مدخل لمناهضة خطاب الكراهية

مقدمة

تسعى هذه الورقة إلى أن توفر مقدمة إلى المفاهيم المختلفة ذات الصلة بخطاب الكراهية، وإلى أن تطرح تعريفًا متوازنًا، بقدر اﻹمكان، لخطاب الكراهية، من خلال استطلاع الجدل حول ما إذا كان يمكن، من حيث المبدأ، تبرير وضع قيود على الحق في حرية التعبير لمكافحة خطاب الكراهية، وإذا كان اﻷمر كذلك، أين نرسم الحدود لمثل هذه القيود؟ تقدم الورقة فكرة عن معنى خطاب الكراهية، والتقييم الموضوعي ﻷضراره الحقيقية، وكيف يمكن للتشريع المتجاوز للحدود المناسبة أن يهدد الحق في حرية التعبير بعواقب تهدد مستخدمي اﻹنترنت بمخاطر أكبر من مجرد تحجيم ممارستهم لهذا الحق.

تنطلق هذه الورقة من خطابات حقوق اﻹنسان، ولذا تستمد مصادرها أولًا من القانون الدولي لحقوق اﻹنسان International Human Rights Law، بما في ذلك الوثائق اﻷساسية مثل اﻹعلان العالمي لحقوق اﻹنسان (UDHR)، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، والمعاهدات الدولية اﻷخرى لحقوق اﻹنسان. بالإضافة إلى الوثائق المكملة لتلك المذكورة سابقًا. تلك الوثائق المكملة تضم التعليقات العامة للجنة حقوق اﻹنسان Human Rights Committee comments، قرارات مجلس حقوق اﻹنسان (HRC)، التقارير الصادرة عن المقررين الخواص للأمم المتحدة، والوثائق اﻷخرى الصادرة عن مكتب المفوض السامي لحقوق اﻹنسان (OHCHR)، خاصة مخرجات خطة عمل الرباط Rabat Plan of Action Outcomes، واختبار حدود خطاب الكراهية المستمد منها Threshold Test on Hate Speech.

خطاب الكراهية والإنترنت

التحريض على التصفية العرفية، هو المصطلح الذي يشير إلى ما يعتبر أكثر صور خطاب الكراهية تطرفا. وهو قد لعب دورا أساسيا في بعض من أكبر وأسوأ اﻹبادات العنصرية في التاريخ الحديث: الهولوكوست ضد يهود أوروبا التي ارتكبها النازيون اﻷلمان أثناء الحرب العالمية الثانية، التصفية العرقية للأرمن، التي ارتكبتها اﻻمبراطورية العثمانية أثناء الحرب العالمية اﻷولى، والتصفية العرقية في رواندا أثناء حربها اﻷهلية عام 1994.

وقد أدانت المحكمة الجنائية الدولية المختصة برواندا عديدا من اﻷشخاص بتهمة “التحريض المباشر والعلني على ارتكاب أعمال التصفية العرقية” والذي عرفته بأنه:

“تحريض مرتكب أو مرتكبي جرائم التصفية العرقية بشكل مباشر، سواء من خلال الخطب، أو الصياح، أو التهديد الملفوظ في اﻷماكن العامة أو في التجمعات العامة، أو من خلال بيع، أو نشر، أو عرض بيع، أو عرض مواد مكتوبة، أو مطبوعة، في أماكن عامة، أو تجمعات عامة، أو من خلال العرض العام، أو لوحات اﻹعلانات، أو الملصقات، أو من خلال الوسائل اﻷخرى للتواصل المسموع والمرئي”.

وينبغي ملاحظة أن اﻷحدث من بين النماذج المشار إليها سابقا من وقائع التصفية العرقية التي حرض عليها خطاب كراهية نُشر على نطاق واسع، قد وقعت أحداثه في عام 1994. كان هذا قبل توسع شبكة اﻹنترنت حول العالم، والتي غيرت الاتصالات بين الناس داخل البلد الواحد وعبر العالم بأسره بشكل ثوري. وقد أصبح نشر أي رسالة، بحيث تصل إلى أكبر عدد ممكن من المتلقين، أمرًا بالغ السهولة، وأكثر فعالية، بشكل لم يكن باﻹمكان تخيله من قبل. تضم الأمثلة على الأعمال البشعة التي زودها خطاب الكراهية على اﻹنترنت بالوقود اللازم لاشتعالها كل من التصفية العرقية ﻷقلية الروهينجا المسلمة في ميانمار (بورما)، أعمال العنف ضد اﻷقلية المسلمة في سريلانكا في عام 2018، وحادث إطلاق النيران في المعبد اليهودي في بيتسبرج في الولايات المتحدة في نفس ذلك العام.

أكدت دراسة أجراها مجموعة من الباحثين الهنود أن “المحتوى الذي يتضمن خطاب كراهية ينتشر لمدى أبعد، وعلى نطاق أوسع، وبمعدل أسرع، وله إمكانية وصول أكبر” من غيره. ووجدت دراسة أخرى “قامت بتحليل 263 مليون مناقشة [على اﻹنترنت] في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، ما بين عام 2019 ومنتصف عام 2021” أن خطاب الكراهية على اﻹنترنت قد تزايد بنسبة قدرها 20% أثناء وباء الكوفيد-19. ووجدت أيضًا تزايدًا ملحوظًا في معدل خطاب الكراهية على اﻹنترنت أثناء اﻷحداث المثيرة للجدل، أو ذات الطبيعة الاستقطابية، مثل مظاهرات “حياة السود تَهُم” في الولايات المتحدة في يونيو 2020.

