره الشبكة من إمكانية النشر بأسماء مستعارة أو مجهولة. ولا يمكن حصر عدد الحالات التي ساهم فيها الإعلام، فالفيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت مواقع خصبة للتنمّر والهجوم اللفظي الذي يقع ضمن دائرة خطاب الكراهية، والفيسبوك. فمثلًا سجلت سنة 2012 جريمة في كل 40 دقيقة مرتبطة بالموقع، يتعلق الكثير منها بخطاب الكراهية. ومع أن كلًا من غوغل وتويتر وفيسبوك ومايكروسوفت، قد وافقت من بتاريخ 31/5/2016 على مدونة ضبط السلوك، بحيث يشمل خطاب الكراهية، والذي ورد فيه: لا يُسمح بالمحتوى الذي يهاجم الأشخاص على أساس العرق أو الديانة أو غير ذلك، إلا أنها في الوقت ذاته سمحت بالتعبيرات التي تُنشر على سبيل الدعابة أو السخرية من الأفراد والمعتقدات، والتي يعتبرها البعض تهديدًا أو هجومّا، فيتضمن المحتوى مثلًا: النكات والأعمال الكوميدية والرسوم المسيئة كالتي قُصد بها نبيّنا عليه الصلاة والسلام، كلمات الأغاني وما إلى ذلك، غير أن التناقض يتضح سريعًا في تعريف فيسبوك لخطاب الكراهية، إذ السؤال المطروح: ما معيار التعبيرات الساخرة من التعبيرات الجدية؟ فيقال لنا: إنه بالطبع يعتمد على النوايا، لكن النوايا جانب لا سبيل للوصول إليه، أو التحقق منه، حسب الدراسات اللغوية في تحليل الخطاب، والتي تخبرنا بأن المتحدثين لا يرتدون نواياهم، أي أنه لا يمكن معرفة النوايا من الكتابات على الفيسبوك مثلًا…
منصات التواصل الاجتماعي وتأثيرها اللامتناهي على خطاب الكراهية
إن وسائل التواصل الاجتماعي تساهم في نشر خطاب الكراهية بطرق منها:
– نشر معلومات مضللة.
– تهويل العنف والمشكلات الاجتماعية.
– المساعدة على نشر العنف المجتمعي اللفظي.
فالفضاء الإلكتروني أوجد حريّة مطلقة بلا ضوابط أخلاقيّة ولا قوانين رادعة، وجعل أبواب تلك المواقع مُشرعة تتّسع لِكُلّ من يغذّي الكراهية والحقد على الآخر، وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة أصبح الفضاء الاجتماعي والثقافي مُهِيَئًا لانتشار خطاب الكراهية، بل وأصبح هذا الخطاب الوسيلة الأولى من وسائل الاستقطاب السياسي عبر وسائل التواصل، ويشكّل العنصر الأساس في تنامي الكراهية واللاتسامح في علاقاتنا الإنسانية والحضارية المعاصرة.
ازدواجيّة معايير الإعلام في تعامله مع خطاب الكراهية
تستغل بعض الأطراف حرية التعبير التي تصونها القوانين الدولية، للاعتداء على كل شيء، فحتى الخالق تبارك وتعالى، والرسل والأنبياء والأديان، لم يسلموا من شرور هؤلاء الإعلاميين، ولعل الإشكاليّة المثارة هي حول حدود وضوابط حريّة وسائل الإعلام في التعبير.
