إعداد:
أحمد عزت مدير الوحدة القانونية
فهد البنا المحامي ببرنامج حرية العلم
نهاد عبود منسق برنامج حرية العلم
مؤسسة حرية الفكر والتعبير
المحتويات:
تمهيد
أولًا: المفاهيم الأساسية للاستثناءات الواردة على حرية التعبير
ثانيًا: المعايير الدولية والإقليمية لحرية التعبير وحظر خطابات التحريض
ثالثًا: اختبار منظمة المادة (19) السداسي لوصول التعبير لمرحلة التحريض المحظور
رابعًا: التحريض في قانون العقوبات المصري
خامسًا: تجارب دولية في مجال الخطاب التحريضي
سادسًا: معايير المواجهة القانونية للتحريض الناتج عن خطابات الكراهية
توصيات عامة
تمهيد
تعتبر خطابات التحريض بصورها المتنوعة من أكثر الموضوعات إثارة للجدل عند الحديث عن علاقتها بحرية التعبير، وكيفية الفصل بين التعبير المشروع الذي لا يجوز منعه أو تقييده، والتعبير الذي يترتب عليه انتهاك حقوق أخرى؛ كالحق في الحياة والحق في سلامة الجسد، والحق في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية دون تمييز، ومن ثم تجب إحاطته بعدة قيود بهدف حماية هذه الحقوق التي قد تصبح في سياق محدد أكثر جدارة بالحماية.
وتكمن إحدى أهم الإشكاليات في تحديد ما هو مشروع وما هو غير مشروع في إطار التعبير عن الرأي والوسيلة المستخدمة في التعبير، في غياب تعريفات قانونية دولية دقيقة لبعض المسميات والمصطلحات ذات الصلة بهذه القضية مثل مصطلح “خطاب الكراهية”، الذي يعتبر المحور الساسي الذي يتفرع عنه التحريض على العنف أو العداء أو التمييز العنصري.
كما أن فعل التحريض يعتبر من الفعال المعنوية، التي يصعب إثباتها لارتباط الأمر بنية قائل التعبير، فمن ثم لا يمكن الحكم على محتوى التعبير من ظاهره؛ بل لابد من وجود منهجية واضحة لتحليل المحتوى والظروف المحيطة به، حتى يمكن الوقوف على مدى تخطيه لحدود التعبير المشروع.
أما على مستوى التشريعات المصرية فالمشكلة أكبر بكثير، حيث يعاني القانون المصري – بالإضافة إلى غياب تعريفات دقيقة للمصطلحات ذات الصلة بالاستثناءات الورادة على حرية التعبير – من التوسع في مفهوم التحريض، فالتحريض في قانون العقوبات المصري لا يقتصر على العنف أو العداء أو التمييز؛ بل يشمل كافة أنواع الجرائم، وهو ما يؤدي إلى فرض قيود شديدة على حرية التعبير بالمخالفة للمعايير الدولية الواردة في مواثيق حقوق الإنسان.
مع تصاعد الجدل المجتمعي مؤخرًا حول ما يعتبر تحريضًا على العنف أو العداء أو التمييز العنصري، وما يدخل في نطاق حرية التعبير المصونة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وكيفية التفرقة بينهما، خاصة بعد توجيه اتهامات لعدد من وسائل الإعلام والإعلاميين بالتحريض على العنف والتحريض على العداء والتحريض على التمييز ضد الأقليات الدينية والأجانب، ووقوع عدد من الحوادث بناء على هذا التحريض.
من هنا رأت مؤسسة حرية الفكر والتعبير ضرورة إصدار هذا المحتوى الذي يستهدف فض الاشتباك بين المفاهيم المختلفة ذات الصلة بما هو مشروع وما هو غير مشروع في إطار التعبير عن الرأي، وتوضيح المعايير الدولية المنصوص عليها في مواثيق حقوق الإنسان المختلفة سواء تلك التي تحمي حرية التعبير، أو التي تحظر التحريض بصوره المختلفة، وكيفية تصدي الدولة والمجتمع المدني لهذا النوع من الخطابات بما لا يقوض حرية التعبير، وذلك من خلال رؤية نقدية.
كما يهتم هذا المحتوى باستعراض المساهمات الأخرى التي قدمت في مجال التفرقة بين التعبير المشروع والتعبير التحريضي المحظور، خاصة ما قدمته منظمة المادة 19 المعنية بالدفاع عن حرية التعبير بهذا الصدد.
كذلك تتطرق هذه الورقة إلى تحليل مواطن الخلل في التشريع المصري الذي يعالج هذه القضية من ناحية مدى توافقه مع المعايير الدولية سواء بالنسبة لاحترام حرية التعبير، أو حماية الأفراد والمجموعات من خطابات التحريض، التي قد تؤدي إلى انتهاك بعض حقوقهم الأساسية كالحق في الحياة والحق في سلامة الجسد والحق في المساواة.
وأخيرًا تلقي الدراسة الضوء على بعض التجارب الدولية في مجال التصدي القضائي لخطابات التحريض، ومعايير المواجهة القانونية لصورها المختلفة.
أولًا: المفاهيم الأساسية للاستثناءات الواردة على حرية التعبير
أدى غياب تعريفات واضحة للاستثناءات الواردة على حرية التعبير عندما يتعلق الأمر بخطابات الكراهية التي تشمل صور مختلفة للتحريض، إلى وجود خلط في فهم عدد من المفاهيم، مثلًا المقارنة بين “خطاب الكراهية ” و”التحريض بصوره المختلفة”، وهو ما انعكس على المواقف الحقوقية تجاه الخطابات التي يترتب عليها انتهاك حقوق وحريات أخرى جديرة بالحماية القانونية، كما أدى هذا الخلط إلى فرض قيود غير موضوعية وغير ضرورية على حرية التعبير في كثير من الأحيان تحت دعوى حماية الحقوق الأخرى التي قد تتأثر نتيجة ممارسة حرية التعبير.
بوجه عام استقر الفقه الدولي على ثلاث صور للتحريض الذي يشكل استثناء على حرية التعبير، وهي التحريض على العنف، والتحريض على العداء أو الكراهية، والتحريض على التمييز العنصري، إلا أنه لا يوجد اتفاق بشأن كيفية تصدي الدولة لكل صورة من هذه الصور على حدة، فهناك من يرى ضرورة تجريم كل صورة التحريض وفقًا لإطار جنائي يتضمن عقوبات سالبة للحرية وعقوبات مالية ضد المحرضين، وهناك اتجاه ثاني يرى أن الحظر والتجريم يجب أن ينصب فقط على التحريض على العنف، مع اعتبار التحريض على العداء أو الكراهية والتحريض على التمييز ضمن إطار التعبير المشروع الذي لا يجوز تقييده، ويرى الاتجاه الثالث أن الصور الثلاثة للتحريض تشكل استثناءات على حرية التعبير، إلا أن تصدي الدولة يجب أن يختلف وفقًا لكل صورة على حدة، فالتحريض على العنف يجب أن يتم تجريمه جنائيًا، وكذلك التحريض على التمييز الذي يترتب عليه عنف مباشر، أما التحريض على التمييز الذي لا يترتب عليه عنف والتحريض على العداء أو الكراهية يجب أن يتم التعامل معه وفقً لآليات مختلفة بعيدًا عن الطريق الجنائي، منها كفالة حق التعويض المدني لضحية التحريض، واللجوء لطريق التأديب الإداري بالنسبة لشاغلي الوظائف الحكومية والخاصة، وقيام الدولة بدور توعوي بالنسبة لتأثير خطابات التحريض على الحق في المساواة، وترى مؤسسة حرية الفكر والتعبير، أن هذا التجاه هو أكثر الاتجاهات موضوعية وهو ما يجب أن تتبناه المؤسسات الحقوقية المصرية، حيث يضمن التوازن بين صون حرية التعبير، وبين رفض التعبير الذي يتضمن انتقاصًا من حقوق أخرى لا تقل أهمية عن حرية التعبير، دون تزيد من جانب الدولة فيما يتعلق بتطبيق العقاب الجنائي الذي يجب أن يقترن بالعنف فقط.
1- خطاب الكراهية هو الإطار الجامع للصور المتعددة للتحريض
حددت الفقرة الثانية من المادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الإطار العام للاستثناءات الواردة على حرية التعبير في هذا المجال عندما نصت على ضرورة أن يحظر القانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف.
ويبين من القاعدة التي أرستها الفقرة الثانية من المادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أن خطاب الكراهية ليس فعل مستقل عن فعل التحريض بصوره المتنوعة، بل هو الطار العام الذي يشمل الصور المتعددة للتحريض، وهو ما يعني أن كل تحريض على العنف أو العداوة والكراهية أو التمييز هو خطاب كراهية شريطة أن يكون هذا الخطاب قد جاء مبنيًا على أحد أسس التمييز العنصري.
2- مفهوم خطاب الكراهية
لا يوجد تعريف واضح لما يسمى بخطاب الكراهية في القانون الدولي، وهو ما جعل هذا الموضوع من أكثر الموضوعات إثارة للجدل والخلف، وفي أفضل الأحوال توجد تعريفات غامضة وغير واضحة في بعض القوانين المحلية، وقد أدى غياب هذا التعريف إلى التخبط بين الخطاب الذي يدخل في إطار حرية التعبير، وخطاب الكراهية، وهو ما يؤدي في أغلب الحوال إلى تطبيق هذا المفهوم بطريقة تؤدي إلى فرض قيود عديدة على حرية التعبير، فضلًا عن الخلط الذي تسبب فيه غياب هذا التعريف بين عدد من المفاهيم خاصة مع وجود دلائل في الواقع حول تسبب الشائعات والتهامات الخاطئة، وتكريس الصورة النمطية لمجتمع معين في ممارسة العنف والتمييز العنصري ضد أعضاء هذا المجتمع1
وقد عرفت منظمة المادة (19) كلمة “الكراهية” استنادًا إلى “مبادئ كامدن” الخاصة بحرية التعبير والحق في المساواة، التي قامت المنظمة سالفة البيان بالاشتراك مع عدد من الخبراء الحقوقيين بصياغتها بأنها “حالة ذهنية تتسم بانفعالات حادة وغير عقلانية من العداء والمقت والاحتقار تجاه المجموعة أو الشخص المحرض ضده2“.
