مكافحة تعبير الكراهية على المستوى الدولي

ملخص:

حرية التعبير ليست مطلقة وفقًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان قد تخضع لقيود مشروعة كما يمكن أن تخضع خلال ممارستها لبعض الإجراءات أو الشروط. وهي قائمة محدودة بالأسباب التي يمكن أن يستند إليها التدخل في حرية التعبير. وتتركز أهمية البحث عن الحد الفاصل بين المباح والمحظور الموسوم بالكراهية. وتبدو صعوبة البحث في سياق النقاشات العامة. حيث لا يمكن تقييد التعبير دون أسباب مقنعة من ناحية ومن ناحية الأخرى التسامح الذي يعتبر ضروريًا في مجتمع ديمقراطي. وتكمن الإشكالية أن القانون الدولي ينص على عدم جواز تفسير أي من أحكام الاتفاقية يوحي للدولة التدخل بهدف تدمير الحقوق أو الحريات المعترف بها في الاتفاقية. مما يجعل القيود أوسع. ومعاقبة أو منع بعض أشكال التعبير بمبرر نشر أو تحريض أو تعزيز الكراهية وتبدو صعوبة البحث في تعريف مصطحات خطاب الكراهية، التحريض، إلا أن اختلاف الأحكام الصادرة من المحاكم الوطنية يوحي بمعالجات مختلفة. حيث نلحظ أنها أكثر ثراءًا بكثير من الفقه الدولي وخاصة الأبعاد العديدة للقوانين. وقد أنتجت فقها مفصلًا جدًا للعديد من القضايا، واستنبطت منها مبادئ وقواعد للتفسير مبنية على المعايير القانونية الدولية: والتفسيرات الرسمية للقانون الدولي ونقصد بشكل خاص فقه المحكمة الأوروبية والمحكمة الأمريكية وبإمكان النظام الدولي أن يتعلم الكثير من التجارب المحلية. غير أن الوضع في غيرهما ما زال بدائيًا.

مقدمة:

وفقًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان فإن حرية التعبير قد تخضع لقيود مشروعة وفقًا للمادة 19 الفقرة 3 من العبد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. والمادة 20 الفقرة 2 وفي بعض الحالات تضع المادة 4 الفقرة (أ) من اتفاقية القضاء على التمييز التزامًا على الدول بضرورة حضر خطاب الكراهية أو الدعوة إلى الكراهية بكل أصنافها. وفي غياب وجود تعريف موحد وفق القانون الدولي لمصطلح (خطاب الكراهية) لا يزال مصطلح التحريض على الكراهية يثير الجدل على الصعيدين الدولي والوطني مما نتج عنه معالجة متباينة على المستوى الوطني بعضها يعتريها الغموض أو أنها تقييدية بشكل مفرط فأدت تفسيرات تلك القوانين إلى نتائج عكسية1. أدى إلى انتهاك حرية التعبير نفسها أو الحق في المشاركة السياسية والاقتصادية والثقافية. كما أنها تعتبر من الأفعال المعنوية التي يصعب إثباتها لأنها تتعلق بنية قائلها ولا يمكن الجزم بالحكم على محتوى التعبير من ظاهره بل لا بد من توافر منهجية واضحة لتحليل المحتوى والظروف المحيطة بها2. والأخطر من ذلك إذا كانت من مجهول. أن قمع خطاب الكراهية ليس علمًا دقيقًا. وقد أدت المعالجات الوطنية إلى مجموعة من التفسيرات أثرت في الموضوع.

ففي القانون الأمريكي تحوز حرية التعبير على حماية كاملة بموجب التعديل الأول

للدستور الأمريكي فهي تدرك أن مكافحة خطاب الكراهية بسلاح أكثر فاعلية ليس بالقمع

أو المنع إنما بخطاب التسامح والصادق والذكي. حيث يعد الإقناع وليس الضبط أو

التنظيم كأفضل وسيلة لمواجهة خطاب الكراهية3. وتعتبر خطابات الكراهية من أكثر

الموضوعات إثارة للجدل بسبب صعوية الفصل بين التعبير المباح والتعبير الذي يعتبر

تحريضا. خاصة في غياب تعريفات قانونية دولية لمصطلح (خطاب الكراهية) الذي يتولد

عنه التحريض على العنف ولذا وجب التمييز بينهاء وبناء على ما سبق ذكره جاءت أهمية

طرح الاشكال الجوهري الآتي:

إشكالية البحث: محاولة تحديد مفاهيم: الكراهية. خطاب الكراهية. التحريض على الكراهية والتمييز بينها. من خلال أدواتها ومظاهرها وكما نعلم تعتبر أفعال مادية يصعب إثباتها والجهود الدولية والوطنية التي بذلت في هذا الإطار لمكافحتها.

أهمية البحث: نظرًا لخطورة خطاب الكراهية والآثار المدمرة على الفرد والمجتمع وارتفاع نسبة ارتكباها بصورة ملحوظة. أصبحت تثير قلقًا متزايد في جميع الدول. رغم اختلاف واضح في ثقافهم. ويبدو أن أحد أسبابها الرئيسية هي الأزمة الاقتصادية. وخاصة ضد المهاجرين المسلمين. مما أضفى على الموضوع أهمية خاصة.

أهداف البحث: سعي الباحث إلى تحليل مفصل لمعظم النظريات المفسرة لعدة مصطلحات تتضمن لفظ الكراهية والتمييز بينها. وتحديد مفاهيمها. من أجل الوصول إلى معالجة من خلال مختلف الجهود المبذولة على الصعيد الدولي والوطني في مكافحة هذه الظاهرة.

تساؤلات البحث: ولتحقيق أهداف البحث علينا الإجابة عن تساؤلات البحث الآتية:

إلى أي مدى يمكن اعتبار التعبير أنه خطاب كراهية؟

وما هي المعايير القانونية في تكييف صوره المختلفة؟

ما سبب اختلاف المحاكم بشأن خطاب الكراهية؟

منهج البحث: إن طبيعة الدراسة اقتضت الاستعانة بأسلوب تحليل المضمون كأحد أساليب المنهيج الوصفي التحليلي ذلك أن البحث يتطرق إلى مستجدات وبهتم بوصفها وصفًا معمقًا. من خلال وصف صور السلوك الإجرامي. ومن خلال مضامين أحكام بعض الاتفاقيات والنصوص ذات الصلة بالبحث محل الدراسة. كما استعنا بالمنهج المقارن بين التشريعات للوقوف على الحلول الممكنة.