رصاصة شارلي إيبدو مثلًا:
فبموازاة الحديث عن قوانين المطبوعات التي تقيّد النئشر خصوصًا في الإعلام الالكتروني، ولأن الموقف من أيَّ حدث يتبع لطرف ما، وكلّ هجوم على الخصم في القاموس هو حريّة، وسنلاحظ أنها لا تعدو كونها امتدادًا لخطاب الكراهية السائد، وللتمييز والإقصاء المتبادلين على أساس طائفي أو غيره… يضاف إلى ذلك الكمّ الكبير من الأذى اللفظي المتعمّد، وانتهاك الخصوصيّة الأفراد والجماعات. وليس البحث في حدود حريّة التعبير بحنًا مستجدًا، خصوصًا أنّ كلّ التشريعات في العالم تكلمت عن عقوبات الذمّ والتشهير والتهديد سواء كان كلامًا أو كتابة، وفي حالات كثيرة يخشى المدافعون عن حريّة التعبير أن تستخدم تلك التشريعات كأداة لقمع الأصوات المعارضة، أو لارتكاب ملاحقات كيديّة بحقّ أفراد أو مجموعات ما… وتشكّل مجزرة قتل صحافيّي ورسامي مجلّة ‘شارل إيبدو” الفرنسيّة عام 2015 محطة مفصليّة في النقاش حول إشكاليّة حريّة التعبير وخطاب الكراهيّة في العصر الرقميّ، فمن أطلق النار على رسامين مثيرين للجدل، اتهمت مجلّتهم في مناسبات عدّة بتبنّي خطاب عنصري ضد المسلمين، فتح برصاصته الباب على نقاش واسع، دفع المعنيين للتفكير بأبعاد تلك السخرية، وتحدث عن الحدود الفاصلة، التي تتقاطع فيها حرية التعبير وخطاب الكراهية فهذه المواقع نتحدث عنها باعتبارها أهم مواقع التواصل الاجتماعي حاليًا. (معتوق وكريم، 2012).
حريّة التعبير أبرز أدوات صناعة الكراهية
بحسب الأونيسكو تمثّل حرية التعبير حقًا أساسيًا بنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكن متى يكون بالوسع اعتبار خطاب ما منطويًا على كراهية، ذلك أنّ السياق الذي يجيء فيه الخطاب قد يحدّد مدى إمكانية اعتباره خطاب كراهية وقد لا يحدد. فنشر الكذب والافتراءات والتلاعب بالعقول، وتزوير الحقائق وتزييف البيانات، هي أسلحة تفتك ببنية المجتمعات وتنتمي للجيل الرابع، ولا تكلّف الدول مالآ ولا جهدًا. وفي الدول الغربية يدور الحديث عن خطاب الكراهية في سياق مقارنته بحرية التعبير، حيث تجرّم بعض الدول الغربية استخدام تصريحاتٍ أو رموز عنصرية بعينها… لكن في عيون قضاء الأنظمة الديكتاتورية ترتبط حرية التعبير وحق إبداء الرأي بخطاب الكراهية، ففي البلاد العربية تهدر حقوق أساسية مثل: الحق في الحياة والحرية والمساواة والكرامة… ومن يطالب بهذه الحقوق يصدّف حديثه عنها، ضمن دائرة خطاب الكراهية للسلطة الحاكمة. ولعلّ الثغرة الكبرى حتى اللحظة، هي غياب القوانين الرادعة، إذ لا يوجد نصّ قانوني يرسي أطرًا واضحة لخطاب الكراهية ويفرض عقوبات عليه.
وسائل الإعلام والتحريض على خطاب الكراهية عليه
شكلت وسائل الإعلام أداة مهمة لنقل خطاب الكراهية، إذ أصبحت تُستخدم كامتداد للمعارك التي تدور رحاها على أرض الميدان وفي ساحات القتال، حيث جعلت من: فيسبوك وتويتر ويوتيوب وتليجرام وغيرها… ساحات رئيسة لها، ذلك لأن تأثيرات الإعلام الرقمي السلبية في حالة النزاعات المسلحة، أشد وطأةً وأكثر تأثيرًا كما تقدم، في تأجيج النزاع وبث خطابات الكراهية، والتحريض على العنف. فما يحدث الآن للمسلمين في الصين وميانمار والهند وغيرها… من تهجير وإبادة، يُعدَ مثالًا صارخًا على إثارة الإعلام الغربي للتوترات العرقية والدينية، والجميع يعلم