وتكمن الصعوبة في تعريف خطاب الكراهية بشكل دقيق، في أن هناك أنواعًا من الخطابات تدخل في إطار النقاش العام الذي لا يجوز تقييده، على سبيل المثال الخطابات التي تؤدي إلى كراهية الفراد لجهاز الشرطة بسبب ممارسته للتعذيب ضد المواطنين، أو التي تؤدي إلى كراهية الحكومة بسبب فساد أعضائها، ولذلك كان هناك ضرورة أن تحدد الفقرة الثانية من المادة (20) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المضمون اللازم توافره للتمييز بين الصور المختلفة لخطاب الكراهية ولتحديد أيًا منها محظور ويشكل استثناءعلى حرية التعبير، وقد حددت المادة سالفة الذكر هذا المضمون في ثلث صور هي “الكراهية القومية ” و”الكراهية العنصرية ” و”الكراهية الدينية”، وبالنظر إلى هذه الصور نجد أنها تشكل بعض صور التمييز المحظور دوليًا، وهو ما يثير التساؤل حول اقتصار نص المادة (20) على هذه الصور فقط دون غيرها من صور التمييز، وتكمن الإجابة على هذا التساؤل في التوقيت الذي دخل فيه العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية حيز التنفيذ عام 1976، حيث لم تكن حركة مناهضة التمييز في العالم بذات مستوى القوة والتطور التي هي عليه اليوم، وهو ما استتبع لاحقًا انتشار التفسيرات الواسعة لأسس التمييز الالزمة لحظر خطابات الكراهية، سواء من قبل المحاكم الإقليمية لحقوق الإنسان، أو من قبل العديد من فقهاء القانون الدولي.
3- الأساس التمييزي اللازم لحظر خطاب الكراهية
وفقًا لنص المادة (20) الفقرة الثانية من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فإن خطاب الكراهية المحظور، والذي تنتهي عنده حدود حرية التعبير، يجب أن يبنى على أسس التمييز المحظور وفقًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وإلا أصبح الخطاب مشروعًا، ويصبح منعه أو التعرض لقائله انتهاكًا صريحًا لحرية التعبير، ويقتضي هذا المفهوم تعريف ماهو المقصود بالتمييز أولًا. ومن أكثر المواثيق الدولية التي تعرضت لهذا المفهوم الاتفاقية الدولية لمنع كافة أشكال التمييز العنصري، واتفاقية منع كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
• تعريف التمييز
أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد أو تفضيل على أساس العرق أو الأصل أو الدين أو الجنس أو المعتقد أو الإعاقة أو السن أو التوجه الجنسي أو اللغة أو الرأي أو القومية أو الطبقة الاجتماعية أو الجنسية أو الملكية أو المولد أو اللون أو أي سبب آخر من شأنه إضعاف أو منع التمتع على قدم المساواة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو أي مجال من مجالات الحياة العامة3.
يترتب على ما تقدم أن خطاب الكراهية المحظور يجب أن يأتي مبنيًا على أي من الأسس السابقة، وفي غياب هذا الأساس التمييزي يعتبر منع الخطاب أو تقييده بأي شكل من الأشكال انتهاك لحرية التعبير.
كذلك فإن خطاب الكراهية على أساس تمييزي ليس محظورًا في ذاته، ولا يمكن حظره وفقًا لنص الفقرة الثانية من المادة (20) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، إلا إذا شكل الخطاب تحريضًا على العنف أو تحريضًا على العداء والكراهية أو تحريضًا على التمييز.
4- مفهوم التحريض4
التحريض هو دعوة الجمهور بشكل مباشر أو غير مباشر للقيام بفعل ضد أفراد أو مجموعات، وذلك باستخدام إحدى طرق العلنية، على أن يكون الخطاب موجهًا ضد أفراد أو مجموعات محددة ولو بشكل غير مباشر كما في حالة استخدام الاستعارات والمجازات.
وينقسم التحريض الذي يترتب على خطاب الكراهية وفقًا لنص المادة (20) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية إلى ثلاث صور.
- التحريض على العنف Violence
عرفت منظمة الصحة العالمية العنف بأنه “الاستخدام العمدي للقوة البدنية أو السلطة ضد شخص أو مجموعة بطريقة تؤدي للجرح أو الموت أو الأذى النفسي أو البدني”.5
وتعتبر كل دعوة مباشرة أو غير مباشرة للجمهور لممارسة العنف ضد أفراد أو مجموعات على أحد أسس التمييز العنصري سالفة البيان تحريض على العنف، ومحظور قانونًا، ويجب على الدولة تجريمه جنائيًا إذا أدى هذا التحريض إلى وقوع عنف بالفعل.
- التحريض على العداوة أو الكراهية Hatred / Hostility
عرفت مبادئ كامدن لحرية التعبير والحق في المساواة6 العداوة بأنها “كل فعل مبني على حالة ذهنية متطرفة من الكراهية والمقت تجاه أفراد أو مجموعات محددة” وهو ذات التعريف الذي وضعته مبادىء كامدن لمصطلح الكراهية كما سبق أن وضحنا أعلاه.
ونرى أن مصطلحي العداوة والكراهية تنتابهما درجة كبيرة من الغموض وعدم الوضوح، على عكس التحريض على العنف والتحريض على التمييز، وهذا الغموض يمكن أن يؤدي إلى تفسيرهما تفسرات واسعة تؤدي إلى فرض قيود غير موضوعية وغير ضرورية على حرية التعبير، ولذلك نرى ضرورة أن تكون مواجهة الدولة لهذه الصورة من صور التحريض بعيدة عن طريق العقاب الجنائي، وأقرب إلى المواجهة التوعوية والاجتماعية التي تهدف إلى الرفض الاجتماعي لهذا النوع من الخطابات مع الاحتفاظ بالحق في اللجوء إلى القضاء المدني لضحايا هذه الصورة من صور التحريض وبالطبع الحق في الرد والتصحيح إذا تم الخطاب بإحدى وسائل الإعلام.
• التحريض على التمييز Discrimination
كل دعوة موجهة للجمهور بإحدى طرق العلنية لممارسة أي فعل من شأنه إضعاف أو منع تمتع أفراد أو مجموعات على قدم المساواة مع غيرهم من الناس بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية؛ سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو أي مجال من مجالات الحياة العامة.
والتحريض على التمييز قد ينتج عنه عنف وفي هذه الحالة يجب على الدولة مواجهة الفاعل في جريمة العنف بالطريق الجنائي، وكذلك المحرض باعتباره شريك في الجريمة، أما التحريض على التمييز الذي لا ينتج عنه عنف فلا يجب اللجوء بشأنه للطريق الجنائي في مواجهة المحرض، بل ينبغي إتاحة حق التعويض المدني للضحية وكذلك حقه في الرد والتصحيح بشأن أي وقائع قد تنسب إليه في سياق التحريض ضده، كذلك يمكن للدولة أن تلجأ إلى طرق التأديب الإداري بالنسبة لشاغلي الوظائف العامة والخاصة بدلًا من الطريق الجنائي، الذي يؤدي إلى عقوبات سالبة للحرية أو غرامات مالية كبيرة، بالإضافة إلى ضرورة أن تقوم الدولة بدور توعوي واضح ومنهجي ضد خطابات التمييز العنصري، والسعي نحو نبذها اجتماعيًا.
ثانيًا: المعايير الدولية والإقليمية لحرية التعبير وحظر خطابات التحريض
1– الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[1]
نصت المادة (7) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن المساواة في التمتع بالحقوق والحريات حق لكل إنسان، وأن الناس جميعًا سواء أمام القانون، وأنهم متساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز.
ولم يتطرق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشكل مباشر لخطابات الكراهية وما يترتب عليها من تحريض بصوره المختلفة. إلا أن المادة (29) نصت على..
1. على كل فرد واجبات إزاء الجماعة، التي فيها وحدها يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل.
2. لا يخضع أي فرد، في ممارسة حقوقه وحرياته، إلا للقيود التي يقررها القانون مستهدفًا منها، حصرًا، ضمان الاعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخرين واحترامها، والوفاء بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاهية الجميع في مجتمع ديمقراطي.
3. لا يجوز في أي حال أن تمارس هذه الحقوق على نحو يناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها.
كذلك لم يقيد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حرية التعبير بأي قيد مباشر حيث نصت المادة (19) منه على أن “لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود”.
2– العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية
نصت المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على حماية حرية التعبير في الفقرتين الأولى والثانية منها
1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.
2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
ووضعت قيدًا على حرية التعبير في الفقرة الثالثة التي نصت على أن
3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة (2) من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
أ – لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم
ب – لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
وفي إطار تفسير التعليق العام رقم (34) للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لنص المادة (19) فإن أي قيود تفرض على حرية التعبير يجب أن تكون وفقًا لثلاثة معايير أساسية:
1. أن تكون القيود ضرورية
2. أن تكون وفقًا للقانون
3. أن تكون بهدف حماية حقوق أخرى محمية بموجب القانون الدولي لحقوق النسان.
وفيما يتعلق بحظر خطابات الكراهية فقد نصت المادة (20) من ذات العهد على:
1. تحظر بالقانون أية دعاية للحرب.
2. تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف.
وبالنسبة للعلاقة بين المادة (19) والمادة (20) من العهحد الدولي للحقوق المدنية والسياسية[2] فقد انتهى التعليق العام رقم (34) للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إلى أن القيود التي تقع في إطار المادة (20) يجب أن يكون مسموح بها وفقًا للفقرة (3) من المادة .(19)
3- الاتفاقية الدولية لمنع كافة أشكال التمييز العنصري
حظرت المادة (4) من الاتفاقية الدولية لمنع كافة أشكال التمييز العنصري على حظر خطابات الكراهية بشكل واضح، حيث نصت على أن “تشجب الدول الأطراف جميع الدعايات والتنظيمات القائمة على الأفكار أو النظريات القائلة بتفوق أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل إثني واحد، أو التي تحاول تبرير أو تعزيز أي شكل من أشكال الكراهية العنصرية والتمييز العنصري، وتتعهد باتخاذ التدابير الفورية الإيجابية الرامية إلى القضاء على كل تحريض تمييزي وكل عمل من أعماله، وتتعهد خاصة، تحقيقًا لهذه الغاية ومع المراعاة الحقه للمبادئ الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللحقوق المقررة صحراحة في المادة (5) من هذه الاتفاقية9، بما يلي:
أ- اعتبار كل نشر للأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، وكل تحريض على التمييز العنصري وكل عمل من أعمال العنف أو تحريض على هذه الأعمال يرتكب ضد أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل إثني آخر، وكذلك كل مساعدة للنشاطات العنصرية، بما في ذلك تمويلها، جريمة يعاقب عليها القانون.
ب- إعلان عدم شرعية المنظمات، وكذلك النشاطات الدعائية المنظمة وسائر النشاطات الدعائية، التي تقوم بالترويج للتمييز العنصري والتحريض عليه، وحظر هذه المنظمات والنشاطات واعتبار الاشتراك في أي منها جريمة يعاقب عليها القانون.