لا يمكن إنكار العواقب المخيفة المحتملة لخطاب الكراهية، ولكن مصطلح خطاب الكراهية نفسه فضفاض وغير واضح؛ خاصة في الاستخدام العام له من قبل اﻹعلام والجمهور العام. الحكومات حول العالم، التي أفزعتها التهديدات، سواء كانت حقيقية أو متخيلة، الناتجة عن خطاب الكراهية على اﻹنترنت، تميل إلى المسارعة في الدفع لتشريع قوانين جديدة، أو تعديل أخرى قديمة، لتقييد ما يعرّفونه على أنه خطاب كراهية. هذا التوجه في حد ذاته هو تهديد كبير للحق في حرية التعبير. وإلى جانب اﻷهمية الكبيرة للحق في حرية التعبير، كواحد من حقوق اﻹنسان التأسيسية، التي لا تقوم كثير من الحقوق اﻷخرى بدونها، فتقييد الكلام المشروع في سبيل تجنب عواقب خطاب الكراهية، هو نقيض الغرض اﻷصلي، ففي نهاية المطاف، تحقيق هدف اجتثاث الجذور الاجتماعية والثقافية الحقيقية والعميقة لخطاب الكراهية ممكن فقط بتشجيع المزيد من حرية التعبير وليس العكس.

مكافحة خطاب الكراهية، الذي يمثل تهديدًا حقيقيًا مع حماية الحق في حرية التعبير، في نفس الوقت، تتطلب الوصول إلى توازن ذي حساسية عالية. ويبدأ هذا بالوصول إلى تعريف واضح وشامل، بقدر اﻹمكان، لخطاب الكراهية. مثل هذا التعريف ينبغي أن يجعل التمييز بين خطاب الكراهية، الذي يشكل تحريضًا على الكراهية، أو التمييز، أو العنف، أو حتى التصفية العرقية، وبين خطاب الكراهية، الذي مع كونه كذلك، ينبغي التسامح معه في ظل حماية الحق في حرية التعبير له، أمرا أكثر سهولة.

تعريف خطاب الكراهية: 1 – التعريفات القائمة

يميل أغلب الناس إلى التفكير في خطاب الكراهية من خلال وجهة نظر شعورية. هذا يعني أولًا أنهم يفكرون به على أنه تعبير غير طوعي عن المشاعر، وثانيا أنهم يحكمون على خطاب بأنه خطاب كراهية بناء على الشعور الذاتي الذي يثيره في نفوسهم. وفي أنه من الصحيح أن كل شخص له الحق في مشاعره دون السماح بالتدخل فيها بأي شكل، ولكن التعامل مع الظواهر الاجتماعية يتطلب الاعتماد على المقاهيم المجردة وعلى التعريفات الموضوعية لا الذاتية.

القواميس اللغوية هي حيث يمكن أن نجد التعريفات الأساسية لأي مصطلح، ومن ثم نبدأ أولًا بالتعريف الذي يقدمه قاموس كامبريدج لخطاب الكراهية وهو:

“هو الخطاب العلني الذي يعبر عن الكره أو يشجع العنف تجاه شخص أو جماعة بناءً على أمر مثل العرق، الدين، الجنس، أو التوجه الجنسي (أي حقيقة أن يكون الشخص مثليًا)”.

وبقدر ما إن هذا التعريف أساسي تمامًا، فهو لا يزال أكثر تحديدا من تعريف خطاب الكراهية بأنه مجرد التعبير عن شعور الكره. فقبل أي شيء ينبغي أن يكون مثل هذا التعبير علنيًا. وأكثر من مجرد التعبير عن شعور الكراهية، يمكن لخطاب الكراهية أيضًا أن يشجع على العنف ضد المستهدف أو المستهدفين به. وتعريف المستهدف أو المستهدفين بخطاب الكراهية هو أكثر ما يميز التعريف الدقيق لخطاب الكراهية مقارنة بالتعبير عن الكراهية في العموم. فالمستهدف بخطاب الكراهية يمكن أن يكون فردًا أو جماعة، ولكن خطاب الكراهية ليس مجرد أي تعبير عن الكره ضد هذا الفرد أو هذه الجماعة، فهذا التعبير يجب أن يكون مؤسسًا على عرق، أو ديانة، أو جنس، أو التوجه الجنسي للفرد، أو الجماعة. بعبارة أخرى ينبني خطاب الكراهية دائما على صفة جماعية سواء كان المستهدف به فردا أو جماعة من الناس.

تكرارا لذلك حتى يكون واضحا بأكبر قدر ممكن. يمكن الحكم على خطاب ما بأنه خطاب كراهية، إذا ما توافر الحد اﻷدنى من المعايير وتلك هي: أن يكون علنيا، وأن يكون من المحتمل أن يشجع العنف، واﻷكثر أهمية أن يكون مؤسسًا على انتماء المستهدف أو المستهدفين به إلى جماعة ما مميزة بالعرق (مثل أن يكون الشخص المستهدف أسودًا)، أو الدين (مثل أن يكون الشخص مسلمًا أو مسلمًا شيعيًا)، أو الجنس (مثل أن يكون المستهدف أنثى/امرأة)، أو التوجه الجنسي (مثل أن يكون الشخص مثليًا).

