تحدي الكراهية
خطاب الكراهية يميّز بين الناس على أساس هويتهم.
الحق في المساواة يعني أنه أيًا كانت هويتكم وأينما كان مكان سكنكم، يحق لكم العيش من دون خوف أو عنف أو تمييز.
ومع ذلك يروّج خطاب الكراهية حول العالم للتمييز أو العنف ضد أفراد أو مجموعات عبر وصمها بجانب واحد من هويتهم وتجاهل كل الجوانب الأخرى التي تجعلهم بشرًا. وبالتالي، تتعرض إمرأة للتحرّش في الشارع لأنها تعمل لساعات متأخرة من اللليل وتعيش لوحدها. وتحمّل عائلات سورية لاجئة مسؤولية أزمة النفايات في بيروت. ويفرض رئيس الولايات المتحدة حظرًا على سفر مجتمعات بأسرها لأنها مجتمعات مسلمة.
مشروع “مواجهة الكراهية” مشروع عالمي لمنظمة “المادة 19” ويهدف لمواجهة خطاب الكراهية والدفاع عن الحق في المساواة والترويج لحريّة التعبير للجميع.
للكلمات وقعٌ كبير. إن كانت تنمّ عن غضب أو كراهية أو جهل قد تؤدي إلى عالمٍ مقسّم وخطير بشكلٍ كبير.
لكن الكلمات أيضًا قد تشكّل أيضًا مصدر وحي لنا وقد تدفعنا إلى تغيير مجتمعاتنا نحو الأفضل.
كمنظمة مختصة في الدفاع حريّة التعبير، تسعى منظمة “المادة 19” إلى حماية الحق في حريّة التعبير كونه حق أساسي من حقوق الإنسان. إلا أن حريّة التعبير ليست حريّة مطلقة.
ومن أجل الدفاع عن كرامة كل الشعوب، لا بد من وضع ضوابط لحريّة التعبير، على سبيل المثال لوضع حد للتمييز أو التحريض على العنف. لذا نحرص على التحقق من أن الضوابط الموضوعة على حريّة التعبير عادلة ومناسبة.
يدعي كثيرون أنهم يعرفون ماهية خطاب الكراهية حين يسمعونه. ولكن، هل الأمر بسيط لهذه الدرجة في كل الحالات؟ هل يعتبر انتقاد القرآن أو الكتاب المقدّس خطاب كراهية؟ كيف ننظر إلى تعليم أطفالنا أن الأجانب وسخون؟ أو إلى الدعوة إلى طرد اللاجئين من البلاد؟
لذا لا بد لنا أن نحدد مفهومًا مشتركًا لماهية الخطاب الكراهية للتمكن من مواجهة الكراهية بفعالية.
ما هو “خطاب الكراهية”؟
التعريف البسيط لمصطلح “خطاب الكراهية” هو أي تعبير عن الكراهية التمييزية تجاه الأشخاص على أساس جانب معيّن من هويتهم.
“الكراهية التمييزية”: شعور قوي وغير عقلاني بالعداوة تجاه شخص أو مجموعة من الناس بسبب هويتهم، على أساس ميزة خاصة معترف بها في القانون الدولي لحقوق الانسان.
“الخطاب”: أي شكل من أشكال التعبير عن فكرة أو رأي أمام جمهور على نحو خطي أو غير لفظي أو مرئي أو فني وما إلى ذلك. ويمكن نشر هذا التعبير عبر وسائل الإعلام ومنها الانترنت والمنشورات والإذاعة والتلفزيون.
يمكن لـ “خطاب الكراهية” أن يشكّل خطرًا بوجه خاص حين يسعى إلى تحريض الناس على العنف تجاه مجموعات مهمشة. إنما، حتى في أشكاله الأقل حدّة، مثل حالات الشتم المتكرر أو الافتراء أو الصور النمطية المؤذية التي قد تنشئ بيئات مشحونة بالحقد وتؤدي الى حصول تداعيات سلبية. و”خطاب الكراهية” قد يشعر من يعاني منه بأن كرامته مهانة باستمرار وهذا قد يلحق نوعًا من الأذى النفسي به ويساهم في تعزيز نطاق تهميش الفريق المستهدف اجتماعيًا وسياسيًا وثقافيًا واقتصاديًا.
لذلك من المهم أن نعترف بخطورة “خطاب الكراهية” بكل أنواعه وبأن تأمين الحماية الكافية لحقوق الإنسان يتطلب التصدي للكراهية بكل أشكالها.
ولكن ما هو “خطاب الكراهية” بالضبط؟
ليس لـ “خطاب الكراهية” تعريف قانوني متعارف عليه دوليًا
خطاب الكراهية عبارة فضفاضة قد تستخدم لتوصيف أي عبارة تمييزية تنفي انسانية الآخرين أو تحرّض على الحاق الأذى بهم. لا شكّ في أن لمثل هذا الخطاب تداعيات سلبية على المجتمعات، خاصة على الأقليات والمجموعات المهمشة.
ينص القانون الدولي لحقوق الإنسان بوضوح أنه لا يمكن الحد من حرية التعبير فقط لأنه مهين أو جارح للمشاعر، حتى لو كان التعبير تمييزيًا ومليء بالكراهية، ولكن ينبغي على الحكومات أن تحد من ذلك التعبير حين يصبح خطيرًا بشكل واضح وحين لا يمكن منع حصول أضرار جسيمة إلا بالحد من هكذا تعبير. أشكال التعبير هذه قد تعتبر أسوأ أنواع “خطاب الكراهية”، لا سيما التحريض على الكراهية التمييزية التي تهدف إلى الحث على العنف والتمييز والعداوة أو من المرجح أن تؤدي اليها.
تعرّف الحكومات الوطنية هذه العبارات في قوانينها بشكل عام، ولذلك تختلف المقاربات كثيرًا ما بين البلدان، وقد أدى هذا الالتباس الى إقرار العديد من القوانين غير المراعية للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
ولكننا نشهد خللًا في تطبيق القوانين التي تضعها الحكومات حيال “خطابات الكراهية” في كل أنحاء العالم. فمن جهة، نرى أفرادًا نافذين يحثون على العنف أو يهددون باللجوء اليه من دون أن يحاسبوا أو يتعرّضوا للعقوبات المستحقة، ومن جهة أخرى يساء استعمال القوانين في شتى أنحاء العالم بحيث تستخدم كوسيلة لاستهداف المعارضة المشروعة حيث تتوجب حماية حرية التعبير.
من هي الجهة المستهدفة من “خطاب الكراهية”؟
يمكن لـ “خطاب الكراهية” استهداف أي كان لمجرد كونه مختلفًا.
ولكن من المهم الإدراك أن انتقاد الآخر بسبب افكاره وتصرّفاته لا يندرج حكما تحت “خطاب الكراهية”.
يستهدف “خطاب الكراهية” كرامة الفرد أو المجموعة على أساس هويتهم كأشخاص.
يعترف القانون الدولي لحقوق الانسان بعدد من الميزات المختلفة التي يجب تقديم الحماية على أساس وجودها وهي تشمل على سبيل الذكر لا الحصر:
- العرق
- الجنس
- لون البشرة
- الانتماء الديني
- الجنسية
- الهوية الجندرية
- الميول الجنسية
- الإعاقة
- صفة اللجوء أو الهجرة
- الانتماء للشعوب الأصلية
على سبيل المثال، التعبير عن الحقد والنقمة على شخصية سياسية لأنك تعارض أفكارها وسياساتها لا يعتبر بالضرورة “خطاب كراهية”، أما التعبير عن كرهك لشخصية سياسية معينة لكونها امرأة أو بسبب لون بشرتها فهو “خطاب الكراهية” بامتياز.
“خطاب الكراهية” يستهدف الأشخاص، أفرادًا كانوا أم مجموعات، بسبب هويتهم.
تعتبر منظمة “المادة 19” أن أسـس الحماية من التعرّض لـ “خطاب الكراهية” يجب أن تشمل جميع الخصائص والميزات المدرجة في الأحكام العامة الخاصة بعد التمييز في القانون الدولي لحقوق الانسان. ومع أن هذا قد يبدو بديهيًا، يعارضها بعض الأطراف أحيانًا.