ج – عدم السماح للسلطات العامة أو المؤسسات العامة، القومية أو المحلية، بالترويج للتمييز العنصري أو التحريض عليه.
كما حددت المادة (5) من هذه الاتفاقية الحقوق التي تعتبر أية دعوة للانتقاص منها تشكل تحريضًا على التمييز العنصري، حيث نصت على:
إيفاء للالتزامات الأساسية المقررة في المادة (2) من هذه الاتفاقية، تتعهد الدول الأطراف بحظر التمييز العنصري والقضاء عليه بكافة أشكاله، وبضمان حق كل إنسان، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الصل القومي أو الثني، في المساواة أمام القانون، لا سيما بصدد التمتع بالحقوق التالية:
أ. الحق في معاملة على قدم المساواة أمام المحاكم وجميع الهيئات الأخرى التي تتولى إقامة العدل.
ب. الحق في الأمن على شخصه وفي حماية الدولة له من أي عنف أو أذى بدني، يصدر سواء عن موظفين رسميين أو عن أية جماعة أو مؤسسة.
ج. الحقوق السياسية، ولا سيما حق الاشتراك في الانتخابات – اقتراعًا وترشيحًا – على أساس الاقتراع العام المتساوي، والاسهام في الحكم وفي إدارة الشؤون العامة على جميع المستويات، وتولي الوظائف العامة على قدم المساواة.
د. الحقوق المدنية الأخرى، ولا سيما:
“1” الحق في حرية الحركة والإقامة داخل حدود الدولة.
“2” الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده.
“3” الحق في الجنسية.
“4” حق التزوج واختيار الزوج.
“5” حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع آخرين.
“6” حق الإرث.
“7” الحق في حرية الفكر والعقيدة والدين.
“8” الحق في حرية الرأي والتعبير.
“9” الحق في حرية الاجتماع السلمي وتكوين الجمعيات السلمية أو الانتماء إليها.
هـ. الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا سيما الحقوق التالية:
“1” الحق في العمل، وفي حرية اختيار نوع العمل، وفي شروط عمل عادلة مرضية، وفي الحماية من البطالة، وفي تقاضي أجر متساو عن العمل المتساوي، وفي نيل مكافأة عادلة مرضية.
“2” حق تكوين النقابات والانتماء إليها.
“3” الحق في السكن.
“4” حق التمتع بخدمات الصحة العامة والرعاية الطبية والضمان الاجتماعي والخدمات الاجتماعية،
“5” الحق في التعليم والتدريب.
“6” حق السهام على قدم المساواة في النشاطات الثقافية.
و. الحق في دخول أي مكان أو مرفق مخصص لانتفاع سواد الجمهور، مثل وسائل النقل والفنادق والمطاعم والمقاهي والمسارح والحدائق العامة.
4- الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية
نصت المادة (10) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية على أن “لكل إنسان الحق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء وتلقي المعلومات والفكار وإبلاغها بدون تدخل من جانب السلطات العامة وبصرف النظر عن الحدود. ولتحول هذه المادة دون اقتضاء الدول استصدار تراخيص من جانب شركات الإذاعة والتليفزيون والسينما”.
ووضعت المادة (10) عدد من القيود على حرية التعبير في الفقرة الثانية منها حين نصحت على أن “بالنظر إلى أن ممارسة هذه الحريات تنطوي على واجبات ومسئوليات، فمن الجائز إخضاعها لشكليات أو شروط أو قيود أو عقوبات ينص عليها القانون وتكون ضرورية في مجتمع ديمقراطي وفي صالح الأمن القومي أو سلامة الأراضي أو أمان الجمهور، ولمنع الاضطرابات أو ارتكاب الجرائم، أو لحماية الصحة أو الآداب العامة، أو لحماية سمعة الآخرين أو حقوقهم، ولمنع إفشاء معلومات قصد بها أن تظل سرية، أو للحفاظ على سلطة القضاء وحياده.”
وبوجه عام سلكت الاتفاقية الأوروبية مسلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عدم النص بشكل واضح على حظر خطابات الكراهية، على الرغم من أنها نصت بوضوح على حظر إساءة استعمال الحقوق وذلك بموجب المادة (17) التي نصت على أن “لا تتضمن الاتفاقية أي نص يمكن تفسيره على أنه يعني منح أية دولة أو مجموعة أو شخص أي حق لن يمارس أي نشاط أو يأتي أي فعل يستهدف تدمير أي حقوق أو حريات منصوص عليها في هذه الاتفاقية أو فرض قيود عليها بدرجة تتجاوز ما هو منصوص عليه في الاتفاقية”.
وبوجه عام فإن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان المعنية بتطبيق أحكام هذه الاتفاقية لم تستقر على معايير محددة وثابتة بالنسبة لقضايا التحريض، بل أنها تنظر كل قضية على حدى وفقًا لظروفها وملبساتها.
5- اتفاقية الدول الأمريكية لحقوق الإنسان[3]
نصت المادة (13) من هذه التفاقية على ضمان حرية التعبير واعتبار التحريض جريمة يعاقب عليها القانون:
“لكل إنسان الحق في حرية الفكر والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في البحث عن مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، دونما اعتبار للحدود، سواء شفاها أو كتابة أو طباعة أو في قالب فني أو بأية وسيلة يختارها”.
لا يجوز أن تخضع ممارسة الحق المنصوص عليه في الفقرة السابقة لرقابة مسبقة، بل يمكن أن تكون موضوعًا لفرض مسئولية لاحقة يحددها القانون صراحة وتكون ضرورية من أجل ضمان:
أ. احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم.
ب. حماية المن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق العامة.
ج. لا يجوز تقييد حق التعبير بأساليب أو وسائل غير مباشرة، كالتعسف في استعمال الإشراف الحكومي أو غير الرسمي على ورق الصحف، أو تردد موجات الإرسال الإذاعية أو التليفزيونية، أو الآلات أو الأجهزة المستعملة في نشر
المعلومات، أو بأية وسيلة أخرى من شأنها أن تعرقل نقل الأفكار والآراء وتداولها وانتشارها.
د. على الرغم من أحكام الفقرة (2) السابقة، يمكن إخضاع وسائل التسلية العامة لرقابة مسبقة ينص عليها القانون، ولكن لغاية وحيدة هي تنظيم الحصول عليها من أجل الحماية الخلقية للأطفال والمراهقين.
هـ. وإن أية دعاية للحرب وأية دعوة إلى الكراهية القومية أو الدينية، واللذين يشكلن تحريضًا على العنف المخالف للقانون، أو أي عمل غير قانوني آخر ومشابهه ضد أي شخص أو مجموعة أشخاص، مهما كان سببه، بما في ذلك بسبب العرق أو اللون أو الدين أو اللغة أو الأصل القومي، تعتبر جرائم يعاقب عليها القانون.
6- الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب
لم يتناول الميثاق الإفريقي النص على حظر خطابات الكراهية التي تشكل تحريضًا، واكتفى فقط بحظر التمييز وضمان حرية التعبير حيث نصت المادة (2) منه على أن
“يتمتع كل شخص بالحقوق والحريات المعترف بها والمكفولة في هذا الميثاق دون تمييز؛ خاصة إذا كان قائمًا على العنصر أو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسىي أو أي رأي آخر، أو المنشأ الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر”.
كما نصت المادة (9) على أن
1. من حق كل فرد أن يحصل على المعلومات.
2. يحق لكل إنسان أن يعبر عن أفكاره وينشرها في إطار القوانين واللوائح.
ثالثًا: اختبار منظمة المادة (19) السداسي لوصول التعبير لمرحلة التحريض المحظور
صممت منظمة المادة (19) اختبارًا من ستة معايير أساسية لتسهيل الوقوف على مدى اعتبار التعبير مثار الجدل مشروعًا، أو يدخل في نطاق التحريض المحظور وفقًا للمادة (20) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمادة (4) من الاتفاقية الدولية لمنع كافة أشكال التمييز العنصري، ويتكون هذا الاختبار من المعايير التالية:
- 1- 1. سياق التعبير
التقييم الشامل لسياق التعبير يجب أن يكون نقطة الانطلاق لتقييم اندراج المحتوى في إطار الحظر المنصوص عليه في المادة (20) فقرة 2 من العهد الدولي والمادة (4) فقرة أ من الاتفاقية الدولية لمكافحة كل أشكال التمييز العنصري، وسياق التعبير يعتبر من القرائن الأساسية لمعرفة نية صاحبه ومدى اتجاهها للتحريض على العنف أو الكراهية والعداء أو التمييز العنصري، كذلك يجب الأخذ في العتبار السياق الاجتماعي والسياسي السائد وقت التعبير، وفي كل الأحوال يجب تحليل السياق بالنسبة للتعبير التحريضي من خلال العناصر الآتية:
أ. وجود صراعات
أن تكون هناك صراعات سابقة بين المجموعات أو الأفراد ذوي الصلة بالتعبير، خاصة إذا اتسمت هذه الصراعات بأعمال عنف نتجت عن تحريض سابق، وأيضًا في حالة وجود مخاطر من اندلاع عنف جماهيري يصعب السيطرة عليه نتيجة ضعف البناء المؤسسي للدولة، أو غياب تطبيق القانون.
ب. تاريخ التمييز المؤسسي
والمقصود بذلك هو مدى وجود تمييز ضد مجموعة أو عدد من المجموعات أو الأفراد؟ وما هو رد الفعل المعتاد على خطابات الكراهية الموجهة ضدهم، ومدى وجود إدانة إجتماعية لمثل هذا النوع من الخطابات.
ج. التاريخ الصدامي
ويقصد به تاريخ الصدامات بين الجمهور الموجه له التعبير، والأفراد أو المجموعات موضوع التعبير ذاته.
د. الإطار القانوني
يجب مراعاة مدى وجود إطار قانوني ومدى احترامه من جانب الدولة والأفراد والمجموعات، خاصة فيما يتعلق بحظر التمييز العنصري من ناحية وإتاحة حرية التعبير من ناحية أخرى، ومدى توافر نظام قضائي فعال.
هـ. المشهد الإعلامي
يجب أخذ وضعية المشهد الإعلامي في الاعتبار، من ناحية التعددية والتنوع واحترام حرية الإعلام من جانب الدولة والمؤسسات العلمية، ومدى التزام الدولة بتطبيق القانون بما يتضمنه أحيانا من قيود على جميع وسائل الإعلام دون تحيز ضد وسائل إعلامية معينة دون غيرها، ومدى قدرة الجمهور على الوصول لوسائط متنوعة دون إجباره على مشاهدة محتوى معين.
