صدر في عام 2015
عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)
المؤلفون:
إغينيو كاكاياردون
دانيت كال
تياغو ألفي
غابرييلا مارتينيز
تمهيد:
تكاد فرص الانترنت تحجب بشكل كبير تحدياتها، بيد أن هذه الحقيقة لا يجب أن تغيب عن أذهاننا كي نستطيع مكافحة ما يطفو بين الفينة والأخرى على شاشة الأنترنت من حديث؛ لاسيما خطاب الكراهية. فما هو هذا الخطاب إذن؟ وكيف يمكننا أن نتعامل معه بشكل ناجع وفعال؟
على غرار حرية التعبير في الانترنت أو خارجها، تدافع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) عن الموقف الذي يرى أن التدفق الحر للمعلومات يجب أن يكون دائما هو القاعدة وليس الاستثناء. فإنتاج الخطاب المضاد يفضل بشكل عام على قمع الخطاب غير المرغوب فيه، إذ يجب وزن كل ردة فعل تحد من الخطاب بعناية من أجل التأكد من أنها تبقى استثنائية، والتأكد من عدم تعرض الخطاب المشروع والقوي للبتر.
ويمكن للمعايير الدولية عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن الكراهية أن تساعدنا إلى حد كبير على تحديد ماهية الخطاب المفعم بالكراهية وكيفية التعامل معه:
* الخطاب العنصري: حيث أن الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري تدعو إلى تحريم التعبير عن أفكار تنم عن تفوق أو دونية الأشخاص أو الناس المصنفين “عنصريًا”.
* بالنسبة للكراهية المبنية على الجنسية أو الدين: نجد أن هذه الأخيرة مجرّمة طبقًا للمادة 20 من العهد
الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ICCPRلكن مع توصيف يقضي بأن تصل التعابير ذات الصلة إلى مستوى التأييد الذي يشكل تحريضًا على التمييز أو العدوانية أو الكراهية.
* من الممكن وليس من اللازم أن يتم الحد من الكراهية المبنية على النوع الاجتماعي للأشخاص وتوجهاتهم الجنسية أو على عناصر أخرى، طبقًا لمقتضيات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 19)، وذلك لصالح احترام حقوق وسمعة الآخرين.
لكن في كل الحالات الثلاث السالفة الذكر، يجب النص على قيود قانونية وليس اعتباطية، ويجب لهذه القيود أن تمتثل لمعيار كونها “ضرورية” لتكون متناسبة وموجهة لتفادي أي تقييد غير مبرر للحرية.
فالمعايير الدولية تفرض على أي تقييد للتعبير أن يكون ممتثلًا لهدف مشروع وأن لا يكون مجرد ممارسة لسلطة معينة، وإلى جانب تأييد حقوق الآخرين كما هي مذكورة أعلاه، يمكن أن تكون هذه الغايات من قبيل حفظ الأمن الوطني أو الأخلاق أو الصحة العامة.
ويتطلب هذا البعد المركب لهذه الظاهرة مقاربة مستنيرة ومميزة بشكل دقيق من أجل التعريف بـ “خطاب الكراهية، والحد منه، فلا يمكن لأي مقاربة تقل عن هذا المستوى أن تضمن التوازن المناسب مع التدفق الحر للأفكار والمعلومات؛ الأمر الذي ينطبق أيضًا على عالم التعبير على الانترنت، كما هو مشروح في هذه الوثيقة.
ولأن الانترنت غير مفصول عن عالم القوانين، فهناك تعقيدات تكمن في تطوير وتطبيق ردود الفعل القانونية على الخطاب المفعم بالكراهية على الانترنت. ولهذا السبب بالذات تضطلع هذه الدراسة بفحص ردود الفعل الاجتماعية التي يمكن أن تعتبر مكملة لأي قيود قانونية تنفذها أي دولة.
ولهذه الغاية تمت صياغة تصنيف لردود الفعل في هذه الدراسة، فمن بين ردود الفعل هذه نجد الرصد والتحليل من قبل المجتمع المدني، كما نجد بدرجة ثانية الأفراد الذين يعززون الخطاب المضاد من نظير لنظير. أما رد الفعل الثالث فيكمن في الأعمال المنظمة من قبل المنظمات غير الحكومية من أجل التبليغ عن بعض الحالات لدى السلطات؛ والصنف الرابع يكمن في تنظيم حملات من أجل الدفع إلى تدخل شركات الإنترنت التي تأوي المحتويات الخاصة، وتتمظهر ردة الفعل الخامسة في التمكين المهيكل للمستعملين عبر التربية والتدريب حول المعرفة والأخلاقيات والمهارات ذات الصلة باستعمال حق حرية التعبير على الانترنت، ولعل هذا هو ما تطلق عليه اليونسكو ثقافة قرائية الوسائط والمعلومات.