تجرم تشريعات عديد من الدول بعضًا من صور خطاب الكراهية. وبناء على بعض الملامح المميزة المشتركة للتعريفات المنصوص عليها في هذه القوانين خرجت صفحة ويكيبيديا حول خطاب الكراهية بالتعريف التالي:

“خطاب الكراهية هو كلام، إشارات، سلوك، كتابة، أو معروضات تحرض على العنف أو اﻷعمال غير المسؤولة، ضد جماعة أو أفراد على أساس عضويتهم في الجماعة، أو تزدري أو تهدد جماعة أو أفراد على أساس عضويتهم في الجماعة”.

إضافة إلى ذلك، تضع بعض القوانين معايير لتحديد أي الجماعات في حاجة إلى توفير الحماية لها من خلال تجريم خطاب الكراهية ضدها. وتركز مثل هذه المعايير، في أغلب اﻷحيان، على كون الجماعة “مستضعفة”. والمقصود بالاستضعاف هو أن تكون الجماعة بالفعل، أو من المحتمل أن تكون، هدفًا للتمييز و/أو العنف ضدها. اﻷقليات بناء على العرق، أو الإثنية، أو الدين، أو التوجه الجنسي، إلخ، هي عادة جماعات مستضعفة. النساء، برغم أنهن لسن أقلية، إلا أنهن قد تعرضن تاريخيًا للتمييز ضدهن، وهن عرضة لمعدلات عنف غير تناسبية، بناء على نوعهن الاجتماعي، أي لمجرد كونهن نساء، ومن ثم هن دائمًا جماعة مستضعفة، في جميع المجتمعات.

هذا التعريف أكثر تحديدًا، كما ينبغي أن نتوقع؛ حيث إنه هنا يصف أفعالًا يجرمها القانون، مما يوجب تقديم مرتكبيها للمحاكمة الجنائية، والتي قد تنتهي بأحكام بالسجن ضدهم، إذا ما أدينوا. والتعريف أيضا يفصل الأفعال المقصودة بالمصطلح العام “خطاب”، وهي على وجع الحصر: “الكلام” كفعل بسيط يعني التلفظ ببعض الكلمات المفهومة، أو الإشارات، أو السلوك، أو الكتابة، أو المعروضات. هذه المجموعة من اﻷفعال يمكن اﻹشارة إليها بدقة أكبر باستخدام مصطلح “التعبير”. ويضاف التحريض على اﻷفعال غير المسؤولة إلى العنف هنا، وأي منهما ضروري لتعريف خطاب الكراهية، وليس مجرد نتيجة محتملة له. أيضًا أضيف كبديل أفعال الازدراء والتهديد. واحد أو أكثر من هذه اﻷفعال ضروري حتى يمكن تجريم الفعل بوصفه خطاب كراهية. وكما هو الحال في التعريف السابق، اﻷساس الذي عليه يمكن اعتبار خطاب ما خطاب كراهية هو أن المستهدف ينبغي أن يكون جماعة أو أفراد بناء على عضويتهم في جماعة. وليس ثمة تعداد حصري للفئات المميزة للجماعة، وذلك للسماح بالتصنيف على أي أساس قائم أو مستجد.

الملاحظة اﻷخيرة (عن المعايير الخاصة بالجماعات المستهدفة بخطاب الكراهية) مهمة للغاية. فبعض القوانين بالفعل تضع معايير للجماعات التي تسبغ عليها هذا النوع من الحماية. وهذا يعني أنه ليست أي جماعة إثنية، أو دينية، أو ذات جنس معين، على سبيل المثال، يمكن أن تكون هدفًا لخطاب الكراهية. حيث أن هذه القوانين تشترط تحديد خطاب الكراهية بالتسبب في أذى فعلي أو محتمل. بعض الجماعات ليست عرضة ﻷعمال العنف، الأفعال غير المسؤولة، الازدراء، أو خلاف ذلك للتهديد بواسطة خطاب الكراهية. الغالبية الإثنية أو الدينية في أي بلد هي من هذا النوع من الجماعات. جماعة الذكور/ الرجال في أي بلد هي أيضًا ليست عرضة للتحريض على أي من اﻷفعال المذكورة ضدها. فقط الجماعات المستضعفة بالفعل بناء على كونها أقلية، أو كونها الطرف المغلوب على امره في علاقة هيمنة كما هو الحال مع النساء، هي المهددة بتحول خطاب الكراهية إلى أذى فعلي.

هذا الاستعراض للتعريفات القائمة لخطاب الكراهية ينتهي بتعريف قدمه مشروع استراتيجية وخطة عمل اﻷمم المتحدة حول خطاب الكراهية. ولكن، قبل تقديم هذا التعريف ينبغي ملاحظة أنه ليس ثمة تعريف لخطاب الكراهية في أي معاهدة دولية ملزمة أو عهد دولي ملزم، ومن ثم فالتعريف التالي هو أقرب لتوصية للدول (والشركات) بنقطة بداية ﻷخذها في الاعتبار عندما تبني استراتيجياتها للتعامل مع خطاب الكراهية. ومن ثم، يُعرف خطاب الكراهية على أنه:

“أي نوع من التواصل في صورة كلام، كتابة أو سلوك، يهاجم أو يستخدم لغة ازدراء أو تمييز مع اﻹشارة إلى شخص أو جماعة على أساس من يكونون، بعبارة أخرى، بناء على ديانتهم، اثنيتهم، قوميتهم، عرقهم، لونهم، أصلهم، نوعهم الاجتماعي، أو أي من عوامل الهوية”.1

القراءة اﻷولى لهذا التعريف قد يبدو منها أنه إعادة صياغة للتعريفات السابقة. ولكن القراءة المتأنية له تكشف أنه مختلف عنها بشكل كبير. ولكن هذا التعريف، ومجمل إطار الاستراتيجية وخطة العمل حول خطاب الكراهية يمكن فقط فهمهما وتحليلهما في سياق المنظومة الدولية لحقوق اﻹنسان، وهي موضوع القسم التالي.