2. شخص قائل التعبير أو التحكم في وسيلة نقله للجمهور
وهو من العناصر الجوهرية عند اختبار مدى اعتبار محتوى التعبير تحريضيًا من عدمه، كما تجب معرفة مدى تأثير هذا الشخص ومكانته الاجتماعية وغيرها من العناصر الأخرى الضرورية لتطبيق هذا المعيار، والتي من بينها وظيفته الرسمية ويقصد بذلك إذا ما كان قائل التعبير يشغل منصبًا رسميًا، أو يتمتع بسلطة على الجمهور، أو عضو بارز في حزب أو تنظيم سياسي أو أن طبيعة وظيفته تقتضي التعامل مع قطاعات واسعة من الجمهور مثل المعلمين، ورجال الدين، والعلميين والصحافيين ويشمل ذلك حجم مكانة قائل التعبير لدى الجمهور، ومدى تأثيره فيهم.
3. نية قائل التعبير
نية قائل التعبير أو المتحكم في وسيلة نشره من العناصر الجوهرية اللازم التأكد منها لاختبار دخول التعبير في إطار التحريض المحظور من عدمه، ويمكن الاستدلال على مدى توجه نية قائل التعبير ناحية التحريض المحظور من خلال ثلاثة عناصر رئيسية.
1. إرادة الدعوة للكراهية.
2. إرادة استهداف أفراد أو مجموعات على أساس تمييزي عنصري.
3. مدى إدراك قائل التعبير ووعيه بما قد يترتب من نتائج على تعبيره.
ويعتبر عنصر النية من أكثر العناصر صعوبة في الإثبات، مالم يعترف قائل التعبير صراحة باتجاه إرادته نحو التحريض على أفراد أو مجموعات معينة، ولذا يجب أن يتمتع القاضي بدرجة ما من المرونة لتقرير مدى توجه إرادة قائل التعبير نحو التحريض من عدمه. ومن المبادئ التي استقر عليها قضاء حقوق الإنسان الإقليمي لإثبات نية التحريض:
1. لهجة قائل التعبير
استنبطت بعض المحاكم نية التحريض من صياغة قائل التعبير لكلماته، ومدى وضوحها في التحريض على العنف أو التمييز العنصري، وذلك للتأكد من توجه هذه النية ناحية التحريض أم ناحية غرض آخر.
2. هدف قائل التعبير ودوافعه
دوافع قائل التعبير يمكن استنباطها من السياق الذاتي للتعبير، هل هو مجرد نقل للأخبار، أو نقد للحكومة على سبيل المثال، أو نقاش موضوعي حول قضية معينة، أو مناقشة في إطار بحث تاريخي لموضوع محدد، أم أن التعبير في حد ذاته تحريضيًا.
3. نطاق انتشار وسيلة التعبير وتكرار التعبير ذاته
يمكن استباط نية التحريض من تكرار نشر التعبير أكثر من مرة وفي مناسبات عديدة.
4. محتوى التعبير
بطبيعة الحال فإن تحليل محتوى التعبير قد يشير بوضوح إلى احتوائه على توجه تحريضي من عدمه، وذلك من خلل تطبيق المعايير الآتية على المحتوى.
أ. ماذا قيل؟
التعبير التحريضي يجب أن يتسم بدعوة مباشرة للجمهور ليقوم بفعل معين يتسم بالعنف أو التمييز العنصري أو العداء أو الكراهية ضد أفراد أو مجموعات.
ب. الجمهور الموجه له التعبير
يجب الأخذ في الاعتبار الجمهور المحرض، من ناحية خلفيته الثقافية، وموقعه تجاه المحرض ضده، هل في موقع يشعر فيه بالخطر من الأفراد أو المجموعات المحرض ضدهم، مما قد يكون ذلك مبررًا لأعمال عنف استباقية بهدف الدفاع عن النفس؟
ت. موقع ضحية التحريض في الخطاب
يجب أن يكون المحرض ضده في محتوى التعبير واضحًا، سواء تمت الإشارة إليه بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة، أو باستخدام التعبيرات المجازية.
ث. طريقة التعبير
ويشمل ذلك لهجة قائل التعبير، ومدى استفزازيتها للجمهور المخاطب، والكلمات المستخدمة في توصيف ما يريد توصيله للجمهور.
ج. قوالب التعبير
هناك بعض طرائق التعبير تتطلب طبيعتها استخدام طريقة معينة في مخاطبة الجمهور، ولذلك يجب التعامل معها بعناية شديدة عند تطبيق معايير التحريض على أي محتوى حتى لا يتم فرض قيود غير موضوعية على حرية التعبير بشكل تعسفي، ومن هذه الطرائق:
1. التعبير الفني.
2. التعبير الديني.
3. البحث الأكاديمي والعلمي.
4. النقاشات المرتبطة بالمصلحة العامة (الحملات الانتخابية والمناظرات السياسية).
5. الحقائق والأحكام القيمية.
5. حجم التعبير وطبيعته العامة وإمكانية انتشاره
1. الطبيعة العامة للتعبير
يجب أن يكون التعبير قد تم بإحدى طرق العلنية، وأن يكون موجهًا للجمهور العام دون تمييز، أو من خلال المجال العام حتى يمكن اعتباره تحريضيًا.
2. وسيلة النشر
يجب الأخذ في الاعتبار عند اختبار مدى وصول التعبير لمستوى التحريض المحظور الوسيلة المستخدة في النشر هل هي صحافة مرئية أو مطبوعة أو إنترنت أو مطبوعات غير دورية لتقييم مدى انتشار الخطاب.
3. حجم وتكرار النشر
6. مدى رجحان حدوث النتائج المترتبة على التحريض
يجب اختبار مدى رجحان حدوث نتائج مباشرة للخطاب مثار الجدل وللتأكد من توجه الخطاب ناحية التحريض المحظور:
1. يجب أن تكون الدعوة لممارسة العنف أو التمييز العنصري أو الكراهية والعداء واضحة.
2. يجب أن يكون قائل التعبير قادر على إقناع الجمهور والنفاذ إليه.
3. أن يكون لدى الجمهور الوسائل والإمكانيات اللازمة لتنفيذ الفعل المحرض على ارتكابه.
4. أن يكون الضحايا المستهدفين بالتحريض هدف للتمييز والتحريض مؤخرًا.
رابعًا: التحريض في قانون العقوبات المصري
• الفهوم العام للتحريض على ارتكاب الجرائم
المحرض ليس فاعل فى الجريمة، وإنما يقع الفعل بناء على ما كان قد قام به من أعمال التحريض، ويعد المحرض مسئول عن جريمة التحريض متى وقعت ويصبح مشاركًا فى ارتكاب الجريمة، ويطلق على المحرض في قانون العقوبات المصري اسم “الشريك”[4]، وذلك وفقًا لنص المادة (40) التي تنص على أن يعد شريكًا في الجريمة (أولًا) كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع بناء على هذا التحريض. (ثانيًا) من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة فوقعت بناء على هذا التفاق .(ثالثًا)……
وكما هو واضح من نص المادة (40) فإن الاشتراك في الجريمة بطريق التحريض لا ينطبق فقط على جرائم العنف، بل يمتد ليشمل كافة الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات، فيمكن أن يقع أي شخص تحت طائلة العقاب على التحريض على جميع الجرائم المرتبطة بالتعدي على الأشخاص أو الأموال أو المصلحة العامة، أو الأديان أو الشرف والاعتبار والسمعة أو أي نوع آخر من الجرائم.
والتحريض فى اللغة ووفقًا لمعجم لسان العرب هو الحث على عمل شئ أو الإحماء عليه، أو الإيعاذ به[5]، وفى القانون لم يضع المشرع المصري تعريفًا واضحًا للتحريض، وقد حصرت نصوص قانون العقوبات نطاق التحريض فقط فى الفعل المكون للجريمة، ليس هذا فحسب بل لابد وأن تقع الجريمة نتيجة التحريض على ارتكابها، ومن هنا نجد أن التحريض يندرج تحت ما يسمى بالجرائم المعنوية، حيث يتوقف على من يوجه إليه ومدى استعداده النفسي، فيتوجه المحرض إلى ذهن الفاعل ويستوي أن يكون الذهن خاليًا تمامًا من فكرة الجريمة فيخلق المحرض فكرة الجريمة والتصميم عليها، أو أن يكون ذهن الفاعل معبأ بتلك الفكرة من قبل ولكنه يتردد فى الإقدام على تنفيذها فيحبذ المحرض هذه الفكرة لديه ويزيل التردد فى تنفيذها ويخلق التصميم عليها، وهذا يعني أنه لبد وأن يكون نشاط المحرض سابقًا على البدء فى تنفيذ الجريمة لأن البدء فى التنفيذ يسبقه منطق التصميم عليه، والتصميم إنما هو من عمل المحرض، فيتوجه المحرض إلى نفسية الفاعل فيزين له ارتكاب الجريمة ويحبذ له فكرتها ويبرر دوافعها وأهميتها، ويقلل من شأن العقبات التى تعترض تنفيذها والتأثير قد يتم من أحد الأشخاص فى شكله المبسط، وقد يكون من خلال قنوات إعلامية أو شخصيات معينة لها صدى عام وقد يكون لما يصدر من هؤلاء من اتجاهات أو أفكار له أثر في توجهات المتابعين لهم.
ولما كان التحريض في ذاته ليترك أثرًا ماديًا ملموسًا يمكن الاستناد إليه لإثباته، فإن المشرع اعتمد بشكل كلي في مسألة الإثبات على قاضي الموضوع فى أن يدلل وفق ظروف الدعوى وملبساتها، على ما إذا وقعت جريمة التحريض من عدمه، وليس هناك ما يمنع من أن يستند في ذلك إلى شهادة الشهود أو الاعتراف أو الكتابة أو التسجيل التليفوني أو أي طريقة من طرق الإثبات الجنائي.. إلخ. للمحرض متى أمكن ذلك على أن يتبع القاضي في ذلك المنطق السليم للأمور وعدم مجافاة القانون، وإلا كان لمحكمة النقض أن تصحح العوار الذي يشوب الحكم.