أن فيسبوك وغيره من منصات الاتصال بمثابة امتداد لساحة القتال، يجب التفوق فيها والفوز بالمعركة. كما تعتبر صناعة الكراهية أحد أهم الأسلحة المستخدمة في الحروب النفسية، بل وأهم أدوات نظام تفكيك التماسك الاجتماعي، فالحروب العسكرية تستهدف حياة البشر وممتلكاتهم المادية، فيما الحروب النفسية تستهدف السلوك الاجتماعي، من خلال التأثير على أفكارهم وحالتهم المعنوية. فهي تصنع الكراهية عبر نشر الأكاذيب وتزوير الحقائق، والتلاعب بالعقول والافتراء على الآخرين، ثم تتحول الكراهية إلى أفكار وعقائد، قبل أن تصبح سلوكًا عدوانيًا عنيفًا، فمثلًا: كانت جرائم الإبادة الجماعية في رواندا، قائمة على خلفية التحريض الإعلامي الرواندي، وعلى خطابات الكراهية التي تبنّتها وسائل الإعلام باستمرار، لتعزيز أفضلية طبقة الهوتو على التوتسي، ومعظم الشعوب تستمع لما يقوله إعلامها. وهذه الصناعة تجد لها أسواقًا إعلامية تروّج لها كثير من الدول، بل هي صناعة تحظى برعاية وغطاء الأنظمة المستبدة، التي تمتلك مشاريع جيوستراتيجية، لتحقيق أهداف سوسيو-سياسية. فما تقوم به الأنظمة الاستبدادية بشكل ممنهج، يُشكّل مناخًا مناسبًا لتنامي خطاب الكراهية، ويلجأ المتنفذون في السلطة إلى تطويع وسائل الإعلام لصالحهم، بغية إسكات أيّ انتقاد، فالمسؤولية هنا تقع على الدولة لامتلاكها وسائل الإعلام، كما تقع على الإعلاميين المشاركين لهم في جرائمهم…
نماذج ومستويات صناعة الكراهية
إن الجانب الأسوأ للكراهية هو التحريض الإعلامي على العنف، ليصبح في صورة حروب وجرائم ضد الإنسانية، فالدول الغربية الاستدمارية مثلًا، عملت على تلطيخ صورة المسلم، وتعززت صورة التطرف في إعلامها، مما أحدث ما يعرف بظاهرة الإسلاموفوبيا… وثمة صناعة الكراهية داخل البلد الواحد بهدف إشعال الفتن والصراعات، في ظل حالة الجهل التي تحكم واقع المجتمعات.
وفي القارة الأمريكية التي وصلها المستكشف كولومبس ارتكب الأوروبيون جرائم إبادة وحشية بحق السكان الأصليين -الهنود الحمر-، وبحق السود وغيرهم، ويزعم إعلامهم أنهم قاموا بتحريرهم ودعمهمء وهذا تمامًا ما يكشف زيف قيام أميركا وأوروبا على قيم العدالة والمساواة والحرية. وفي البوسنة والهرسك، إرتكب الصرب أفظع المجازر في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، لأسباب دينية وعرقية تتعلق بالكراهية، إنها مجزرة ذهب ضحيّتها أكثر من ثمانية آلاف مسلم بوسني العام 1995، وقد حصلت على مرأى من وسائل الإعلام العالمية وقوات حفظ السلام الأممية.
صور لأشكال الكراهية المتداولة عبر وسائل الإعلام
– تشويه الحقائق أو تكذيبها.
– النظرة الدونية للآخرين بسبب الاختلاف في اللون أو الدين أو المذهب أو الجنس أو…
– كراهية قيم الآخرين واحتقارها واقصائهم.
– عدم القبول بالاختلاف مع الآخرين.
الآثار الناجمة عن انتشار خطاب الكراهية
يطرح خطاب الكراهية مخاطر جسيمة، حيث انه يضعف المجتمعات ويدمرهاء كما يترتب عليه:
– يعمل على زرع بذور الخوف والكراهية وانعدام الثقة.
– يقتل روح الإبداع في المجتمع، مع هجرة الكفاءات.
– يفقد المجتمع تماسكه الداخلي فيصبح ضعيفًا أمام الأزمات.
– يهدد وحدة النسيج الاجتماعي، ويقسم المجتمع إلى جماعات غير متجانسة.
– يساعد على انتشار التطرف والعنف داخل المجتمع.