خطاب الكراهية في إطار المنظومة الدولية لحقوق اﻹنسان

كما سبقت اﻹشارة، ليس ثمة تعريف لخطاب الكراهية في العهود والمعاهدات الدولية التي تشكل اﻹطار القانوني الملزم للمنظومة الدولية لحقوق اﻹنسان. مع ذلك، ﻻ يعني هذا أن خطاب الكراهية لا وجود له في هذا اﻹطار. فهو في الحقيقة حاضر من خلال غيابه الواضح. والحقيقة أن باﻹمكان أن نجد خطاب الكراهية في ذلك الفراغ الضئيل الفاصل بين المادتين 19 و20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. إنه هناك بالضبط، يملأ هذا الفراغ بالتوتر. ومع ذلك، للدقة لم يٌقم خطاب الكراهية طيلة الوقت في ذلك المكان غير المريح. في وقت تمرير العهد، في نهاية واحدة من أكثر العمليات اضطرابًا في تاريخ حقوق اﻹنسان، استقر خطاب الكراهية في المادة 20، وكان من المفهوم أنه متضمن فيها. ولنرى ذلك دعنا نعيد قراءة النص ذي الصلة من هذه المادة:

“أية دعاية للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، والتي تشكل تحريضا على التمييز أو العداء أو العنف، سوف يتم حظرها بالقانون”.2

برغم كونها مختصرة للغاية ينبغي أن تستدعي هذه الفقرة للذهن التعريفات التي سبق لنا استعراضها لخطاب الكراهية، وذلك هو الحال على اﻷقل في نصوص المواد التي تجرم خطاب الكراهية في بعض قوانين الدول. وهذا حقيقي ﻷن كثيرًا، إن لم تكن الغالبية العظمى، مما ندعوه بقوانين خطاب الكراهية قد شُرعت للوفاء باﻻلتزام المنصوص عليه في هذه المادة للدول الأعضاء في العهد. وينبغي أن يكون من الواضح أيضًا لماذا كان خطاب الكراهية القابل للتجريم لوقت طويل متضمنا بقدر كاف في هذه الفقرة من المادة 20. كيف ولماذا إذن بدأ تعريف خطاب الكراهية في التحرك من مكانه المريح في هذه المادة وشرع في الاتجاه نحو المادة 19، تحت تأثير نوع من الجاذبية؟ ﻹجابة هذا السؤال دعنا أيضا نعيد قراءة الفقرتين ذاتي الصلة من المادة 19:

“كل شخص سيكون له الحق في حرية التعبير؛ هذا الحق سوف يتضمن الحق في السعي إلى، وتلقي، وتوصيل المعلومات والأفكار من كل نوع، بغض النظر عن الوسيلة، سواء شفاهية، مكتوبة، مطبوعة، في صورة عمل فني، أو من خلال أي وسيط آخر من اختياره”.3

هذه الفقرة تحدد الحقوق المتضمنة في الحق في حرية التعبير كمظلة واسعة، وهي هنا كمرجع، حيث إن الفقرة التالية وهي التي تعنينا تحيل إليها.

“ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة تحمل معها واجبات ومسؤوليات خاصة. ومن ثم يمكن أن تخضع لقيود معينة، ولكن تلك ستكون فقط بحيث يكون منصوص عليها بالقانون وتحتمها الضرورة لكل من:

(أ) احترام حقوق وسمعة اﻵخرين.

(ب) لحماية اﻷمن القومي، النظام العام، أو الصحة والأخلاق العامة”.4

يتجه تعريف خطاب الكراهية تحديدًا إلى الفقرتين الفرعيتين (أ) و(ب)، وهما مصدر الجاذبية التي تشد هذا التعريف نحو المادة 19. هاتان الفقرتان الفرعيتان تعددان المسوغات التي ﻷجلها يمكن فرض قيود على الحقوق المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة، لتوفير الحماية المطلوبة لها. في معظم اﻷحيان التي سعت فيها مجموعات حقوقية إلى توسعة التعريف المحدود للغاية لخطاب الكراهية المتضمن في المادة 20، وذلك سعيًا لتوفير أساس لحماية الفئات المستضعفة، مالت تلك المجموعات إلى اقتباس عبارة “حقوق اﻵخرين” من الفقرة الفرعية (أ). في المقابل تميل الحكومات إلى اقتباس عبارتي “اﻷمن القومي” و”النظام العام” (وهما من أكثر العبارات المفضلة لدى كل الحكومات)، من الفقرة الفرعية (ب).

خلقت هذه الحركة لتعريف خطاب الكراهية، من المادة 20 نحو مسوغات فرض قيود على الحق في حرية التعبير في المادة 19، توترًا لا يزال مستمرًا اليوم. بطريقة ما، يبدو أن التعريف الذي قدمته استراتيجية وخطة عمل اﻷمم المتحدة حول خطاب الكراهية يسعى إلى تسوية هذا التوتر بتقديم وجهة نظر معدلة لخبراء حقوق اﻹنسان لكبح جماح هرولة الحكومات نحو فرض قيود قاسية على الحق في حرية التعبير، اعتمادًا منها على المبالغة في التهديدات التي تتخيلها هذه الحكومات، والتي يشكلها خطاب الكراهية على كل من النظام العام والأمن القومي.