إن التحريض الذي يعتد به في مجال الاشتراك في الجريمة إنما هو التحريض المباشر، وهو يكون كذلك إذا انصب على فعل معين غير مشروع أو على أفعال معينة غير مشروعة، أو يكون موضوعه الفعال أو الفعل الذي يتكون منه جريمة أو جرائم محددة ولا يشترط بعد ذلك أن يرتكب الفاعل كل هذه الفعال أو بعضها، أما التحريض غير المباشر فلا يتكون منه جريمة الاشتراك، ومثال ذلك من يحرض على العداء أو الكراهية بين شخصين فيقتل أحدهما الخر فلا يعاقب على جريمة التحريض، لأن ما قام به لم ينصب على التحريض على القتل وإنما مجرد إثارة العداء ونوازع الحقد بين القاتل والمقتول ولا يعد كل من هذا أو ذاك جريمة فى نظر القانون.
والأصل أنه لا عقاب على جرائم الاشتراك فهي أعمال لا يعاقب عليها القانون ما لم ينص المشرع على العقاب عليها كجريمة مستقلة في حالت معينة، مع ملاحظة أنها تكون غير مشروعة ويعاقب عليها القانون متى كانت تساهم في وقوع فعل غير مشروع فهي تتبع هذا الفعل وتأخذ منه الصفة غير المشروعة، والتي يعاقب عليها القانون، كما أن التحريض اللحق لا يعد اشتراكًا كأن يحمد سلوك الفاعل مثلًا وهو المسلك الذي تتبعه محكمة النقض المصرية، وطبقًا للمادة (40) من قانون العقوبات المصري فإن التحريض يعد وسيلة اشتراك ويعاقب عليه أيًا ما كانت الجريمة التي أوجدها المحرض في نفس الفاعل وارتكبها الفاعل نتيجة ذلك؛ سواء كانت الجريمة جناية أو جنحة أو مخالفة، مع ملاحظة أن التحريض ليس فقط في جرائم القتل والضرب والجرح بل التحريض وفقًا للقانون المصري في كل مخالفة للقانون.
• أركان جريمة التحريض
التحريض شأنه شأن أية جريمة له ركنين مادي ومعنوي، والركن المعنوي هو أن يكون مرتكب الجريمة يعلم بعناصر الجريمة وتتجه نيته لتحقيق هذه العناصر أو قبولها، فالقوة النفسية التي تكمن بماديات الجريمة التي ظهرت في الواقع ما هي إلا انعكاسات لما حدث في نفس المحرض، فتقول محكمة النقض في ذلك بأن الاشتراك لا يتحقق إلا إذا ثبت أن الشريك قصد الاشتراك في الجريمة وهو عالم بها وأنه ساعد في العمال المجهزة أو المسهلة لرتكابها.
الطعن رقم 696 لسنة 33 ق جلسة 1/1964/6.
كما قالت في ذلك محكمة النقض المصرية بأن الاشتراك بالتحريض لا يتحقق إلا إذا كان الشريك قصد الاشتراك في الجريمة وهو عالمًا بها، بأن تكون لديه النية في التدخل مع الفاعل تدخل مقصودًا يتجاوب صداه مع فعله، وأن يساعد في الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها مساعدة تتحقق بها وحدة الجريمة، والنية من مخبات الصدور ودخائل النفس، والتي لا تقع عادة تحت الحس وليس لها أمارات ظاهرة، ولأنه قد لا توجد شواهد ظاهرة أو سمات تدل على التحريض فللقاضي أن يستدل على ذلك بطريق الاستنتاج.
الطعن رقم 1127 لسنة 40 قضائية جلسة 27/12/1970
وما يميز الركن المادي في التحريض أنه لابد أن يختلف عن الركن المادي الذي يصدر من الفاعل، والمتمثل في سلوك إجرامي حصر المشرع صوره، فلا يسأل المحرض عن تحريضه مجردًا بل يسأل عما ارتكبه الفاعل من جرائم سواء وقعت جريمة تامة أو وقفت عند حد الشروع، فيرتبط الاشتراك في الجريمة ارتباطًا أصيلًا بالنموذج القانوني للجريمة التي اقترفت كأصل عام16.
فلو تم التحريض على قتل شخص معين ولم يلق التحريض قبول أو تأثير لدى من يفترض فيه القيام بالفعل، فتجاهل دعوة المحرض، ومن ثم لم يرتكب الجريمة فلا يسأل المحرض هنا على جريمة التحريض على القتل لعدم وقوع جريمة من الصل فكما ذكرنا ترتبط مسئولية الفاعل والمرض وجودًا وعدمًا.
• التمييز بي التحريض الخاص والتحريض العام
هناك نوعان من التحريض: التحريض الفردى أو المحدد أو الخاص والنوع الآخر من التحريض هو التحريض العام أو الموجه للجمهور..
والنوع الأول وهو التحريض المحدد أو الخاص وهو ذلك الذي يصدر من شخص المحرض إلى شخص معين أو أشخاص معينين يعرفهم المحرض ويتصل بهم ويمارس تأثيره عليهم فيقع تأثير التحريض على الفاعل الأصلي بشكل مباشر دون حائل بينهم، ولا يشترط أن يوجد اتفاق أو تفاهم سابق بين الفاعل والمحرض لوقوع هذا النوع من التحريض، ويستوي أن يكون التحريض علنًا أو سرًا.
وهناك النوع الثانى من التحريض وهو أن يكون التحريض عامًا فيصدر من شخص لأشخاص غير محددة، ويظهر ذلك بوضوح في التحريض باستخدام الإعلام؛ سواء المرئي أو المسموع أو الأعمال الصحفية، أو الانترنت، أو أية وسيلة من وسائل العلانية، ولا يصبح هذا التحريض مجرمًا ما لم تقع الجريمة بناء عليه كمن يبيح دم شخص فإن ذلك يعد تحريض على العنف، ويلحظ أن هذا النوع من التحريض يتم من خلال العلنية فلا يستقيم عقل أن يكون إعلان موجه للجمهور سرًا.
وفي كلتا الصورتين قد يأتي نوع من التحريض يجمع بينهم، فيتم تحريض فئة معينة على فئة أخرى ثم يتبع ذلك نشر التحريض ضد هذه الفئة.
والتحريض ينشأ جريمة واحدة في الأصل ولكن المتهمين مختلفين فالفاعل الأصلي يرتكب جريمة ومن حرض على الجريمة ووقعت، قد ارتكب هو الآخر جريمة؛ ورغم أن النتيجة واحدة بالنسبة للفاعل والمحرض، إلا أن هناك اختلفات من حيث الفعل، فالفاعل الأصلي يعاقب على الفعل بذاته، أما المحرض فيعاقب على تحريضه للقيام بالفعل، كما أن الوسيلة قد اختلفت فالمحرض يستعمل تأثيره على الفاعل والفاعل يستخدم ما يراه لتحقيق الجريمة من أشياء مادية، ومساواة التحريض مع الفعل في العقاب تأتي في الفلسفة الجنائية بأن فكرة الجريمة لم تكن موجودة لدى الفاعل بل قام على إيجادها المحرض، فلولا ما قام به من أعمال تحريض وإيعاذ للفاعل بالقيام بالفعل لما وجدت الجريمة.
• مدى اشتراط وجود فاعل أصلي في جريمة التحريض
إن التحريض وأفعال الاشتراك غير مجرمة على وجه العموم، وحتى توصف مثل هذا الأفعال بالجريمة لابد وأن ترتبط بوقوع عمل غير مشروع، فإذا لم يرتكب الفاعل الجريمة فلا عقاب على الشريك، كما أنه لا عقاب على المحرض لو صدر قانون أصلاح للمتهم يمحو صفة الجريمة عن الفعل المحرض على ارتكابه، فيصير غير معاقب عليه فبالتبعية يصبح التحريض غير مجرمًا، وأبسط مثال على ذلك من يحرض صاحب المنزل على ضرب اللص الذي اقتحم منزله محاولًا سرقته، فحق الدفاع عن المال والنفس حق شرعى أباحه القانون طبقًا للمادة (61) من قانون العقوبات، ومن ثم فلا عقاب على الفاعل، ومن ثم لا توجد جريمة تحريض، وتنشأ جريمة التحريض بتنفيذ المشروع الجرامي.
وفي الصورة البسيطة من التحريض وهو التحريض المحدد أو الخاص يكون الأمر أيسر منه في التحريض العام، فالتحريض الخاص هناك شخص أو مجموعة أشخاص وقعوا تحت تأثير المحرض مباشرة ومارس عليهم تأثيره لتنفيذ الجريمة وقد انصاعوا له، ومن ثم تصعب معرفة المحرض، أما الجريمة التي تقع بناء على دعوة للجمهور فيعرف المحرض ويغلب عدم معرفة الفاعل كمن يتهم فئة بأنهم يقوموا بأعمال الجاسوسية والتخريب، ويترتب على ذلك وقوع اعتداءات مباشرة نتيجة ذلك من بعض الجمهور حتى لو لم يأت الفاعل الأصلي فإن ذلك لا يعفى المحرض من جريمة التحريض.
• صور التحريض في قانون العقوبات المصري
هناك تحريضًا مجرمًا نتيجة وقوع النتيجة الجرامية وتحريضًا مجرمًا في ذاته، وتحريضًا متى توافرت فيه شروط معينة يصبح سبب من أسباب تشديد العقوبة.
1. التحريض على ارتكاب الجنح والجنايات عمومًا بشرط وقوع نتيجة.
وهو المنصوص عليه بموجب نص المادة (171) من قانون العقوبات التي اعتبرت من يحرض واحدًا أو أكثر على ارتكاب جناية أو جنحة بأي صورة من صور العلنية المنصوص عليها في ذات المادة، يعد شريكًا في هذه الجنحة أو تلك الجناية، ويعاقب بالعقاب المقرر لها إذا ترتب على هذا التحريض وقوع الجريمة بالفعل، أما إذا ترتب على التحريض مجرد الشروع فيعاقب المحرض بالعقوبات المقررة للشروع في ارتكاب الجريمة.
2. التحريض المجرم في ذاته دون اشتراط وقوع نتيجة إجرامية
1. التحريض على ارتكاب جنايات القتل والنهب والحرق.
عاقبت المادة (172) من قانون العقوبات بالحبس كل من حرض مباشرة على ارتكاب جنايات القتل أو النهب أو الحرق بواسطة إحدى الطرق المنصوص عليها في المادة 171 ولم تترتب على التحريض أي نتيجة.
2. التحريض ضد نظام الحكم.
عاقبت المادة (174) من قانون العقوبات بالسجن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه، كل من ارتكب بإحدى طرق العلنية المنصوص عليها في المادة (171).
أولًا: التحريض على قلب نظام الحكم المقرر في القطر المصري.
ثانيًا: ترويج المذاهب التي ترمي إلى تغيير مبادئ الدستور الأساسية أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية بالقوة أو الرهاب.