أدت فسيفساء الآليات الدولية والاقليمية المتباينة والمتداخلة هذه إلى نشوء مقاربات متباعدة لمختلف الأشكال التي يتخذها تعريف “خطاب الكراهية” في القوانين المحلية بما فيها الميزات والخصائص الواجب حمايتها.
تعتبر منظمة “المادة 19” أن تطبيق حقوق الإنسان لا يجب أن يقيّد بالتزام رسمي بشكل مبالغٍ به بحرفية نصوص القوانين الدولية الأصلية أو حتى بنوايا واضعيها في حال كان هذا التفسير محدودًا على نحوٍ غير ضروري بالتمتع بالحقوق.
إضافة إلى ذلك، مع مرور الزمن باتت تفسّر النصوص القانونية الدولية لحقوق الإنسان بحيث تدعم مبدأ المساواة بالمعنى العام لهذا المصطلح، لتطبق بالتالي على الخصائص المذكورة بشكلٍ خاص في المعاهدات وعلى الأسس غير المذكورة صراحةً. تعترف دول عديدة بالخصائص المحمية بموجب القوانين الوطنية التي تمنع “خطاب الكراهية”، والتي تعكس الخصائص المحمية بموجب التزاماتها الأشمل بضمان المساواة وعدم التمييز.
ومع توفر ضمانات كافية لحريّة التعبير، نعتبر أن احترام الأحكام الخاصة بـ “خطاب الكراهية” يجب أن يشمل المجموعة الأوسع من الخصائص المحمية. ويجب أن تضم هذه المجموعة على سبيل الذكر لا الحصر: العرق، اللون، الجنس، اللغة، الرأي السياسي أو الآراء الأخرى، الأصول الوطنية أو الاجتماعية، ملكية الشخص، مكان الولادة، الإنتماء إلى شعوب أصلية أو حمل هوية شعوب أصلية، الإعاقة، صفة اللجوء أو الهجرة، الميول الجنسية، الهوية الجنسية أو حمل صفات الجنسين.
هل تتشابه كل خطابات الكراهية؟
يمكن أن يأتي “خطاب الكراهية” بأشكال مختلفة منها التعليقات الناتجة عن الجهل والمزاح المسيء ووصولًا إلى الدعوات الصريحة إلى التمييز ضد مجموعة معينة وفي أسوأ الأحوال الدعوة إلى القتل الجماعي.
يشير القانون الدولي لحقوق الإنسان بشكلٍ خاص إلى تصنيفات معيّنة من “خطابات الكراهية” الحادة التي يجب على الحكومات منعها. وهذا يشمل الخطاب الذي يروّج بشكلٍ فاعل للكراهية التمييزية بطريقة تحرّض الناس على ارتكاب الأذية بحق المجموعة المستهدفة، لمجرد انتمائهم لهوية معينة. هذا النوع من الأذية قد يأتي على شكل عنف أو تمييز أو أي فعل معادي آخر.
في حال كان “خطاب كراهية” مهينًا أو مسيئًا فحسب و”خطاب كراهية” آخر يحرّض على القتل، لا بد من تحديد بشكلٍ دقيق نوع “خطاب الكراهية” الذي نتعامل معه في حالة معيّنة.
ومن أجل التمكن من تحديد طريقة التعامل المناسبة والفعّالة مع خطاب الكراهية، علينا فهم السبب الأساسي الذي أدى إلى الكراهية.
التفكير في الكراهية بطريقة نقدية
قد يتراوح خطاب الكراهية من المزاح المسيء إلى الدعوات إلى القتل الجماعي، لذا ليس من السهل دائمًا التعرف على خطاب الكراهية عند سماعه.
أحيانًا، يفترض البعض خطًا أن المتحدثين يقصدون الأذى في حين أنهم قد يتحدثون ببساطة من منطلق قلة المعرفة والادراك.
من ناحية أخرى، يسهل أيضًا التغاضي عن الأثر المتراكم للمواقف التي تنم عن الجهل على الأشخاص المستهدفين. في الواقع، قد لا يدرك الناس كم يمكن لهذه المواقف المتأصلة أن تقلل من شأن إنسانية مجموعات معيّنة من الأشخاص. وقد لا يعكس هذا الخطاب شيئًا من الكراهية في البداية، إلا أنه يسبب الأذى للأشخاص المستهدفين.
كذلك قد يعود أصل الكراهية إلى الخوف أو الجهل غير أنه قد ينتج أيضًا من الأحكام المسبقة أو الصور النمطية أو القناعات الإقصائية أو تحريف الأمور عند عرضها في الإعلام أو التلاعب السياسي أو المواقف العنصرية. وقد يجرد “خطاب الكراهية” أحيانًا المجموعات المهمشة من إنسانيتها، ما يحتمل أن يؤدي إلى تعريضها للعنف.
تساعدنا المفاهيم والأمثلة التالية على النظر بعين ناقدة إلى الأفكار التي تحيط بنا في حياتنا اليومية ومن شأنها أن تولّد عدم المساواة.
الآراء النمطية
كما تتجلى الآراء النمطية في “خطاب الكراهية”، كذلك يمكن أن تتجلى هذه الآراء، العنصرية في هذه الحالة، في التصرفات التمييزية كالتعامل مع الآخرين بطريقة مغايرة بسبب البلد الذي ينتمون إليه، أو السياسات التمييزية كمصادرة جوازات السفر أو تعذر الوصول إلى المرافق العامة.
العمال المهاجرون، كما تظهر الصورة، هم من أكثر المجموعات المهمشة في مجتمعاتنا ويكونون في أغلب الأحيان عرضة للإساءة الجسدية والجنسية والنفسية من قبل مشغليهم.
- قد لا تبدو الصور النمطية والتعميمات دائمًا مشبعة بالكراهية الشديدة إلا أنها ومع مرور الوقت قد تترك أثرًا تراكميًا مؤذيًا على الأشخاص المستهدفين بها.
- كذلك يمكن لهذه الأفكار أن تحدد شكل السياسات والممارسات وتؤثر عليها فيكون لها نتائج سلبية للغاية على الأفراد، الأمر الذي يؤثر على فرصهم في الحياة.
- وبسبب الصور النمطية، قد يواجه الأشخاص ذوي الإعاقة صعوبة في الوصول إلى حقوق الإنسان الأساسية أو إيجاد وظيفة أو الوصول إلى التعليم. وكما تظهر الصورة، يمكنهم حتى أن يجدوا أنفسهم عرضة لمواقف تمييزية في أبسط الأمور كالذهاب في عطلة.
القناعات الإقصائية
تعكس الأقوال الشعبية المأثورة أحيانًا هياكل السلطة والسيطرة في المجتمع وتساهم في إقصاء فئات كاملة في المجتمع. على سبيل المثال، إن القول العربي المأثور “طلب المشورة من امرأة يؤدي إلى سنة من الدمار” يعزز إقصاء المرأة من عملية صنع القرار. وتساهم جمل كهذه كلما رددها الناس في التشديد على الأفكار السلبية والمؤذية للنساء في المجتمع، ما يؤدي إلى تهميشهن.
التلاعب السياسي
أحيانًا ينادي أصحاب السلطة بالكراهية للتلاعب بالناس في سبيل مصلحتهم السياسية الخاصة. من الممكن التغلب على التلاعب السياسي عبر التفكير بطريقة نقدية حيال من هي الجهة المستفيدة من تحريض مجموعة ما على كره مجموعة أخرى.
لا يولد الأطفال مع فهم مسبق للصور النمطية والمواقف المتحيزة، بل يتعلمون القيم والمعتقدات من عائلاتهم وأقرانهم وأساتذتهم ويتلقفونها من وسائل الإعلام وما يدور في محيطهم. ويتعلم الناس تبني الأفكار والمواقف السلبية تجاه الغير من خلال تفاعلهم مع الآخرين. بعبارة أخرى، يتعلم الناس الكراهية.
البحث عن كبش فداء
أحد الأمثلة عن التلاعب السياسي هو إلقاء اللوم على الآخرين أو ما يعرف بالبحث عن كبش فداء. إذ تستغل النخبة السياسية باستمرار الخوف من الآخر لتحقيق مكاسب شخصية. ويشمل ذلك تحميل مجموعة معينة كاللاجئين والمهاجرين مسؤولية كل المشاكل التي يواجهها المجتمع.
