جذور صناعة خطاب الكراهية في ثقافة المجتمع المعاصر

ملخص:

تجتاح جميع دول العالم ما اصطلح عليه “خطاب الكراهية”، حيث تشهد المجتمعات انتشارًا واسعًا لهذه الظاهرة، وتواجه الدول مستويات معقدة من ألوان التعصب التي لا تستهدف الأفراد فقط، بل والجماعات والدول أيضًا، ويظهر خطاب الكراهية هذا في صورة مضايقات وتهديدات بأوجه متعددة، منها ما هو سياسي وديني واجتماعي وثقافي… ومن ثمة تنوعت جرائم الكراهية ما بين ممارسة العنف ضد الآخرين في المدرسة وأماكن العمل ودور العبادة وممتلكات الأقليات وغيرها، بواسطة نشر خطاب معادٍ، يمكنه أن يأخذ شكل لوحة أو كتاب أو نص أو ملصق أو أغنية أو فيلم، أو أي إنتاج آخر، ينطوي على عناصر مهينة وتهديدية، لإلحاق الأذى بالفئة المستهدفة ومضايقتها وترهيبها وتهميشها، والحط من كرامتها وإذلالها، واستغلالها لترسيخ فكرة عدم الاكتراث بها، فتظهر الكراهية في الشعارات والمواقف التي تكون غالبًا المصدر الرئيس لنشر ثقافة الكراهية، لذا تصاعد هذا الخطاب في دول العالم برمتها، وهو يحتاج لرؤية بعيدة عن المثالية لمواجهته ولتثبيت أسس خطاب التسامح، وقبول الأخر دون مثالية بعيدة عن الواقع.

مقدمة:

أزعجني أمر وأعجبني آخر، فما أزعجني هو منعي من التعبير عن مواقفي وتوقيف حسابي على الفيسبوك، لكوني دافعت عن اضطهاد المسلمين في الصين وغيرها، وعن الإساءة لرسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام حين نشر عنه ما أساءنا وأحزننا، كما تم توقيف موقع اتحاد العلماء المسلمين العالمي بذات الدعوة، ثم يصفون ويسمون الآخر بالإرهاب والتطرف، وأما ما أعجبني فحملة تفنيد الأساطير التي نفذتها إحدى المنظمات في أوروبا تحت عنوان “اختر الاحترام” وتصدت للأساطير حول المهاجرين واللاجئين، لتهدف إلى ما وصفته بكسب المعركة الأخلاقية، إذ أن أحد أخطر أدوات نشر الكراهية يكمن في نشر الأكاذيب والافتراءات والتلبيسات، والتلاعب بالعقول وتزوير الحقائق، وتزييف التاريخ، حيث بات هذا الأمر صناعة ضخمة تنفق في سبيلها المليارات من الدولارات؛ ليس فقط لاستهداف الدول والشعوب والأمم. ولكن أيضًا لإشعال الحروب والصراعات والفتن لمصلحة جماعات ضغط، وشركات عابرة للقارات وغير ذلك. وهذه الممارسات لا تقتصر على منطقة جغرافية بعينها، أو تستهدف فئة بعينها، ويكفي الإشارة إلى ما ومن يروج خطاب الكراهية عالميًا لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو ذاتية أو غيرها… ومن ثمة فإن خطاب الكراهية يؤلب ويميّز ويحرّض، ويدعو إلى التمييز والعنف، ويبث حالة من الغضب الشديد اتجاه فرد أو جماعةٍ أو جماعات بعينها، ويصمها بكل الصفات السيئة، فيصوّرها في صورة يجب القضاء عليها، حتى لو تعرضت تلك الجماعة لمذبحة أو مقتلة، بل إنه يهدف إلى تفتيت بنية المجتمعات، ويتسبب في شتى الأزمات السياسية والاجتماعية وغيرها؛ ولطالما استُخدم خطاب الكراهية لتحقيق مكاسب شتى في الحياة العامة. فوجّه ضد أقليات أو مهاجرين أو لاجئين أو ما يسمى “الآخر”؛ وإن نتائج ذلك وخيمة على الجميع، وهي الأخطر لأن أثرها يظهر سريعًا، فهي تبدأ بانسحاب أبناء الجماعة المستهدفة من الحياة العامة، والتوقف عن لعب دور إيجابي، ويدفعهم نحو الشعور المتزايد بالاضطهاد والاستهداف والتمييز ضدهم، وربما إلى الرغبة في الهروب عن طريق العنف أو الإدمان، وبهذا يخسر المجتمع إسهامًا إيجابيًا لأبناء تلك الجماعة، بل إنهم قد يتحولون تدريجيًا إلى عناصر خطر حقيقية، يهدد الجميع بلا استثناء؛ لذا كان من اللازم التصدي لخطاب الكراهية والتحريض بكافة أشكاله للدفاع عن مستقبل البشرية جميعها، إنها معركة أخلاقية بامتياز؛ ومن ثمة تهدف هذه الدراسة إلى التفتيش والتقميش في مصطلح “خطاب الكراهية” بُغية الكشف عن جذوره ونتائجه، وفق منهج تأريخي تحليلي نقدي، يرصد علة هذه الظاهرة وأبعادها؛ كما أن تناولنا لهذا الوضوع ينبثق من طرح تساؤلات مثل: ما خطاب الكراهية؟ وكيف يُحرِّض على العنف؟ ومتى يمكن اعتبار خطاب ما منطويًا على كراهية؟ وما الأسباب وراء انتشاره؟ ثم ما مخاطر هذا الانتشار على المجتمعات؟ وما سبل مواجهته؟ وعلى من تقع مسؤولية إخماد خطاب الكراهية والقضاء عليه؟.

1. تعريف خطاب الكراهية

إن مصطلح “خطاب الكراهية” Hate Speech مصطلح إشكالي، بسبب الاختلافات الجمة حول تعريفه. فلا يوجد له تعريف موحّد مقبول عالميًا، ولا له معنى محددًا يمكن أن يكون محلّ قبول من الجميع، ليتم اعتماده عالميًا. فلفظ الكراهية يعني القبح وإثارة الاشمثزاز وبُغض شيء ما؛ والحقد والغضب والشعور بالضغينة تجاه شخص ما، فأنْ يكره الإنسان شيئًا ما فهذا يعني أنه مقته. أي أبغضه ولم يحبّه؛ كما يعرفها آخرون على أنها حالة طبيعية تنتج من عدم قبول جزء من العقل المختص بالمشاعر والأحاسيس، في بعض العناصر الداخلة إليه، عن طريق الأعصاب الدقيقة، وذلك نتيجة تأثير العالم الخارجي على هذا الشخص”(1).

فخطاب الكراهية هو كل كلام يثير مشاعر الكره نحو مكوّن أو أكثر من مكونات المجتمع، وينادي ضمنًا بإقصاء فرد أو جماعة بالطرد والإفناء، أو بتقليص حقوقهم، كما يحوي هذا الخطاب ضمنًا أو علنًا، كلّ كتابة وكلّ خطاب أو عمل يقصد منه أو ينتج عنه إثارة نعرات مذهبيّة أو عنصريّة، أو دعوة للعنف، أو الحضّ على النزاع بين الطوائف والجماعات، فكل قول علني حرّض على العنف، أو مهَّدَ لبيئة الفتنة، وأحدث خللًا في الأمن الفكري والنفسي والمجتمعي… عُدّ خطاب كراهية؛ بل وكل عنف لفظي، وكل تعبيرات قدح استعلائيةٍ، وكل خطاب مصحوب بإقصاء الآخر، كان منشؤه ومنطلقه الخطاب الدُوني، والكُره البيّن، والتعصّب الفكري والتمييز العنصري، يمكن أنّ يدخل دائرة خطاب الكراهية(2).

2. مصطلح خطاب الكراهية بلغة القانون

مع أن موضوع خطاب الكراهية قد حظي باهتمام كبير من الناحية القانونيّة، إلا أن هذا الاهتمام انحصر في تقديم الحجج وتقييمها بشكل نقديّ، لدحض مبرّرات خطاب الكراهية، بدلًا من المهمّة المتمثّلة في تحليل المصطلح نفسه؛ ويبدو أن الوصول إلى تعريف شامل لما يسعّى “خطاب الكراهية” ظلّ أمرًا صعبًا ومعقدًا، نظرًا لاشتمال هذه الظاهرة على مفاهيم متشعبة في المواثيق الدولية، فهذا المصطلح لم يتمّ تناوله صراحةً في المواثيق الدولية إلا من باب محاولات حظر أشكاله وذكر مبرّراته، ولتعريفه وضبط مفهومه، كان لا بدّ من العودة إلى النصوص القانونية والاصطلاحية.

والحقيقة هي أن خطاب الكراهية مصطلح حقوقي فضفاض، يُعرّف على أنه: “أنماط مختلفة من أنماط التعبير العام التي تنشر الكراهية أو التمييز أو العداوة، أو تحرض علهيا وتروّج لها أو تبرّرها، ضد شخص أو مجموعة ما، أو نشر الدعوة إلى الكراهية والتمييز والتحيّز، أو العنف والعدوانية ضد حاملي صفات معينة، مثل: العرق أو الدين أو الإعاقة أو الرأي السياسي أو اللون أو النسب أو الجنس، أو أي عامل هوية آخر؛ كما يندرج تحت مسمى هذا الخطاب، كل العبارات المؤيدة للتحريض على الضرر، فكل خطاب عبّر عن مواقف متحيّزة تمييزية تجاه جنس أو عرق أو دين أو إثنية أو إعاقة أو نحوها.. هو خطاب كراهية.