قوانين مكافحة خطاب الكراهية
شملت قوانين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصوصًا تمنع استخدام عبارات الإهانة للأفراد والجماعات. ولعل أبرزها ما ورد في الفقرة 2 من المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إذ تُحظر بالقانون أيّ دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، أو كل دعوة تُشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف… كما ورد في مادته الثانية: حق الفرد في التمتع بكافة الحقوق والحريات، دون أي تمييز بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو أي تمييز لسبب آخر… وأكد الإعلان على أن كل الناس سواسية أمام القانون… كما جاء في نص المادتين 7 و19 من العهد الدولي للحقوق السياسة والمدنية، ضبط لما شملته حرية التعبير، وهو أن أيّ دعوة إلى الكراهية القوميّة والعرقيّة والدّينية… تشكّل تحريضًا على التمييز والعداوة والعنف، ثم جاءت المادة 20، لتحظر بشكل مباشر أي دعوات تحريضية أو عنصرية أو كراهية.
1- تحظر بالقانون أي دعاية للحرب.
2- تحظر بالقانون أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية.
3- كل دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية تشكل تحريضا على التمييز.
وعلاوةً على ذلك، ميّزت هذه الاتّفاقية بين التّمييز العنصريّ (Racial Discrimination) وخطاب الكراهية العنصريّة (Racial Hate Speech). ووفقًا للاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز العنصري، فإن كل نشر للأفكار القائمة على الكراهية العنصرية، وكل مساعدة لأنشطة عنصرية أو تمويلها، يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. وقد قامت مفوضية للأمم المتحدة بتمويل مؤتمرات لمناقشة مدى انطباق حرية التعبير على فضاء الإنترنت، وشاركت منصات: غوغل ومايكروسوفت وفايسبوك وتويتر في مدوّنة السّلوك، حيث التزمت جميعها بمراجعة المحتوى المنشور إِنْ كانت تتضمّن خطاب كراهية، وكذلك مختلف الإشعارات والخدمات المعروضة عبر صفحاتها ومواقعها، ووعدت بإزالتها في مدّة لا تقل عن 24 ساعة. (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – وثائق الأمم المتحدة، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية).
وتطلّبت التشريعات الموضوعة لحماية النظام العام، في كثير من البلدان، حدودًا أعلى في حال انتهاكها، لذلك لم يتم تطبيقها بصورة منضبطة في أكثر الحالات، فمثلًا لم يُحاكم في أيرلندا الشمالية بحلول عام 1992 سوى شخص واحد، بتهمة خرق تشريع من هذا القبيل، أما القوانين الموضوعة لحماية الكرامة الإنسانية، فحدود تطبيقها أدنى بكثير من قوانين النوع الأول، فعادةً ما يجري تطبيقها في بلدان مثل: ألمانيا والدنمارك وكندا.
وبما أن تعريف خطاب الكراهية ليس معقدًا فحسب، بل هو مثير للجدل أيضّا، ونظرًا لاستخدام مصطلحات متحيّزة مثل: العرق واللّون والفئة والدّين… فقد أضحى كلمات مطاطيّة، تتيح للتفسيرات المختلفة والمتناقضة أن تضيق وتتسع بحسب تقدير كل فئة، وكل حكومة وكل جماعة، ومع عدم توافر تعريف قانوني دقيق لـ ‘خطاب الكراهية”، فقد برزت في هذا السياق إشكاليّة تتعلّق بالمعطيات التي تجعل من خطاب الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، خاصة في ظل تداخلها مع مصطلحات أخرى مثل: حرية التعبير.
المعايير التي يتم من خلالها تجريم خطاب الكراهية
لتقييم مستوى الكراهية، وكمحاولة للوصول إلى فهم شامل لظاهرة خطاب الكراهية في وسائل الإعلام، يؤخذ الحكم على الخطاب وطبيعته من منظور سلوكي، ومن ثمّ التفكير في عواقبه المحتملة، لكن ما يلفت الانتباه هناء هو الحدّ الأعلى الذي قد تصل إليه هذه السّلوكيّات، حيث أنه قد يتحوّل الخطاب إلى فعل إجراميّ يهدّد الحياة، وتأتي تلك المعايير التي يتم تجريم خطاب الكراهية إذا توفر في أحدها الآتي:
1 – التحريض على العنف.
2 – التحريض على التمييز.
3 – التحريض على العداوة. (خطابات الكراهية، مركز هردو لدعم التعبير الرقمي، القاهرة، 2016، ص9).