على سبيل المثال، أتت أزمة النفايات التي أشعلت شرارة الاحتجاجات في العام 2015، كنتيجة لفساد السلطات وسوء إدارة عمليات المناقصات. وبالرغم من ذلك، كثيرون ألقوا اللوم على اللاجئين السوريين. في إحدى الحالات البارزة، حملت جريدة النهار اللاجئين السوريين مسؤولية تراكم التلوث في لبنان.
التجريد من الإنسانية
التجريد من الإنسانية هي عملية تقوم على نزع الصفات الإنسانية الفردية عن الأشخاص لتبرير المعاملة المختلفة التي يتلقونها من أصحاب السلطة. ويسعى التجريد من الإنسانية إلى ترك انطباع غالبًا لدى الأكثرية أو المجموعة المسيطرة أو مناصريها يظهر مجموعة أخرى جراء صفة تعريفية عامة على أنها أقل إنسانية نوعًا ما. مع مرور الوقت، تنزع الخطابات فيما بين المجموعة المسيطرة الصفات الإنسانية الفردية عن الآخرين وتعاملهم على أساس مجموعة فقط فتحرم بذلك كل فرد من المجموعة من قيمته الفردية.
ويجرد الناس الآخرين من إنسانيتهم عبر سبل متعددة، منها على سبيل المثال مساواة مجموعة من الأشخاص يحملون صفة مشتركة (كالعرق أو الدين نفسه) بالحيوانات أو الحشرات أو حتى الآفات.
التحريف الإعلامي
لا يحب الناس عادة التعامل مع الآخرين بالعنف أو التمييز. لكن، عبر حرمان الناس من إنسانيتهم والتعامل معهم على أنهم أقل إنسانية، يضع التجريد من الإنسانية المجموعة الأخرى خارج القواعد الأخلاقية المعتادة ويحظر حتى التعاطف معها. وقد يدفع ذلك الناس إلى تبني مشاعر كراهية شديدة تجاه مجموعة ما واعتقاد أن العنف ضدها مبرر.
يمكن أن يصل التجريد من الإنسانية إلى جمهور أوسع عند تضخيمه في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كما يمكنه أن يشيع الانقسام وحتى تحريض الناس على الانخراط في أعمال العنف.
حدد المؤرخون والخبراء الاجتماعيون وعلماء النفس مفهوم التجريد من الإنسانية كخطوة رئيسية تقود إلى العنف الشديد والمجازر.
ونحن نتعرض لهذا النوع من الأفكار طوال الوقت فهي سائدة في الثقافات والمجتمعات كافة.
إن الأحكام المسبقة أو الصور النمطية المؤذية أو عمليات التجريد من الإنسانية أو السياسات أو التصرفات التمييزية والبحث عن كبش فداء بدوافع سياسية كلها تقصي مجموعات كاملة من الأشخاص وتجعل من الصعب عليهم المطالبة بحقوقهم أو ايصال صوتهم.
نحن جميعًا نمتلك القدرة نفسها على التأمل في تحيزاتنا وكيفية تجليها في أقوالنا وأفعالنا. وقد يسمح لنا ذلك بمواجهة أحكام الآخرين المسبقة بشكل أكثر فعالية ويجعلنا أكثر اقناعًا عند رفع الصوت دفاعًا عن حقوق الناس جميعًا.
هل لنا أن نضع حدًا لخطاب الكراهية عبر الرقابة؟
من المغري التفكير بأن حظر كل خطابات الكراهية أو فرض الرقابة عليها قد يحد من التمييز.
إلا أن ذلك غير كفيلٍ بمعالجة الأسباب الجذرية للكراهية والتمييز. والأهم أن الرقابة لا تشمل الأفراد الذين ينشرون الكراهية بل تمنع النقاشات وتطيح بفرص تبادل الأفكار والتجارب.
بالإضافة إلى ذلك، يتجاوز أصحاب السلطة باستمرار القوانين الفضفاضة لفرض الرقابة على خطاب الكراهية وذلك غالبًا لتجريم خطاب المجموعات المهمشة أو الضعيفة التي يفترض بأن القانون موجود لحمايتها.
إن كانت الأسباب الجذرية للكراهية ناجمة عن الجهل، فنحن بحاجة إذًا إلى العلم والنقاش وإلى تصوير أفضل للأمور في وسائل الإعلام.
ولكن إن كانت النية وراء خطاب الكراهية هي إما الحفاظ على أنظمة تمارس فيها السلطة بشكل غير متساوٍ على المجموعات أخرى من الناس أو تكريس أجندة سياسية ما، علينا إذًا الحد من هذا الخطاب أو الاعتراض عليه بناء على ذلك.
—
ماذا لو تعاطت حكومتكم مع الانتقاد على أنه خطاب كراهية؟
تسيئ الحكومات أحيانًا استعمال مصطلح “خطاب الكراهية” وتستخدمه لإسكات الانتقادات وتفادي تحمّل المسؤولية.
وحين تتوفر قوانين تمنع حريّة التعبير أو تحد منها، لا بد لها من أن تكون واضحة ودقيقة للغاية. وإلا قد تستغل الحكومات القوانين إن كانت تتعلق بخطاب الكراهية أو الأمن القومي أو الكفر أو مكافحة الإرهاب لتبرير قمعها لأي معارضة مشروعة.
ولكن لا يمكن تعريف المعارضة أبدًا على أنها خطاب كراهية فقط لأنها تنتقد أفعال الحكومة أو تحتج عليها. ويجب أن يؤمّن لهذا الخطاب المعارض الحماية على الدوام.
حريّة التعبير حقٌ جوهريّ من حقوق الإنسان وأهميتها لا تنحصر بكيفية تبادل الأفكار بل تمتد أيضًا إلى جوهر ممارسة الديمقراطية. وهي الطريقة التي تمكننا من معرفة ما تقوم به حكوماتنا وتعلّم كيفية ممارسة المعارضة والمطالبة بالمحاسبة.
ووجود المساءلة والنقاش ضروري لوضع سياسات أفضل وبناء مجتمعات لا تستثني أحدًا وتحقيق الازدهار الاقتصادي والتقدّم الاجتماعي.
ولا بد أن يكون نطاق حريّة التعبير واسعًا لإفساح المجال للتعبير عن آراء وأفكار متنوعة ومتعددة حتى لو اعتبرها الناس مسيئة جدًا. بما أن الكراهية تتجذر في الخوف والجهل ويروج لها من خلال المعلومات المضللة، فلا يمكن مواجهتها إلا عبر التضامن مع المجموعات المضطهدة والتعبير بحجج مستنيرة ودقيقة.
قبل الهب إلى المناداة بزيادة الرقابة على التعبير، علينا أن نفكر في العواقب غير المقصودة التي قد تنتج من منح الحكومات سلطة مفرطة للتحكم بما يمكننا أو لا يمكننا قوله.
بمجرد توسيع نطاق صلاحيات الرقابة، يصعب إعادة تحجيمها ويمكن بالتالي إساءة استخدامها بسهولة. على سبيل المثال، حين يكون ديماغوجي متعصب في موقع السلطة فهو يستطيع أن يقلب هذه القوانين ضد مناصري المساواة والعدالة. ويصبح عندئذ من الأسهل عليه ترسيخ سلطته، عبر تجريم الرفض والمعارضة، وارتكاب انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان.
أثبت التجربة أن الصنصرة غالبا ما تكون غير فعالة في القضاء على جذور الكراهية و لها نتائج عكسية في نشر الادماج و المساواة. هنالك القليل من الدلائل على أن الصنصرة خاصة القائمة على تتبعات جزائية استطاعت تغيير القلوب و العقول في حين أن التعليم مجتمعا مع تدابير ايجابية للاطاحة بالقيود الاجتماعية غالبًا ما يكون فعالًا.
زيادة على ذلك يمكن أن تستعمل الصنصرة من قبل مروجي الكراهية لتبرير نظريات المؤامرة عندما يجبرون على تحركاتهم في حين أن المحاكمات قد ترفع من شأن المتعصبين و تمنحهم أهمية أكبر من خلال إبرازهم كشهداء في سبيل قضيتهم.