فخطاب الكراهية خطاب استعلائي هجومي، الهدف من نشره التأصيل لممارسات تمييزية في منطقة أو مجتمع ما، مثل قرية أو مدرسة… وقد تتسع لتشمل شعوبًا أو أعراقًا، أو عقيدة دينية أو دولة أو ثقافة ما، ودائمًا ما يكون خطاب الكراهية أداة لتحفيز المشاعر وإثارتها، وتعبئتها في اتجاه معين، فيصبح تحريضيًا وحاشدًا بما ينشئ سلوكًا وثقافة للانتقاص ممّن وجّه ضدهم الخطاب، وهنا تكمن خطورة خطاب الكراهية، خاصة إذا وجدت منابر إعلامية أو بيئةَ تواصلٍ خصبة تروج له وتزيد من انتشاره؛ لذلك انتشرت في الآونة الأخيرة مصطلحات لم تكن موجودة من قبل مثل: الإسلاموفوبيا Islamophobia ورهاب الأجانب xenophobia ورهاب الإلحاد atheophobia وغيرها…

وممًا تقدّم يبدو أنّ تعريف خطاب الكراهية ليس معقدًا فحسب، بل إنه مثير للجدل أيضًا، نظرًا لاستخدام مصطلحات متحيّزة، مثل العرق واللّون والفئة والدين… وهذا التعريف المنسوخ، عليه مآخذ عدة منها: مطاطيّةٌ كلماته بما يتيح للتفسيرات المختلفة والمتناقضة أن تضيق وتتسع. بحسب تقدير كل فئة وكل حكومة وكل جماعة؛ ومع عدم توافر تعريف قانوني دقيق لـ “خطاب الكراهية”، فقد برزت في هذا السياق إشكاليّة تتعلّق بالمعطيات التي تجعل من خطاب الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون؛ خاصة في ظل تداخله مع مصطلحات أخرى، مثل: حرية الرأي والتعبير… فهل ثمّة قوانين واضحة وصريحة يعتمد عليها في فهم وضبط مصطلح خطاب الكراهية؟

3. مكافحة خطاب الكراهية

عملت القوانين الحديثة على محاولة ضمان حماية حق المساواة بين الناس، مع حظر خطاب الكراهية، وقد شملت قوانين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصوصًا قانونية تمنع استخدام عبارات الإهانة للأفراد والجماعات، بناءًا على عرقهم أو دينهم. أو نحو ذلك… ولعل أبرزها ما ورد في الفقرة 2 من المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث تحظر بالقانون أيّ دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية. أو أي دعوة تُشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف… كما تتضمن مادته الثانية: حق الفرد في التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز بسبب اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو أيّ تمييز لسبب آخر؛ ثم عاود الإعلان في مادته الثالثة ضرورة ضمان حق الفرد في الحياة، والتمتع بالحرية والسلامة؛ أما بالنسبة للمادة: 7 فقد أكد الإعلان على أن كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة، دون أي تفرقة، وأن لهم جميعًا الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان. وجاء في نص المادة: 19 من العهد الدولي للحقوق السياسة والمدنية، ضبط لما شملته حرية التعبير، على أن أيّ دعوة إلى الكراهية القومية والعرقية والدينية… تشكل تحريضًا على التمييز والعداوة والعنف؛ ثم جاءت المادة: 20 من ذات العهد لتحظر بشكل مباشر أي دعوات تحريضية أو عنصرية أو كراهية.

1 – تحظر بالقانون أية دعاية للحرب.

2 – تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف.

3 – تتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة: 2 واجبات ومسئوليات خاصة، وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود شريطة أن تكون محددة بنص القانون، وأن تكون ضرورية، أولًا لاحترام حقوق الآخرين وسمعتهم، وثانيًا: لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة، وعلاوةٌ على ذلك، ميّزت هذه الاتفاقية بين التمييز العنصريّ Racial Discrimination وخطاب الكراهية العنصريّة Racial Hate Speech إذ يُعرّف هذا الأخير على أنه نشر أفكار التفوّق العنصري أو تبرير العنصريّة، أو الدعوة إلى الكراهية العنصرية أو التمييز العنصري، كما تعتبر أن خطاب الكراهية انتهاكًا حقيقيًا لحرية التعبير”. ووفقًا للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، فإن كل نشر للأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، وكل تحريض على العنصرية، وكل عمل من أعمال العنف، أو تحريض على هذه الأعمال، يُرتكب ضد أي عرق أو جماعة من لون أو غيره… وكل مساعدة لأنشطة عنصرية بما في ذلك تمويلها، يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، وقد قامت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتمويل مؤتمرات لمناقشة مدى انطباق حرية التعبير على فضاء الإنترنت، بغرض مكافحة كل أشكال التحيّز العنصري طبقًا للقانون الجنائي الدولي وشاركت غوغل ومايكروسوفت وفايسبوك وتويتر في مدوّنة السلوك، حيث التزمت جميعها بمراجعة المحتوى المنشور والإشعارات والخدمات المعروضة عبر صفحاتها ومواقعها، إن كانت تتضِمن خطاب كراهية.

يمكن تقسيم تشريعات وأنظمة خطاب الكراهية إلى نوعين، الأول: وُضِع بهدف حفظ النظام العام: والنوع الثاني: وضع لأجل حماية الكرامة الإنسانية؛ ففي أوروبا مثلًا قام مجلس أوروبا بدعم حركة “لا لخطاب الكراهية”، التي تعمل بنشاطٍ على زيادة الوعي اتجاه خطاب الكراهية، من أجل المساعدة في مكافحة هذه المشكلة، حيث عدّ التعصّب ضد المسلمين في ألمانيا من التحريض على الكراهية، وصُنَِف على أنه جريمةً يُعاقب عليها القانون الجنائي الألماني، حيث يُجِرّمْ التحريض علنًا على الكراهية ضد مجموعات معيّنة أو إهانتهم أو الافتراء عليهم؛ في حين أنّ المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، تحظر القوانين الجنائيّة ضد المراجعات التاريخية كنكران أو تقليل من شأن الإبادات الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية؛ لكن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لا تقدم تعريفًا مقبولًا لـ “خطاب الكراهية”، لكنها تقدّم فقط مُحدّدات يمكن للنائب العام من خلالها أن يقرّر إمكانية اعتبار “خطاب الكراهية” حريّة تعبير أم لا.

على سبيل المثال، تلك التوصية التي أوردها مجلس أوروبا للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بشأن تعريفها لخطابات الكراهية، بأنها تشمل جميع أشكال التعبير التي تنشر أو تحرض أو تشجع أو تبرر الكراهية العرقية أو كره الأجانب أو معاداة السامية أو غير ذلك من أشكال الكراهية المبنية على التعصب، بما فيها التعصب المعبر عنه بالتمييز ضد الأقليات والمهاجرين، فرفضت المفوضية شمولية هذا التعريف، والذي سيثير المشكلات أكتر مما يحلها؛ ولهذا كان الاهتمام أكثر بما تسفر عنه خطابات الكراهية، آو بما قد يترتب عنه من آثار خطيرة، وقد تطلّبت تشريعات النوع الأول الموضوعة لحماية النظام العام في كثير من البلدان حدودًا أعلى في حال انتهاكها، لذلك لم يتم تطبيقها بصورة منضبطة في أكثر الحالات، فمثلًا لم يُحاكم في أيرلندا الشمالية بحلول عام 1992 سوى شخص واحد بتهمة خرق تشريع من هذا القبيل، أما قوانين النوع الثاني الموضوعة لحماية الكرامة الإنسانية، فحدود تطبيقها أدنى بكثير من قوانين النوع الأول؛ كما تداخل تطبيق القوانين المتعلقة بخطاب الكراهية في الولايات المتحدة، مع حق حرية التعبير الذي يضمنه دستور البلاد، وغالبًا ما وقعت إعادة فحص قرارات المحكمة للتحقق من عدم إخلال الحكم الصادر عن الدستور الأمربكي.

احتدام الجدال حول مشروعية تجريم خطابات الكراهية

نظرًا لعدم الاتفاق على تعريف واضح ومحدد لخطاب الكراهية، ليشكل إطارًا أو نطاقًا للحظر القانوني، فقد ثار جدال واسع حول مشروعية تجريم خطب الكراهية، وطرح التساؤل عن مدى تعارض هذا المفهوم الواسع لخطاب الكراهية مع حرية التعبير المكفولة بالمواثيق الدولية، حيث اقتصر خطاب الكراهية على ما يمكن أن يسعّى اليوم “خطاب العنصرية” الذي يغطّي جميع أشكال التعبير التي تنشر أو تحرّض أو تشجّع أو تبرّر العنصريّة، مثل كره الأجانب ومعاداة السَاميّة والتّمييز العرقي والإثني واضطهاد الأقليات والمهاجرين… وكافة أشكال الكراهية ومظاهرها وممارساتها، لتشمل كل محتوى ينشر ويبرّر أو يحرض على كراهية الأجانب ومعاداة الأقليات… وكل الأشكال الأخرى للكراهية القائمة على عدم قبول الآخر.