تقسيم الدراسة: تم تقسيم الدراسة إلى مبحثين وعناصر رئيسية:

المبحث الأول: التمييز بين جرائم الكراهية وخطاب الكراهية والتحريض على الكراهية

        المطلب الأول: الكراهية

        المطلب الثاني: خطاب الكراهية

        المطلب الثالث: التحريض على الكراهية

        المطلب الرابع: جرائم الكراهية

المبحث الثاني: الجهود الدولية المبذولة بشأن مكافحة تعبير الكراهية

        المطلب الأول: موقف الفقه الأمريكي بشأن التصدي لتعبير الكراهية

        المطلب الثاني: موقف الفقه الأوروبي بشأن مكافحة خطاب الكراهية

المبحث الأول: التمييزيين جرائم الكراهية وخطاب الكراهية والتحريض على الكراهية

المطلب الأول: الكراهية

إن الإنسان كتلة من المشاعر يحب ويكره وليس لأحد سلطان عليه. قد تكون لأسباب شخصية أو عداوة أو خلافات. وقد تكون لأسباب أخرى عنصرية أو عرقية أو دينية وهي لا تعتبر جريمة يعاقب علها القانون بل حق التعبير عنها لا يعتبر جريمة فهي القوة الكامنة التي تحرك سلوك الإنسان وتوجهه نحو هدف معين4. لكن عندما تتحول إلى الدافع أو المحرك للسلوك أو الجريمة. فبي محض سلوك كان يتطور إلى مرحلة الدعوة إلى الكراهية أو إثارة خطاب الكراهية وفي هذه الحالة فإن الوضع يختلف فمثل هذه الخطابات من شأنه أن بهدد حالة السلم الاجتماعي التي يقوم عليها المجتمع.

الكراهية كإحساس من الواضح أنها تفلت من عقوبة القانون. الجميع يكره من يريدون لكن ما يمكن أن تقاضيه العدالة هو خطاب الكراهية أو التحريض على الكراهية، والكراهية التي تهم القانون ليست كراهية للكلمات بل الكراهية التي تنجم عن الكلمات التي تتابعت انها كراهية نشطة. خطاب الكراهية جريمة لأنها خطيرة5. فمصطلح الكراهية يمكن أن يكون مضللًا عند استخدامه في قانون جرائم الكراهية فهي لا تعني الغضب أو الكراهية بصفة عامة بل تعني التحيز ضد أشخاص أو جماعات ذات خصائص محددة ولتقييم مستوى الكراهية يؤخذ الحكم على الخطاب عبر تحديد سلوكيات تتنامى ولقد صممت رابطة تسدى بهرم الكراهية يبدا.

1) مؤشرات التحيز: النكت: الشائعات: النمطية: لغة غير شاملة وملاحظة حساسة.

2) مؤشرات التعصب: التجنب الاجتماعي. سخربة. اسم مستعار. التسلط، افتراءات والتجرد من الإنسانية.

3) مؤشرات التمييز: اقتصادي توظيف تربوي سياسي وسكني. والانقسام.

4) مؤشرات العنف: التهديدات اعتداء. اغتصاب قتل حريق متعمد إرهاب تخريب تدنيس.

5) مؤشرات إبادة جماعية: الفعل أو النية على نحو مؤجل ومهجي من أجل إبادة شعب بكامله.

المطلب الثاني: خطاب الكراهية

لا غرو عدم وجود تعريف مانع لما يسمى خطاب الكراهية أمر صعب ومعقد نظرًا لتشابكها بوسائل التواصل، اسلوب، اللغة، الصوت، لغة الجسد، البصر، بالإضافة إلى المؤسسة التي تحدده من جهة والسياق الذي يقع ضمنه هذا المصطلح. ولعل التعريف اللساني الأقرب إجمالًا أن خطاب الكراهية “ظاهرة تنطوي على تفاعل دقيق بين نيّة التواصل Communication intention والاستقبال التواصلي Communication reception يقع هذا التفاعل على المستوى الدلالي، أي بين المعنى المقصود الضّمنيّ Intended meaning والمعنى المُدرك أو المفسّر Understood meaning وتأوبلاته لدى المتلقّي”.

أما التعريف القانوني

إن خطاب الكراهية Hate Speech مصطلح حقوقي فضفاض يمكن تعريفه بكونه عبارات تؤيد التحريض على الضرر (خاصة التمييز أو العدوانية أو العنف) تستهدف فرد أو مجموعة اجتماعية. ويندرج خطاب الكراهية في مركبات حرية التعبير وحقوق الأفراد والجماعات والأقليات ومبادئ كرامة الإنسان والحربة. كما أن القوانين سواء الدولية أو المحلية تميز بين حق الرأي وحق التعبير عن الرأي فإن العالم لا يضع أي قيد على حق الرأي ويجعله مطلقًا، ولكنه يضع قيودًا وضوابط على حق التعبير عن هذا الرأي. فهناك قيود منها احترام حقوق الآخرين وحماية الأمن القومي.

لذا فإن مسوغ قوانين حظر خطاب الكراهية يتعارض وقيم التسامح والعيش المشترك التي تحتاجه البشرية. ويبدوا أن الانترنت صارت مرتعًا واسعًا لخطاب الكراهية بأسماء مستعارة أو من مجهول أحيانًا، هذا وقد تباينت التعريفات القانونية عبر الدول وأحيانًا تتعارض مع مبادئ حرية التعبير والمساواة. كما أن المعايير المطبقة لمكافحة خطاب الكراهية تكون متضارية ويستحيل توافقها مع مبادئ اليقينية القانونية المطلوب وجودها بالأحكام القانونية. وأن هذه المعايير عرضة لإساءة الاستخدام مما يجعلها تقوض حريات التعبير ذات الأهمية الكبرى. وخصوصًا الخطاب السياسي بالإضافة إلى ذلك، فإن قوانين مواجبة خطاب الكراهية هي أدوات بيد هؤلاء الذين سيقيدون الحريات الأخرى لأقصى حد. الحربات العامة كالدينية.