ما هو التعبير الذي لا يتم اعتباره “خطاب كراهية” بشكل تلقائي؟
التعبير المسيء
الهجاء
التشهير
ازدراء الأديان أو “تشويه صورة الأديان”
نكران الأحداث التاريخية
التحريض على الإرهاب والتطرف العنيف
حماية “الدولة” والمسؤولين الرسميين
تجري العادة، أن تستغل الدول تصنيف “خطاب الكراهية” لتبخيس أو حتى منع أي تعبير ينتقد الدولة أو رموزها (مثل الأعلام أو الشعارات)، أو شاغلي مناصب السلطة.
في حين أن بعض القوانين الوطنية تمنع “إهانة” أو “تدنيس” مفاهيم غير ملموسة، تمنع قوانين أخرى بشكلٍ غير واضح “التحريض” أو التعبير المناوئ “للوحدة الوطنية” أو “التوافق الوطني”.
ولكن، لا يمكن أن تكون هذه المؤسسات هدفًا لـ “خطاب الكراهية”، لأنها ليست أفرادًا وبالتالي لا تتمتع بحقوق.
إضافة إلى ذلك، قد يتعرض رؤساء الدول أو مسؤولين رسميين آخرين للانتقاد وللمعارضة السياسية بشكلٍ مشروع، ويفترض بهم إبداء مستوى عالٍ من التسامح والتقبل للانتقاد أكثر من الأشخاص الآخرين.
ومع أنه من الممكن فرض قيود على حريّة التعبير لحماية “الأمن القومي” أو “النظام العام”، لا يمكن أن تستغل هذه القيود لقمع الانتقاد أو المعارضة لحماية من هم في السلطة من الإحراج أو للتغطية على انتهاكاتهم.
تنص مبادئ جوهانسبرغ على:
لا يمكن معاقبة أحد على إنتقاد أو إهانة الوطن أو الدولة أو رموزها أو الحكومة أو مؤسساتها أو المسؤولين الرسميين أو دولة أجنبية أو رموزها أو حكومتها أو مؤسساتها أو مسؤوليها الرسميين إلا في كان القصد من هذه الإنتقادات أو الإهانات التحريض على ارتكاب أعمال عنف وشيكة أو يرجح أن تحرّض عليها.
غالبًا ما يمكن من خلال القيود أو المحظورات أو الرقابة الشاملة على التعبير القضاء على أي معارضة شرعية ومنعنا من محاسبة من في السلطة على الإخلال بواجباتهم ووعودهم.
متى يمكن تقييد الحقّ في حريّة التعبير؟
الحكومات ملزمة بحماية مواطنيها. لذا يجب منع أي شكل من أشكال خطاب الكراهية يحرض على العداوة ويشجع على العنف أو يدعو لارتكاب التطهير العرقي قانونًا.
القيود على خطاب الكراهية
في الحالات القصوى، يمكن للدول منع أي خطاب يحرض على العداوة ويشجع على العنف أو يدعو لارتكاب التطهير العرقي بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ولأن حريّة التعبير مهمة للغاية، لا بد أن يكون أي قيد يفرض عليها استثنائيًا ومحددًا بشكلٍ واضح ومسوّغًا بدقة. إذ لا يكتفي القانون الدولي لحقوق الإنسان بوضع خطوط حمراء بشأن ما يمكن التعبير عنه وما لا يمكن التعبير عنه أيضًا، بل يحدد أيضًا معايير صارمة يجب أن تلتزم بها الدول لتسويغ وتبرير أي تدابير تتخذها لفرض قيود على حريّة التعبير.
غالبًا ما تسمى هذه المعايير بـ “الفحص الثلاثي الأجزاء”
الفحص الثلاثي الأجزاء
- المعيار القانوني
يجب أن تحدد القيود المفروض بوضوح في قانون يمكن للجميع الاطلاع عليه. وهذا يضمن أن يتمكن الناس من فهم القوانين بحيث يمكنهم تعديل سلوكهم وفقًا لأحكامها.
- معيار الشرعية
يجب أن تهدف القيود المفروضة إلى تحقيق مجموعة محددة ومحدودة من الأهداف التي يحددها القانون الدولي (مثل حماية حقوق الآخرين من أجل النظام العام أو الأمن القومي)؛
- معيار الضرورة والتناسب
لا بد للقيود أن تكون ضرورية وهذا يعني أن الدول يجب أن تكون قادرة على تبيان وجود تهديد فعلي بأذية قائمة على التمييز ضد شخص أو مجموعة وتبيان أن فرض القيود على التعبير هو الطريقة الوحيدة لمنع هذه الأذية. وفي حال توفر طرق أخرى لمنع الأذية يجب استخدامها أولًا. ولا بد أيضًا أن تتناسب القيود المفروضة مع التهديد، وهذا يعني أنه في حال ورود جملة واحدة في مقال إخباري يحرّض على العنف، من غير المناسب حجب الموقع بأكمله.
يحمي توخي الوضوح والدقة في القوانين التي تقيّد حرية التعبير، من اتهام الانتقادات المشروعة أو المعارضة بأنها “خطاب كراهية”.
تعتبر القيود التي لا تتماشى مع كل هذه المعايير انتهاكًا للحق في حرية التعبير.
التنبه والحذر
لا بد من تحديد المحظورات بوعي وحذر وفقًا لمقاربة واضحة السياق.
من شأن القيود المفروضة بشكل مبهم أن تقوّض قدرة الناس على مواجهة الأحكام المسبقة والتمييز بأنفسهم.
فمن السهولة بمكان الافتراض خطًا بإن متحدثين يقصدون الأذية في حين أن هدفهم الحثّ على التفكير أو النقاش. ومن السهولة بمكان أيضًا تقدير تأثير متحدثٍ ما بشكلٍ خاطئ.
علينا أن نحافظ على توازن دقيق يضمن ألّا تستغل المحظورات وتستخدم لحماية السلطة من الانتقادات المشروعة.
لا بد أن نكون قادرين على محاسبة ومساءلة من هم في السلطة من دون التعرّض للأذية.
مستوى الخطورة المقبول
يساعد الاختبار السداسي الأجزاء الذي وضعته منظمة “المادة 19″، في تحديد الحالات التي تكون المحظورات على خطاب الكراهية مبررة.
يتطرق هذا الاختبار لسياق التعبير ومكانة المتحدث ونواياه والمحتوى نفسه، ومدى تأثير التعبير بذاته واحتمالية حدوث أذية.
هرم أنواع خطاب الكراهية
في حين أن حظر كل أنواع خطاب الكراهية قد يمنعنا من تبادل الأفكار والتعلّم من بعضنا البعض، لا بد من حظر خطاب الكراهية العنيف في بعض الحالات لأن ذلك قد يتسبب بأذية خطيرة.
يعرض الهرم الوارد أدناه، مستويات خطاب الكراهية المختلفة وفقًا لمستوى خطورتها، مما يسهّل تحديد طريقة الاستجابة المناسبة مع خطاب الكراهية.
في حين أن حظر كل أنواع خطاب الكراهية قد يمنعنا من تبادل الأفكار والتعلّم من بعضنا البعض، لا بد من حظر خطاب الكراهية العنيف في بعض الحالات لأن ذلك قد يتسبب بأذية خطيرة.
. يعرض الهرم الوارد أدناه، مستويات خطاب الكراهية المختلفة وفقًا لمستوى خطورتها، مما يسهّل تحديد طريقة الاستجابة المناسبة مع خطاب الكراهية.
تقييم القيود المفروضة على التحريض بارتكاب أعمال عنفية
التحريض على التمييز أو العدائية أو العنف هو شكل محدد من أشكال “خطاب الكراهية” يستوجب توفر ثلاثة جهات:
- المتحدث الكاره؛
- الجمهور العام، الذي قد يرتكب أعمالًا تمييزية أو عدائية أو عنفية؛
- المجموعة المستهدفة، التي قد تصبح ضحية مثل هذه الأفعال.