4. المعايير التي يتم تجريم خطاب الكراهية إذا توفر أحدها فيه

يشكل خطاب الكراهية نوعًا من أفعال الكلام، حيث يسيء المتحدّث أو يلعن أو يعبّر عن كراهية تجاه فرد أو جماعة؛ إِلَا أن مايدفع إلى الشّك، هو ما إذا كان خطاب الكراهية يمكن اعتباره نوعًا من الأداء، إذا ما تبنّينا معايير التّمييز للمنطوق الأدائي والأوصاف، على اعتبار أن الخطاب أو الكلام مهما كان نوعه مقرونًا بقوّة الفعل، وإذا أمكننا التعامل مع خطاب الكراهية انطلاقًا من هذا الاعتبار نفسه؛ فمن المؤكّد أن المتحدّث لا يعبّر في خطاب الكراهية عن أفكار عدائيّة فحسب، بل إِنّه يقوم بعمل ما، مثل التهديد أو التحريض على إنجاز فعل معيّن، وهنا يمكن تطبيق إطار الحظر على الخطاب، إذا توفرت فيه ثلاث صور، الأولى: التحريض على العنف، والثانية: التحريض على التمييز، والثالية: التحريض على العداوة.

ولتقييم مستوى الكراهية، ومع محاولة للوصول إلى فهم شامل لظاهرة خطاب الكراهية؛ يؤخذ الحكم على الخطاب وطبيعته من منظور سلوكي، أي عبر تحديد السلوكيات التي ينطوي عليها خطاب الكراهية، ومن ثم التفكير في عواقبها المحتملة؛ ولكن ما يلفت الانتباه هنا هو الحدّ الأعلى الذي قد تصل إليه هذه السّلوكيّات، حيث أن الخطاب قد يتحوّل إلى فعل إجراميّ مهدّد الحياة، وبالتالي تأتي ضرورة تلك المعايير التي يتم تجريم خطاب الكراهية إذا توفر أحدها فيه.

* سيّاق التعبير

أي النظر للسياق التاريخي لوضعية المجموعات الموجه ضدها الخطاب في المجتمع، وعلاقاتها بباقي أفراده، وإذا ما كانت هناك صراعات تاريخية أو معاملة عنصرية لها تاريخها ضد تلك المجموعات، فيمكن الحكم من السيّاق على مدى خطورة التحريض وآثاره؛ وعلى سبيل المثال: إذا ما تم التحريض داخل دولة مصر على ذوي البشرة البيضاء، فمن غير المحتمل أن تترتب أي آثار عنيفة، على عكس ما إذا تم هذا التحريض في دولة كجنوب إفريقيا، لها تاريخ من العداء بين ذوي البشرة السمراء والبيضاء.

مكانة قائل التعبير أو المتحكم في انتشاره

يعني هذا أن يُقاس مدى السلطة والتأثير من صاحب التعبير في الجمهور، ومعرفة ما إذا كان شخصية عامة. أو يشغل منصبًا هامًا وبارزًا، أو كان قائدًا سياسيًا أو اجتماعيًا ونحوه… حيث تصبح دعوته أو تعبيره ذات احتمال للانتشار الواسع بين الجمهور، كما يمكن قياس درجة وعي قائل التعبير وخطورته.

نيّة قائل التعبير

يمكن اعتبار التعبير تحريضًا، إذا ذهبت نية صاحبه إلى التحريض على العنف والكراهية، أو الدعوة إلى أعمال تمييزية. وعنصر النيّة من الأمور التي يصعب إثباتها، ما لم يعترف بها صاحيها؛ لذا استقرٌ قضاء حقوق الإنسان على وضع محددات وقرائن للاستدلال على نية الفاعل، ومنها لهجة صاحب التعبير، وهدفه من التعبير، ثم النظر إلى إعادة تكراره لإثبات نواياه التحريضية من عدمها.

محتوى التعبير

هنا وجب فحص محتوى التعبير، بربطه بقائله وبالفئة الموجه لها، والموجّه ضدها أيضًا، ونطاق التعبير ودوافعه ومخرجاته، وهل استخدمت في التعبير لهجة عنيفة مباشرة، وهل المحرّض ضده كان واضحًا، بشكل مباشر أو غير مباشر، مع مراعاة أن بعض الخطابات لا يمكن تطبيق معايير التحريض عليها، مثل التعبير الديني والفني… وكذا الأبحاث العلمية والحملات الانتخابية والمناظرات السياسية.

حجم التعبير وقدرته على الانتشار

لكي يتم اعتبار التعبير تحريضًا، وجب أن يتم توجيهه علانية للجمهور، بشكل مباشر وعلني، لذا فقد وجّهت أمام دائرة الاستئناف عام 2007 تهمة ارتكاب الإبادة الجماعية، والتواطؤ في الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية ضد محرر مجلة “كانغورا” ومالكها، والتي كانت مخصصة لخطاب الكراهية ونشر رسوم كاريكاتورية لنساء التوتسي، ومقالات مهينة ومثيرة للكراهية عن طائفة التوتسي، وداعية لأفضلية أبناء طائفة الهوتو على التوتسي، لهذا عدّت هذه المحاكمة الأولى تقريبًا في القانون الدولي التي عاملت الخطاب التحريضي تحت اسم “إعلام الكراهية” لكونه يمثل جريمة ضد الإنسانية(5).

5. صناعة الكراهية وجذور انتشار خطاب الكراهية:

تعتبر صناعة الكراهية أحد أهم الأسلحة المستخدمة في الحروب النفسية، بل إنها أهم أدوات الأنظمة الديكتاتورية لتفكيك التماسك الاجتماعي؛ فالحروب العسكرية استهدفت حياة البشر وممتلكاتهم المادية، في حين تستهدف الحروب النفسية السلوك الاجتماعي؛ من خلال التأثير على أفكارهم وحالتهم المعنوية، وتصنع الكراهية بأساليب شتى، منها مثلًا: نشر الأكاذيب وتزيين الباطل، وتزوير الحقائق واختلاق الأحداث، والتلاعب بالعقول والافتراء على الآخرين، وهذا يؤدي إلى توفير بيئة خصبة ترعى الكراهية والمعاداة، ليشتد عود الضغائن فتتحول الكراهية إلى أفكار وعقائد، قبل أن تصبح سلوكًا عدوانيًا عنيفًا متطرفًا، فمثلًا كانت جرائم الإبادة الجماعية في رواندا قائمة على خلفية من التحريض الإعلامي وخطابات الكراهية التي تم بثها عبر وسائل الإعلام باستمرار لتعزيز وتأصيل أفضلية طبقة الهوتو على التوتسي. ثم كان ما كان… فالتحريض بشكل مباشر وعلني يعتبر صناعة للكراهية، وهي صناعة تتقنها طغمة من الدكتاتوريات والأنظمة الفاسدة والنخب الفكرية والسياسية والثقافية والدينية الفاسدة، حيث يقومون بنشر سموم وأكاذيب، ويبثون الأحقاد بصورة يتم فيها التحريض لبناء منظومة كراهة اجتماعية على أساس قومي أو عرقي أو طائفي أو مذهبي أو قبّلي أو مناطقي أو غيره… وهذه الصناعة تجد لها أسواقًا تروّجها في كثير من البلدان، وبخاصة في العالم العربي المثقل بالأزمات المركبة؛ بل هي صناعة تحظى برعاية وغطاء من الأنظمة العربية المستبدة، ومن دول كبرى تمتلك مشاريع جيو-إستراتيجية، تقوم على مبدأ الانقسام داخل الأمة الواحدة والدولة الواحدة، وبث الكراهية والتفرقة بين الشعوب، وإحداث صراعات بينها لتتمكن تلك الدول من تحقيق أهدافها ومآربها.

6. خطاب الكراهية بين الجذور الفردية والأسباب السوسيو- سياسية:

إن التطور التقني في وسائل الإعلام المتنوعة ساهم بصورة كبيرة في تفشي ظاهرة الكراهية وخطابها في منصّات التواصل الاجتماعي، حيث يتم استقطاب شرائح وأعداد متزايدة للانضمام إلى جيوش الكراهية العصرية، مسلحين بالحقد والأفكار العنصرية لخوض معارك الاقتتال الاجتماعي والمذهبي والعرقي في الفضاء الإلكتروني الواسع؛ زد على ذلك التعصّب الفكريّ والإيديولوجيَ والتّظرة الاستعلائيّة المتمئّلة بالخطاب الأحاديّ الجانب، الذي يدّعي بأنّه الخطاب الوحيد الذي يملك الحقيقة، مما ساهم في تأجيج السّلوك العدوانيَّ وإثارة النعرات بمختلف أشكالها، ومنها مثلًا:

– التمييز العنصري:

إنّ خطاب الكراهية لا يمكن حصره في اللّفظ وحسب، بل إنه يتعدى اللّغة ليتحوّل إلى سلوك عملي: يشكل خطرًا على المستويين الفرديّ والجماعي؛ ومن الأمثلة الحيّة عن خطاب الكراهية، تلك التشريعات المتعلّقة بالفصل العنصريّ في جنوب إفريقيا، والَّتي بموجها يُحرم أعضاء مجموعة عرقيّة من حقوقهم في التّصويت، وقد كان البلد الذي تتوفر فيه أكبر مجموعة من القوانين التي تحظر الدعوة إلى العداء العنصري هي جنوب أفريقيا، بلد الفصل العنصري، وكان ضحايا هذه القوانين دائمًا هم السود. ونأخذ مثالًا آخر، إِنّ لوحةً مكتوب عليها “للبيض فقط” موضوعة على عقار للبيع أو على باب مطعم، هي بمنزلة خطاب كراهية أدائيّ تمييزي ضِدّ السّود، ولاشكَ أنّه بمجرّد أن نقصي طرفًا أو وجبة نظر مُعارضة، أو نمنعها من الخلّهور من خلال إعدام فرص التعبير عن رأيها في وسائل الإعلام وذلك بالاستعانة بالتصوص القانونيّة نفسها التي تكرّس حريّة التعبير باعتبارها حقًّا أساسيًا من حقوق الإنسان، فإئّنا نكون بصدد خلق خطاب تحريضي موّلّد للكراهية؛ ونهدم القوانين، ونقوّض حقوقًا أساسية مثل المساواة وحق الناس في حرية الاعتقاد والفكر والتعبير.