ويمكن تطبيق إطار الحظر على خطاب الكراهية إذا توفرت فيه ثلاث صور:
* سياق التعبير:
أي النظر للسياق التاريخي لوضعية الموجه ضدهم الخطاب، وما إذا كانت هناك صراعات تاريخية أو معاملة عنصرية ضد هؤلاء الأفراد، أو تلك المجموعات، فيمكن الحكم من السياق على مدى خطورة التحريض وآثاره، وعلى سبيل المثال: إذا ما تم التحريض داخل دولة كجنوب إفريقيا على التمييز العنصري، والتي لها تاريخ من العداء ما بين ذوي البشرة السمراء والبيضاء.
* قائل التعبير أو المتحكم في انتشاره:
يعني ذلك، أن تقاس مدى سلطة وتأثير صاحب التعبير في الجمهور، فإذا كان شخصية عامة أو يشغل منصبا هاما ونحوه… وتصبح دعوته أو تعبيره ذات احتمال للانتشار الواسع بين الجمهور، كما يمكن قياس درجة وعي قائل التعبير وخطورته.
* نية قائل التعبير:
يمكن اعتبار التعبير تحريضاء إذا ذهبت نية صاحبه إلى التحريض على العنف والكراهية، أو دعوته إلى أعمال تمييزية. وعنصر النية من الأمور التي يصعب إثباتهاء ما لم يعترف بها صاحبها. لذا ذهب القانون إلى وضع محددات وقرائن، للاستدلال على نية الفاعل، واستقر قضاء حقوق الإنسان على محددات، هي لهجة صاحب التعبير وهدفه من التعبير، وتكراره لإثبات نواياه التحريضية من عدمها.
* محتوى التعبير:
وهنا يجب فحص محتوى التعبير، بربطه بقائله وبالفئة الموجه لهاء والموجه ضدها ونطاق التعبير، وهل استخدم التعبير لهجة عنيفة مباشرة، وهل المحرض كان واضحا بشكل مباشر أو غير مباشر، مع مراعاة أن بعض الخطابات لا يمكن تطبيق معايير التحريض عليها، مثل التعبير الديني والفني، والأبحاث العلمية والحملات الانتخابية أو المناظرات السياسية.
* حجم التعبير وقدرته على الانتشار:
لكي يتم اعتبار التعبير تحريضًا يجب أن يتم توجيهه علانية للجمهور بشكل مباشر وعلني، لذا فقد وجّهت أمام دائرة الاستئناف عام 2007 تهمة ارتكاب الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية لمحرر مجلة: ‘كانغورا” ومالكها، والتي خصصت أو وظفت للكراهية، ونشر رسوم كاريكاتورية لنساء التوتسي، ومقالات مثيرة للكراهية، تدعو إلى تفضيل طائفة الهوتو على التوتسي، لهذا عدت المحاكمة الأولى تقريبًا في القانون الدولي التي عاملت الخطاب التحريضي تحت اسم: “إعلام_الكراهية” لكونه يمثل جريمة ضد الإنسانية. (مركز هردو لدعم التعبير الرقمي، القاهرة، 2016، ص 10-11).
احتدام الجدال حول مشروعية تجريم خطاب الكراهية
وبعد، فماذا عن تحقيق التوازن بين حرية التعبير وخطاب الكراهية؟ أو ما هي الحدود الفاصلة بين حرية التعبير وخطاب الكراهية؟ ونظرًا لانعدام الاتفاق على تعريف محدد لخطاب الكراهية، ليشكّل إطارًا أو نطاقًا للحظر القانوني، فقد ثار جدال حول مشروعية تجريم خطاب الكراهية، وحول مدى تعارض المفهوم الواسع لخطاب الكراهية، مع حرية التعبير المكفولة بالمواثيق الدولية، ومحمية بموجب القانون الدولي من خلال المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فقد اقتصر خطاب الكراهية على ما يمكن أن يسمّى اليوم “خطاب العنصريّة” الذي يغطّي جميع أشكال التّعبير التي تنشر أو تحرّض أو تشجّع… ككره الأجانب ومعاداة السّاميّة، أو اضطهاد الأقليّات والمهاجرين ونحوها… وكافة أشكال الكراهية لتشمل كل محتوى ينشر ويبرر، أو يحرض على الكراهية العرقية ومعاداة المهاجرين، وكل الأشكال الأخرى للكراهية القائمة على عدم قبول الآخر فحسب، لتستغل دول وجماعات هذا المفهوم الفضفاض، لتمرير قوانين تحد من الحريات العامة، ولتصبح قوانين مواجهة خطاب الكراهية ومكافحة الإساءة، أدوات بيد هؤلاء الذين يقيّدون الحريات من جهة، ويتلاعبون بمصطلحي: حرية التعبير وخطاب الكراهية كيفما أرادوا.