الاختبار السداسي الأجزاء
من أجل التمكن من تحديد الحالات التي يصبح فيه التحريض على التمييز أو العنف خطيرًا بما فيه الكفاية لفرض قيود، يمكن تطبيق الاختبار القانوني السداسي الأجزاء.
—
كيف يسعنا مواجهة الكراهية؟
“خطاب الكراهية” خطاب مؤذٍ وغير صائب، لذا علينا مواجهته بالمزيد من الخطاب.
السبب الجذري وراء الكراهية هو غالبًا الجهل وقلة الفهم. لذا نحن بحاجة إلى تدابير عديدة كتعليم أفضل ومساحات للنقاش المفتوح والمتين فضلًا عن إعلام يتسم بالتنوع والتعددية ويعطي تمثيلًا أفضل لجميع التيارات في المجتمع ولاسيما هؤلاء الذين يتعرضون للتهميش عادة. علينا أن نقوم بتوعية الناس حتى نجعلهم يدركون كيف يمكن للسياسيين استخدام الكراهية لتقسيم المجتمع ومن ثمة علينا تعزيز القدرة على التحمل والاعتراض على هذا الأساليب.
إن منع النقاشات ضمن فرض الرقابة على “خطاب الكراهية” لا يعالج الأسباب الكامنة وراء الكراهية والتمييز. فمن الصعب تغيير مشاعر وآراء من هم عرضة لرسائل الكراهية، كما يصعب أيضًا حماية الأشخاص المستهدفين بهذا الخطاب.
صحيح أنه يمكن الحد من أخطر أشكال خطاب الكراهية، إلا أن ذلك لا يكفي. فعلى الحكومات أن تقدم استجابات أكثر شمولًا وابتكارًا لضمان أنه بإمكاننا جميعًا العيش معًا إحياءً للتنوع والاختلاف. نحن بحاجة إلى حكومات شفافة تخضع للمساءلة فضلًا عن إعلام حرّ ومستقل حتى نتمكن بكل حزم من مواجهة محاولات تحويل المجموعات المهمشة إلى كبش فداء من خلال نشر معلومات مضللة بشأنها.
ماذا يسعنا فعله إذًا؟
نحن كأفراد أو مجموعات يمكننا فعل الكثير لمواجهة الكراهية وبناء مجتمع أفضل.
إذا اطلعنا على المعلومات في هذا المجال ونظمنا عملنا، يمكننا استخدام حقوقنا في حرية التعبير لتعزيز المساواة بين الجميع والتصدي للكراهية والتمييز.
بناء خطاب مضاد للكراهية
تنطوي حرية التعبير على بناء المعرفة من خلال تبادل الأفكار والآراء. فإنشاء مساحة للنقاش المفتوح والتحاور يسمح لنا بتكوين فهم لبعضنا البعض وإدراك قيمة الأمور المشتركة التي تجمعنا وتلك التي تميزنا وتجعلنا مختلفين عن بعضنا البعض.
وفي الوقت نفسه، يستخدم البعض حقه في حرية التعبير للترويج لمعلومات خاطئة حول مجموعة ما ولإثارة عدم الثقة وسوء التفاهم، وذلك من شأنه أن يؤدي إلى التمييز والعنف. وقد يحصد هذا الخطاب للأسف شعبية كبيرة. فهو يقدم عادة تفسيرات وحلول بسيطة لمشاكل معقدة؛ أي يمنح الناس هدفًا سهلًا لإلقاء اللوم عليه والشعور بالخوف منه. كذلك يمكن لهذا الخطاب أن يمنح شعورًا بالأمان والتضامن داخل مجموعة مهيمنة حيث يتم تعزيز مشاعر البغض والأحقية المشتركة.
من غير المرجح أن يؤدي الاعتماد على القانون الجنائي والعقاب كاستجابة أساسية لخطاب الكراهية إلى المواجهة الفعالة للأسباب الكامنة وراء هذا الخطاب. فهل يمكن لعقوبة السجن أو الغرامة المالية أن تدفع الناس إلى تغيير رأيهم؟ ما من دليل يذكر على ذلك بل يمكن له أن يأتي أيضًا بنتائج عكسية. ما من دليل يذكر أيضًا على أن هذه الإجراءات تحسن من أوضاع أولئك الذين تستهدفهم الكراهية.
من ناحية أخرى، تتطلب المبادرات لإقامة تواصل بين مجموعات مختلفة وتبادل التجارب بينها وقتًا أطول واستثمارًا أكبر، ولكن من شأنها استبدال الريبة بالفهم والثقة.
إن المجتمعات الشاملة للجميع والمرحبة بالنقاش تمتلك على الأرجح قدرة أكبر على مقاومة خطاب الكراهية بالمقارنة مع المجتمعات التي تفرض فيها الحكومة رقابة عالية على الخطاب العام.
ارفع صوتك في مواجهة الكراهية
ارفع صوتك وارفض “خطاب الكراهية” كلما شاهدته وشجع الآخرين على القيام بالمثل. ينبغي أن يمارس الضغط على السياسيين البارزين وغيرهم من الشخصيات العامة للوقوف بدورهم في وجه الكراهية ومعارضتها. ومن يتوانى عن القيام بذلك، ينبغي أن يكون محط انتقاد.
تنتشر الكراهية على نحو أكبر وأسهل حيث لا تتم معارضتها. فرفع الصوت تصديًا لها يشكل سبيلًا مهمًا كي تثبت أنك ترفض الكراهية والتمييز وكي تظهر أيضًا تضامنك مع أولئك الذين تستهدفهم الكراهية وقد يكونون في موقع لا يسمح لهم برفع الصوت. قد تشكل مواجهة الكراهية طريقة إيجابية لإتاحة المجال أمام ضحايا التمييز للتعبير وإيصال صوتهم.
اصغٍ واستفهم وشارك بشكل بنّاء
أن تقول للذين يشاركون في خطاب الكراهية أو ينشرونه إنهم على خطأ أو إنهم جاهلون قد يتسبب بردود فعل دفاعية ولا يتيح أي فرصة لتغيير آراء الأشخاص. وقد يدفع ذلك أيضًا الأشخاص إلى التشبث أكثر برأيهم وزيادة إصرارهم على الترويج للكراهية.
إن تجنب الإساءة لدى مواجهة الكراهية لأمر استراتيجي. فكّر في طرح أسئلة تتناول سبب اعتناق الفرد لآراء معينة وإذا كان من الممكن التطرق إلى أحكامه المسبقة وأفكاره النمطية من خلال الحوار والتعرض لأفكار ومصادر معلومات جديدة. قد تكون هذه التجربة محبطة ومرهقة وقد تتطلب الصبر والمثابرة، ولكن يمكن للبديل عنها أن يؤدي إلى مزيد من الأذى.
تلقف المعلومات بطريقة نقدية
تعرّف على طريقة عمل “خطاب الكراهية”؛ من يشارك فيه وما الغرض منه؟ من أين يحصل هؤلاء على معلوماتهم وهل هي موثوقة؟
يعدّ تلقف المعلومات بطريقة نقدية مهارة أساسية لمواجهة خطاب الكراهية. كلما تمكنت من البحث والتشكيك في مصدر المعلومات المطروحة ودقة ما يقال والتحيزات التي قد تكمن وراء عرضها، تعرفت بفعالية أكبر على الخطاب التمييزي وسلطت الضوء عليه.
من المهم أيضًا الحصول على المعلومات من مصادر متنوعة، أولًا للتأكد من أنك مطلع في ما فيه الكفاية لخوض أي نقاش وأيضًا لفهم كيفية حصول الآخرين في المجتمع على المعلومات وإذا ما كان ذلك يفسر الأحكام المسبقة والتحيزات التي يتبنونها. هل يعلمون أن وسيلة الإعلام الوحيدة التي يستمعون لها تابعة للحكومة وأن الصحافيين الانتقاديين العاملين هناك تعرضوا للصرف؟ هل يعلمون أن أحد المعلقين فيها لديه ارتباط بمجموعات من اليمين المتطرف؟
كن أحد المدافعين عن حقوق الإنسان
ادعُ حكومتك إلى نص قوانين وسياسات أفضل لمواجهة الكراهية وتوفير الحماية التامة لحقوق الإنسان في المساواة وحرية التعبير.