– الهميش والإقصاء:

إن التهميش الذي تقوم به أنظمة استبدادية بشكل ممنهج ضد أفراد وفئات في المجتمع، يُشكّل مناخًا مناسبًا لتنامي خطاب الكراهية لدى المهمّشين، كما أن الصورة النمطية عن فئة محددة أو بلد معين، والأحكام المسبقة ضدهم، نتيجة تشنيع أفكارهم في البنية الاجتماعية، فإنما تقع المسؤولية هنا على كاهل الدولة بكافة هيئاتها، وبخاصة امتلاكها لوسائل الإعلام ومناهج التعليم ومؤسسات الدين… حيث يلجأ المتنفّذون في السلطة إلى ممارسات منها: تطويع التشريعات لصالحهم بغية إسكات أي انتقاد، تحت خانة القدح والذمّ؛ ويبدو أنّ قوانين القدح والذمٌ والتحقير والتهديد، تطبّق فقط في حال كان “المعتدى عليه” من السلطة؛ ففي هذه الحالة يتحرّك القضاء دفاعًا عن المشاعر الشخصيّة، أما إِنْ تعرّض المواطنون لإساءة مماثلة، فإنَ الاستجابة تختلف؛ وإذ نورد هذه المقارنة، لإظهار الإستنسابيّة والمعايير المزدوجة في تطبيق القوانين، التي وجب تحديثها للتناسب مع حاجات الناس، وليس لحاجات من هم في الحكم.

7. نماذج ومستويات صناعة الكراهية:

إن الجانب الأسوأ للكراهية هو التحريض على العنف، ومن ثمة العنف نفسه، والذي تقود الكراهية إليه في صورة حروب ومذابح وجرائم ضد الإنسانية، وفي صناعة الكراهية نجد نماذج ومستويات مختلفة، منها ما يتعلق بإشعال الصراعات والحروب بين الدول والشعوب، ومنها ما يرتبط بصناعة الكراهية داخل الأمة الواحدة، أو داخل البلد الواحد أو العرق الواحد أو الدين الواحد، فمثلًا عملت بعض الدول الغربية الاستعمارية على تلطيخ صورة الإنسان العربي المسلم عبر وسائل الإعلام، وتعززت صورة العربي المتطرف القاتل في وسائل الإعلام الغربية، مما أحدث ما يعرف بظاهرة الإسلاموفوبيا؛ وفي البلدان العربية حيث تتشابك المعايير، وتمتزج المصطلحات وتفتقد الضوابط، يختلط النقد بالشتم وتتصاعد وتيرة القذف في الخطابات التي تجد استحسانًا لدى شرائح اجتماعية واسعة، حيث تلهب الخطابات الشوفينية مشاعرهم وحماسهم، في ظل التناحر والصراع السياسي والأيديولوجي والديني… وثمة صناعة (لكراهية داخل البلد الواحد والدين الواحد، بهدف إثارة العصبيات المذهبية والقبلية، لإشعال الفتن والصراعات التي توصل إلى حروب أهلية، وفي ظلّ حالة الجهل التي ما زالت تحكم واقع المجتمعات العربية، تصبح الكراهية نارًا تستعر، فتحرق المجتمع وتفكك ترابطه، وتثير النعرات والحروب الأهلية، وتنهي أيّ تفاهم وتناغم مجتمعي، بل وتحدث الرغبة في الانتقام بنشر ثقافة تبرير العنف والاعتداء على الغير.

8. خطاب الكراهية في وسائل الإعلام:

إن وسائل الاتصال تكرّس خطاب الكراهية، وتتحمل مسؤولية رئيسة في بث خطاب الكراهية بصورة متواصلة على مدار الساعة للمشاهدين والمستمعين والقرّاء، حيث تزايد الإعلام المتخصص بالبغض والكراهية في ظلَ غياب شبه تام للإعلام المعني، الذي يقوي الروابط الوطنية للمكونات الشعبية، ويواجه الإعلاميين الثرثارين الذين بهتكون النسيج الاجتماعي عبر التحريض الأعمى على العنف والإقصاء؛ وكافة الأطراف التي تدعم وسائل الإعلام القائمة على نشر الكراهية وتمولها وتغذيها، غايتها تخدير الشعوب وتغييب وعيها، وإشغالها عن حالة الشقاء والبؤس التي يعيشها الوضع العربي الراهن، والهدف هنا هو إبقاء الشعوب العربية أحجار شطرنج وبيادق تتقاتل دون أن تغادر الرقعة، ويظل اللاعبون الرئيسيون متحكمين بمصير المنطقة، وكثيرًا ما ترتكب وسائل الإعلام خطئًا في إعادة نقل وتدوير خطاب الكراهية، وهو ما حدث إبّان الاعتداء على المسجد في نيوزلندا، ولم تكتفٍ تغطيات إعلامية آنذاك بإيراد بعض مقاطع خطاب الكراهية، الذي استخدمه منفّذ الهجوم عبر صفحته على موقع تويتر؛ بل أفردت بعض تلك التغطيات كامل المساحة لنقل ما وَرَدَ من خطاب كراهية ممّن يؤيّدونه، لتنقل أخرى ما كتبه منفذ المجوم على أسلحته، ولتبذل جهدًا لافتًا في الإحالات التاريخية لحقبة مسلمي الأندلس، ما سبق كلّه ينطوي على مخالفات مهنية جسيمة في معالجة خطاب الكراهية؛ إذ فيه تكريس لما يريده أصحاب هذا الخطاب من ترويج للفوضى والأحقاد والصور النمطية والقدح والذم، وما يقود إليه هذا كلّه من أفعال كراهية تصل حدّ الإيذاء وإزهاق الأرواح، وحسبنا هنا استذكار مجازر رواندا التي راح ضحية خطاب الكراهية فيها عام 1994 ما يقارب 800 ألف قتيل خلال مئة يوم فقط، ليمثل صحفيون أمام محكمة الجنايات الدولية للمرة الأولى بهذه التهمة.

ويبدو أن الإنترنت صارت مرتعًا واسعًا لخطاب الكراهية، لأسباب عدة منها ما توفره الشبكة من إمكانية لنشر خطاب الكراهية باسم مستعار أو مجهول؛ ولا يمكن حصر عدد الحالات التي ساهم فيها الإعلام، ومن ذلك الفيسبوك، فقد سجلت سنة 2012 جريمة في كل 40 دقيقة مرتبطة بالموقع، يتعلق الكثير منها بما يمكن وصفه بخطاب الكراهية والفيسبوك كغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، موقع خصب للتنمّر، والهجوم اللفظي الذي يقع ضمن دائرة خطاب الكراهية، ومع أن كلا من جوجل وتويتر وفيسبوك ومايكروسوفت قد وافقت بتاريخ 31. 05. 2016 على مدونة ضبط السلوك لخطاب الكراهية، حيث ورد فيها: لا يُسمح بالمحتوى الذي يُهاجم الأشخاص على أساس عرقهم الفعلي أو سلالتهم، أو الأصل القومي أو الديانة أو الجنس، أو النوع أو الهوية الجنسية أو الإعاقة أو المرض… إلا أنها في الوقت ذاته قالت بأنها تسمح بالتعبيرات التي ثُنشر على سبيل الدعابة أو السخرية، والتي قد يعتبرها البعض تهديدًا أو هجومًا؛ ويتضمن المحتوى مثلًا: النكات والأعمال الكوميدية، وكلمات الأغاني ونحوها، ويبدو أن التناقض يتضح سربعًا في تعريفهم لخطاب الكراهية، إذ أن السؤال المطروح: ما هو معيار التعبيرات الساخرة من التعبيرات الجدية؟ وهذا بالطبع يعتمد على النوايا، والنوايا جوانب من غير ممكن الوصول إليها بسبولة، حسب الدراسات اللغوية في تحليل الخطاب، فالدراسات بنظرية الهذيب تخبرنا بأن المتحدثين لا يرتدون نواياهم، أي لا يمكن للشخص مثلًا معرفة النوايا من النظر، سواء إلى المتكلم أو إلى كتاباته على الفيسبوك آو غيره.