لذا كثيرًا ما يطرح السؤال حول ما هي اللغة التي تثير الكراهية؟ إن القاضي يعطي لنفسه معيار (الشخص المعقول) Personne raisonnable هل تشعر بالكراهية خلال استماع هذه الكلمات؟ ولكن ليس بهذه البساطة انهم يفحصون سياق الخطاب، هل الشخص الذي ألقى الخطاب اعتاد على هذا النوع من الكلام؟ هل كانت له رغبة في الإساءة أو هي فكاهة فالحدود الفاصلة بينهما ضبابية فالفكاهة يجب أن تتوقف عند بدء الإساءة واحترام كرامة الآخرين. فالتمييز بينهما مازال غامضًا فالكلمات تسبق الأفعال

فمحاربة خطاب الكراهية هدف إلى القضاء ومكافحتها من مصادرها لمنع انتشار أعمال إجرامية وخاصة ضد العقائد. ولذا فإن المهمة تستند إلى معايير ومبادئ هي حظر التعصب والأمن والعدالة والديمقراطية. فخطاب الكراهية هو جريمة غير تامة وليس احتمال أن يتم ارتكاب الفعل الذي دعا إليه خطاب الكراهية ومع ذلك يجب تحديد درجة مخاطر الضرر الناجم عنه ومع إقرار الصلة السببية.

المطلب الثالث: التحريض عن الكراهية

للبحث في ماهية التحريض ننطلق من التحديدات المعجمية. كل المعاجم تتحدث ضمنًا في تعريفها عن فاعل يدفع. آخر إلى فعل شيء معين من بعد تحريك مشاعره. وكل المعاجم تشير إلى الشدة في إثارة الشعور والسرعة في الحركة وغالبًا ما يكون العمل سلبيًا في ايحاءاته ونتائجه. والخط الجامع في التحريض على العنف. على العنصرية والتحريض الديني. هو الكراهية.

إن الاتفاق حول تعريف مفهوم التحريض وغيره من المفاهيم الأخرى مفقودًا. لصعوبة وضع التعريف لأغراض التطبيق. واحتمالية التعدي على حرية التعبير التي تعتبر القاعدة وليس الاستثناء. فعلى سبيل المثال اللجنة المعنية بحقوق الإنسان تجنبت التعريف وركزت على الأثر المحتمل على الغير. وعلى ما إذا كان ضروري منع ذلك الضرر7 وركزت على وقع خطاب الكراهية على إثارة المشاعر المعادية للسامية. وقد حظيت عدة محاولات لتعريف التحريض على الكراهية فعلى سبيل المثال اقترح مجلس أوروبا تعريفًا للخطاب المحرض على الكراهية “يشمل جميع أشكال التعبير التي تنشر أو تحرّض أو تشجّع أو تبرر الكراهية العرقية أو كره الأجانب أو معاداة السامية أو غير ذلك من أشكال الكراهية المبنية على التعصب. بما فيها التعصب المعبر عنه بالنزعة القومية. الاعتداد بالانتماء الإثني والتمييز والعداء للأقليات والمباجرين والسكان من أصل من مهاجر8. وبهذا المعنى يفهم أن خطاب الكراهية هو عبارة عن كلمات موجهة بالضرورة ضد شخص وفئة من الاشخاص معينة.

نعتقد أن التعريف يثير إشكالًا أكثر مما يساعد في الحل. كما جاء تعريف من المحكمة الجنائية الدولية لرواندا بأنه (قولبة للانتماء الاثني ومدح فيه في نفس الوقت) وهو غير كاف لأن المصطلحين القولبة والمدح غير معرفين. ومن بين التعاريف التي أدرجت في مبادئ كامدن (الكراهية) هي حالة ذهنية توصف بأنها مشاعر قوية وغير عقلانية من الازدراء أو العداوة أو البغض تجاه المجموعة المستهدفة9. اما (الدعوة) هي دعم وترويج صريحان ومقصودان وعلنيان وفاعلان للكراهية تجاه المجموعة المستهدفة وأما (التحريض) يشير إلى مقولات عن فئات قومية أو عرقية أو دينية تؤدي إلى وشوك خطر حدوث تمييز أو عداء أوعنف ضد أشخاص ينتمون إلى هذه الفئات أما (التمييز) أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد على أساس العرق، أو اللون، أو النسب، أو الأصل القومي، أو القومية، أو الجنس، أو الميل الجنسي، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي السياسي أو غير السياسي، أو السن، أو المركز الاقتصادي، أو الثروة، أو الحالة الزواجية، أو الإعاقة، أو أي مركز آخر يكون من أثره أو أغراضه إضعاف أو إبطال الاعتراف بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية في المجال السيامي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو المدني، أو أي مجال آخر من مجالات الحياة العامة أو التمتع بتلك الحقوق والحريات أو ممارستها على قدم المساواة.

والتحريض على الكراهية هو المظهر الخارجي لشيء أعمق ألا وهو عدم التسامح والتعصب الأعمى، والردود القانونية كفرض قيود إضافية على حرية التعبير وحدها لا يمكن أن تحل المشكلة بل هي أعمق من ذلك، والهدف من ذلك إحداث تغييرات جوهرية في العقليات والتصورات وصيغ الخطاب داخل مجموعة أوسع تتضمن الحوار بين الثقافات وتعليم التسامح والتنوع10.

والتحريض على الكراهية يقع على ثلاثة أشكال11:

  1. التحريض على فعل غير مشروع يتم فعلًا مثل الابادة الجماعية والعنف والتمييز.
  2. التحريض على فعل مشروع لا يتم ولكن يخلق في ذهن المتلقي الرغبة الملحة في ارتكاب فعل غير مشروع.
  3. خلق حالة ذهنية معينة (كراهية عرقية وعنصرية) دون صلة بفعل غير مشروع.

ويظهر أن الفكرتين الأولى والثانية لا تثير مشكلة لأن الهدف واضح من التحريض مثل الإبادة الجماعية لكن الفكرة الثالثة تثير الكثير من الجدل.