ويعاقب بذات العقوبات كل من شجع بطريق المساعدة المادية أو المالية على ارتكاب أي من هذه الأفعال ولو لم يكن قاصدًا الاشتراك مباشرة في ارتكابها.
3. تحريض الجنود العسكريين على عدم الطاعة أو عدم أداء واجباتهم العسكرية.
عاقبت المادة (175) من قانون العقوبات العقوبات بالسجن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه، كل من قام بواسطة إحدى طرق العلنية المنصوص عليها في المادة (171) بتحريض الجند على الخروج عن الطاعة أو على التحول عن أداء واجباتهم العسكرية.
4. التحريض على التمييز.
اعتبرت المادة (176) من قانون العقوبات التحريض على التمييز ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة جريمة يعاقب عليها بالحبس إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام.
والإشكالية الأساسية التي يتضمنها نص المادة (176) أنه لم يجرم التحريض لحماية الفئات التي يتم التمييز ضدها، ولكن لحماية ما يسمى بالسلم العام، وهو تعبير واسع ويحتمل عديدًا من التفسيرات بما يتناقض مع طبيعة النص الجنائي الذي يجب أن يكون منضبطًا في تعبيراته وألفاظه.
5. التحريض على عدم الانقياد للقوانين.
عاقبت المادة (177) من قانون العقوبات بالحبس كل من يحرض غيره بإحدى طرق العلنية على عدم الانقياد للقوانين.
3. التحريض كسبب مشدد للعقوبة.
نصت المادة 78 (ب) عقوبات على أن “يعاقب بالإعدام كل من حرض الجند في زمن الحرب على الانخراط في خدمة أية دولة أجنبية أو سهل لهم ذلك، وكل من تدخل عمدًا بأية كيفية في جمع الجند أو رجال أو أموال أو مؤن أو عتاد أو تدبير شيء من ذلك لمصلحة دولة في حالة حرب مع مصر19“.
والتحريض هنا يصبح سببًا من أسباب تشديد العقاب ولم يستلزم المشرع وقوع النتيجة بل جعل التحريض مع توافر ظروف خاصة بحالة الدولة سبب لتشديد العقوبة، فدخل التحريض كظرف للتغليظ، الغرض منه الردع العام لكل فكرة حول التحريض، وقد كانت المادة 82 (أ) عقوبات تجرم كل التحريض على ارتكاب أية جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المواد (77، 77(أ)، 77(ب)، 77(ج)، 77(د)، 77(ه)، 78، 78 (أ)، 78 (ب)، 78 (ج)، 78 (د)، 78 (ه)، 80) من قانون العقوبات، وإذا لم يترتب على التحريض أثر يعاقب بالسجن المشدد أو السجن، ويلاحظ أن من ضمن هذه المواد المادة 77 التي تعاقب كل من ارتكب عمدًا فعلًا يؤدي للمساس باستقلال البلد أو وحدتها أو سلامة أراضيها.
• أثر العدول عن ارتكاب الجريمة
أ. في حالة عدول المحرض عن تحريضه بعد القيام بأعمال التحريض فلا أثر لهذا العدول متى وقع الفعل غير المشروع.. كمن تحرض نجلها على الأخذ بالثأر ثم تتراجع عن التحريض بعدما يقدم نجلها على ارتكاب الجريمة، فالعدول عن التحريض ومحاولة بث فكرة أخرى لا أثر لها في إلغاء العقاب متى وقعت الجريمة.
ب. في حالة عدول الفاعل عن ارتكاب الجريمة فإن الشريك المحرض يستفيد من هذا العدول في الإعفاء من العقاب، وهناك مثال بأن تم التحريض على قتل شخص ما عن طريق السم وبعدما علم الشريك بأن الجريمة سترتكب سارع إلى المجنى عليه وأعطاه ترياقًا يزيل أثر السم، فمتى نجح المحرض في إزالة أثر تدخله في نشاط الفاعل فلا يعاقب المحرض، بينما يقع الفاعل تحت طائلة العقاب، وقد قالت في ذلك محكمة النقض أن عدول الشريك عن ارتكاب الجريمة لا تأثير له على مسئوليته الجنائية إذا وقعت الجريمة فيؤاخذ عليها بصفته شريكًا، وذلك أن مساهمته في الجريمة تتم بمجرد قيامه بالأفعال المكونة للاشتراك وعدوله لا يفيد إلا إذا كان قد استطاع أن يزيل كل أثر لتدخله في ارتكاب الجريمة قبل وقوعها. نقض جنائي جلسة 5/1972/8 لسنة 23 ص 672.
• الاستثناء من القاعدة العامة في التحريض وفق للقانون المصري
رغم أن القاعدة العامة هي المساواة القانونية بين عقوبة الفاعل وعقوبة الشريك إلا أن المادة (235) عقوبات نصت على عقوبة القتل العمد بالإعدام، فإن الشريك بالتحريض يحكم عليه بعقوبة تخيرية بين المؤبد والإعدام، وعلى العكس قد يقرر المشرع للشريك بالتحريض عقوبة أشد كما في المواد 124، 124(أ) عقوبات، والتي تعاقب من يحرض الموظفين العموميين على الإضراب بعقوبة أشد من عقوبة الموظفين المضربين.
• عدم تأثر الشريك بتغيير الوصف بالنسبة للفاعل
طبقًا للمادة (41) عقوبات بأنه لا تأثير على الشريك في الأحوال التي تقتضى تغيير وصف الجريمة بشرط أن يكون الشريك غير عالم بتلك الأحوال، وتغيير وصف الجريمة لصفة خاصة في الفاعل، والتي يرتب عليها المشرع أما تشديد العقوبة أو تخفيفها ما يستتبع خروج الجريمة عن وصفها الأصلي لا تؤثر على عقوبة الشريك ما لم يكن الشريك (المحرض) عالمًا بهذه الصفة، كمن يحرض شخص يحمل صفة الطبيب على إجراء عملية مهمة لزوجته فتموت الأخيرة لعدم كون القائم بالعملية طبيبًا، فهنا تشديد العقاب على الفاعل لجريمة جرح أفضى لموت وانتحال صفة طبيب لا تؤثر على موقف الزوج الذي كان لا يعلم بذلك.
فأصبح تغيير الوصف بالنسبة للفاعل، كما تقول محكمة النقض المصرية، لا يكون المتهم بالاشتراك بالتحريض مسئولًا عن وجود هذا الظرف إلا إذا كان عالمًا به، ويجب أن يثبت الحكم عليه توافر هذا العلم.
نقض جنائي جلسة 28/10/1940 مجموعة القواعد القانونية جلسة 5 قضائية 128 ص 249.
• أسباب معاقبة المحرض رغم إعفاء الفاعل من العقاب
نصت المادة (42) من قانون العقوبات المصري بأنه “إذا كان فاعل الجريمة غير معاقب لسبب من أسباب الإباحة أو لعدم وجود قصد جنائي أو لأحوال أخرى خاصة به وجبت مع ذلك معاقبة الشريك”.
وهذا النص يعتبر من غرائب قانون العقوبات المصري، لأن سبب الإباحة للفاعل يعني أن الفعل سيكون مشروعًا، وهو ما يجب أن يؤدي إلى أن عمل الشريك المحرض مشروعًا أيضًا فكيف يكون الفعل مباحًأ للفاعل ومجرمًا للشريك؟.
وموانع العقاب تصدق في حالة ما إذا حرض شخص لخطف امرأة فإذا بآخر قام بخطفها وما لبث إلا وقد تزوجها، فتوافر لديه مانع من موانع العقاب، بينما أصبح ما قام به المحرض جريمة ويعاقب عليها القانون.
وكما سبق القول لا يشترط لمعاقبة الشريك أن تكون معاقبة الفاعل ممكنة، فتجوز محاكمة الشريك المحرض ولو كان فاعل الجريمة مجهولًا أو كان قد توفي أو انتفت عنه أهليته الجنائية، فيكفى لتوافر الاشتراك أن يكون الفعل الذي وقع بناء على التحريض معاقبًا عليه في ذاته ولو كان فاعله ليعاقب لسبب يرجع إلى شخصه كما لو تخلف لدى الفاعل الركن المعنوي للجريمة.
ولا يسقط ذلك معنى الجريمة عن الفاعل وإن كان القانون قد أعفاه من العقاب لرؤية المشرع أن هذه الفئة من غير الممكن عقابها، ومن ثم سيكون هناك جريمة اقترفت ومحرض والجريمة سارية والعقاب غير ممكن على الفاعل؛ ولكن يسأل المحرض عن الجريمة، وقد بررت محكمة النقض ذلك المسلك بقولها إذا كان التحريض لا يقع إلا من واقعة معاقب عليها تقع من الفاعل الأصلي، إلا أن ذلك لا يستلزم أن تكون محاكمة المحرض معلقة على محاكمة الفاعل إذا تعذرت محاكمة الفاعل الأصلي لكونه مجهول أو متوفي أو غير معاقب لأحوال أخرى خاصة به كالسن أو لجنون يعتريه. جلسة 6/1943/7 سنة 6 قضائية 209 ص 279.
وأخيرًا وطبقًا للمادة (43) عقوبات يعاقب المحرض على الجريمة التي وقعت حتى ولو كانت غير التي تعمد ارتكابها متى كانت هذه الجريمة التي وقعت بالفعل نتيجة محتملة، وأبسط مثال لهذه الجريمة من يحرض أحد لضرب غريمه فإذا وقع مع الضرب عاهة مستديمة فهنا يتخطى عقاب المحرض جنحة الضرب إلى الجرح الذي وقع ومضاعفاته.
• التحريض وحرية التعبير في القانون المصري
1. اتجاه يرفض جعل التحريض استثناء على حرية التعبير
يرى هذا الاتجاه أن جعل التحريض بأشكاله كافة استثناء على حرية التعبير يؤدي إلى تقييد هذه الحرية ويضع عوائق أمام ممارستها، لعدم وجود تعريفات قانونية دقيقة ومنضبطة لمكونات التحريض المحظور مثل “الكراهية”، ولكون القانون يجب أن يعاقب على الأفعال المادية الملموسة لا على مجرد الكلام وإن تضمن هذا الكلام دعوة إلى استخدام العنف ضد أحد الأفراد أو الجماعات فلا ينبغي أن يذهب إلى المحكمة أو يخضع لأي قيود أخرى.
2. اتجاه يرى ضرورة منع التحريض بصوره كافة
يرى هذا الاتجاه أن التحريض على ارتكاب فعل مؤثم قانونًا يجب أن يكون محظورًا، وإن تعارض هذا الحظر مع حرية التعبير، ومكونات التحريض المختلفة لدى هذا الاتجاه متساوية، بمعنى أن القانون وفقًا لهذا الاتجاه يجب أن يجرم التحريض على الكراهية مثلما يجرم التحريض على العنف، دون تمييز بين الضرورة الاجتماعية التي تستوجب الحظر في كل الفعلين.