9. ازدواجية معايير الإعلام في تعامله مع خطاب الكراهية

استغلت بعض الأطراف حرية التعبير، التي تصونها القوانين الدولية للاعتداء على كل شيء، فحتى الخالق تبارك وتعالى ومعه الرسل والأنبياء ودين الإسلام ورسوله خاصة، لم يسلموا من شرور هؤلاء الإعلاميين، والإشكاليّة المثارة هي حول حدود وضوابط حريّة وسائل الإعلام في التعبير، وفي الحديث عن إثارتها لخطاب الكراهيّة في هذا العصر الرقمي.

رصاصة شارلي إيبدو مثلًا:

بموازاة الحديث عن قوانين المطبوعات التي تقيّد النشر خصوصًا في الإعلام الالكتروني، ولأن الموقف من أيّ حدث يتبع لانحياز طائفي أو سياسي، فإنّ كل هجوم على الخصم في القاموس هو حريّة؛ وكلَ هجوم على ما أو من يمثلهم، يندرج في خانة والتحقير والقدح والذمٌ؛ فمثلًا سنلاحظ أنّها لا تعدو كونها امتدادًا لخطاب الكراهية السائد، وللتمييز والإقصاء المتبادلين على أساس طائفي، طبقي، أو… يضاف إلى ذلك، كمّ كبير من الأذى اللفظي المتعمّد، وانتهاك الخصوصيّة، وليس البحث في حدود حريّة التعبير بحنًّا مستجدًا، خصوصًا أنّ كلّ التشريعات في العالم تكلمت عن عقوبات القدح والذمّ والتشهير والتحقير والتهديد سواء كان كلاميًا أو مكتوبٌ؛ وفي حالات كثيرة يخشى المدافعون عن حريّة التعبير أن تستخدم تلك التشريعات كأداة لقمع الأصوات المغايرة أو المعارضة أو لارتكاب ملاحقات كيديّة بحقّ مجموعات، وبالمقابل يتخذ بعض المروجين لخطاب كراهيّة ما، من حقهم المطلق بالتعبير، وسيلةً للتحريض على جرائم ذات طابع عرق أو طائفي، وتشكل مجزرة قتل صحافي ورسامي مجلّة “شارل إيبدو” الفرنسيّة عام 2015 محطة مفصليّة في النقاش حول إشكاليّة حريّة التعبير وخطاب الكراهيّة في العصر الرقمي، فمن أطلق النار على رسامين مثيرين للجدل، اتهمت مجلتهم في مناسبات عدّة بتبئي خطاب عنصري كاره للمسلمين والمهاجرين، فتح برصاصته الباب على نقاش الحقّ بالسخرية مهما علا سقفها، كما دفع المعنيين للتفكير بأبعاد تلك السخرية، حين تحدث على التقاطع بين ثقافات تقارب المقدّس والواقع والسياسة والرقابة بطرق مختلفة، لا بل هي متناقضة أحيان؛ وهذه المواقع التي نتحدث عنها باعتبارها أهم مواقع التواصل الاجتماعي في الوقت الحالي، وكذا بالنظر إلى اختلاف تخصص كل موقع(7).

10. منصات التواصل الاجتماعي وتأثيرها المتنامي على خطاب الكراهية:

يمكن للتكنولوجيا التي تتيح حشد النشطاء، المطالبين بالديمقراطية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن تُستخدم هي ذاتها من قبل جماعات تحض على الكراهية، لأغراض التنظيم والتجنيد، خاصة مع تزايد أعداد الأشخاص المتصلين بشبكة الإنترنت، وقد أصبحت هذه المنصات قنوات تواصل حيوية، يتيح لها التدفق المستمر للتبادل المعلوماتي الفوري وغير المنقح، إمكانية استغلال وتحويل هذه المعلومات إلى سلاح تحريض العامة أو تضليلهم أو التأثير عليهم، إما عن قصد أو عن غير قصد، على نحو يؤدي إلى عواقب خطيرة ذات تأثير استقطابي، ومن أكثر الاتجاهات الباعثة على القلق في هذا السياق، الوجود المتنامي لخطاب الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي، لاسيما أثناء الأزمات، أو أي أوضاع متوترة على الصعيد السياسي والاجتماعي بينما تمنح وسائل التّواصل الاجتماعي قوَة فاعلةً لحرية التعبير، وتفسح المجال لتعالي الأصوات الفرديّة، تعطي دفقًا سلبيًا لانتشار السّلوك المعادي للمجتمع والأفراد، وبروز التعصّب والتّسلّط والتّحيّز انتشرت خطابات الكراهية دون سقف في الفضاء الرقمي خاصة، ولا يعي الكثيرون متى يعتبر سلوكهم داعيًا للكراهية ومتى يعتبر في نطاق حرية التعبير عن أرائهم، فثمة خطابات تحمل الكثير من العنصرية والتحريض، والانتقاص والتحقير من الآخرين على أساس الجنس أو الدوين، أو الرأي السياسي، وفي خطاب الكراهية الذي يُبثْ على وسائل الاتصال الرقمية، عادةً ما تؤدي مشاعر عدم التسامح إلى توليد خطابات مفعمة بالكراهية وانتشارها، قبل أن تتضاعف وتتضخم عبر قنوات التواصل، وتتردد أصداء هذه الرسائل، عبر أنظمة التواصل التناظرية والرقمية على السواء، ولديها قدرة خاصة على تأجيج جذوة التوترات القائمة بين الجماعات المختلفة، وإشعال فتيل العنف بين أفرادها، هذا فضلًا عن أن ارتفاع عدد الهجمات ضد المهاجرين والأقليات الأخرى، مما أثار مخاوف جديدة من ارتباط الخطاب التحريضي عبر الإنترنت بأعمال العنف؛ ولابد أن تساهم وتتسبب الحوادث في إلحاق ضرر وجداني ونقمي واجتماعي ومادي، بل وبدني بالأشخاص، وهو ما شهدته جميع القارات تقريبًا دون استثناء، كما يؤثر استخدام الأدوات الرقمية هيدف تشويه الحقائق ونشر خطاب مثير للفتن، تأثيرًا قويًا على الأزمات والتزاعات، فضلًا عن زيادته لمواطن الضَّعف الاجتماعية، بِسُبل مبتكرة وغير متوقعة، وحتى قبل عصر التحول الرقمي، شكّلت تكنولوجيا الاتصالات مثل: الوسائل المطبوعة والمسموعة والمرئية، قوى راسخة محركة للعنف، ويشهد التاريخ الحديث على كثير من الأمثلة المروعة على استخدام الدعاية وخطاب الكراهية، مما أسفر عن حدوث أثار مهلكة ومن أشهر الأمثلة على ذلك، ما قامت به الدعاية النازية، وما قام به الاستعمار الغربي، وكذا الإبادة الجماعية في رواند(8).

11. صور لأشكال الكراهية المتداولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي:

– تشويه الحقائق أو تكذيها،

– عدم القبول بالاختلاف مع الآخرين،

– كراهية قيم الآخرين واحتقار تقاليدهم وعاداتهم

– كراهية الخير للآخرين وإقصائهم عن المشاركة في شتى الشؤون

– النظرة الدونية للآخرين بسبب الاختلاف في اللون أو الدين أو المذهب أو الجنس أو…

مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي

إن وسائل التواصل الاجتماعي تساهم في نشر خطاب الكراهية بعدة طرق منها:

– نشر معلومات مضللة،

– ويل العنف والمشكلات الاجتماعية،

– المساعدة على نشر العنف اللفظي، وإثارة الفتن بين مكونات المجتمع والتي تؤدي إلى الفرقة والتناحر،

فالفضاء الإلكتروني الذي أوجد حريّة مطلقة، بلا ضوابط أخلاقيّة وقوانين رادعة، جعل أبواب تلك المواقع مُشرعةً، تتّسع لِكُلَ من يغدّي الكراهية المتخمة بالحقد على الآخر، وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أصبح الفضاء الاجتماعي والثقافي مُهَيثًا لانتشار خطاب الكراهية، بل وأصبح خطاب الكراهية هو الوسيلة الأولى من وسائل الاستقطاب السياسي؛ ولا يزال ذلك المخاض العسير مستمرًا في شكل صراعات سياسية، تستهدف إثارة الفقن ونشر العداوة، والإقصاء الممنهج الذي يشكل العنصر الأساس في تنامي خطاب الكراهية، وما من شك أنّ هذا التّنامي سوف ويصبح ظاهرة اجتماعية وسياسية؛ بل وستساهم في إظهار الكراهية، واستحكام الفوضى المدمرة، وبناء حالة من اللاتسامح، فلم نأخذ من الماضي دروسه وعبّره لتفادي الصراع والكراهية، وهو السبب في ما آلت إليه الأحوال في علاقاتنا الإنسانية والحضارية المعاصرة مجددًا.