إن ردود الفعل الاجتماعية الخلاقة من شأنها أن تكون فعالة، إذ يمكنها أن تساعد على التأكد من أن الانترنت تبقى فضاءًا يتيح إمكانيات إيجابية، لتساعدنا شبكة الشبكات هذه إذن، في بناء مجتمعات المعرفة المعتمدة على السلام وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة.
كيتاشو انجيدا
نائب المديرة العامة لليونسكو
* * *
الملخص التنفيدي
يتموقع خطاب الكراهية على الانترنت في نقطة التقاطع بين عدة توترات: فهو تعبير عن نزاع بين مختلف المجموعات داخل وعبر المجتمعات؛ كما أنه مثال حي عن كيف يمكن للتكنولوجيات ذات القدرات التحويلية، على غرار الانترنت؛ أن تحمل في طياتها فرصًا وتحديات في آن واحد؛ وتفترض خلق توازن معقد بين الحقوق والمبادئ الأساسية بما فيها حرية التعبير والدفاع على الكرامة الإنسانية.
وباعتبارها وكالة للأمم المتحدة تتألف ولايتها بشكل خاص من تعزيز حرية التعبير ومقابلاتها من الحريات، كحرية الصحافة وحرية المعلومات، تعمل يونسكو بشكل نشيط من أجل تعزيز المعرفة والفهم المتبادلين بين الناس عبر كافة أشكال التواصل الكبيرة، كالانترنت عامة ومنصات التشبيك الاجتماعي خاصة.
وتمتد جذور البحث المقدمة في هذه الوثيقة إلى تنفيذ يونسكو للقرار 52 الصادر عن موتمرها العام السابع والثلاثين المنعقد في شهر نوفمبر 2013، كما تمت الموافقة عليه من طرف 195 عضوًا في هذه المنظمة، ذلك أن هذا القرار دعا إلى دراسة شاملة واستشارية متعددة المتدخلين في إطار الولاية المخولة ليونسكو في إطار قضايا الانترنت ذات العلاقة بالمعلومات والمعارف وحرية التعبير، والخصوصية؛ والأبعاد الأخلاقية لمجتمع المعلومات، وهكذا كان البحث في خطاب الكراهية مشاركة في دراسة أوسع.
ويقدم هذا التقرير نظرة عامة حول الديناميكيات التي تسم وتضفي خصائصها على خطاب الكراهية على الانترنت، وحول بعض الإجراءات التي تم اعتمادها لمواجهته والتخفيف من حدته، مع تسليط الضوء على الممارسات الجيدة التي انبثقت على المستويين المحلي والعالمي. وإذا كانت هذه الدراسة تقدم تحليلًا شاملا للأطر المعيارية الدولية والإقليمية والوطنية التي تم تطويرها لمواجهة الخطاب المفعم بالكراهية على الانترنت وتداعيات هذه الأطر على حرية التعبير، فإنها تركز من جهة أخرى على الآليات الاجتماعية وغير التقنينية التي من شأنها أن تساعد على مواجهة إنتاج ونشر وتأثير رسائل الكراهية على الانترنت.
ويمكن أن نصنف نتائج هذه الدراسة في أربعة توترات: التعريف، نطاق الولاية القانونية، الفهم والتدخل.
* التعريف: إن خطاب الكراهية مصطلح شاسع ومثير للجدل. ذلك أن العهود المتعددة الأطراف، على غرار العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) سعت من جهتها إلى التعريف بحدوده؛ في حين وضعت المسارات المتعددة المتدخلين (كخطة عمل الرباط) من أجل إعطاء وضوح أكبر لتعريف خطاب الكراهية واقتراح آليات ذلك، إلا أن خطاب الكراهية لازال يستعمل بشكل واسع في الخطاب اليومي كمصطلح عام وشامل، يخلط بين التهديدات الملموسة لأمن الأفراد والجماعات والحالات التي يعبر فيها الناس عن غضبهم من السلطة، فقط. أما وسطاء الانترنت، أي المنظمات التي تلعب دور الوسيط في التواصل على الانترنت، كفيسبوك، والتويتر وغوغل، فقد قدمت تعريفاتها الخاصة لعبارة الخطاب المفعم بالكراهية، إذ تُلزم مستعمليها بمجموعة من القواعد وتسمح للشركات بأن تحد من بعض أشكال التعبير. أما الهيئات الوطنية والإقليمية فقد سعت إلى تعزيز فهم المصطلحات المتجذرة أكثر في التقاليد المحلية؛ ويبدو أن الوصول إلى تعريف كوني مشترك يظل احتمالًا بعيدًا، فالمصالح المشتركة من أجل تفادي العنف وحماية الكرامة الإنسانية جعلت من النقاش الدائر حول خطاب الكراهية الحظة وفرصة لمختلف المتدخلين والفاعلين من أجل الالتقاء بطرق جديدة والبحث على حلول محلية صميمة.