يعكس ذلك التعريف في الواقع التطورات التي مرت بها حركات حقوق اﻹنسان خلال العقدين الماضيين، حيث إنه:

أولًا، يأخذ التعريف التهديدات الواقعية التي يشكلها خطاب الكراهية على محمل الجد، بناء على أحداث الواقع وفي مقدمتها هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وما تلاها في إطار ما سمي بالحرب على اﻹرهاب.

ثانيًا، من الواضح أن التعريف متأثر بتطورات الحركة النسوية خلال موجتها الثالثة وصولًا إلى ما يعتبره كثيرون موجتها الرابعة.

ثالثًا، استبدال التعريف مصطلح “تعبير”، بمصطلح “تواصل”، وتأكيد أن هذا التواصل “من أي نوع”، يفتح المجال ﻷن يتضمن التواصل الخاص (غير العام أو العلني)، وهو قناة لكثير من خطاب الكراهية على اﻹنترنت، خاصة ذلك الذي يستهدف النساء بشكل رئيسي، ولكنه يستهدف فئات مستضعفة أخرى أيضا.

رابعًا، انحراف اتجاهه بشكل حاد عن التعريفات اﻷخرى، حيث يجعل هذا التعريف “التواصل”، والمقصود به هنا خطاب الكراهية، عنصرًا فاعلًا في حد ذاته، وهو يقوم بشكل مباشر بأفعال “الهجوم” واستخدام “لغة الازدراء أو التمييز”. في المقابل يغيب عن النص بشكل كامل أي ذكر للتحريض على الكراهية، أو التمييز أو العنف. فالهجوم الرمزي، واللغة التي تحط من قدر المستهدف بها، يعتبران في ذاتهما اﻹيذاء الذي يقع على الضحايا. هذه اﻷمور كلها شديدة السياقية، أي أنها تعتمد في فهمها وتفسيرها على السياق الذي تحدث فيه. وهي أيضًا على اتصال وثيق بأسس ثقافية، تعتمد عليها لتفسيرها وإنتاج المعنى المراد منها. وهذا يعكس توجها قويا في نظرية حقوق اﻹنسان الحالية بالتزحزح من الشمولية الكونية، أي وحدة القيم التي تنبثق عنها حقوق اﻹنسان وشموليتها لجميع البشر بغض النظر عن ثقافاتهم المتباينة، واتجاهها بدلًا من ذلك إلى الخصوصية الثقافية، أي إلى اعتماد نسخ متعددة من التفسير اعتمادًا على السياق الثقافي الخاص بكل مجتمع على حدة.

أخيرًا، اﻹشارة المتضمنة في عبارة “من يكونون”، والتي تعكس بالتأكيد صعود سياسات الهوية إلى موقع الصدارة. وإن كان من شيء، فهذا التعريف هو نوع من النموذج الذي يمكن ملء فراغاته بمحتوى ذو خصوصية ثقافية، ومبني على الهوية، سعيًا لإحداث التوازن بين حقوق المجتمعات وحقوق الفرد، برغم أنه في الممارسة الفعلية التوجهان نحو الخصوصية الثقافية، والهوياتية يكادان يكونان دائمًا متعارضين ويستبعد كل منهما اﻵخر، مع غلبة اﻷول على الثاني وسحقه له في أغلب اﻷحيان.

بشكل يبعث على الدهشة، ليس ثمة الكثير مما يمكن قوله عن هذا التعريف فيما يتعلق بإحداث توازن بين حماية الحق في حرية التعبير من جانب، وبين القيود المفروضة عليها لمكافحة خطاب الكراهية. في حين أن خطة عمل الرباط تؤكد أن القانون الدولي يلزم الدولة فقط بأن تجرم بواسطة قوانينها هذا النوع من خطاب الكراهية الذي يعبر الحد الفاصل للتحريض على “التمييز، العداء أو العنف” حسب المادة 20 من العهد، فالخطة تشير إلى أن “من المهم التأكيد على أن خطاب الكراهية حتى وإن لم يتم حظره يمكن أن يتسبب باﻷذى”.

إذا ما كان من شيء، فالتعريف المقدم من خطة عمل اﻷمم المتحدة يفتح ثقوبًا أوسع في الدرع الواقي للحق في حرية التعبير باستخدام مصطلحات معرفة ثقافيا بطبيعتها، وبالميل نحو الذاتي على حساب الموضوعي، وكلا اﻷمرين من المهاوي التي حاربها تراث حماية حرية التعبير بشراسة، بما في ذلك وثائق لجنة حقوق اﻹنسان، الهيئة المعنية بتنفيذ العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وهي المسؤولة عن تفسير مواد العهد بين مسؤوليات أخرى. ففي تعليقها العام رقم 34 الخاص بالمادة 19، تقتبس اللجنة عن تعليقها السابق رقم 22 فيما يخص القيود المفروض على الحقوق بغرض حماية “اﻷخلاق”، وهي مصطلح شديد الخصوصية ثقافيًا:

“مفهوم اﻷخلاق مستمد من عديد من التقاليد الاجتماعية، الفلسفية والدينية؛ ومن ثم، ينبغي أن تكون القيود … المفروضة لغرض حماية اﻷخلاق مبنية على مبادئ غير مستمدة حصرًا من تراث وحيد”. أي من تلك القيود يجب أن يكون مفهوما في ضوء العمومية الكونية لحقوق اﻹنسان ومبدأ عدم التمييز.5

يصل هذا النص إلى حد تحويل فئة اﻷخلاق إلى مفهوم عام وكوني، لاغيًا بذلك الخصوصية الثقافية المتضمنة فيها، وذلك بإلزام الدول الأعضاء في العهد بأن تستمد ممارساتها فيما يتعلق بحماية اﻷخلاق من مجمل طيف “التقاليد الاجتماعية والفلسفية والدينية” في العالم. ولا يخفق النص كذلك في إعادة التأكيد على “العمومية الكونية لحقوق اﻹنسان”.