3. اتجاه يميز بين الصور المختلفة للتحريض
يرى هذا الاتجاه أن بعض صور التحريض فقط من الممكن جعلها استثناء على حرية التعبير مثل التحريض على العنف ضد الأفراد أو الجماعات مع رفض أن يكون التحريض على الكراهية على سبيل المثال استثناء على حرية التعبير، لأن الصورة الأولى من صور التحريض تمثل اعتداء مباشرًا على الحق في الحياة والحق في سلامة الجسد والحق في الملكية الخاصة، وهي حقوق جديرة بالحماية القانونية، أما صور التحريض الأخرى مثل دعوات الكراهية فإنها مرهونة لدى هذا الاتجاه بأن يترتب عليها حدوث عنف من عدمه، وفي حالة عدم ترتب عنف على التحريض فإنه لا يكون لتقييد حرية التعبير مجال، خصوصًا أن القانون عبارة عن قواعد عامة مجردة لا تطبق على حادث بعينه بل تسن لتطبق بشكل دائم على كل الأفراد، وهو ما قد ينتج عنه التعسف في تطبيقها في حالات لا تستحق فرض هذا الحظر.
خامسًا: تجارب دولية في مجال الخطاب التحريضي
لجأت أغلب الدول الأوروبية إلى مفهوم التناسب (proportionality)، في محاولة لتنظيم القوانين الخاصة بممارسة الحق في حرية التعبير، لأنه يعتبر معيارًا لتحقيق العدالة في عمليات التفسير القانوني وخاصة القانون الدستوري، فهو يهدف لتحقيق التوازن المطلوب بين القيود المفروضة من قبل الإجراءات التصحيحية وشدة وطبيعة الفعل المحظور.
إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لجأت إلى تطبيق درجات مختلفة من التدقيق (scrutiny) في الحالات المختلفة اعتمادًا على نوعية الكلام وطبيعة الأطر المنظمة له.
ففي تقييم حديث لفقه المحكمة العليا بالولايات المتحدة الخاص بحرية التعبير، تبين أنه قد تم إعداد ما لا يقل عن ثمانية اختبارات بهذا الصدد، من أجل تنظيم ممارسة هذا الحق وتوضيح الاستثناءات التي قد تحد من إمكانية ممارسته، في وقت تعد فيه عملية تحديد اختبار بعينه لنظر الدعوى هو القرار الفيصل الذي يترتب عليه الحكم، إلا أن التنوع في الاختبارات الناتج عن تبين حالات التدقيق المتعددة، أدى إلى اتباع منهجية التناسب، وهو أمر لا يزال قابلًا للجدل.
وفي الفقرات التالية محاولة لاستعراض أهم الأحكام والاختبارات المعنية بالاستثاءات على حرية التعبير في مجال خطابات الكراهية.
• اختبار الخطر الواضح والقوائم Clear and Present Danger
في عام 1919، رفعت قضية ضد تشارلز تشينك, أمين الحزب الاشتراكي الأمريكي آنذاك، بتهمة التحريض ضد سيادة الدولة، وذلك لأنه كان مسئول عن طباعة وتوزيع المنشورات على المجندين في الحرب العالمية الأولى، وكانت تلك المنشورات معارضة لقرارات الحكومة وكان يطالب فيها المجندين إجباريًا بأن يطالبوا بحقوقهم ويقفوا ضد من يستعبدهم، وأن لا يستسلموا لتهديدات الحكومة.
استند دفاع “تشينك” أمام المحكمة العليا الأمريكية إلى أن هذا الاتهام يعد انتهاكًا لحرية الرأي والتعبير المكفولة له وفقًا للدستور الأمريكي، ومع ذلك قررت المحكمة أن اتهام تشينك دستوري وأن حق حرية التعبير المكفول بالدستور لا يتماشى مع خطاب محرض على العصيان؛ خصوصًا في وقت الحرب، وأن ما يسمح به الدستور في وقت السلم ليس بالضرورة أن يتم تطبيقه في حالة الحرب.
نتج عن هذا الحكم اعتماد ما عرف باختبار “الخطر الواضح والقائم” كاستثناء على حرية التعبير فيما يتعلق بالتحريض ومضمونه، وأتاح هذا الاختبار للكونجرس منع استخدام بعض الكلمات في ظل ظروف ذات طبيعة معينة من شأنها خلق خطر واضح وماثل.
استمر الأخذ بهذا الاختبار في القانون الأمريكي إلى أن تم تعديله في عام 1927 في قضية “وايتني”، حين تم استبداله بمعيار “النية السيئة”، وهو ما شكل قيدا أخف على حرية التعبير، إذ استوجب إثبات وجود النية لدى المتهم في إحداث جريمة يعاقب عليها القانون.
- اختبار برانسدونسبج Imminent Lawless Action
في عام 1969، أصدرت محكمة أمريكية أحد أهم القرارات الخاصة بالتحريض وخطابات الكراهية. ففي قضية براندنبرج ضد أوهايو تم إدانة كلرنس براندنبرج بموجب قانون الولاية الذي كان يعاقب على الدعوة للعنف كوسيلة للتغييرات السياسية.
كان “كلرنس”، أحد قادة جماعة Klu Klux Klan، وهي جماعة يمينية متطرفة تؤمن بتفوق العرق البيض ومعاداة السامية والكاثوليكية وكراهية المثليين.
قام “برادنبرج” بالدعوة لمسيرة في مقاطعة هاملتون، وتم تصوير بعض الأجزاء من هذه المسيرة التي رصدت رجال يحملون أسلحة نارية ويقومون بحرق الصليب، كما أنه قال في حشد أنهم “ليسوا بمنظمة تهدف للانتقام إلا أنه إذا استمر الرئيس والكونجرس والمحكمة العليا في اضطهاد العرق البيض القوقازي، فهناك احتمال أن تكون هناك عمليات ثأر”.
صدر الحكم على “براندبرج” بغرامة 1000 دولار والسجن من عام إلى عشرة أعوام.
أيدت محكمة الاستئناف الحكم ورفضت ادعاء “كلرنس” بأن مثل هذا الحكم يتعدى على حقه في التعبير الذي كفله له التعديل الدستوري الأول، وتم رفض طلب النقض.
قامت المحكمة الأمريكية العليا بمراجعة طلب النقض في القضية، وانتقدت القانون الذي أدان “كلرنس” موضحة أن التعديل الدستوري الأول لا يسمح للولاية بمنع أية دعوة لاستخدام العنف ومعاقبة أحد بسبب دعوة مجردة للتحريض على العنف أو انتهاك قانون ما.
نتج عن هذا القرار اعتماد ما يسمى باختبار “براندنبرج”، والذي يعتبر بمثابة قاعدة أساسية لتحديد دستورية منع الخطابات التي تدعو للعنف.
ونص الاختبار على عدة شروط يجب توافرها لما يعتبر تحريضًا وهي أن يكون التعبير:
- مصحوبًا بالنية والقصد في التحريض. مثل أن يكون موجهًا لجماعة ما لارتكاب جريمة ما.
- مقرونًا باحتمالية وقحوع أعمال عنف وشيكة. وهذا يعني أن يمضي وقت قصير بين الدعوى والعنف الناتج عنها.
- مقرونًا باحتمالية وقوع حدث مجرم قانونيًا.
- حرية التعبير والتهديد True Threats and Intimidation
كانت قضية فيرجينيا ضد بلك، في عام 2003، إحدى أهم القضايا التي تعاملت مع خطابات الكراهية والتحريض على العنف ومفهوم التهديد. ففي تلك القضية تم إدانة باري بلاك بخرق قانون ولاية فرجينيا، الذي يمنع القيام بحرق الصليب، ودفع المدعى عليه بعدم دستورية قانون ولاية فرجينيا بموجب التعديل الأول للدستور.
رأت المحكمة أن قانون ولاية فرجينيا الذي يحظر القيام بفعل حرق الصليب هو قانون غير دستوري، فهو يعتبر أن حرق الصليب دليل أولي على وجود نية لتهديد وترويع المواطنين، وأكدت المحكمة على ضرورة إثبات توافر تلك النية، وأيدت حق الولاية في منع حرق الصليبب نية التهديد والترويع.
كما أوضحت المحكمة أن مثل هذه الأفعال لها دلالة في التاريخ على وشك حدوث أعمال عنف واحتمالية وقوع إصابات أو وفيات نتيجة لأعمال عنف ليست محض افتراض.
اعتمدت المحكمة في قرارها على قضايا أخرى أوضحت فيها الأحكام أنه ليس من حق الدولة منع التعبير عن الأفكار والآراء بسبب كونها تحمل هجومًا أو غير مستحبة.
ومن ثم فقد وضعت المحكمة من خلال هذه القضية تعريفًا جديدًا للاستثناءات على حرية التعبير، وهي “التهديدات الحقيقية”.
وعرفت القاضية ساندرا أوكنور التهديد الحقيقي بأنه “أقوال يعني بها المتحدث التعبير عن نيته الواضحة في القيام بأعمال عنف مخالفة للقانون ضد شخص بعينه أو مجموعة من الأفراد”.
وبموجب هذا التعريف فإن من حق الولاية أن تمنع القيام بأفعال معينة إذا كان من المحتمل أن تتسبب تلك الأفعال في نشر الخوف وترويع المواطنين.
• المحتوى القائم على التمييز: سببًا لعدم الدستورية
لا يمكن ذكر قضية “فيرجينيا” ضد “بلاك” دون ذكر قضية ر. أ. ف.” ضد مدينة سانت بول في عام 1992، والتي بعد زعم حرقه للصليب في حديقة لمنزل تملكه عائلة سوداء، وجهت إلى “ر. أ. ف.” اتهامات بموجب قانون “مينيسوتا”، الذي ينظم ارتكاب الجريمة بدافع، والذي يحظر على أي شخص عرض أي رمز يعرف أو لديه الأسباب التي تمكنه من أن يعرف أنه قد يثير الغضب أو الاستياء لدى الآخرين على أساس العرق، اللون, العقيدة، الدين أو الجنس.
وقد تناولت المحكمة تلك القضية بطريقة مختلفة عما سبقها من قضايا تحدت مفاهيم خطابات الكراهية. فقامت المحكمة برفض الدعوى وقامت بنقض القانون لأنه يمنع الخطابات على أساس محتواها ومضمونها مما يتنافى مع التعديل الدستوري الأول، الذي لا يتيح للدولة أن تفرض الاستثناءات على المتحدثين بناء على المضمون.