* نطاق الولاية القانونية: تضع سرعة الانترنت ومدى انتشارها الحكومات في صعوبة أمام تفعيل تشريعاتها الوطنية في العالم الافتراضي، فالقضايا المرتبطة بخطاب الكراهية على الانترنت كشفت النقاب عن انبثاق فضاءات خاصة للتعبير ذات خدمة عامة (مثلًا: الفيسبوك، التويتر)، وعن التحديات التي تضعها هذه الفضاءات أمام السلطات التقنينية. فعلى الرغم من المقاومة الأولية والضغط العام الذي يلي ذلك؛ فإن بعض الشركات التي تمتلك هذه الفضاءات أصبحت تتجاوب بشكل أكبر من أجل مواجهة مشكل خطاب الكراهية على الانترنت، على الرغم من أنها لم تدمج بعد بشكل كامل في النقاشات العالمية (مثلًا: خطة عمل الرباط) الدائرة حول كيفية التعرف على خطاب الكراهية ومواجهته.
* الفهم: تكاد سمات خطاب الكراهية على الانترنت وعلاقته بالخطاب والفعل خارج الانترنت لا تفهم، فهذه مواضيع يتداولها السياسيون والنشطاء والأكاديميون على نطاق واسع؛ وإن كانت النقاشات تكاد تنأى عن الحقائق والدلائل التجريبية المتماسكة. فخاصية استيعاب خطاب الكراهية وعواقبه الممكنة أدت إلى التركيز بشكل كبير على البحث عن حلول لهذه المشكلة وكيفية ترسيخها في المعايير الدولية الحقوق الإنسان. إلا أن هذا التركيز ذاته، قلص من المحاولات العميقة التي تصبو إلى فهم الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة والديناميكيات التي تظهر عبرها بعض أشكال المحتويات وتنتشر وتؤدي – أو قد لا تؤدي – للتميبز الفعلي أو العدوانية أو العنف. دراستنا هذه تعرض أمثلة متنوعة حول الأبحاث التي تروم وضع خريطة لبروز وانتشار الخطاب على الانترنت، لكن تسلط الضوء أيضًا على غياب الدراسات التي تحلل العلاقة بين خطاب الكراهية عبر الانترنت وظواهر اجتماعية أخرى كولوج التعليم وتزايد الفوارق والشروخ.
* التدخل: تحدد هذه الدراسة عدة طرق استعملت من أجل التعامل مع مشاكل خاصة وسياقية، وبذلك تستخلص دروسًا مهمة وواسعة. أولًا، شساعة هذا المفهوم وقساوة الضرر المحتمل نبوعه منه يشكلان فرصة للتحاور بشأن تعريفات هذه الظاهرة ورصدها ووضعها في سياقها. ثانيًا، يحلل هذا التقرير كيف تسعى الشركات الخاصة للتعامل مع حالات خطاب الكراهية على الانترنت بتفضيل اتنبيه المستعمل والإبلاغ والرد على حالات معينة؛ كما يحلل كيف يمكن للمهندسين الذين يصممون خصائص مختلف منصات التشبيك الاجتماعي أن يؤثروا في نشر خطاب الكراهية على الانترنت وردود الفعل إزائه في آن واحد. ثالثًا، تبين هذه الدراسة أن المنظمات المنكبة والمتخصصة مهمة للغاية من حيث جمع ردود الفعل الفردية والضغط على الشركات والسلطات العمومية من أجل التصرف، وعلى درجة أكبر من الأهمية نجد أن المبادرات المختلفة قد يكمل بعضها البعض، مثلًا: أصبح وسطاء الانترنت يستجيبون بشكل متزايد للطلبات الواردة من المستخدمين الأفراد، لكن، لأنهم تفادوا نشر النتائج المتراكمة التي قد تعطي فهما أوسع للظاهرة، فإن هيئات المجتمع المدني سعت إلى ملء هذا الفراغ بتقديم منصات شاملة للتقارير التي يمكن أن تجمع تقارير المستعملين، وفي الوقت ذاته، أطلقت مبادرات تحسيسية من أجل تمكين الأفراد من تعرف أسهل على الأمور التي يقدمون التقارير بشأنها، وطريقة تقديم هذه التقارير عندما يواجهون حالات خطاب الكراهية. وكما نقترح في هذه الدراسة، فهناك عناصر خاصة بقضية خطاب الكراهية على الانترنت من شأنها أن تجعل التركيز على الأعمال المعزولة أو المنجزة من طرف فرد واحد مسألة غير ناجعة، فالجهود المشتركة ضرورية للتعامل بنجاعة مع هذه الظاهرة الجديدة.
(*) يُنشر بموجب سماح “الانتفاع الحر المتاح بموجب ترخيص بالمثل 3.0”