فيما يتعلق بالذاتية، يمكننا أن نجد مثاﻻً يقدمه التراث القضائي للولايات المتحدة اﻷمريكية، والقضاء اﻷمريكي هو من بين اﻷكثر شراسة في الدفاع عن الحق في حرية التعبير. في قرار بالغ الشهرة، حكمت المحكمة العليا لولاية إلينويز ضد قرارات إدارية أصدرها مجلس قرية تدعى سكوكي، وكان مجلس القرية يسعى من خلال هذه القرارات إلى منع إقامة مسيرة لمجموعة من النازيين الجدد تابعين للحزب القومي الاشتراكي اﻷمريكي في القرية التي كان يسكنها عدد كبير من الناجين اليهود من المحرقة النازية “الهولوكوست”. وفي حكمها قررت المحكمة بوضوح أنه:

“لا يجوز حظر التعبير العلني عن اﻷفكار لمجرد أن هذه اﻷفكار نفسها مهينة لبعض من يسمعونها”.6

وعلى وجه الخصوص قررت المحكمة عدم قابلية مبدأ “الكلمات المحاربة Fighting Words” للتطبيق في هذه القضية. وهذا المبدأ وضعته ﻷول مرة المحكمة العليا للولايات المتحدة اﻷمريكية في قضية تشابلينسكي ضد نيو هامبشاير في عام 1942. ومن المثير للاهتمام أن هذا المبدأ بطريقة ما يطابق معنى “الهجوم” في تعريف خطاب الكراهية موضع النقاش الحالي. فالكلمات المحاربة هي تلك المهينة والتي تحدث اﻷذى بذاتها، ومن ثم قدرت المحكمة أنها غير محمية بالحق في حرية التعبير. بصفة خاصة، أي تعبير لا محتوى فيه، أي لا يوصل أي أفكار، بخلاف الكلمات المحاربة، يجوز منعه وعقابه دون انتهاك الحق في حرية التعبير. في حالة قضية سكوكي، وضعت المحكمة قاعدة هي أن اﻷذى الناجم عن الكلمات المحاربة لا يجوز أن يكون ذاتيًا. وفي وقت سابق، ضيقت المحكمة العليا اﻷمريكية مبدأ الكلمات المحاربة أكثر، بحيث أن التعبير يمكن اعتباره كلمات محاربة فقط إن كان قد “ينتج عنه خطر واضح وحال، لشر خطر ولا يمكن تحمله، بحيث يعلو على مجرد عدم الملائمة أو الضيق”. وهذا عمليا يعيد المبدأ إلى المساحة المحدودة كما سترسمها المادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بعد 20 عامًا من ذلك التاريخ.

اختبار النقاط الست لحدود خطاب الكراهية

استخرج اختبار النقاط الست لحدود خطاب الكراهية من خطة عمل الرباط. وينبغي ملاحظة أن هذا الاختبار معني بخطاب الكراهية الذي يستلزم المنع والعقوبة. هذه النقاط غير ملزمة، وهي خطوط مرشدة للأطراف المعنية (الدول بصفة عامة وهيئاتها التشريع) والراغبة في تطبيق نظام قانوني يعاقب خطاب الكراهية، الذي يهدد بحق بالتسبب في أذى ﻹحدى الفئات المستضعفة، وفي نفس الوقت تحمي الحق في حرية التعبير على الوجه الواجب له. وقد قدمت هذه النقاط في هيئة مناسبة للاستخدام كاختبار يمكن تطبيقه على كل قضية على حدة. وفي حال حققت قضية ما جميع النقاط الست، فإن ذلك يبرر التجريم وتنفيذ القانون ضد الفرد أو المجموعة المتهمة بنشر خطاب الكراهية.

النقاط الست هي: السياق، المتحدث، النية، المحتوى والشكل، مدى فعل التعبير، والرجحان بما في ذلك حالية التهديد. وفيما يلي توضيح مختصر لكل منها:

  • السياق، يتطلب تحليل فعل التعبير في إطار السياق الاجتماعي والسياسي. هل يسمح السياق، أو يساعد التحريض على تحقيق النتائج المقصودة منه؟
  • المتحدث، يتطلب اﻷخذ في الاعتبار بموقع ومكانة مصدر الخطاب، سواء كان فردًا أو منظمة، وذلك بالنسبة للجمهور المتلقي للخطاب. إلى أي حد يمكن أن يكون الجمهور المتلقي متقبلًا للخطاب وراغبًا في الاستجابة لتحريض المتحدث؟
  • النية، تتطلب التأكد من أن الأذى المحتمل كان مقصودًا. إلى أي حد من المؤكد أن فعل التعبير لم يكن نتيجة للإهمال أو التهور؟
  • المحتوى والشكل، يتطلب تحليل محتوى الخطاب. إلى أي حد كان الخطاب مثيرًا ومباشرًا؟
  • مدى وصول فعل الخطاب، يتطلب تحليل إمكانية وصول فعل التعبير. إلى أي حد يمكن الوصول إلى الخطاب؟ إلى أي حد يمكن أن يصل؟ ما قدر اتساع الانتشار المتوقع؟
  • الرجحان بما في ذلك حالية التهديد، في حين أن فعل التعبير نفسه قابل للعقاب سواء وقعت النتيجة المقصودة منه أم لم تقع، فلا يزال يتطلب تحليله من حيث إن كان تحقيقه لهذه النتيجة أمر مرجح. ما هو احتمال أن يتسبب فعل التعبير هذا في إنتاج أذى فعلي للمستهدف أو المستهدفين به؟