قم بإنشاء أو دعم مجموعات من المجتمع المدني لاسيما على المستوى المحلي لسد الثغرات بين المجتمعات المحلية وتعزيز المساواة ومواجهة التمييز.
تواصل مع الناس على الانترنت عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشارك في تظاهرات تنادي بالمساواة.
شجع قادتك الدينيين والسياسيين والمحليين على اتخاذ موقف ضد الكراهية وانتقادها أينما حلّت والمشاركة في نشاطات لمخاطبة عدم تقبل الآخر وتعزيز التفاهم المتبادل.
نادي بقطاع إعلامي مستقل عن الحكومة يتسم بالتعددية والتنوع في وجهات النظر التي يعرضها والأشخاص الذين يمنحهم منصة للتعبير. لا بد للتشكيك في سبب غياب أصوات الأقليات والمنتقدين عن المنصات الإعلامية من أن يدفعك للتفكير في كيفية معالجة هذا الأمر.
وسيساهم ذلك في مواجهة جذور الكراهية وبناء أسس لمجتمع قوي يثمن التنوع والاختلاف.
توخى الحذر ولا تفقد الأمل
في بعض الدول، يكون الحيز المتاح للمجتمع المدني محدودًا للغاية والتعبير مراقبًا بشدة إلى درجة أن الدفاع علنًا عن حماية حقوق الانسان قد يعرضك للخطر. يمكن للمجموعات المناهضة للمساواة وحقوق الإنسان أن تكون عنيفة ومخيفة. وقد تشكل مناصرة العدالة الاجتماعية مهمة شاقة من دون أي نتيجة. لذا فإن توخي الحذر هو أساس الاستمرارية.
من المهم البقاء في أمان. عليك أن توازن بين أثر أعمالك (كالانخراط في مظاهرة ما) وأمنك الذاتي بالإضافة إلى أمن الآخرين من حولك. ومن الضروري جدًا الحرص على امتلاك شبكة دعم يمكنك للجوء إليها في أوقات الشدة. إن كنت مكلفًا بالعمل التنظيمي، فأنت تحتاج إلى خطط لحماية أمنك الرقمي والجسدي بما يشمل تنبيه الآخرين في حال ساءت الأمور حتى تتمكن من الحصول على المساعدة التي تحتاجها لمتابعة عملك بأمان.
ما الذي ينبغي على حكوماتنا فعله؟
إن الحكومات مسؤولة عن بناء بيئات ملائمة حيث يمكن للجميع الازدهار وحيث تكون حقوقنا محمية.
ثمة الكثير من التدابير الإيجابية التي يمكن بل ينبغي على الحكومات اتخاذها لتعزيز المساواة وعدم التمييز وحماية حرية التعبير. علينا أن نفهم ما هي هذه التدابير حتى نتمكن من دعوة حكوماتنا إلى تنفيذها.
1. بناء بيئة مؤاتية لحرية التعبير
* إلغاء القوانين أو إصلاحها
* وضع حد لإفلات المعتدين على الأصوات النقدية والمستقلة من العقاب
* ضمان الشفافية والحق في الوصول إلى المعلومات
* حماية الحق في حرية التعبير على الانترنت
2. ضمان الحماية المطلقة للحق في المساواة وعدم التمييز
* إلغاء جميع القوانين والسياسات
* سن تشريعات لمكافحة التمييز أو تعزيزها
* ضمان اعتراف أطر القانون الجنائي على الجرائم المرتكبة بدافع التحيز والمعاقبة عليها كما يجب
* إنشاء مؤسسات مستقلة معنية بالمساواة
3. تدابير إيجابية للدول تتعلق بالسياسة العامة
بغية مواجهة الكراهية، على الدول أن تتخذ مجموعة من تدابير إيجابية وغير قسرية تتعلق بالسياسة العامة تشمل جميع نواحي الحياة العامة، وذلك لمواجهة الحكم المسبق والتمييز، وللاستجابة لخطاب الكراهية. لن تستدعي بالضرورة هذه التدابير الخاصة بالسياسة العامة سن قوانين وتشريعات.
ينبغي لهذه التدابير أن تبنى على عدم التمييز وتتوافق مع التزام متين من المسؤولين الحكوميين باحترام حقوق الانسان كما الالتزام بتعزيز الحوار ودعم مشاركة جميع أطياف المجتمع.
- الاعتراف على عدم تقبل الآخر ومواجهته
- التدريب في مجال المساواة
- السياسة العامة للتعددية والمساواة في الإعلام
- حملات التثقيف والإعلام العام
- العدالة التحويلية
4. ماذا تستطيع فعله الأطراف المعنية الأخرى؟
إلى جانب الدولة، يمكن أن تلعب الأطراف المعنية الأخرى دورًا كبيرًا في تعزيز المساواة وعدم التمييز وكذلك الحق في حرية التعبير. ويعد ذلك بنظر الكثيرين جزءًا محوريًا من مسؤولياتهم المشتركة و/أو الاجتماعية.
مبادرات المجتمع المدني
يلعب المجتمع المدني دورًا حاسمًا في النهوض بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها، حتى حيث لا يشكل ذلك جزءًا مركزيًا من صلاحياته. ويمكن لنشاطات المجتمع المدني أن تكون محورية في الاستجابة لخطاب الكراهية، بما انه يسعها توفير المساحة اللازمة للتفاعل الرسمي وغير الرسمي بين أشخاص من الخلفية نفسها أو من خلفيات مختلفة، والمنصات التي يمكن من خلالها أن يمارس الأفراد حقهم في حرية التعبير ومواجهة عدم المساواة والتمييز. على المستوى المحلي والوطني والإقليمي كما الدولي، تعد مبادرات المجتمع المدني من بين المبادرات الأكثر فعالية وابتكارًا لمراقبة والاستجابة لحالات العنف وعدم تقبل الآخر، فضلًا عن مواجهة خطاب الكراهية.
في الكثير من الأحيان، تكون مبادرات المجتمع المدني مصممة ومنفذة من قبل الأفراد والمجتمعات المحلية الأكثر تأثرًا بالتمييز والعنف، فيوفرون فرصًا فريدة من نوعها لبعث رسائل إيجابية إلى العامة وتثقيفهم بالإضافة إلى مراقبة طبيعة التمييز والأثر الذي يخلفه. إن ضمان وجود بيئة سالمة وملائمة تمكّن المجتمع المدني من العمل هو أيضًا أمر أساسي.
تعبئة الفاعلين المؤثرين والتحالف بين المؤسسات
يتطلب تعزيز الفهم العام للتمييز وآثاره تعزيز الحوار والمشاركة بين الحكومة والمجتمع المدني والمجتمع ككل. وعلى الفاعلين الأساسيين محاولة بناء تحالفات للتعاون في مواجهة مظاهر عدم تقبل الآخر والأحكام المسبقة في المجتمع ولاسيما في التماس الدعم من المنظمات غير الحكومية والشرطة وصناع السياسات والهيئات التي تعنى بالمساواة والفنانين والمؤسسات الدينية والمنظمات الدولية للتنسيق معًا في مواجهة مظاهر عدم تقبل الآخر والأحكام المسبقة في المجتمع.
دور الإعلام المستقل والتعددي
على التدابير المتعلقة بالسياسة العامة لمواجهة خطاب الكراهية والمتوجهة للإعلام أن تحترم المبدأ الأساسي الذي يقول بأن أي شكل من أشكال تنظيم الإعلام يجب أن تتخذها هيئات مستقلة غير متأثرة بأي جهة سياسية، تخضع للمساءلة علنًا وتعمل بشفافية. ولا يجب المس باستقلالية هيئات التحرير وتعددية الإعلام، بما أنهما عاملين أساسيين في سير أي مجتمع ديمقراطي.