إن صناعة هذا الخطاب ساهمتء ولا تزال تساهم فيه، وسائل الإعلام بشتى أشكالها وأنواعها، والتي تحوّلت إلى منصات مملوكة بيد فئات معينة، تخدم مصالحها فقط، ونظرًا لغياب المسؤولية القانونية، التي يمكن أن تتحملها وسائل الإعلام إزاء نشر كل ما له علاقة بهذا الخطاب، ولسهولة صناعة الحسابات والصفحات المفبركة ثم إغلاقها أو تركها، دون أن يتمكن أحد من معرفة من يقف حقيقة وراءها.
مناهضة الإسلام لخطاب الكراهية
والدليل قوله تعالى: (وقولوا للناس حسنا) (سورة البقرة الآية: 83) فقد حث الشّرع على انتقاء الألفاظ الطيبة الحسنة، لتشمل جميع الناس حتى المخالفين لنا في العقيدة، وفي ضمن النهي عن الكلام القبيح حتى للكفار (ولا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكتَاب إِلَّا بالتي هي أَحْسَنُ) (سورة العنكبوت: الآية 6) ويدخل فيه النزاهة في القول فلا يكون فاحشًا بذيئًا، هذا فيما نتخاطب به مع الآخرين، وينبغي للمسلم أن يتخير الكلمة الحسنة، لإنه مأمور بذلك، قال الله عز وجل: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا التي هي أَحْسَن إِنَّ الشَيْطَانَ يَنرّغٌ بَيْنَهُمْ) (سورة الإسراء: 53) ويؤيد ذلك ما ذهب إليه ميشود في كتابيه: “تاريخ الحروب الصليبية’ و”رحلة دينية في الشرق” من أن القرآن الذي أمر بالجهاد، متسامح نحو أتباع الأديان الأخرى، وقد أعفى البطاركة والرهبان وخدمهم من الضرائب، وحرَّم محمد -عليه الصلاة والسلام- قتل الرهبان لعكوفهم على العبادات، ولم يمسّ عمر بن الخطاب النصارى بسوء حين فتح القدس، في حين ذبح الصليبيون المسلمين وحرقوا اليهود بلا رحمة وقتما دخلوها، ومن المؤسف أن تقتبس الشعوب النصرانية من المسلمين التسامح، الذي هو آية الإحسان بين الأمم واحترام عقائد الآخرين. (غوستاف لوبون، 2013، 137-138) لذا نتساءل كيف ولماذا ومن ذا الذي يُغَذي خطاب الكراهية في وسائل الإعلام ضد الإسلام والمسلمين. إن خطاب الكراهية تسبب في عدد من الكوارث والأزمات التي يعانيه منها العالم، والإعلام يتحمل جزءًا كبيرًا من مسؤولية انتشار هذا الخطاب، بل إن درجة خطاب الكراهية في وسائل الإعلام، وصلت إلى حد التطاول على المقدسات الدينية، وعلى الله عز وجل وعلى رسله عليهم الصلاة والسلام، ووسائل الإعلام المختلفة هي التي تساهم في نشر الكراهية (إدوارد، 2011، ص37-39) وقد حدث مثلًا عام 2012 أن قام أحد الأشخاص في و. م. أ. بنشر فيديو لفيلم بعنوان: ‘براءة المسلمين” على موقع يوتيوب، يحمل إساءة بالغة للرسول عليه الصلاة والسلام، وتسبب هذا الفيديو في أعمال عنف معادية للـ و. م. أ. في دول إسلامية راح ضحيتها أكثر من 11 قتيلًا كان من بينهم ‘ستيفينز” سفير أمريكا في ليبيا (زهرة: 2011).