حريّة التعبير أبرز أدوات صناعة الكراهية

بحسب الأونيسكو تمثّل حرية التعبير حقًّا أساسيًا بنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكن متى يكون بالوسع اعتبار خطاب ما منطويًا على كراهية، ذلك أنّ السياق الذي يجيء فيه الخطاب يحدّد مدى إمكانية اعتباره خطاب كراهية، أو أنه مجرد قدح وذمٌ فحسب، ويميز بين جريمة الكراهية وجريمة القدح والذم، فالثانية معيارها شخصي، فيما الكراهية توجّه ضِدّ جماعة ما، ونشر الكذب والافتراءات والتلاعب بالعقول، وتزوير الحقائق وتزبيف البيانات، وهي سلاح يفتك ببنية المجتمعات وينتمي للجيل الرابع٠ ولا يكلّف الدول مالًا ولا جهدًا كبيرًا، ففي الدول الغربية يدور الحديث عن خطاب الكراهية في سياق مقارنته بحرية التعبير، حيث تجرّم دول غربية استخدام تصريحات أو رموز عنصرية بعينها، وتجرّم نكران جرائم تاريخية كبرى، كنكران البولوكوست مثلًا، وفي المقابل تميل دولة كأميركا إلى عدم تقييد الخطاب العام، وإلى التعامل مع بعض جوانب خطاب الكراهية لنظاهرة سياسية، تتطلب مواجدة بعزل مستخدمها سياسيًا ومجتمعيًا؛ خشية أن يمثل ذلك تقييدًا لحرية التعبير، أو يمكن أن تسيء استخدامه الأنظمة الديكتاتورية أو العنصرية مثلُا، فتتحول المطالبة برفع ظلم النخب، أو الطبقات أو الأعراق الحاكمة إلى خطاب كراهية في عيون قضاء الأنظمة الديكتاتورية والعنصرية، والنقاش عندهم حول خطاب الكراهية يرتبط بحرية الاعتقاد والرأي والبوية، وهي حقوق في ديكتاتوريات بلاد العرب، حيث تهدر الحقوق الأساسية كالحق في الحياة والحرية والمساواة والكرامة، ولعل الثغرة الأكبر حتى هذه اللحظة، تتمثل في غياب القوانين الرادعة في التعامل مع خطاب الكراهية؛ إذ لا يوجد نصّ قانون يرسي أطرًا واضحة لخطاب الكراهية، ويفرض عقوبات عليه، باستثناء بعض جزئيات القانون التي تتعاطى مع بعض

بنود خطاب الكراهية، مثل القدح والذم لشخصيات نافذة في الحكم لحمايتهم من التعرض للانتقادات… فغياب القوانين الرادعة أفضى لحالة من الاستسهال في تداول خطاب الكراهية وإطلاقه وترويجه؛ رغم زعم عدد من الدول بكون دساتيرها وقوانينها العامة تتضمن عقوبات له، إلا أن كثيرًا من الدول خاصة العربية منها، لا يزال الغموض يكتنف التقاطع والتداخل الواقع بين حرية التعبير كأحد أهم الحقوق الشخصية للفرد، وبين خطاب الكراهية.

الحدود الفاصلة بين حرية التعبير وخطاب الكراهية

بينما تستغل بعض الدول والجماعات، هذا المفهوم الفضفاض لتمرير قوانين تحد من الحريات العامة، إلا أن هذه المعايير عرضة لإساءة الاستخدام، مما يجعلها تقوّض حريات التعبير ذات الأهمية الكبرى، وخصوصًا الخطاب السياسي، إضافة إلى ذلك فإن قوانين مواجبة خطاب الكراهية ومكافحة الإساءة، هي أدوات بيد أولئك الذين يقيدون الحريات، لأن أصول قوانين مكافحة خطاب الكراهية، غالبًا ما ينبع من أنظمة شمولية، هدفها تقييد الحريات.

تجريم خطاب الكراهية

صناعة هذا الخطاب وتبادل مصطلحاته، تساهم بها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي تحولت لمنصات بديلة يزداد تأثيرها نظرًا لغياب المسؤولية القانونية، التي يمكن أن تتحملها وسائل الإعلام: إزاء نشر كل ماله علاقة بهذا الخطاب، ولسهولة صناعة الحسابات والصفحات المفبركة، ثم إغلاقها آو تركبا، دون أن يتمكن أحد من معرفة من يقف حقيقة وراءها، فحرية التعبير محمية بموجب القانون الدولي من خلال المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومع ذلك وافق المجتمع الدولي أيضّا، على بعض القيود، مثل الخطاب الذي يدعو إلى كل كراهية قومية أو عنصرية أو دينية… أو ما يشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف؛ ولكن ماذا عن تحقيق التوازن بين حرية التعبير وخطاب الكراهية؟

الكراهية أداة أساسية في كل صراع السياسي

لا بد أن نعترف بوجود ارتفاع غير مسبوق في خطاب الكراهية، والسؤال المهم ما السبب؟ إن الكراهية أداة أساسية في الصراعات السياسية، بوصف خصومها بالإرهاب والأعداء واللاوطنية، وقد تتحوّل تلك الكراهية لسياسة القتل والسجن والتعذيب، بل وتدمير مدن كاملة وترحيل سكانها، كما هو الحال في سورية، نعم لدى الدول الغربية حد من احترام حقوق الإنسان، وهي حقوق تبدو رفاهية في ديكتاتوريات بلاد العرب، حيث تهدر حقوق أساسية، كالحق في الحياة والحرية والمساواة والكرامة؛ فلا يوجد قضاء مستقل يمكن العودة إليه، فلقد سيطرت لعقود طويلة حكومات عربية ذات طبيعة إقصائية، متمثلة بحكومات الحزب الواحد، ذو المسحة القومية والوطنية، مستخدمة ذرائع الحفاظ على الوطن والوطنية، وإنجاز التنمية الاقتصادية والاجتماعية تحت قيادتها التاريخية والحكيمة، فهي وحدها المخلصة للوطن فقط، لذلك وصفت خصومها بالإرهاب والعملاء وعديمي الوطنية، مما حصر مفهوم الوطن والوطنية والبناء الاجتماعي بجهة سياسية واحدة، تدّعي المقدرة الفريدة على قيادة المجتمع، وقد ترتب على حكم الديكتاتوريات العربية، القيام بحملات العنف والاعتقال والإبادة الجماعية، لكل من يخالفها في الآراء والتوجهات السياسية، وتخوين المعارضة السياسية والتشكيك بوطنيتها، وزجها في غياهب السجون والمعتقلات، مما أسس إلى ظاهرة العنف والعنف المضاد، المتبادل لحماية النفس من قبل الطرف الآخر آي الضحية، وقد لعبت لديها الهواجس الأمنية٠ وافتعال الأعداء في الداخل والخارج جل اهتمامها، مستنزفة موارد البلاد المالية لزرع الرعب والتنكيل بالشعب، لغرض البقاء في الحكم، مهما بلغت تضحيات الشعب، كما استخدمت كافة قدراتها الحكومية من مؤسسات إعلامية، ومنظمات سياسية رسمية موالية لها ومؤسساتها الدينية من أجل تعبئة الناس، وغسل أدمغتهم بغرض احتكار السلطة والبقاء فيها، وإشاعة الفساد الإداري والأخلاقي والمالي، وممارسة الالتفاف والتلفيق والخداع والكذب كآليات للبقاء في الحكم؛ مما أدى إلى انتشار حالات الكراهية والعنف بين شرائح المجتمع المختلفة، وخاصة بين الشرائح المنتفعة من النظام، والشرائح الأخرى المتضررة منه، بل تمثل الكراهية أداة رئيسية تستخدمها الأنظمة الديكتاتورية لتمزيق المجتمع وإضعافه وهزيمة قواه الحية، والوصول إلى الحكم والحفاظ عليه بأي ثمن، لذا تبدو المطالبة بمكافحة خطاب الكراهية خطوة متقدمة للغاية، ليتم بموجب ذلك، التشريع لمكافحة مروجي خطاب الكراهية، ومقاضاة الجناة الداعمين له.

حروب الكراهية

إن أكثر الحروب الدينية بسبب الكراهية شراسة، هي الحرب التي استعرّ نارها بين الكاثوليك والبروتستانت في ألمانيا خلال القرن السابع عشر، واستمرت لثلاثين عامًا تحت مسمّى الحرب المقدسة؛ وانتهت هذه الحرب بأوبئة ومجاعات، وتدمير شامل للحرث والنسل، وتغيرت معها خارطة أوروبا، فقد خاضت الدول الأوروبية حروبًا صليبية في القرون الوسطى المشرق الإسلامي بدوافع الكراهية الدينية، وهي نموذج آخر على خطورة خطاب الكراهية، حيث شنت الحرب على المسلمين بهدف تخليص الأرض المقدسة من سيطرتهم؛ وفي وثيقة تضمنت شهادة سجلها المطران الإسباني بارتولومي دي لاس كازاس كشاهد عيان، تتعلق بجرائم إبادة ارتكبها المسيحيون الأوروبيون بحق الهنود الحمر، جاء فيها: “كانوا يدخلون على القرى فلا يتركون طفلًا ولا حاملًا ولا امرأة تلد إلا وبقروا بطنها وقطعوا أوصالها كما يقطعون الخراف في الحظيرة، وكانوا يراهنون على من يشق رجلًا بطعنة سكين أو يقطع رأسه أو يدلق أحشاءه بضربة سيف، وكانوا ينزعون الرضع من أمهاتهم ويمسكوهم من أقدامهم، ويربطون رؤوسهم بالصخور، أو يلقون بهم في الأنهار ضاحكين ساخرين، وصور أخرى من التعذيب تقشعر منها الأبدات(9).