ويبقى التحدي قائم بين كيفية الحد للآثار الشنيعة التي يخلفها خطاب الكراهية دون النيل من حرية التعبير. ولهذا السبب اتجه القانون الدولي ومعظم الاجتهاد القضائي الإقليمي والوطني إلى أي إجراء يحد من حرية التعبير أو يعاقب عليه على أنه تدبير استثنائي يتعين تطبيقه في ظروف محددة بشكل صارم على أساس معايير محددة بوضوح12.

والسبب في تقييد خطاب الكراهية فهو العامل الرئيس والتأثير الجلي والمباشر في الحاق الأذى من خلال التحريض على الكراهية بل حتى على العنف. وقد خلصت أن سبب ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في جميع الأحوال تعود إلى ازدياد الكراهية العنصرية أو القومية أو الدينية13. وهو الدافع في إدراج التحريض على الإبادة الجماعية ضمن الأفعال الجرمية. وعلى غرار ذلك اعتمدت لجنة القضاء على التمييز العنصري في 2005 إعلانًا يخص منع جريمة الإبادة الجماعية14. ومقررًا بشأن مؤشرات أنماط التمييز العنصري المنهجي والجماعي15. وكلاهما ركن من أركان قيام الإبادة الجماعية وبشكل خاص في وسائل الإعلام والتي تصدر من قادة سياسيين والشخصيات البارزة يتغاضون عن العنف أو يبررونه.

كما نلاحظ بعض المصطاحات المختلفة عن التحريض وعلى سبيل المثال الفقرة 2 من المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تنص (تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف). كما تنص بالمثل الفقرة 5 من المادة 13 من الاتفاقية الأمريكية

لحقوق الإنسان (وإن أية دعاية للحرب وأية دعوة إلى الكراهية القومية أو الدينية، واللذين يشكلان تحريضًا على العنف المخالف للقانون. أو أي عمل غير قانوني آخر ومشابهة ضد أي شخص أو مجموعة أشخاص. مهما كان سببه. بما في ذلك سبب العرق أو اللون أو الدين أو اللغة أو الأصل القومي. تعتبر جرائم يعاقب عليها القانون.) وبالتالي لإدانة شخص من الضروري إثبات نية زرع الكراهية.

ومن جهة أخرى الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في مادته 4 الفقرة (ا) تنص (اعتبار كل نشر للأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية: وكل تحريض على التمييز العنصري وكل عمل من أعمال العنف أو تحريض على هذه الأعمال يرتكب ضد أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل أثني آخر، وكذلك كل مساعدة للنشاطات العنصرية، بما في ذلك تمويلها، جريمة يعاقب عليها القانون) والتي تعتبر مجرد نشر أفكار تقوم على أساس التفوق أو الكراهية يعتبر جريمة دون شرط آخر بخصوص نيته أو أثره؟”. ويبدو الاختلاف واضحًا بين الحالتين ولكنه ذو مغزى في تحديد نطاق القانون.

بالإضافة إلى ذلك هناك مصطلحات مختلفة لوصف الجرم مثل ما جاء في الفقرة 2 من المادة 20 من العهد الدول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصربية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.) وفي المقابل نص المادة 4 (1) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (اعتبار كل نشر للأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية) استعمل مصطلحين يبدو أنهما متماثلان (العداوة) و(الكراهية) وهي حالة ذهنية سلبية بفعل محدد ولا يؤخذ صاحبها إذا كانت كذلك. ولكن النتيجة المحظورة هي إظهار العداء أو الكراهية تجاه مجموعة مستهدفة.

ورغم ذلك لا يمكن استخراج قواعد ثابتة ومنظمة للخطاب المحرض للكراهية. بل هناك جملة من العلائق أو المتغيرات المستقلة يجب النظر فها بما فيها17:

  1. سياق التعبير ويمكن النظر اليه من عدة زوايا
  2. السياق السيامي: النظر إلى الإطار القانوني للدولة لمكافحة التمييز والعنصربة
  3. السياق الاجتماعي السائد وقت التعبير: المناخ الإعلامي والقيود على حرية التعبير ومدى حرية المؤسسات الإعلامية وانحيازاتها.
  4. السياق التاريخي للصراع: في ضوء وجود الصراعات وتاريخ التمييز ضد المجموعة.
  5. شخص المعبر أو المتحكم في وسيلة نشره للجمهور. ويمكن النظر إليها
  6. مدى سلطة وتأثير قائل التعبير في الجمهور إذا ما كان شخصية مرموقة أو موظف هام أو قائد سياسي أو اجتماعي أو رجل دين
  7. درجة وعي قائل التعبير بخطورته
  8. احتمالات واسعة للتأثير عن الجمهور
  9. نية قائل التعبير: وهي من الأمور الصعب إثباتها ما لم يعترف بها صاحبها حيث يمكن الاستدلال عليها من خلال التعبير.
  10. لهجة صاحب التعبير
  11. هدفه من التعبير
  12. فضاء انتشار التعبير
  13. تكراره لإثبات نواياه التحريضية من عدمها
  14. إرادة الدعوة للكراهية.
  15. إرادة استهداف فرد أو جماعة.
  16. إرادة النتائج المترتبة على تعبيره.
  17. محتوى التعبير: وهنا يجب
  18. فحص المحتوى والربط بقائلها وبالفئة الموجه لها والموجه ضدها ونطاق التعبير
  19. هل التعبير استخدم دعوات مباشرة أو لهجة عنيفة أو تضمن أعمال بعينها
  20. هل المحرض ضده كان مميزًا بشكل واضح
  21. حجم التعبير وطبيعته العامة وإمكانية انتشاره. ويمكن النظر
  22. توجهه علانية للجمهور أو في جلسة خاصة
  23. الوسيلة المستعملة لعلانية التعبير وقدرتها على الوصول إلى الجمهور والانتشار
  24. حجم وتكرار النشر
  25. مدى رجعان حدوث النتائج المترتبة على التحريض. أي العلاقة السببية بين الكلام والنتيجة المحظورة والحقيقة أم افتراء.
  26. هل الدعوات للعداء واضحة وهل صاحب التعبير مقنع وقادر على التأثير على الجمهور وهل الجمهور يتمتع بالإمكانات المناسبة لاتباع التحريض وهل الفئة الموجه ضدها التعبير تتعرض للتمييز والاضطهاد.