السبل المثلى للتعاطي مع خطاب الكراهية وآليات مواجهته
أعجبتني حملة تفنيد الأساطير، التي تنفذها إحدى المنظمات في أوروبا تحت عنوان:” ‘اختر الاحترام” وتتصدى للأساطير حول المهاجرين، وتهدف إلى ما تصفه بـ “كسب المعركة الأخلاقية”، فأحد أخطر أدوات نشر الكراهية تكمن في نشر الأكاذيب والافتراءات، والتلاعب بالعقول وتزوير الحقائق، وبات هذا الأمر صناعة ضخمة تنفق في سبيلها المليارات من الدولارات ليس فقط لاستهداف الحكومات والدول… بل في استهداف القيم الإنسانية والأخلاقية، وتصاعد هذا الخطاب في كثير من مناطق العالم، يحتاج لرؤية ثاقبة، بعيدًا عن المثالية لمواجهته وامتلاك حرية الحركة، وآليات المواجهة المتوفرة عبر وسائل الإعلام البديل، للتصدي له كخط دفاع أول عن قيم الإنسانية، والإعلام بشقيه: البديل والتقليدي وبكل وسائله، قادر على تفكيك خطاب الكراهية ومواجهته، وتثبيت أسس خطاب التسامح وقبول الآخر (إدوارد، 2011: 67-173).
وثمة طرق عديدة لمناهضة خطاب الكراهية ومن بينها.
– تنظيم وضبط منشورات وسائل الإعلام، لأنّ أشهر القنوات يُمرّر خطاب الكراهية من خلالها، مما يجعل من تنظيم استخدامها، ونشر التوعية الأخلاقية حول الخطاب المستخدم فيها، ضرورة وليس ترفًا.
– ضرورة وضع حد فاصل وواضح بين مصطلحي: ‘حرية التعبير وخطاب الكراهية”.
– الإبلاغ عن منشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر الشائعات والمعلومات الخاطئة.
– حظر المواقع الإعلامية الداعية إلى خطاب الكراهية، وإجبارها على الكشف عن هوية الأشخاص الذين يستخدمون هذا الشكل من الخطابات.
– تشجيع الباحثين والمؤسسات المعنية، بهدف القيام بأبحاث ودراسات علمية لرصد أفكار الكراهية في وسائل التواصل وسلوكهاء وتحليل الظاهرة ومقارباتها
– تحديد المسؤوليات الخاصة بمرتكبي خطاب الكراهية، ومزودي خدمات الإنترنت والمواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، ممن يضطلعون بدور الناشر والمروج لها ومعاقبتهم.
– ضرورة وضع إستراتيجية لوسائل الإعلام في كيفية التعامل مع معتقدات الغير، مع إعادة النظر في ما يسمى: “نظرية الحرية الإعلامية”.
– الحوار مع الأخر والاستماع الواعي الحقيقي لأقواله وآرائه وأفكاره، لأنه وسيلة التواصل الحقيقية، بل الحوار سبيل التعايش والاعتراف بالآخر المختلف والمغاير، وجودًا ورأيًا وحقوقًا (محفوظ، 72، ص60).
– أخيرًا فإن الأخذ بالمبدأ القرآني القائم على الدفع (بالتي هي أحسن) ( سورة فُصّلت، الآية، 34) عامل مهم في التخفيف من غلواء الكراهية، والحد من آثاره.