وفي ذات السياق نُساءل: ألم تكرر إسرائيل الصبيونية هذه الجرائم بحق الفلسطينيين؟ نعم لقد فعلت الأفاعيل تحت مرأى ومسمع دول حقوق الإنسان ودعاتها؛ فأقبح الحروب هي التي تقوم على الكراهية وأكثرها وحشية، تلك المجازر والمذابح التي ارتكبتها إسرائيل الصهيونية، وعبر عصابة “هاشومير” عام 1909 وسواها، بحق الشعب الفلسطيني؛ ويؤكد الواقع والتاريخ أن اليهود ارتكبوا في فلسطين حملات مكثفة، ومخططة من العنف والكراهية، ذهب ضحيتها الملايين من النساء والأطفال، وما زالت مستمرة حتى اللحظة الراهنة.

وفي القارة الأمريكية التي وصلها المستكشف كولومبس، ارتكب الأوروبيون البيض جرائم إبادة وحشية بحق السكان الأصليين، حيث اعتبرت القوى الأوروبية المدمرة، أن سكان البلاد عبارة عن كائنات منحطة بالوراثة، وأقل منزلة من الإنكليز والأسبان وبقية الأوروبيين، فهذه النظرة المشبعة بالكراهية والعنصرية والاستعلاء، شكلت بداية حروب الإبادة التي جرّدت السكان الأصليين من إنسانيتهم، فارتكبت بحقهم مذابح وحشية، وأزالتهم عن هذا الوجود.

هنا تمامًا يكشف زيف قيام أوروبا وأمريكا على قيم العدالة والمساواة والحرية، دول بنيت بأبشع أنواع الإرهاب، عن طريق إبادة عشرات الملايين من الهنود الحمر وغيرهم…

وفي البوسنة والهرسك ارتكب الصرب مذبحة من أفظع المجازر، التي ارتكبت في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، لأسباب دينية وعرقية تتعلق بالكراهية، إنها مجازر ذهب ضحيّتها أكثر من ثمانية آلاف مسلم بوسني عام 1995 وقد حصلت على مرأى من جنود الفرقة البولندية التابعة لقوات حفظ السلام الأممية.

مناهضة الإسلام لخطاب الكراهية

إن الله يعطي بالرفق ما لا يعطي بالعنف، وخطاب الكراهية هو عنف لفظي، والله جل وعلا يقول لنبيه (ص) (فَبِمَا رَحْمَةِ مِنَ الله لنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فظًّا غَلِيظ الْقَلْبِ لَانْفضّوا مِنْ حَوْلِكَ)(10) ذلك أن خطاب الكراهية خطاب يقْض ولا يجمع، يُبعد ولا يُقَرَب، يُفسد ولا يُصلح، إنه كحصى الخذف، يفقأ العين ولا يقتل الصيد؛ أو كرّبّد السيل يذهب جُفاءً ولا يمكث في الأرض، وما تلبّث أحدٌ بخطاب الكراهية إلا نفرت من وَحْشِيّه أسماعٌ العقلاء، فكرهوا سماعً قوله أو قراءة مقاله، إنه بركان هائج لا يقذف إلا بالحمم، فلا تقع على شيء إلا أحرقته أو أذابته، لذلك أمر الله عرّ وجل بالقول الحسن، والدليل قوله تعالى: (وقولوا للناس حسنًا) والحَسَن هو النافع في الدين أو الدنيا، ويشمل ذلك جملة من الأمور: يشمل ذلك ما يتخاطب به الناس فيما بينهم، ويدخل فيه الكلام الطيب العف الذي لا عيب فيه، ويدخل فيه كل خُلق حسن، يشمل ذلك أن نجازيهم بأحسن ما نحب أن نُجارّى به، وفي ضمن ذلك أيضًا النبي عن الكلام القبيح حتى للكفار (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابٍ إلّا باللتي خي أَحْسَنْ)(11) ويدخل فيه أيضًا النزاهة في القول فلا يكون فاحشًا، ولا بذيئًا، هذا فيما نتحدث، ونتخاطب به مع الآخرين، وإذا تردد الإنسان بين كلمتين إحداهما حسنة، والأخرى قوبة فينبغي أن يتخير الكلمة الحسنة، فإنه مأمور بذلك (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزع بينهم)(12)، فأما مع الأعداء فإنه يطفئ نار العداوة ويكسر حدتها، أو على الأقل يوقف تطور الشر، والله تبارك وتعالى يقول في الميثاق الذي أخذه على بني إسرائيل، والمراد بالميثاقك العهد المؤكد (وَإِذْ أَخَذْنَا ميثاق بين إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامي والمساكين وَقُولُوا للناس حُسْنا وَأَقِيمُوا الصّلاةٌ وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون)(13)، فالرحمة والرأفة والحرص على هداية الناس، صفات لا تجتمع في امرئ لا يحمل لسانه خطاب الكراهية، وقد روى البخاري في “الصحيح” عن عائشة قولها: “دَخَلَ رَهْط مِنَ اليهود علَى رَسُولٍ الله وقالوا السام عليكم، ففهمتها، فقلت وعليكم السامً واللعنة، فقال رَسُولَ الله مهلاً عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله، فقلت يا رسول الله، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟! قَالَ رَسُولُ قد قلت وعليكم”، فهذا الأمر الأول، وعلى سبيل المثال محتوى الكراهية الذي يروّج عن الدين الإسلامي، بكونه يدعو للقتل، ويتنامى هؤلاء ما يقوم به غير المسلمين في شتى أنحاء العالم، كما يتجاهلون نصوص الإسلام التي فاقت كل نصوص حقوق الإنسان ومواثيقه العصرية، ولم يجد هؤلاء سوى ما ارتكبه بعض المسلمين من أخطاء؛ بل ويتجاهل الجميع السياقات التاريخية والزمنية للنصوص الدينية، ويقفزون إلى أحكام نهائية تتجاهل الحقيقة، كدفاع المسلم عن نفسه وعن دينه وعن كل ما يحقّ له الدفاع عنه.

وإن رأينا ليس خاصًا بنا في هذه المسألة، إنما يشاطرنا فيه بعض الأوروبيين، إذ يقول روبرتسون: “إن المسلمين وحدهم هم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم وروح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى، وإنهم مع امتشاقهم الحسام نشرًا لدينهم، تركوا من لم يرغبوا فيه أحرارًا في التمسك بتعاليمهم الدينية”، ويرى ميشود في كتابيه: “تاريخ الحروب الصليبية” و “رحلة دينية في الشرق” أن القرآن الذي أمر بالجهاد متسامح نحو أتباع الأديان الأخرى، وقد أعفى البطاركة والرهبان من الضرائب، وحرّم محمد قتل الرهبان لعكوفهم على العبادات، ولم يمسَ عمر بن الخطاب النصارى بسوء حين فتح القدس، في حين ذبح الصليبيون المسلمين وحرقوا اليهود وقتما دخلوها؛ ومن المؤسف أن تقتبس الشعوب النصرانية من المسلمين التسامح الذي هو آية الإحسان بين الأمم، واحترام عقائد الآخرين وعدم فرض أي معتقد عليهم بالقوة(14).

لذا نتساءل كيف ولماذا كثر الحديث عن خطاب الكراهية عند المسلمين دون غيرهم؟ فلا يخرج الأمر عن أن الذي يُغَدِّي خطاب الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، إما مسألة عقدية، وإما ردة فعل عكسية، فأما ما كان سببُهُ البعد العقديّ، فلا حيلة لأمة الإسلام اتجاهه، فلو جاءتهم كل آية لم يستطيعوا نزعه من صدروهم إلا أن يشاء الله قال الله جل شأنه: (وَمَا نَقَمُوا منهم إلا أن يُؤْمِنُوا بالله الْعزِيزٍ الْحَمِيدِ)(15) وأما خطاب الكراهية الذي يكون سببُه راجعًا إلى ردة فعل عكسية لأخطاء بعض أهل الإسلام، فإن هذا هو ما يعنينا بالدرجة الأولى؛ لأن أهل الإسلام هم المعنيون بالقدوة الحسنة؛ وموافقة أفعالهم لما ينتسبون إليه؛ فإن الطرف الآخّر لا يفرّق بين الإسلام وبين المنتسبينَ إليه، فأي غلط يقع فيه أحد منهم سيّلقون باللائمة على الإسلام؛ فقد حدث مثلًا عام 2012 أن قام أحد الأشخاص في الولايات المتحدة الأمريكية بنشر فيديو لفيلم بعنوان “براءة المسلمين” على موقع يوتيوب يحمل إساءة بالغة للرسول عليه الصلاة والسلام، وتسبب هذا الفيديو في أعمال عنف معادية في أكثر من دولة عربية وإسلامية راح ضحيتها أكثر من 11 قتيلًا، كان من بينهم “كريستوفر ستيفينز” سفير أمريكا في ليبيا(16)، وهذا يدل دلالة واضحة وقاطعة على وحدة الطبيعة الإنسانية، وقد منح الإسلام هذه الهوية الجديدة للإنسان، وأحدث من أجل استيعاب هذه الهوية أمة جديدة، لم يكن لها مثيل من قبل بين الأمم، فإنه لا اعتبار إلا للتقوى، قال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)(17)، ومن هذا المنطلق يتعرّف المسلم على نفسه وعلى ما حوله، فالشخص سواء كان مسلمًا أو غير مسلم، يجد نفسه ضمن هذا الانتماء، وإزاء هذا الحضور السرمدي اللامتناهي الأعظم، وقد حثت الآيات والأحاديث على أن كل مؤمن مسئول عن أفعاله واختياراته، وفي هذا إثبات لكينونة وشخصية الفرد المسلم، وإشعار بضرورة تحمّل المسؤولية(18)، ويمكن القول بأن التسامح الديني كان مطلقًا في دور ازدهار العرب، ومثل هذا التسامح، مما لم تصل إليه أوربا بعدما قامت به في أكثر من ألف سنة من الحروب الطاحنة، وما عانته من الأحقاد المتأصلة، وما مُنِيّت به من المذابح الدامية(19).