في ما يخص وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، ينبغي على إطار العمل التنظيمي أن يعزز حقوق الأقليات والمجموعات المهمشة في الوصول بحرية إلى الإعلام والمعلومات وتكنولوجيا الاتصالات لإنتاج محتوى خاص بهم ونشره، وأيضًا لتلقي محتوى من إنتاج أشخاص آخرين، بصرف النظر عن الحدود الجغرافية
يجب على وسائل الإعلام بأشكالها كافة أن تعترف بأن لديها مسؤولية أخلاقية واجتماعية في تعزيز المساواة وعدم التمييز في ما بين الأفراد الذين يتمتعون بأوسع مجموعة ممكنة من الخصائص المشمولة بالحماية. في ما يتعلق بالبنية الخاصة بكل وسيلة إعلام، فعلى هذه الأخيرة أن تتخذ خطوات من أجل:
- الحرص على أن تكون القوى العاملة لديها متنوعة وأن تمثل المجتمع ككل؛
- تناول أكبر قدر ممكن من المسائل التي تهم جميع فئات المجتمع؛
- البحث عن مصادر وأصوات متعددة ضمن مجتمعات محلية مختلفة عوضًا عن تمثيل المجتمعات على أنها كيانات متجانسة وأحادية اللون؛
- الالتزام، لدى توفير المعلومات، بمعايير عالية تتماشى مع المعايير المهنية والأخلاقية المعترف بها؛
- وضع قواعد سلوك مهنية لوسائل الإعلام والصحافيين تعكس مبادئ المساواة والعمل على تطبيقها بفعالية.
لمكافحة التمييز بشكل استباقي، على وسائل الإعلام أن تأخذ في الحساب:
- الحرص على نقل الأخبار ضمن سياقها وبطريقة دقيقة ومراعية؛
- الحرص على لفت انتباه العامة إلى الأفعال الناتجة من التمييز؛
- الانتباه إلى خطر تعزيز التمييز أو الصور النمطية السلبية ضد الأفراد والمجموعات في الإعلام؛
- تجنب الإشارة غير الضرورية إلى العرق والدين والجنس والميول الجنسية والهوية الجندرية وغيرها من خصائص المجموعات التي من شأنها أن تعزز عدم تقبل الآخر؛
- زيادة الوعي تجاه الأذى الذي يسببه التمييز والتنميط السلبي؛
- إعداد تقارير عن فئات ومجتمعات محلية مختلفة ومنح أفرادها فرصًا للتعبير عن أنفسهم وإيصال صوتهم بطريقة تسمح للآخرين بفهمهم بشكل أفضل، وتعكس بالوقت نفسه وجهات نظر هذه الفئات والمجتمعات المحلية؛
- برامج التنمية المهنية التي تزيد الوعي حول الدور الذي يمكن أن يؤديه الإعلام في تعزيز المساواة وضرورة تجنب الصور النمطية السلبية.
يجب إلزام وسائل إعلام القطاع العام بتجنب الصور النمطية السلبية ضد الأفراد أو المجموعات، ويجب أن تلزمها ولايتها بتعزيز التفاهم بين المجموعات والحث على فهم أفضل للمجتمعات المحلية المختلفة وللمشاكل التي تواجهها.
في ما يتعلق بسبل الانتصاف المتاحة من خلال أنظمة المراقبة الذاتية، لا بد من ضمان حق التصحيح أو الرد من أجل حماية الحق في حرية التعبير والمساواة. ويفترض لذلك أن يسمح للأفراد بمطالبة الوسيلة الإعلامية بنشر أو بث تصحيح للمعلومات في حال قامت بنشر أو بث معلومات غير صحيحة.
دور وسطاء الإنترنت
يُسلط الضوء بشكل متزايد على دور وسطاء الانترنت في تحديد خطاب الكراهية والرد عليه.
إن وسطاء الانترنت، بمن فيهم شركات استضافة مواقع الانترنت، ومزودي خدمات الانترنت، ومحركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي كلها تلعب دورًا حاسمًا في تمكين الأشخاص من الوصول إلى المعلومات عبر الانترنت. هي على الأغلب شركات خاصة تعمل في عدة بلدان. صحيح أن هذه الشركات لا تعمل بشكل أساسي على ابتكار المحتوى أو تعديله بل تسهل عملية التواصل بين المستخدمين، إلا أنها باتت تُستخدم بشكل متزايد في إدارة المحتوى. في بعض الحالات، يتطلب ذلك التدخل المباشر والتنظيم من جانب الدولة أو اعتماد أنظمة المسؤولية المدنية التي تفرض على الوسطاء مراقبة وإزالة المحتوى غير القانوني المزعوم. وتؤثر هذه العوامل على طريقة عمل الوسطاء في إدارة المحتوى.
يقوم الوسطاء أيضًا بمبادرات طوعية لوضع شروط على استخدام خدماتها، محتفظين في بعض الأحيان بدور الميسر أو المنسق. إن هذه “الشروط والأحكام”، التي تعطى أحيانًا تسمية مختلفة كي لا تبدو كجزء من عقد ملزم مثل “المعايير المجتمعية” أو “الخطوط التوجيهية”، تختلف بنوع التعابير التي تقيدها، علمًا أن الكثير منها يضم حظرًا لخطاب الكراهية أو ما يعادله. وتختلف مقاربات إدارة المحتوى إلى حد بعيد وكذلك الأمر بالنسبة إلى درجات الشفافية حول عملية الإدارة وتوفر الآليات الداخلية للطعن في قرار إداري.
يبدو أن عوامل عديدة تعمل على تحفيز التوجه بشكل أكبر نحو إزالة الوسطاء للمحتوى الذي يظهر خطاب الكراهية، بما في ذلك:
- زيادة الضغط لجعل سياسات الوسطاء تتوافق مع القوانين الوطنية في عدة دول حيث يرغبون بالحفاظ على عملياتهم أو توسيعها، علمًا أن كثيرًا من هذه العمليات لا يتماشى مع المعايير الدولية لحرية التعبير ويؤدي غالبًا إلى تطبيق بعض من جوانب هذه المعايير أو المعيار ذي القاسم المشترك الأدنى؛
- زيادة الضغط لتعاون الدول وأحيانًا العامة في التعامل مع الهواجس التي يسببها خطاب الكراهية، مع تشجيع إدارة المحتوى من خلال الرقابة الذاتية لتجنب فرض الرقابة بأشكال قسرية وذات كلفة أعلى؛
- والاستجابات للضغط التجاري من قبل وكالات الإعلان أو غيرهم من مصادر الدخل الذين لا يرغبون في أن يرتبط اسمهم بخطاب الكراهية المزعوم.
ثمة عدد من المخاوف حول دور الوسطاء في إدارة المحتوى، بما في ذلك خطاب الكراهية. وتتمحور أبرز هذه المخاوف حول:
- حماية غير ملائمة لحرية التعبير: تميل الشروط والأحكام المتبعة من قبل الكثير من الوسطاء إلى الحد من التعبير على نطاق أوسع من ذاك الذي يأذن للدول تقيده بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. إن حجم ما يسمى بالرقابة الخاصة كبير ويثير أسئلة تتعلق بالمسؤوليات الأخلاقية والاجتماعية في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها. وغالبًا ما تتغاضى المبادرات المخصصة لتشجيع الوسطاء على أخذ هذه المسؤوليات على محمل الجد عن المخاوف المتعلقة بالحق في حرية التعبير. بالإضافة إلى ذلك، ثمة شكوك جدية حيال أهلية الأعمال التجارية، التي تحركها أولًا دوافع الربح، للحكم بموضوعية عل الحقوق والمصالح المتضاربة.
- غياب الشفافية والمساءلة في عملية صنع القرار من جهة الوسطاء عند إزالة المحتوى، بما يشمل كيفية رصد المحتوى غير المقبول وإزالته (مثلًا إذا كانت عملية إدارة المحتوى تتم آليًا، وفي حال لم تكن كذلك، فما هو التدريب والدعم الذي يحصل عليه الوسطاء). الكثير من الوسطاء لا ينشرون معلومات حول ما يزيلونه من محتوى بمبادرة خاصة منهم، بعكس ما تتم إزالته استجابة لطلب من الدولة أو أعمال تجارية أخرى. ويؤدي ذلك إلى وضع عراقيل أمام أي تحليل أو تقييم لأداء الوسطاء في ما يتعلق بالرقابة الخاصة.