وعلاوة على ذلك فإن المادة 4 فقرة (أ) التي تحظر مجرد نشر الأفكار القائمة على أساس الكراهية بصرف النظر عن أي نتيجة. وبالعكس في المادة 19 الفقرة 3 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تتضمن التحريض في سياقات أخرى. فهي لا تجيز فرض قيود على حرية التعبير إلا بالقدر اللازم وقد حددتها بعنصرين احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم وحماية الامن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. والقانون الدولي لحقوق الإنسان بشأن التحريض يضع موازنة بين مطلبين وحقين ضروريين ومتنافسين هما المساواة وحرية التعبير فكلاهما حق سامي من حقوق الإنسان، فالمساواة هي أساس كل الحقوق وحماية كرامته، وحرية التعبير وظيفتها حماية الحقوق الأخرى والقيم الاجتماعية. وكلاهما دعامتان للديمقراطية والمشاركة.

وكما أشارت الجمعية العامة في قرارها رقم 171/63 عن أشكال الممارسات التمييزية من أجل تشويه صورة الأديان كالنشر والتحريض والتنميط والتصنيف النمطي والوصم وإضفاء الشرعية على التمييز والتصوير السلبي لبعض الديانات والرموز الدينية واستهدافها وقد صنف التمييز بين ثلاث أنواع من التعابير التي تشكل جريمة بموجب القانون الدولي والتعابير التي لا يمكن المعاقبة عليها جنائيًا لكنها قد تبرر رفع دعوى مدنية والتعابير التي لا تكون سببًا لفرض جزاءات جنائية ولا مدنية لكنها تثير القلق فيما يتعلق بالتسامح والتحضر واحترام ديانات الآخرين أو معتقداتهم18.

المطلب الرابع: جرائم الكراهية

إن جرائم الكراهية تختلف عما سبق أي عن مشاعر الكراهية. وإثارة خطاب الكراهية فجرائم الكراهية بطبيعتها جريمة تقليدية تقع على الأشخاص أو الممتلكات إلا أنها تقترن بدافع الكراهية للمجني عليه وتترك أثرًا ماديًا وغالبًا ما تكون جريمة الكراهية عنيفة وهو الفعل الذي يحركه الكراهية وقد تشمل أيضًا التآمر أو الطلب من شخص آخر أن يرتكب مثل هذه الجرائم حتى ولم تتم الجريمة قد ارتكبت مطلقًا. فجرائم الكراهية لها تأثير أوسع من معظم الجرائم الأخرى لا تشمل جرائم الكراهية الهدف المباشر للجريمة فحسب بل تشمل آخرون مثلهم أشخاص أو مجتمعات أو أمة بأكملها. مما يقوض السلم والأمن الاجتماعي19.

لذا تسمح للدولة حظر خطاب الكراهية لأنه المحفز لجرائم الكراهية وهو مفهوم ضمني في المادة 1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن (جميع الناس أحرار متساوين في الكرامة والحقوق) وفي المادة 2 تنص على المساواة في التمتع بالحقوق والحريات المنصوص عليها في الإعلان (دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس) وكذا في المادة 7 التي تنص بشكل صريح على الحظر من التمييز. وأما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في الفقرة 2 من المادة 20 يستعمل لغة أكثر تقييدًا من العهد وتنص على أن (تحظر أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا واستفزازًا على التمييز أو العداوة أو العنف) مما يقتضي تقييد وتقليص حرية التعبير وغيرها من أشكال الحقوق والحريات الأخرى والتي تعتبر جوهر الإطار الدولي لحقوق الإنسان.

وقد تم تداول هذه المواد في المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، والمحكمة الدولية لرواندا، ترد أحكام المادة 3 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية على مسؤولية أي شخص يحرض آخرين بشكل مباشر أو غير مباشر على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية). وعلى الرغم من الاتفاق الواضح حول حظر التحريض قانونًا إلا أن جريمة الكراهية يجب أن تستوفي شرطين:

أولًا: يجب أن يشكل الفعل جريمة بموجب القانون الجنائي

وثانيًا: أن يكون الدافع وراء الفعل هو دافع الكراهية ويمكن تعريفه أنها آراء مسبقة أو افتراضات نمطية أو عدم تسامح أو كراهية موجبة إلى مجموعة معينة تشترك في سمة مشتركة مثل العرق أو اللغة أو الدين أو الجنسية أو الميل الجنسي أو الجنس أو أي سمة أساسية أخرى أو أشخاص ذو إعاقة.

المبحث الثاني: الجهود الدولية المبذولة بشأن مكافحة تعبير الكراهية

الحرية لا تمنح بل تأخذ وهذا ما حدث في أوروبا وأمريكا من قمع شنتها أنظمة شمولية تهدف إلى السيطرة على الحريات الأساسية. وتعتبر حرية التعبير على رأس قائمة الحقوق إلا أنها بدأت تفقد بريقها من خلال بعض القيود ومن بينها خطاب الكراهية الذي كانت معالجته عبر ضفاف الأطلسي أوروبا وأمريكا مختلفة وسوف نعالجه في مطلبين.

المطلب الأول: موقف الفقه الأمريكي بشأن التصدي لتعبير الكراهية

لا يحتوي على تعريف بموجب القانون الأمريكي لمصطلح (خطاب الكراهية) بل يتمتع خطاب الكراهية في الولايات المتحدة بحماية كبيرة بموجب التعديل الأول. رغم ما يسببه من أضرار نفسية واجتماعية فهم يعتقدون أن خير علاج هو الاقناع والمجاهة لذا تتطلب من الحكومة حماية صارمة للمناقشات القوبة حول المسائل ذات الاهتمام العام حتى عندما يتحول هذا النقاش إلى خطاب فحش وشتم وكراهية يؤدي إلى شعور الآخرين بالألم أو الغضب أو الخوف. وبموجب الفقه الأمربكي، لا يمكن تجريم خطاب الكراهية إلا عندما يحرض مباشرة على نشاط إجرامي وشيك أو يتكون من تهديدات محددة بالعنف تستهدف شخصًا أو جماعة.