وأكدت أن نقطة ضعف هذا القانون تأتي من أنه قد يسمح لإظهار العبارات المسيئة إذا كان محتواها لا يتضمن الإساءة على أساس العرق، اللون، العقيدة، الدين أو الجنس. فمثل هذا القانون لا يمنع أن تتسبب العبارات والكلمات في إثارة الغضب والاستياء إذا كانت على أساس الوظيفة أو المهنة التي يشغلها المرء أو اتجاهاته السياسية أو ميوله الجنسية.
في قضية “بلاك”، رفضت المحكمة اعتماد القرار الذي ينص بعدم دستورية قانون فيرجينيا الذي يحظر حرق الصليب، استنادًا على الحكم الصادر في قضية “ر. أ. ف.”، وأوضحت أن قانون فيرجينا لا يميز بين محتوى الخطاب كما كان قانون مدينة سانت بول.
• التحريض على العنف والخطابات السياسية
لم تكن قضية فيرجينيا ضد بلاك هي الأولى التي تتحدى تعريف التهديد والتحريض على العنف وكونه استثناء على حرية التعبير.
ففي عام 1996 قامت منظمة “إن إيه إيه سي بي” NAACP بمقاطعة محلات أصحاب البشرة البيضاء اعتراضًا على التفرقة العنصرية. وأثناء تلك المقاطعة قام مدير المنظمة بتحذير المخالفين للمقاطعة وغير الملتزمين بها بأنه سوف يتم “تأديبهم” على أيدي أتباعهم إذا استمروا في التسوق من المحلات التي يمتلكها الآخرون. تبع ذلك التهديد نشرًا لأسماء المخالفين في الجريدة التي يمتلكها السود وقرائتها أثناء الاجتماعات. ثم نشبت وقائع عنف ضد من خالفوا المقاطعة تضمنت إطلق نار على منزل أحد الزوجين وضرب آخر. واعترف أنصار المقاطعة بأنهم حاولوا إقناع الآخرين بالانضمام لتظاهرهم الاقتصادي عن طريق ضغوط اجتماعية وتهديدات بالإقصاء.
وعندما وصلت القضية إلى المحكمة بعد ستة عشر عامًا، حكمت المحكمة أن استخدام أعضاء الNAACP للتخويف والتهويل هو محمي بموجب الدستور.
وخلصت المحكمة إلى أن الخطاب لا يفقد الحماية الدستورية لمجرد أنه قد يتسبب في إكراه الخرين بالقيام بعمل ما. وبما أن المقاطعة هي نشاط سياسي يكفله القانون فرأت المحكمة أن الأنشطة غير الداعية للعنف التي صاحبتها هي محمية بموجب التعديل الدستوري الأول.
وأكدت المحكمة على أن قيام أعضاءNACCP بتسجيل أسماء غير الملتزمين وقرائتها لا يعد فعلًا غير قانوني.
لذا كانت تهديدات “ايفرز” بالإقصاء الاجتماعي دستورية، فكما تبين في اختبار “بريدنبرج” فإن دعوات التعبئة لاستخدام القوة أو العنف لا تعني بالضرورة تحضير جماعة ما لارتكاب أعمال عنف. فإذا كانت تلك الوقائع قد لحقت بخطب ايفرز مباشرة، حينئذ كان يمكن اعتباره مسئول عن تلك الأحداث إلا أنها وقعت بعد أسابيع وأشهر من إلقائه لخطابه.
وأكدت المحكمة أن الداعي يجب أن يتمتع بالحرية لتحفيز جمهوره بنداءات عفوية وعاطفية للوحدة والعمل في قضية مشتركة، وطالما أن تلك الخطابات لا تحرض على القيام بعمل غير قانوني وجب حمايتها.
سادسًا: معايير المواجهة القانونية للتحريض الناتج عن خطابات الكراهية
تتباين الآراء بشأن طبيعة المواجهة القانونية لصور التحريض المختلفة سواء التحريض على العنف، أو التحريض على العداء والكراهية، أو التحريض على التمييز العنصري، وهناك ضرورة لتبني صور مختلفة للتدخل القانوني، باختلاف نوع التحريض، وفي كل الأحوال استقر الفقه الدولي على ضرورة أن يكون العقاب الجنائي هو آخر أداة تلجأ لها الدولة لمواجهة التحريض، ومن جانبنا نرى أن الطريق الجنائي يجب تفعيله فقط في مواجهة التحريض على العنف، وفي غير ذلك من صور التحريض يجب أن تلجأ الدولة إلى الطريق المدني والطريق الإداري بدلًا من الطريق الجنائي، وبوجه عام تلتزم الدولة بإعمال القيود المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بشأن تفعيل الاستثناءات الواردة على حرية التعبير.
• القيد الثلاثي لتفعيل الاستثناءات الواردة على حرية التعبير
نصت الفقرة الثالثة من المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أن “تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية….”
ويبين من النص سالف البيان أن الدولة في إطار فرضها آلية قيود على حرية التعبير يجب أن تلتزم بهذا المعيار المكون من ثلاثة أجزاء هي…
1. أن ينص القانون على القيود
فإذا كان القيد الذي تريد الدولة فرضه على حرية التعبير لا ينص عليه القانون، سواء من الناحية الموضوعية، أو من ناحية الإجراءات المتبعة لفرض هذا القيد، أصبح التدخل القانوني انتهاكًا لحرية التعبير.
2. أن تكون هناك ضرورة لفرض قيد على حرية التعبير
حتى يكون القيد مشروعًا، فإنه يجب أن يكون ضروريًا، ومعيار الضرورة نابع من أن الأصل في الأشياء الإباحة، وأن فرض قيود على ممارسة الحقوق والحريات إنما لضرورة تفرضها حماية حق آخر قد يتأثر نتيجة هذه الممارسة.
3. أن يكون فرض القيد لحماية حق آخر أولى بالرعاية.
لا يجوز فرض أي قيد على حرية التعبير، إلا إذا تصادمت ممارسة هذه الحرية مع حق آخر محمي بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومن ذلك على سبيل المثال عندما تؤدي ممارسة حرية التعبير، إلى المساس بالحق في سلامة الجسد، أو الحق في الحياة، أو الحق في المساواة.
• مواجهة التحريض وفقًا للطريق المدني
يجب أن تقتصر مواجهة التحريض على العداء والكراهية، والتحريض على التمييز العنصري الذي لا ينتج عنه عنف، على الطريق المدني الذي يمنح ضحية التحريض الحق في الحصول على التعويض المدني المناسب لجبر الضرر الواقع عليه جراء هذا التحريض، فضل عن ضرورة أن يكفل القانون الحق في الشكوى لضحايا التحريض على الكراهية أو التمييز، مع إنشاء هيئة داخل الجهاز القضائي لتلقي هذا النوع من الشكاوى. كذلك يجب أن يضمن القانون حق ضحايا هذه الصور من التحريض في الرد على الوقائع المنسوبة إليهم في خطابات التحريض والحق أيضًا في تصحيحها، إذا ارتكب فعل التحريض من خلال وسائل العلم أو الصحافة.
• مواجهة التحريض بالطريق الإداري
يجب قصر المواجهة القانونية للتحريض على الكراهية أو التمييز العنصري، في سياقات محددة على الطريق الإداري، إذا ارتكبت أفعال التحريض بمناسبة مباشرة موظف عام أو خاص لمهام وظيفته، وذلك دون حاجة إلى اللجوء للطريق الجنائي طالما لم يترتب على هذا التحريض أي صورة من صور العنف، وذلك كما في حالة أعضاء البرلمان، أو العاملين بالإعلام والصحافة وغيرها من الوظائف التي تتيح لشاغليها التعامل مع قطاعات واسعة من الجماهير، ففي مثل هذه الحالات يجب تفعيل الجزاء الإداري بدلَا من العقاب الجنائي، كما في حالة مباشرة نقابة الصحفيين لدورها في تأديب أعضائها.
• مواجهة التحريض بالطريق الجنائي
يجب أن يقتصر الطريق الجنائي على مواجهة التحريض على العنف فقط، دون غيرها من صور التحريض الخرى، وذلك لخطورة النتائج المترتبة على سلوك الطريق الجنائي من عقوبات سالبة للحرية، وغرامات مالية مرهقة، فضل عن أن الطريق الجنائي أكثر اتساقًا مع النتائج التي تترتب على التحريض على العنف مثل القتل والجرح، والإيذاء البدني، وهي أفعال مجرمة وفقًا لأي قانون عقابي.
• توصيات عامة
1. أية نصوص قانونية تحظر التحريض يجب أن تكون واضحة ومنضبطة من حيث الصياغة القانونية.
2. يجب النص صراحة في التشريعات الداخلية على حظر صور التحريض على العنف والتحريض على الكراهية والعداوة والتحريض على التمييز العنصري المحظورة وفقًا للفقرة 2 من المادة (20).
3. التحريض المحظور قانونًا يجب أن يضع في اعتباره نية المحرض أثناء إدلائه بالتعبير محل التحريض على العنف أو الكراهية.
4. حظر التحريض يجب أن يتم وفقًا للإجراء الثلاثي المحدد طبقًا لنص المادة (19).
5. العقوبات الجنائية على التحريض على العنف يجب أن تكون هي الحل الأخير لمواجهة هذا التحريض.
6. يجب قصر مواجهة التحريض على الكراهية والتمييز على الطريقين المدني والإداري.
7. يجب على المحاكم أثناء نظرها لقضايا التحريض الالتزام بمبادئ الشرعية الجنائية والضرورة والتناسب.
8. يجب تدريب العاملين في الأجهزة القضائية والتنفيذية على معايير التحريض على العنف والكراهية والتمييز العنصري المنصوص عليها في القانون الدولي.
9. يجب على الجهات القضائية والتنفيذية أن تضع في الاعتبار ضحايا التحريض عند نظر هذا النوع من القضايا.
(*) يُنشر بإذن خاص من مؤسسة حرية الفكر والتعبير
[1] – اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217 ألف (د-3) المؤرخ في 10 كانون الأول/ديسمبر
[2] – اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والنضمام بموجب قرار الجمعية العامة للمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16كانون/ديسمبر 1966 تاريخ بدء النفاذ: 23 آذار/مارس 1976، وفقا لحككام المادة 49
[3] – سان خوسيه في 22/ 11/1969(أعد النص في إطار منظمة الدول المريكية)
[4] – الدكتور على القهوجي شرح قانون العقوبات مصر ولبنان وفرنسا ص 463
[5] -الدكتور عبدالرؤوف المهدي ج 1 ص 465