12. نتائج خطاب الكراهية والآثار الناجمة عن انتشاره

يطرح خطاب الكراهية مخاطر جسيمة على تماسك المجتمع وحماية حقوق الإنسان، حيث يضعف المجتمعات ويدمرها، كما يعمل على زرع بذور الخوف والكراهية، وانعدام الثقة في نفوس الأفراد، فإذا ترك دون رصد ومراقبة، أدى إلى أعمال عنف وربما ساعد في تهيئة الظروف لارتكاب إبادة جماعية، ومن الآثار التي يترتب عليها انتشار هذا الخطاب:

– قتل روح الإبداع في المجتمع، وهجرة الكفاءات البشرية،

– فقدان المجتمع تماسكه الداخلي فيصبح ضعيفًا أمام الأزمات، ويتهدد وحدة النسيج الاجتماعي،

– تقسيم المجتمع إلى جماعات غير متجانسة، مع انتشار التطرف بين الشباب،

فخطورة مثل هذا الخطاب تكمن في إرباكه للأمن الفكري والاجتماعي، المؤثرين في النسيج المعرفي والتجانس الاجتماعي.

السبل المثلى للتعاطي مع خطاب الكراهية وآليات مواجبته

رغم أن خطاب الكراهية مليء بالحقد والتحريض والعنف، ورغم كل العنف المختزن فيه إلا أن تفكيكه وإظهار سطحيته ومواجيته أمر ليس مستحيلًا، إن كان ثمّة رؤى جادة، وقناعة إنسانية مشتركة، بأن هذا الخطاب يحمل في أحشائه ما هدد البشرية جمعاء، فليست الأممٌ بنتَ ساعةٍ واحدة، بل هي نتيجة ماضٍ طويل، وهي محصول ما خضعت له من البيئات المختلفة التأثير، ولذا يُفسَّر حاضرها بماضهها؛ وثمة طرق عديدة لمناهضة خطاب الكراهية ومنعه، ومنها:

– احترام حقّ الآخر في التعبير عن ذاته: وآرائه وثقافته ومعتقداته، دون خوف من الملاحقة،

– ضبط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي؛ لأنَ خطاب الكراهية يُمرّر من خلالها، وتنظيم استخدامها، ونشر التوعية الأخلاقية حول الخطاب المستخدّم فيها ضرورة وليس ترفًا،

– ضرورة وضع حد فاصل وواضح بين مصطلحي: “حرية التعبير وخطاب الكراهية”،

– رفع مستوى الوعي ببيان مخاطر التمييز والتعصب بإعداد برامج تثقيفية للأطفال والشباب

– الإبلاغ عن منشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر الشائعات والمعلومات الخاطئة

– دعم الأفراد والجماعات التي يستيدفبا خطاب الكراهية: ومكافحة المعلومات التضليلية

– تحديد المسؤوليات الخاصة بمرتكبي خطاب الكراهية، ومزودي خدمات الإنترنت

– حظر المواقع الداعية إلى خطاب الكراهية، ومنع نشر الكراهية في منصات التواصل الاجتماعي

– ضمان الحق في المقاضاة للأشخاص المستهدفين من خطاب الكراهية

– مساعدة الصحفيين على تطوير قدراتهم لنقل الأخبار نقلًا عادلًا أمينا ودقيقًا

– تشكيل لجان للإنذار والاستجابة المبكرة لرصد خطاب الكراهية وأشكال التحريض على العنفه

– تشجيع الباحثين والمؤسسات المعنية بهدف القيام بأبحاث ودراسات اجتماعية وفكرية علمية لرصد أفكار الكراهية وخطابها وسلوكها، وتحليل الظاهرة ومقارباتها، وإصدار توصيات محددة تتحوّل إلى خطط عمل يهدف محاصرة الكراهية والحيلولة دون استفحالها.

– تحديد المواقف التي تؤدي إلى استخدام خطاب الكراهية واتخاذ التدابير المناسبة لوضع حد لها

– ضرورة تفكيك هذا الخطاب برفض منهجيته الفكرية المبنية أساسًا على رفض الآخر، مع التشبث بتوطيد القيم التي يهددها خطاب الكراهية، ويجب أن تهدف مكافحة خطاب الكراهية إلى حماية الأفراد والمجموعات،

– إقامة الحدود الفاصلة بين حرية التعبير وخطاب الكراهية، مع إعادة النظر في ما يسمى: “نظرية الحرية الإعلامية”

– ضرورة وضع إستراتيجية لوسائل الإعلام في كيفية التعامل مع معتقدات الغير

– لا ينبغي استخدام القيود المفروضة على خطاب الكراهية لإسكات الأقليات وقمعها،

– الحوار مع الأخر “فالحوار هو الاستماع الواعي الحقيقي للأقوال والاراء والأفكار… لأن الحوار فهم وتفاهم تعارف وتواصل لصنع الحقيقة والرأي المشترك… الحوار سبيل التعايش والتواصل ضرورة تطوير سياسات الاعتراف بالآخر المختلف والمغاير، وجوذا ورأيًا وحقوقًا(20).

خاتمة لازمة

بين هذين الموققّين: الإشادة المفرطة والمأخذ اللاذع، على خطاب الكراهية وحرية التعبير، يمكننا القول بأنه يكتنفهم كثير من اللبس والغموض، والشطط والاستنتاجات والإقتضاءات غير المنطقية، وعلى الأخص في تقديم تصورات متناقضة لبنية الأطروحات التي تناولت هذين الموضوعين، ويخاصة أنه لا يوجد لهذين المصطلحين صيغة واحدة متعارف عليها، وقد حاولت الإجابة عن جذور صناعة خطاب الكراهية في ثقافة المجتمع المعاصر، ومخاطر هذا الانتشار على المجتمعات، وسبل مواجهته، وبيان المسئولين عن إخماد نار خطاب الكراهية؛ غير أن التعايش والتسامح لن يتحققا إلا عبر نبذ كافة أشكال الكراهية ومظاهرها وممارساتها، وشمولًا لكل محتوى ينشر ويبرر، أو يحرض على الكراهية بشتى أشكالها، والقائمة أساسًا على عدم القبول بالآخر إلا في إطارها، وهذا الإطار مما قد نتفق أو قد نختلف حوله، وله موضوع خاص منفرد به للشن لكن على السلطات الحاكمة في كل الدول، تحمّل مسؤولية رئيسة في منع خطاب الكراهية، وحماية أفرادها منه، والعمل على وقف هذا الخطاب، الذي يساعد على ارتكاب أعمال العنف وتشجيعها، لأن الأنظمة الدولية في نظري ما يقال بعيدة عن الساحات التي ينتشر فيها هذا الخطاب ويتمدد، ويبقى الموضوع حبيس لقاءات وحوارات المثقفين، الذين ليس لهم أي تأثير على صناع القرار السياسي في دولهم، ولا على المجتمعات التي يتمدد فيها خطاب الكراهية؛ ولكن مع ذلك يمكن المشاركة بأشكال عدة؛ أبرزها إثنان: أحدها توعوي والآخر قانوني؛ ليعاد طرح السؤال مجددًا: هل بالإمكان إطفاء سعار ولهيب الكراهية يومًا ما

الهوامش:

1.  زهرة، وليد (2014).

2. وثائق اليونسكو (2015).

3. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وثائق الأمم المتحدة.

4. مركز هردو “خطابات الكراهية” (2016) ص 9.

5. مركز هردو (2016) ص 11-10.

6. دايك، فان (2000) ص275-255؛ وبراون، جون؛ وبول، جون (1997/1418 ) ص 240-227.

7. معتوق، وكريم (2012).

8. الوحش، أفنان (2017).

9. كازاس، بارتولومي دي لاس (2007 )”مذابح الهنود الحمر ” ص 40-34.

10. سورة آلِ عِمْرَانَ: 159.

11. سورة العنكبوت: 46.

12. سورة الإسراء: 53.

13. البقرة 83.

14. لوبون، غوستاف، 2013 138-137.

15. سورة الْبُرُوج: الآية 8.

16. زهرة، وليد (2011).

17. سورة الحجرات، الآية: 13.

18. الحْبَابي، مد عزيز، (1969) ص، 112.

19. لوبون، غوستاف، (2013) ص 24.

20. محفوظ، د (2012) ص 60-59.

(*) د. سعد عبد السلام: جامعة زيان عاشور الجلفة.

(*) يُنشر بإذن خاص من الكاتب.

https://bit،ly/45oMPgK

سعد عبد السلام
سعد عبد السلام
المقالات: 2