ووفقًا للمحكمة العليا إن الكراهية نفسها ليست جريمة ويتوقف خطاب الكراهية عن كونه مجرد خطاب هناك فرق مهم يجب إدراكه وهو أن جرائم الكراهية لا تتضمن دائمًا كلام الكراهية وخطاب الكراهية بحد ذاته ليس دائمًا جريمة. بل على المجتمع أن يتسامح مع إهانة الكلام بل وحتى الفاحشة من أجل توفير مساحة كافية للحريات التي يحميها التعديل الأول. إن التسامح مع خطاب الكراهية لا يحمي ويدعم حق كل فرد في التعبير عن خطاب الكراهية كما أنه يتيح للمجتمع وهو الهدف من خطاب الكراهية معرفة الرد على خطاب الكراهية وحماية ضد أضرارها.

ولكن لا يتم التسامح مع السلوك العدواني الناتج عن الكراهية ويجب معالجته كمسالة سلوكية دون تقييد الكلام على أساس محتواه وحده ولكن يمكن معالجة السلوك الغير القانوني فجريمة الكراهية هي أكثر من مجرد خطاب أو سلوك. إنه يتعلق بالسلوك الإجرامي كتشويه أو تخريب أو الحاق الأذى الجسدي أو التهديد بالجرح للأشخاص تسهدف مجموعة معينة عادة ما تكون دينية أو عرقية أو ثقافية أو جنسية أو إعاقة.

ومن المعايير التي اعتمدتها المحكمة الأمريكية هي:

  • الإنصاف والتنوع والشمول: لكل فرد في الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة. تحقيقًا لهذه الغاية
  • حرية التعبير حق عالمي: لا توجد رقابة جيدة. إن أي جهد لتقييد حرية التعبير والتدفق الحر للمعلومات عبر أي وسائط يساعد على التمييز والقمع. ومحاربة الكراهية بالرقابة هي هزيمة ذاتية.

المطلب الثاني: موقف الفقه الأوروبي بشأن مكافحة خطاب الكراهية

لمكافحة خطاب الكراهية. اعتمدت المحكمة على مادتين المادة 17 بشأن إساءة استخدام الحقوق والمادة 10. الفقرة 2. بشأن التدخل المصرح به للحد من حرية التعبير. تنص المادة 17 من اتفاقية حظر إساءة استخدام الحقوق على أنه “لا يجوز تفسير أي من أحكام هذه الاتفاقية على أنها تعني ضمنًا لدولة أو مجموعة أو فرد. أي حق في الانخراط في أي نشاط أو القيام بعمل يهدف إلى تدمير الحقوق أو الحريات المعترف بها في هذه الاتفاقية أو في مزيد من القيود على هذه الحقوق والحريات من تلك المنصوص عليها في هذه الاتفاقية”.

المادة 10 التي تنص على حرية التعبير. تستحق أن تعاد بالكامل. ينص على ما يلي: “1. لكل فرد الحق في حرية التعبير. يشمل هذا الحق حرية الرأي وحرية تلقي أو نقل المعلومات أو الأفكار دون تدخل من السلطات العامة وبغض النظر عن الحدود. لا تمنع هذه المقالة الدول من إخضاع تعهدات البث أو الأفلام أو التلفزيون لنظام الترخيص.

طرح موضوع خطاب الكراهية منذ 1997 من طرف مجلس وزراء أوروبا على أنه يشمل جميع أشكال التعبير التي تنشر أو تحرض أو تشجع أو تبرر الكراهية العنصرية أو الأجانب أو معاداة السامية أو على التعصب. بما في ذلك التعصب القومية العدوانية والتمييز العرقي والتمييز والعداء تجاه الأقليات. والمهاجرون والأشخاص من خلفية المهاجرين. كما أعلن في 20 مارس 2015,. رئيس مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان (ODIHR) التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (منظمة التعاون والأمن في أوروبا) أن “خطاب الكراهية هو شكل متطرف من أشكال التعصب ويساهم في جرائم الكراهية. ويمكن إذًا اتخاذ تدابير لعلاجة. قبل أن يؤدي إلى أعمال عنف وصراعات على نطاق أوسع. كما ان خطاب (خطاب) الكراهية يتناقض مع القيم الأوروبية. ومع المثل الأعلى للسلام والتماسك الاجتماعي. وفي نفس الوقت تقف عائقًا أمام حرية التعبير. والتي تشكل هذه الحرية أحد أركان المجتمع الديمقراطي. وأحد الشروط الأساسية لتقدمهم ولتنمية كل شخص. مع مراعاة الفقرة 2 من المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. فإنها لا تنطبق على “المعلومات” أو “الأفكار” التي تمس بحقوق وحريات الاخرين وحماية النظام العام ومنها السكينة العامة وحماية الأمن القومي. هذا ما تريده التعددية والتسامح وروح الانفتاح والتي بدونها لا يوجد “مجتمع ديمقراطي”.

هنا تبلورت المشكلة. في أوروبا، على عكس الولايات المتحدة. فإن الجواب سلبي بشكل حتمي. يمكن أن يكون خطاب الكراهية خاضعًا لتدخل الدولة وفقًا لما أعلنت عنه المحكمة: “التسامح واحترام المساواة في الكرامة جميع البشر يشكلون أساس مجتمع ديمقراطي وتعددي. وبترتب على ذلك من حيث المبدأ أنه يمكن اعتباره ضروريّا في المجتمعات الديمقراطية. لجميع أشكال التعبير التي تنشر الكراهية أو تحرض عليها أو تروج لها أو تبررها على أساس عدم التسامح بل وتمنعها. إذا تضمن أحد “الإجراءات” أو “الشروط” أو “القيود” أو “العقوبات” المفروضة تتناسب مع الهدف المشروع المنشود20 في الوقت نفسه. وفيما يتعلق بأكثر الخطابات تطرفًا والتي تهدف إلى تدمير الحقوق الأساسية والديمقراطية. ترفض المحكمة الأوروبية، بناءً على المادة 17 من الاتفاقية، ترفض الطعون حماية للمادة 10.