خاتمة:
رغم اتساع دائرة الحديث عن قيم التسامح وقبول الآخر، إلا أن الناظر إلى واقع العلاقة مع الآخر، يلحظ أن الوحدات الذهنية القديمة ما زالت تؤطر رؤى وتصورات الأفراد والمؤسسات، وصناعة الكراهية لا تزال مزدهرة، وعائداتها السنوية تتجاوز ملايين الدولارات! ولابد من إدراك أن صناعة الكراهية وان كانت تتجلّى أكثر مما تتجلّى في الخطاب الإعلامي، إلا أنها مسألة ثقافية بالأساس، ولهذا فإن المعركة الحقيقية ليست مع تنميطات الوسائط الإعلامية، بقدر ما هي مع بنية ذهنية تحكمها تراكمات متتالية، وعليه فإن العمل على الحدّ منها يتطلب العمل على أكثر من جهة: الإعلام، مراكز البحوث، القانون، وغير ذلك… وبما أنه لا يمكن فصل جوهر المشكلة عن النواحي الأخلاقية والدينية، فعلى عاتق الإعلاميين تفع مهمة تحديد السياق وتفكيك تلك الروايات المسيئة، والبحث لفهم دوافع الكراهية، حين تقوم لغة الإعلام بنشر خطاباتها المسمومة في كل مكان باسم حرية التعبير. وإن التعايش والتسامح لن يتحققا سوى عبر نبذ لكافة أشكال الكراهية ومظاهرها، ومع أن السلطات الحاكمة تتحمل المسؤولية الرئيسة عن منع التحريض، فمن واجب الجميع العمل على وقف خطاب الكراهية بأمرين: أحدهما توعويّ والآخر قانوني. ولكنها لا تزال بعيدة عن الساحات التي ينتشر فيها هذا الخطاب ويتمدد، وبقيت حبيسة لقاءات وحوارات المثقفين الذين يصنعون تأثيرًا مباشرًا بدرجات متفاوتة على صناع القرار السياسي في دولهم، لذلك لا نرى تأثيرًا مباشرًا لهم في الرأي العام، سيّان في إعلام دولهم، أو في إعلام المجتمعات التي يتمدد فيها خطاب الكراهية، لتبقى المساحة كبيرة بين الواقع الذي يتمدد فيه خطاب الكراهية، وبين القرارات الحكومية التي تمنع انتشاره على استحياء. ليبقى التساؤل الأهم مطروحًا: كيف يمكن مواجهة مضامين الكراهية التي تروّج لها وسائل الإعلام؟ وما سبل التصدي للخطاب الإعلامي الموبوء بالكراهية على الآخر؟. فهذا هو سُعار وسائل الإعلام، بتأجيجها اللامتناهي لخطاب الكراهية، الذي يشبه سعار أمّ أنمار، وتلك حكاية أخرى من تراثنا المجيد وتاريخنا التليد.
مسرد المراجع:
– أحمد، سعد محمد:” كفانا فرقة، معأ ضد إعلام الكراهية” كلية الآداب والعلوم، قسم: الإعلام، مشروع تخرج خريف: 2016.
– إدوارد، سعيد: “تغطية الإسلام’ ترجمة: محمد كرزون، دمشق، دار نينوى للأبحاث، 2011.
– غوستاف لوبون: “حضارة العرب” ترجمة:عادل زعيتر، مؤسسة هنداوي للتعليم، القاهرة، 2013.
– محمد محفوظ: “ضد الكراهية من أجل تفكيك خطاب الكراهية في العالم العربي” المركز الإسلامي الثقافي، بيروت. ط 2012.
– معتوق، جمال، وكريم، شريهان: ‘دور شبكات التواصل الاجتماعي في صقل سلوكيات وممارسات الأفراد في المجتمع” ملتقى دولي حول شبكات التواصل الاجتماعي والتغير الاجتماعي، 2 بسكرة، الجزائر.
– ناصر، الرحامنة: “خطاب الكراهية في شبكة الفيسبوك في الأردن” دراسة مسحية قدمت كرسالة للحصول على درجة الماجستير في الإعلام، قسم الصحافة والإعلام، كلية الإعلام جامعة الشرق الأوسط. 2018 الأردن.
– وليد، حسني زهرة: “إني أكرهك” خطاب الكراهية والطائفية في إعلام الربيع العربي، مركز حماية وحرية الصحفيين، عمان، 2014.
– “الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري”.
– الترجمة الرسمية لنص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المنشور على موقع الأمم المتحدة وثائق
الأمم المتحدة”.
– “خطابات الكراهية: وقود الغضب نظرة على مفاهيم أساسية في الإطار الدولي” مركز هردو لدعم التعبير الرقمي القاهرة، .2016
– “رصد خطاب الحق والكراهية في عينة من الصحف المغربية المكتوبة: المغرب” مرصد الإعلام في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، 2015.
– “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”.
– “خطابات التحريض وحرية التعبير: الحدود الفاصلة” مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
– “برنامج التوعية بجرائم الإبادة الجماعية في رواندا”‘ دروس من رواندا.
___
(*) أ. د. سعد عبد السلام: جامعة زيان عاشور، الجلفة (الجزائر)
(*) يُنشر بإذن خاص من الكاتب.