قبل أي شيء، لا يمكن إنكار أن هذه النقاط شاملة للغاية. وهي بأخذها معا كافية لرسم حدود واضحة تفصل خطاب الكراهية، الذي ينبغي على الدولة عقابه بالقانون، تنفيذًا لإلزام المادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، عن خطاب الكراهية الذي يرجح أن تنتهك الدولة الحق في حرية التعبير إذا ما هي عاقبته بالقانون. ومع ذلك، أن يكون الاختبار شاملًا أمر، وأن يكون قابلًا للتطبيق العملي هو أمر آخر. تضع النقاط الست ببساطة عبئًا ثقيلًا على عاتق القضاء المطالب بأن يقوم بإجراء هذه الاختبارات لكل قضية على حدة. وإذا ما افترضنا أن القضاء المقصود مستقل، محايد، ويمتلك الموارد اللازمة بما في ذلك المعرفة والوقت، يظل من غير المضمون أن يخرج بمقاييس موضوعية لكل اختبار. مع اعتبار إمكانية ألا يكون القضاء المنوط به إجراء هذه الاختبارات مستقلًا أو محايدًا فغياب المعايير الموضوعية بجعل اﻷحكام الصادرة بناء على استخدام هذه الاختبارات مستعصية على الاستئناف عليها في محاكم الدرجة اﻷعلى. إضافة إلى ذلك، الاستخدام الصوري لهذه النقاط من شأنه أن يمنح مشروعية لما هو بدون ذلك حكم منحاز أو موجه، بدون طريقة سهلة ﻹثبات أن الإجراءات الصحيحة لم يتم الالتزام بها في تطبيق الاختبارات. في كثير من الحالات، سيجعل ذلك مهمة إثبات أن محاكمة ما لم تكن عادلة أكثر صعوبة، وقد يؤدي إلى الفشل في فضح استخدام القانون كأداة للقمع في ظل أنظمة شمولية أو سلطوية.

تعريف خطاب الكراهية: 2 – تعريف مقترح

للوصول إلى تعريف مرضٍ لخطاب الكراهية، تدعي هذه الورقة أن الخطوط المرشدة التالية ينبغي الالتزام بها:

  • أي تعريف لخطاب الكراهية الذي يجب أو يجوز بشكل مبرر ودون انتهاك للحق في حرية التعبير أن يتم عقابه بالقانون يجب أن يظل في إطار اﻹلزام المقرر في المادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. لا ينبغي عقاب أي فعل تعبير لا يحقق متطلبات هذه المادة بالقانون.
  • لا ثمة أي حاجة على اﻹطلاق للجوء إلى الحالات المنصوص عليها في المادة 19 من العهد والتي يجوز بسببها تقييد الحق في حرية التعبير، ﻷن هذه الحالات هي بالفعل متضمنة في متطلبات المادة 20.
  • من الحقيقي أن معظم إن لم يكن كل خطاب الكراهية غير القابل للعقاب تنفيذًا للإلزام المنصوص عليه في المادة 20 من العهد، يظل مع ذلك مؤذيًا. ولكن هذا اﻷذى، كون أنه من المضمون ألا يصل إلى حد التحريض على التمييز أو العداء أو العنف، سيظل باﻹمكان تحمله مقارنة باﻷذى الواقع على المجتمع ككل نتيجة تقويض الحق في حرية التعبير والذي يفترض المساواة بين الجميع في التمتع به.
  • مع كونه ليس معاقبًا بالقانون الجنائي، يظل خطاب الكراهية الذي لا يمكن تطبيق إلزامات المادة 20 مشكلة ينبغي التعامل معها. يمكن تشجيع توفير اﻹمكانية المطلوبة لمقاضاة مرتكبي فعل نشر هذا الخطاب في ظل القانون المدني بصورة منفتحة وشفافة تسمح بتوليد مزيد من الخطاب حول القضية وليس الحد من هذا الخطاب.
  • اﻹجراءات التي تتعامل مع الجذور الاجتماعية لخطاب الكراهية مفضلة بشدة عن أي سبيل تصرف آخر.
  • حتى يمكن اعتبار خطاب ما خطاب كراهية يجب أن يكون المستهدف به إما جماعة أو أفراد بسبب انتمائهم إلى جماعة ما.
  • المستهدفون بخطاب، يمكن الحكم عليه بأنه خطاب كراهية، يجب أن يكون باﻹمكان تصنيفهم موضوعيًا على أنهم جماعات مستضعفة، أو أفراد ينتمون إلى أي من هذه الجماعات. المعايير الموضوعية للاستضعاف تشمل، وإن لم تكن بالضرورة محصورة في، أن تكون الجماعة أقلية عرقية أو إثنية أو دينية، أو تكون مميزا ضدها تاريخيًا (مثل النساء، المثليون والمثليات والثنويون Bisexual والعابرون جنسيًا أو جندريًا، الملونون، إلخ).
  • المستهدفون بخطاب الكراهية يمكن فقط أن يكونوا أشخاصًا طبيعيين أو جماعات مكونة من أشخاص طبيعيين. المؤسسات، الدول، اﻷديان، المعتقدات، اﻷيديولوجيات، إلخ، لا ينبغي بأي حال حمايتها من النقد بما في ذلك الصور الحادة والقاسية منه، والذي إذا ما تم توجيهه إلى أشخاص طبيعية يعد خطاب كراهية.
  • للحكم على خطاب بأنه خطاب كراهية ينبغي ألا يكون للخطاب أي محتوى يمكن مناقشته بشكل موضوعي. بعبارة أخرى ألا يكون أي شيء بخلاف كونه مهينًا، حاطًا من قدر المستهدف به، مستهزئًا، إلخ.