ولأن الكلمات تسبق الأفعال. فإن محاربة خطاب الكراهية من جانب السلطات الأوروبية هدف إلى القضاء، ومكافحة الكراهية من مصدرها. لمنع انتشاره أو على الأقل منع ارتكاب أعمال إجرامية تستند إلى هذه العقائد. وقد اتخذ الاتحاد الأوروبي موقفًا حازمًا يُلزم الدول بتجريم مؤلفي خطابات الكراهية وكراهية الأجانب.

ومن المعايير التي اعتمدتها المحكمة الأوروبية هي:

1) المثل الأعلى للسلام والعدالة في أوروبا

المثل العليا للسلام الدائم والعدالة التي تشكل أساس المشاريع الأوروبية تبرر مكافحة خطاب الكراهية. هذا الخطاب هو أرض خصبة لجرائم الكراهية؛ إنها تجرد أهدافها من الإنسانية. إنه يبرر الوحشية والعنف والجرائم البشعة المتمثلة في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. تتميز جرائم الكراهية بخاصية شائعة تتمثل في تحريضها على كراهية مجموعة محددة. بدافع التحيز.

في ضوء هذه الملاحظات الاستهلالية. يمكن إعادة قراءة ديباجات المعاهدات الأوروبية، التي وضعت بعد الحرب العالمية الثانية: شددت الدول على أنها “مقتنعة بأن توطيد السلام القائم على العدالة والتعاون الدولي ذات أهمية حيوية للحفاظ على المجتمع الإنساني والحضاري22. والتي تنص على أن “هدف مجلس أورويا هو تحقيق اتحاد أوثق بين أعضائها من أجل حماية وتعزيز المثل والمبادئ التي هي ترائهم المشترك وتعزيز تقدمهم الاقتصادي والاجتماعي23.

وفي ديباجة معاهدة باريس، التي أنشأت مجلس الأمن الأوروبي في 18 أبريل 1951. بدا أن الدول مقتنعة بأن السلام العالمي لا يمكن “حمايته إلا من خلال الجهود الإبداعية التي تتناسب مع الأخطار التي تهددها” وأن المساهمة الاوروبية المنظمة والحيوية يمكن أن “تجلب إلى الحضارة”.

السلام والحرية والعدالة والديمقراطية والتقدم والوحدة الأوثق بين الشعوب: هذه القيم والمثل العليا والقواسم المشتركة للنظام القانوني لمجلس أورويا والاتحاد الأوروبي.

2) مبدأ المساواة وعدم التمييز

وفق ما تنص المادة 14 من الاتفاقية (“يجب ضمان التمتع بالحقوق والحريات المعترف بها في هذه الاتفاقية. دون أي تمييز على الإطلاق. بناءَ على الجنس أو العرق أو اللون أو اللغة. الدين أو الآراء السياسية أو غيرها، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو عضوية أقلية قومية. أو ثروة. أو ولادة. أو أي وضع آخر”).

البروتوكول 12 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (الذي دخل حيز التنفيذ في 1 أبريل 2005) والذي ينص على بند عام يحظر التمييز مبدأ محوري في حرية الحركة وأساس المواطنة الأوروبية. بهذا المعنى. تبدو العنصربة متناقضة بشكل جذري مع مبدأ حرية حركة العمال وفكرة السوق الموحدة.

كما ان مبدأ المساواة بين جميع الأفراد هو جوهر النظم الفلسفية والسياسية والقانونية لديمقراطيات مجلس أوروبا. إرساء مبدأ المساواة وحمايته في جميع الأوامر الدستورية للدول الأعضاء.

وبناءً عليه الرغبة فإن التحريض على الكراهية. أي التصرف أو السلوك أو السلوك الذي يحث كراهية الآخرين: الكراهية العنصرية أو كره الأجانب. يتناقض تمامًا مع مبادئ المساواة وعدم التمييز.

3مكافحة العنصرية وكراهية الأجانب

خطاب الكراهية. الذي هدف إلى التحريض على الكراهية. ليس أكثر من التعبير عن الأفكار العنصرية ومعاداة السامية وكراهية الأجانب. لذلك. إنه أولاً وقبل كل شيء مكافحة هذه الشرور التي تبرر وجود أجهزة تهدف إلى مواجية خطاب الكراهية.

وعلى الرغم من وجود هذه النظم القانونية التي توفر بلا شك الحماية فإن الأقليات العرقية والدينية في أوروبا ما زالت تواجه العنصرية والتمييز والاستبعاد واللفظي.

وقد أظهرت الدراسات أنها متعددة العوامل. ترتبط أولاً بتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي وارتفاع معدلات البطالة والفقر لهما تأثير تلقائي تقريبًا على نمو الخطابات والأفعال العنصربية. تدفع الأزمة الاقتصادية وإفقار جزء من المجتمع أولئك الذين يعانون منها إلى البحث عن كبش فداءء غالباً ما يجسده الأجنبي. مما يؤدي إلى انقسام المجتمع الى فئتين اجتماعيتين. مما قد يؤدي لأسباب مختلفة إلى ردود أفعال كراهية الأجانب.

علاوة على ذلك. فإن التعددية الثقافية والاجتماعية والدينية الناتجة عن الهجرة تخلق توترات بين المجتمعات.

وأخيراً، طلبت الجمعية البرلمانية من المفوضية الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون (لجنة فينيسيا، البيئة الاستشارية لمجلس أوروبا بشأن المسائل الدستورية: التي أنشئت في 1990) إعداد تقرير أولي عن التشريع القوانين الوطنية المتعلقة بالتجديف والشتائم ذات الطابع الديني والتحريض على الكراهية الدينية. في هذا التقرير المؤرخ في 16 و17 مارس 2007. ترى اللجنة أنه في مجتمع ديمقراطي. يجب على الجماعات الدينية أن تتسامح مع النقد والنقاش المتعلق بأنشطتهاء شريطة ألا تشكل هذه الانتقادات إهانات متعمدة أو غير مبررة أو خطاب الكراهية. أو التحريض على الإخلال بالنظام العام أو العنف والتمييز ضد الأشخاص الذين يلتزمون بالدين. وتلاحظ اللجنة في هذا الصدد أن جميع الدول الأعضاء في مجلس أوروبا تقريباً قد اعتمدت قوانين خطاب مناهضة للكراهية. بما في ذلك الكراهية على أساس الدين. نتيجة لذلك.