- غياب ضمانات إجرائية وعدم الوصول إلى سبل انتصاف فعالة في إزالة المحتوى، أو في فرض عقوبات على الوسطاء. ثمة مخاوف بأن تقوم الدول باستغلال آليات التبليغ أو تأثيرها على الشركات الخاصة لطلب إزالة محتوى لا يسعها إزالته بنفسها عن طريق القانون، أو الالتفاف على الضمانات الإجرائية التي تحد من أي قوى جبرية قد تمتلكها الدول في هذا المجال. إن نقل إدارة المحتوى من يد الدولة إلى الوسطاء يحرم المستخدمين من أي فرصة للطعن بالعقوبات المقامة ضدهم أو الاعتراض عليها.
صحيح أن في السنوات الأخيرة، تم ابتكار أساليب جديدة لتمكين المستخدمين من التبليغ عن أي محتوى يعكس خطاب الكراهية لإزالته، إما لأنه يعتبر غير قانوني أو مخالفًا لأحكام خدمات أحد الوسطاء، إلا أنه لم تستحدث ابتكارات مشابهة لتمكين المستخدمين من الوقاية من إزالة أي محتوى بشكل غير عادل أو غير مبرر. وبالفعل، يبدو أن معظم الوسطاء لا يُعلمون المستخدمين عند إزالة المحتوى ولا يطلعونهم على الأسباب وراء ذلك. وإلى جانب إزالة المحتوى، فإن عقوبات أخرى يفرضها الوسطاء كتعليق بعض الحسابات أو حظرها نادرًا ما تترافق مع إنذارات أو فرص للاستئناف أو الانتصاف.
- لإزالة المحتوى أثر غير متناسب على المستخدمين الذين يتبنون آراء مخالفة أو ممثلة للأقليات: بما أن الكثير من نماذج الإدارة الخاصة بالوسطاء تعتمد على تبليغات المستخدمين، قد تجذب الآراء المخالفة أو الممثلة للأقليات عددًا أكبر من التبليغات وبالتالي قد تكون أكثر عرضة للإزالة. من هنا، فإن مستخدمي الإنترنت نفسهم الذين يوجَه خطاب الكراهية ضدهم قد يجدون أنفسهم أيضًا مستهدفين عن عمد من خلال أدوات التبليغ ومتأثرين بشكل أكثر من غيرهم بإزالة المحتوى والعقوبات ضد الحسابات. ويعكس ذلك حقيقة مؤلمة تظهر أن الكثير من مستخدمي الانترنت الذين يبلغون عن المحتوى هم غير قادرين على أو ربما غير مهتمين بالتمييز بين المحتوى غير القانوني أو المؤذي والمحتوى الذي يريدون إزالته ببساطة على أساس أحكامهم المسبقة.
تحث المادة 19 المستخدمين على أخذ مسؤوليتهم الأخلاقية والاجتماعية بجدية من أجل تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، بما يتوافق مع مبادئ روجي.
في هذا الشأن، وكجزء من الرقابة الذاتية الطوعية، نشجع الوسطاء على:
- إضافة إلى شروطهم وأحكامهم بند الالتزام الصريح بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، بما في ذلك الحق في حرية التعبير والحق في المساواة وعدم التمييز؛
- ضمان حق المستخدمين في إغفال هويتهم كخيار مفترض، من دون شرط استخدام “أسماء حقيقية” أو تقديم وثائق إثبات هوية لفتح حساب على وسائل التواصل الاجتماعي والاحتفاظ به؛
- الحرص على تحديد القيود المفروضة على المحتوى في الأحكام والشروط بشكل واضح يسهل الاطلاع عليه حتى يتمكن المستخدمون من فهم أنواع المحتوى التي قد تفرض عليها قيود؛
- الحرص على أن تكون أي عملية لتطبيق العقوبات على المستخدمين، بما فيها إزالة المحتوى أو تعليق الحسابات، مفصلة بوضوح ضمن الأحكام والشروط؛
- استكشاف آليات لتمكين المستخدمين من الرد على خطاب الكراهية والاعتراض عليه، بدلا من أن يكون الرد الأول بإزالة المحتوى من قبل الوسطاء؛ ويمكن لذلك أن يشمل زيادة الوعي بين المستخدمين حول أهمية الحق في حرية التعبير والمساواة وعدم التمييز؛
- فرض على المستخدمين منح معلومات كافية لدى تقديم شكوى ضد محتوى معين، لتشمل الآتي: المحتوى المطروح؛ أسباب طلب إزالة المحتوى؛ تفاصيل عن المشتكي؛ وإعلان حسن نية؛
- الحرص على أن تفر ض الأحكام والشروط، في ما يتعلق بخطاب الكراهية، سقفًا عاليًا للقيود، بما يعكس بأكبر قدر ممكن المعايير المشار إليها في الجزء الثالث من مجموعة الأدوات هذه؛
- ضمان التكافؤ في تنفيذ أي عقوبات على المستخدمين الذين ينتهكون الأحكام والشروط، مع الأخذ في الاعتبار الأذى الذي يسببه الانتهاك المزعوم وأداء المستخدم على منصة التواصل. إن تعليق عمل المنصات بجب أن يكون تدبيرًا يُتخذ كملاذ أخير؛
- الحرص على تلقي المستخدمين إنذارًا مسبقًا ومفصلا بالشكاوى المقدمة ضد المحتوى الذي نشروه، مع امكانية الطعن بالشكوى أو الاعتراض عليها قبل فرض العقوبات. في غياب الإنذار المسبق، ينبغي على الوسطاء، كحد أدنى، إرسال إنذار بأثر رجعي لإزالة المحتوى، بما في ذلك أسباب إزالة المحتوى وتوفر آليات داخلية للطعن بهذا القرار.
وفقًا للمبدأ السادس من مبادئ كامدن:
دور الحوار الهادف بين المجموعات
يعد غياب التواصل الهادف بين المجموعات نتيجة العزلة والانغلاق عاملًا بارزًا يساهم في التوترات بين المجموعات، حيث يسود خطاب الكراهية بشكل أكبر ويرجح زيادة التحريض على العنف والعدائية والتمييز.
إن الحوار المتواصل والفعال بين المجموعات المختلفة، ولاسيما بين مجموعات محلية من أديان أو معتقدات مختلفة، من شأنه أن يشكل تدبيرًا وقائيًا فعالًا من خلال النجاح في التخفيف من التوترات أو الريبة بين المجموعات. وقد يكون ذلك ناجعًا بصورة خاصة في الأطر حيث يوجد تاريخ من التوترات المتصاعدة بين المجموعات لتصل إلى التحريض على أو حتى وقوع حالات عنف وتمييز. ولكن، ليكون الحوار فعالًا يجب أن يوفر مساحات لتبادل الآراء على نحو فعلي وغير رمزي وأن يسمح بمناقشة الاختلافات والتباينات في الرأي. كذلك ينبغي على الحوار أن يكون شاملًا ويسمح بتمثيل المجتمع المحلي بما يتجاوز القادة التقليديين.
بالإضافة إلى ذلك، إن التبادل غير الرسمي للآراء بين المجتمعات المحلية، بعيدًا عن الحوار بين المجموعات، على سبيل المثال في مجال الرياضة أو التبادلات الثقافية، أو الهادف لمعالجة المسائل العملية التي تشكل مصدر اهتمام عام، يمكنه أيضًا أن يشكل تمارين مهمة لبناء الثقة والعلاقات. ويمكن تعزيز أثر الحوار بين المجموعات ومبادرات التواصل في الأماكن التي تلقى فيها دعمًا من الحكومة.
خارج إطار الحوارات الرسمية وغير الرسمية، يجب تمكين الممثلين عن المجتمعات المحلية المختلفة، ولاسيما زعماء الأديان وغيرهم من زعماء المجتمعات، من التصدي للتمييز وعدم تقبل الآخر. إن لذلك أهمية بالغة حيث يُظهر مؤيدو التمييز وعدم تقبل الآخر أنفسهم على أنهم يمثلون المجموعات أو جماعات المصالح أو يتصرفون بالنيابة عنها. إن زعماء الأديان والمجتمعات المحلية قادرين ليس على رفض هذا التمثيل وادعائه فحسب بل أيضًا على المشاركة إلى حد بعيد في مواقف الأفراد ومواجهتها وبالتالي طرح خطاب مضاد مقنع.
(*) يُنشر من مشروع “تحدي الكراهية”