بناء على هذه الخطوط المرشدة يمكن اقتراح التعريف التالي لخطاب الكراهية:

خطاب الكراهية هو أي نوع من التعبير العلني سواء كان في صورة كلام، كتابة، أو سلوك، والذي يمكن الحكم عليه موضوعيًا بأنه هجوم باستخدام لغة ازدراء أو تمييز موجه إلى جماعة مستضعفة أو شخص على أساس كونه عضو في جماعة مستضعفة، على أساس صفات مميزة للهوية، سواء حقيقية أو منسوبة ظلمًا. استضعاف جماع ما ينبغي تحديده موضوعيا بناء على وضع اﻷقلية، الأحكام التاريخية المسبقة، أو بخلاف ذلك الحياد عن المعايير المقبولة اجتماعيًا.

خاتمة

سعت هذه الورقة إلى تقديم رؤية عامة لمفهوم خطاب الكراهية. فقامت بتحليل التعريفات القائمة، اﻷكثر أهمية، للمصطلح. وقد استطلعت كذلك التوتر بين تجريم بعض صور خطاب الكراهية وبين حماية الحق في حرية التعبير في إطار المنظومة الدولية لحقوق اﻹنسان، بما في ذلك جهود هيئات اﻷمم المتحدة ذات الصلة بحقوق اﻹنسان لتسوية هذا التوتر، خاصة خطة عمل الرباط واختبار النقاط الست لحدود خطاب الكراهية المستمدة منه. على طول الطريق، فحصت الورقة كل من التعريفات القائمة لخطاب الكراهية، والجهود المذكورة لتسوية التوتر والتناقض الظاهري بين مكافحة خطاب الكراهية وبين حماية الحق في حرية التعبير. وقد انبنى النقد الذي قدمته الورقة على افتراضين أوليين هما:

(أ) ينبغي أن يكون لحماية الحق في حرية التعبير اﻷولوية كونه أحد حقوق اﻹنسان اﻷكثر أساسية والضرورية لتشكيل استقلالية الفرد، ولبناء مجتمعات حرة وديموقراطية قادرة على مكافحة خطاب الكراهية.

(ب) مكافحة خطاب الكراهية بالعقاب ليست أكثر من علاج مؤقت ﻷعراض مرض تمتد جذوره عميقا في اﻷسس الاجتماعية والثقافية للمجتمعات. في حين ينبغي أن يتعامل الدواء الشافي الحقيقي لهذا المرض مع جذوره، وهذه عملية طويلة وصعبة، وتعتمد في جانب كبير منها على تشجيع المزيد من احترام قدسية الحق في حرية التعبير وليس فرض القيود عليه.

أخيرًا، ينبغي ملاحظة أن التمسك الحقيقي والصارم بمبدأي الموضوعية والعمومية الكونية لحقوق اﻹنسان ضروري للحفاظ على منظومتها الدولية، والتي تتعرض حاليا لهجمات شرسة سواء من حيث النظرية أو الممارسة. إتاحة المجال للخصوصية الثقافية والذاتية، نتيجة لمخاوف مشروعة، ولكن مضللة، من صعود خطاب الكراهية، يهدد بتقويض موضوعية حقوق اﻹنسان وعموميتها الكونية مما يجعل من التمسك بها خيارًا ذاتيًا أو وجهة نظرة ذات خصوصية ثقافية وهو ما يدمر عمليا أسس وجود منظومة دولية لحقوق اﻹنسان في المقام اﻷول.

الهوامش

1 مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق اﻹنسان، ما هو خطاب الكراهية؟ https://www.un.org/en/hate-speech/understanding-hate-speech/what-is-hate-speech (التأكيد منقول عن اﻷصل)

ملحوظة: الترجمة للعربية للكاتب وليست مأخوذة عن النص المنشور بالعربية من قبل مكتب المفوض السامي لحقوق اﻹنسان، بغرض الدقة ووضوح المفردات.

2 العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، المادة 20، فقرة 2. https://www.ohchr.org/sites/default/files/ccpr.pdf

3 المصدر السابق، المادة 19، فقرة 2.

4 المصدر السابق، مادة 19، فقرة 3.

5 لجنة حقوق اﻹنسان، التعليق العام رقم 34، فقرة 32.

6 المحكمة العليا لولاية إلينويز، الولايات المتحدة اﻷمريكية، قرية سكوكي ضد الحزب القومي الاشتراكي اﻷمريكي. (1978)

(*) يُنشر بإذن خاص من مسار. https://bit.ly/3rk9sF9