الخاتمة:

وفي ختام الدراسة ليس بالسهولة المنتظرة الإجابة عن الإشكال. والحكم على أساسها رغم وجود اجماع دولي على ضرورة مكافحة كافة أشكال الكراهية. وأن مسالة تحديد الخط الفاصل بين حرية التعبير والتعبير المحرض مستحيل لعدة أسباب أهمها صعوية ضبط المصطلح وعدم الاتفاق على تعريف موحد. بل هناك مساحة ضبابية تحتاج إلى دراسة كل حالة على انفراد وتحليلها والبحث عن مسبباتها والدوافع الكامنة من ورائها، فهي أفعال يصعب اثباتها لعلاقة الامربنية قائلها.

اقتراحات:

ان أكثر الوسائل نجاعة للتصدي لبذه الظاهرة هي:

  1. وصف جرائم خطاب الكراهية بأنها خطيرة لنتائجها المدمرة على السلم والأمن الاجتماعي.
  2. انشاء مراصد لخطاب الكراهية وتحليله والبحث عن الأسباب الكامنة وراءه، والوقوف على العوامل المحركة والكشف عن الجيات الفاعلة.
  3. مساندة ودعم ضحايا خطاب الكراهية دائمًا مما يعزز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
  4. التعليم والتربية وهي تعتبر الوقاية.. وعلينا دائمًا نتذكر الماضي المؤلم للجرائم بسبب الكراهية التي ارتكبت في القرن العشرين.
  5. إشراك الفاعلين في المجتمع الدني وعقد ندوات ومن بينها الإعلام بمختلف أنواعه ومستوياته.

الهوامش:

1. تقرير حول اجتماع الخبراء المتعلق بالأحكام القضائية الخاصة بحرية الرأي والتعبير والحض على

الكراهية المنعقد في بيروت 2 – 3 كانون الأول/ ديسمير 2015.

2. أحمد عزت واخرون: خطابات التحريض وحرية التعبير الحدود الفاصلة .مؤسسة حربة الفكر والتعبير. القاهرة. دون

الطبعة .والسنة .مصر. ص 4.

3. مكتب برامج الاعلام الخارجي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية يتضمن هذا الموقع معلومات عن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية عن الحياة والثقافة الأمربكية نشر في نيسان 2013.

4. محمد محمود بني يونس: سيكولوجيا الدافعية والانفعالات الأردن. دار المسيرة 2007. ط 1. ص 15.

5. Sonya Faure, «Qu’est-ce que la haine aux yeux de la justice», Libération, 21 novembre 2014.

6. أنطونيوس نادر: خطاب الكراهية والسَؤال المؤلم- مقاربة فلسفيّة (ج.ل أوستن – أنموذجًا) https://mana.net/archives/2501

7. انظر على سبيل المثال روس ضد كندا. 18 October 2000, Communication No. 736/1997, paras.

8. انظر على سبيل المثال فوريسون ضد فرنسا. 8 November 1986, Communication No. 550/1993, paras. 9.6-9.7. sujet : Voir à ce

9. التعريف الوارد في المبدأ 12 الفقرة 2 من مبادئ كامدن بشأن حرية التعبير والمساواة

http://www.article19.org/data/files/pdfs/standards/camden-principles-arabic.pdf

 10. مقررة الجمعية العامة 4/64/206 الفقرة 51

11. مقررة الجمعية العامة 48/8182/2/6 رقم الفقرة 38

12. مقررة الجمعية العامة 4/182/2/6 رقم الفقرة 4

13. N. Ruhashyankiko, “Study on the prevention and punishment of the crime of genocide”, (E/CN.4/Sub.2/416, para 011

14. تقربر لجنة القضاء على التمييز العنصري 680/C/66/1 اعتمد في 7 تشرين الأول / أكتوير 2005

15. تقرير لجنة القضاء على التمييز العنصري 680/C/67/1 اعتمد في 14 تشرين الأول / أكتوبر 2005؛

16. There was apparently no consensus in the General Assembly on this provision and it was adopted by vote – 54against, 25 in favour and 23 abstentions. See Lerner, p. 46.

17. مؤسسة حرية الفكر والتعبير. خطابات التحريض وحرية التعبير. الحدود الفاصلة القاهرة 2008.

انظر كذلك: خطابات الكراهية وقود الغضب نظرة على مفاهيم أساسية في الإطار الدولي. مركز هردو لدعم التعبير الرقمي، القاهرة 2016 ص 10 وما يلها.

18. الجمعية العامة رقم 6/64/209 الفقرة 36

19. منال مروان منجد: مقال بعنوان جرائم الكراهية: دراسة تحليلية مقارنة منشور في مجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية، المجلد 15 العدد 1 ص194

20. ECHR 6  يوليو 2116 Erbakan v. Turkey 11/51015 الفقرة 56 – 10 الفقرة 01 / وجوندوز د ترايا رقم 35100

21. اعتمد مجلس الاتحاد بعد 7 سنوات من التفاوض. القرار الإداري المؤرخ 28 نوفمبر 2008 بشأن مكافحة بعض أشكال ومظاهر العنصرية وكراهية الأجانب عن طريق القانون الجنائي) القرار الإداري 913/2008 28 (18](نوفمبر 2008). في بداية عام 2014. نظرت اللجنة في تنفيذ هذا القرار الإداري لاستنكار النتائج المخيبة للآمال. (27 (2014) /601)

22. الفقرة 2 من ديباجة النظام الأسامي لمجلس أوروبا المؤرخ 5 مايو 1949.

23. المادة 1 من النظام الأساسي لمجلس أوروبا.

(*) سماعيلي ياسين عبد الرزاق: استاذ مساعد/ جامعة الأخوة منتوري قسنطينة

(*) يُنشر بإذن خاص من الكاتب.

https://bit.ly/3PzSISB

سماعيلي ياسين عبد الرزاق
سماعيلي ياسين عبد الرزاق
المقالات: 1